شوقي كريم حسن: محمد سعدون السباهي…مهارة السرد.

* هو الرائي الذي كان يتفحص الاشياء والمكونات بدقة المكتشف وعذابات العارف، وسط اصطخاب زماني غير مألوف، احاطته المتغيرات الايدلوجية، بفوضها التي تحاول الاستحواذ على مسارات العقول الصانعة لجماليات الحياة،منحته اللحظة البصرية، حكايات ما كانت مألوفة، فكك بناءتها ليمنحها قوة سردية متوهجة، جعلت من خياراته التشخيصية مرثراً اشير اليه منذ اول اسهاماته، مع البدايات التي اسست لفن سردي مغاير، استطاع محمد سعدون، تحديد اهداف ومقاصد مايريد، ثمة واقع يتوجب تفحصه وتدوينه، والكثير من الازمنة والتواريخ التي تحتاج الى مهارة واتقان، جلس البصري، المتأمل، الدقيق الكشف، ليقرأ حيثيات ومسارات السرد، تسحره تحتانيات المدن لهذا كتب اسفاراً تهتم بالاسرار والمكونات، ومع اهتمامه بالمواجع اعطى لمؤثرات الحروب ، دفقاً وجدانياً ، شكل اهم ملامح سردياته، التي جعلته يقف مع الصف الاول من جيل القصة القصيرة السبعينية، التي اربكت كل اشكال البناءات، وقدمت المغاير الذي انحرف فيما بعد بالسرد ليوصله الى امكنة تختلف عن تلك التي شيدها كتاب الستينيات، ولان محمد سعدون السباهيالسباهي واثق من تعاملاته مع الواقع وشخوصه، راح يخوض تجربة، ما كانت واضحة ومرغوبة، تلك هي اسهاماته في مسابقات سردية لم يخرج منها خالي الوفاض، بل كان المقدم المثير للتساؤلات والابتهاج معاً، يعمد الى لغة خالية من الاسهاب والتمدد، كل ما يجب ان يقوله شخوص سردياته، موزون، مقتصد، يدفع الى الفعل الاخر الذي يوصل الى الغاية وقصديتها، دلالاته ورموزه هي الاخرى تشتغل بوضوح اشاري، تدفع بالمتلقي الى الفهم دون دفعه الى التفكيك، والهيام في القصديات التي قد لا توصله الى حقيقة ما يريده السارد، وتخلو سرديات السباهي، من الشخوص الكلية المعرفة، لانها تعيش محدودية المكان، و ضعف في فاعلية الزمان بعموميته، الاقتصاد هو الفاعل السردي، والانتقال المشهدي لايسمح بالتداخل، بل يندفع بتسلسل هاديء، وبسيط، لانه يروم اخذ متلقيه الى محددات رسمت قبل بداية السرد، ويختلف الامر عند السباهي، حين يتحول الى حكاء سارد ، مكتشف من خلال المشاهدات لمدن وامكنة يراها اول مرة، هو الفاحص المدقق، الغريب الملاحظة، قد لا يقرأ المعلن، لانه مايلبث ان يروح ببطء الى وراءيات المعلن واسراره وخفاياة، وهذه الاشتعالية جعلته من المهمين في ادب السياحة واسرار الامكنة، تدهش متلقية لغته المنتقاة بانسيابية وطلاوة، والغريب الذي لم اجد له ما يبرره، هو ابتعاد النقدية العراقية ، عن سردياته، وان حدث بعض الاهتمام فهو في حدود تثير الريبة، ربما لان السباهي يتوافر على بعض الحدة في طباعه واراءه، ولكنه ليس مدعاة لمثل هذه القطيعة، ولربما عدم اندفاع السباهي في تقديم نتاجاته لولائك المهتمين بالشأن النقدي العراقي والعربي، . ولكن السباهي سيظل واحد من اهم الاصوات السردية العراقية، التي غيرت مسارات السرد ، ومنحته بعداً فكرياً واجتماعياً مغايراً

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *