رواية ثلاثية اللوحة الفارغة للقاص عبد الرضا صالح محمد
عبد الهادي الزعر

لا تطلق كلمة قاص جزافاً إلا على الكاتب العارف بحرفته الواعى لاّليات قواعد مهنته وأشتغالاتها فالنص الحديث يتكأ على ثلاثة قوائم لايمكن الأخلال بها وتجاوزها وأن لم تظهر علانية :
1- أن يكون النص السردى معاصراً حتى لو كان فعله متقادماً –
2- أن تكون مرجعيات القص معروفة للمتلقى مهما كانت ثقافته –
3- أن لاتكون مموهة ومغطاة بوابل من الفذلكات اللفظية بحيث يصعب إلتقاطها وفهمها –

فالزمان والمكان هما بمثابة الجذور لجذع شجرة النص والأحداث هى النسغ الصاعد المغذى وواهب الروح والدينامية لجسد السرد –
ولاننسى الدال والمدلول فلا يفصح المدلول عن ذاته إلا من خلال الدال ؛ فألسرود عبارة عن علاقات تركيبية تفصح عن مكنونها باللغة المكتوبة –

**********

أستغرقت الأفتتاحية فى ثلاثية اللوحة ست وخمسين صفحة وهى بمثابة التعريف بالقصة وشخوصها (الفصل الاول والفصل الثانى ) فالابعاد الثلاثة مكونة من ” مريم – ديدكا – زينب ” ثلاثة ابعاد للوحة واحدة
مريم : الحب الاول قاسمته الفراش لمرات عدة ولم يحرك ساكناً كشاب مشبوب العاطفة الجياشة لغاية رسمها السارد بذكاء – ديدكا معرفته بها فى الغرب وكانت قريبة منه جسدياً وعاطفياً أنتهت علاقته بها حين أزمع المجىء لعائلته التى سكنت مدينة العمارة بعد غربة وشتات وهى
“غجرية ذات شعر ذهبى تنحدر من أب روسى يعمل أطفائياً وأم أسبانية تدير النزل الذى أتخذه بطل الرواية مختار مهجعاً – – – أمرأة طاغية فى الحب والحنان
وزينب زوجته بعد اداء خدمة العلم والسجن
أمتدت حكايات الرواية المتصلة بخيط السرد الذى لم ينصرم على مدى مائتين وستين صفحة بأسلوب يسر
متماسك لا تعقيد فيه ولا إلتباس ؛ زانها ببعض جماليات اللغة المشعرنة التى أعتادها القاص فى قصصه القصيرة المنشورة سابقاً –
الرواية إنشطارية تصلح أن تكون مسلسل درامي عراقي بأمتياز لو قيض لها مخرجاً وسينارست جيدين

مما يظهر أن السارد العليم أراد أن يقول أن كل شىء محتوم بقدر وكل كائن هو عرضة للنشوء والزوال ثم أنه بدء من النهاية وأستمر بالولوج بطيئاً وهى تقنية ذكية تبعها كبار القاصين العالميين ك أرنست همنغواى فى رواية (ثلوج كلمنجارو ) التى لا تتعدى صفحاتها الأربعين والتى صدرت عام 1932وقصة ( قناع الموت الأحمر ) لأدغار ألن بو –

ففى قصصنا ومروياتنا بعد الاحتلال الامريكى البغيض أتخذ السرد مهمة ( الأرشفة والتوثيق ) فالسرد الناجح هو بحقيقته هوية القاص وما يعتمل في نفسه فبلدنا لاينقصه شىء :
المنافى و ألزنزانات و وسائل التعذيب التى يقشعر منها البدن الاّدمى و أحواض التيزاب التى شاعت فى السبعينيات للمناوئين والمعارضين للنظام كلها أسلحة معدة للأـطلاق والتنفيذ ناهيك عن حكام طغاة ومؤيديهم من ضعاف النفوس نزعت منهم الرحمة فبدوا مفترسين كالحيوانات الكاسرة ولهذا بدت يد القصة عالية لأن مواضيعها دسمة وتكاد تكون معروفة النهايات لتواترها وتشابهها وأمست الأصدارات لا تقتصر على النخبة كما كانت سابقاً بل لكل من يجد فى نفسه نزوعاً وقابلية –

وهذه الرواية هى ( مدونة شبيهة بالوثيقة ) تلخص ماعاناه الشعب من حكام طغاة ناصبت شعبها العداء سلخ الفرد العراقى فيها من أبسط حقوقه وبعد رحيلها المذل فى 2003 تركت أفعالها المشينة ندوباً غائرة ذوت فى أعماق اللاوعى الجمعى فشكلت مجموعها رعباً وإنكساراً لا زالت اّثاره تنز أسى وإنكساراً بعد أربعة عشر عاماً وكأنها شاخصة لم تبارح مكانها !
النهاية الصادمة لبطلها مختار ذلك الفنان المتمكن من صنعة الرسم ومبادىء الفن التشكيلى المزدان بالأحساس والأنسانية وهو فى أقصى درجات النشوة حيث الاسبوع الاول من شهر العسل جعل الحكاية تراجيدية تماماً –

لم يستثنى أو يهمل القاص أى همسة أو نبأة مهما قلّ شأنها فهذه الرواية كرست للحب وتباريحه أولاً ولكوننا فى بلد عاصف على الدوام فلا بد للمنغصات من وجود وأثر سىء ولهذا كانت سجل صادق لفترة زمنية شائكة مررنا بها جميعاً فالحياة لا بد أن تستمر – – أحياناً يتحد الشؤم مع النكد ولكن الأمل لا زال يافعاً –

*المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2015

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *