الأستاذ الدكتور وليد المرّاني: التوقعات الوراثية لمصير كوفيد-19

Genetic Expectations for COVID-19

الأستاذ الدكتور وليد المرّاني أستاذ شرف جامعة بلمث في بريطانيا
11 تموز 2020
أحب أن أسجل أول مداخلة عن كوفيد COVID-19 و التوقعات المبنية على الأسس العلمية في الوراثة او الجينات والطبيعة والتفاعلات بينها.
في مقاربتي هذه سأتعامل مع كوفيد 19 على إنه (جينGene ) رغم إنه قطعة من (رناRNA ) وليس (دناDNA ) وليس له القابلية على الإستنساخ Replication الى أن يدخل في الخلايا ذات النواة حيث يسيطرعلى أو يخطف (بالتعبير السياسيHijack ) ماكنة التكاثر والإستنساخ فيها لإنتاج أعداد كبيره من ذات الضرب أو النوع قبل موته واثقا ان ورثته يتصفون بنفس المزايا الشريرة بروح شبابية متجددة عند خروجها إلى العلن حيث تعيد دور العائلة بدخول وتخريب خلايا اخرى داخل نفس الجسم أو إصابة أفراد آخرين. ولهذا فإن عدم توفرأو توفير الفرصة للدخول والسيطرة على ماكنة خلية ذات نواة Nucleated cell وإستغلالها يعتبر أكفأ وأنجح محددات تكاثر واستمرار بقاء هذا النوع من الجراثيم والحد من خطورتها لأن الفايروس بدون ذلك هالك لا محالة (وإلى بئس المصير).
لذلك أصبح العزل والإنعزال الكامل (إن أمكن) انجع طرق السيطرة والحد من انتشار هذا الفايروس واي فايروس آخر.
وفي هذا المجال يجب ان نتذكر بأن جميع المخلوقات الحية أبسطها مثل الفايروسات وأكثرها تعقيدا مثل الإنسان (وكليهما موضوع اهتمامنا) عرضة لعمليات بقاء وتغير او ما اصطلح على تسميته (تطور Evolution ) رغم اني اعتقد بأن الأصح هو (التغيرChange ) لأن مفهوم التطور هو نحو الأحسن بينما يكون التغير بالاتجاهين وهذا ما أدخلته في كتابي (المدخل إلى الوراثة المنشور عام 1981) .
إن الحَكم والمنظم للحياة والتكاثر والموت والإندثار والزهو والانحطاط في البنية الوراثية للمخلوقات هي (قوى الإنتخاب الطبيعي Natural selection وعوامله الظاهرة والكامنة والتفاعل الجيني والبيئي) وكما اعتدت ان اسميه (إله الوراثةGenetic god ) عند تدرسي الجامعي. تملي الطبيعة جبروتها وسلطتها على الكائنات الحية أدقها وأكبرها وأكثرها تعقيدا من خلال الطفرات Mutation بأنواعها التي تعتبر الممول الرئيسي لعملية التغير والانتخاب الطبيعي وإضافة الجديد. إن الطفرات الوراثية والطفرات الراجعة back-mutationهي المصدر والمنبع والشلال المستمر لإنتاج وتمويل الأنواع الجديدة من الجينات بنوعيات مختلفة طالحة وصالحة بنًاءة وهدامة وحال دخولها حيّز الطبيعة Nature تتولاها معاول (إله الوراثة) حسب الظروف السائدة آنذاك فتسند وتشجع تكاثر وبقاء ما هو ملائم منها عن طريق الإنتخاب الطبيعي لها أو مقاومتها والحد منها او القضاء عليها. وحتما فإن قوى الإنتخاب الطبيعي تكون اقوى واشد إن تعاصرت مع قوى الإنتخاب الإصطناعي Artificial selection.
والآن إلى كوفيد-19 – مكروه الشعوب و الحكومات, وهذا الكره المزدوج الذي نادرا مايحدث, هو منّة و له ثمراته العظيمة.
إن أول حاجز لصد الفايروس ومقاومته عند دخوله الجسم هو تحفيز الجهاز المناعي للجسم Immune system بجميع قواه الفاعلة المتمثلة بأنواع الخلايا البيضاء المتعددة والمتخصصة والمحمولة في الدم Humoral immunity والضدات الحيوية الناتجة عنهاantibody اضافة الى تحفيز المناعة الخلوية Cellular immunityعند وصول العدو الى حدود إستشعارها. إن تظافر جهود قوى جهازي المناعة ،الدّمي والخلوي، يمثل اشد مقاومة ممكن ان يقدمها الجسم الحي ضد الغُزاة المارقين خلال فترة الإصابة والمرض الذي يستمر لفترة قد تكون طويلة او قصيرة التي تنتهي عادة بالضربة القاضية إما بانتصار المعتدي الآثم وموت المصاب وانتشار الفايروس او موت الفايوس المعتدي وشفاء المريض وهو (منعنع). إنها معركة بين شدة الإصابة التي تعود الى الضرب الوراثى للفايروس وكثافة الفايروسات أو الحمل الفايروسي viral load ومقاومة الجسم لها . ومن الطبيعي أن نتوقع انه كلما كان الحمل الفايروسي كبيرا كلما كانت الإصابة أشد وأعتى.
ومما يعقد المشهد (رغم اني احاول التبسيط لتعميم الفائدةُ) فإن الفايروسات عرضة للطفرات والتغير مما قد يقود الى انتاج انواع جينبة جديدة قد تكون اكثر او اقل ضراوة مما يغيرطرق العدوى و الإستجابة المناعية المرجوة من انتاج واستخدام اللقاحات الوقائية التي يجري العمل على انتاجها . فما يكون مؤثرا ضد ضرب (أ) قد لا يكون مؤثرا أو يمتلك نفس التأثير ضد الضرب (ب) من نفس السلسلة او النوع الوراثي (والله يستر من الجايّات). ومما يطمئن ان البحوث الحديثة أظهرت بأنه لم يطفر ليغير نوعه كثيرا وإن معظم ضروبه متشابهه إلى حد كبير وانه من النوع الذي تأقلم مع ألإنسان وملتزم بهذا الإتجاه (وشر اللي تعرفه وتتوقًاه أحسن من خير اللي ما تعرفة – وعلى نظرية: إعرف عدوك حتى لا تنوخذ غفل).
إعتمدَ ما اقتُرح من وسائل الوقاية وتجنب الاصابة والعدوى على ماتوفر من معلومات عن سلوكية كوفيد-19 بأنه ينتشر مباشرة من شخص الى آخر من خلال القطيرات(مصغًر قطرات ) او الرذاذ المتطاير عند سعال أو عطاس او تكلم شخص مصاب بمعية اشخاص آخرين و حتى ضمن نفس ذلك الحضور فإن هنالك تفاوتا في شدة الإصابة بين شر مميت وبين أهون الشريّن. وحاليا يعتقد بان الفايروس يُحمل في الهواء لمسافة حوالي مترين قبل ان يهوي على السطوح القرببه وهو يغني:

بنتُ كرمٍ يتّموها اُمَها وأهانوها وديست بالقدمْ
ثُمَ عادوا حكّموها بينهم ويحهم من حُكمِ مظلومٍ حَكمْ
(كرمٍ تعني العنب)
ومن المصيبة ان احدث المعلومات دلت على بقاء جزيئات صغيره جداً إلا أنها معدية عالقة في الهواء تصرخ (وراك وراك والزمن طويل).

والآن ما هي التوقعات بناءا على الأسس الوراثية وما هي آمالنا: قرأت في الفنجان (مع الإعتذار من نزار قباني:
1. بما ان بداية نشوء كوفيد-19 هي طفرة جينية بلعها الوطواط في الصين ثم بلعتها الأفعى (أيضا في الصين) ثم تبردغ (تمتع بها بالعمارتلي الدارج) إخوان لنا في الإنسانية في الصين ومن كان يعيش ويعمل هناك من الأمريكان والأوربيين وغيرهم فغنى لهم فايروس الكرونا (هذه ليلتي، مع الإعتذار من أم كلثوم) فكانت فرصة كبيرة للفايروس ان يدخل الخلايا ويسيطر على ماكنة التضاعف والإستنساخ فيها ويتكاثر ويغزو ويخرب ويصيب آخرين وينتقل (من حضن إلى ثاني – مع الإعتذار من بدر شاكر السيّاب) وينتشر على نطاق العالم ويفلت الزمام وتفقد السيطرة.
وفي هذا المجال أملنا في حصول طفرات في بنيته الوراثية تحّجم من شراسته وتتكاثر على حسابه تتنافس معه وتحتل مكانه او حتى حدوث طفره رجعية تحيله هباء منثورا. ولكن لا يمكن ضمان نوع الطفرة أو إتجاهها للتعويل على ذلك.
2. أن أي طفرة بما فيها كوفيد – 19 تلاقي كما وصفنا اعلاه وخلال مراحل تكاثرها وانتشارها مصدات طبيعية متمثلة بإله الوراثة Natural selection واصطناعية متمثلة بالظروف السائدة وبوسائل المكافحة والعلاج المستخدمة Artificial selection مما يحد من ضراوتها ويقضي على الكثير منها.
3. أن ما يدخل الجسم من الفايروسات يتحارب مع الجهاز المناعي للمصاب وإما ان ينتصر إن كان شديد الضراوة كما قلنا ويقتل المصاب وبهذه الحالة يدفن جميع الحمل الجرثومي بأسلافه وأخلافه وتنقطع سلسلته وإمًا ينتصر الجهاز المناعي والعلاجات
المقدمة وأيضا يخف الحمل الجرثومي السائد وإن خرج فيكون هو (المنعنع كالمريض) وكلا الحالتين مكسب للمجتمع رغم فقدان أعزّاء علينا.
وفي الختام وعلى ضوء ما تقدم فإن كوفيد-19 سيبقى معنا لفترة طويلة جدا قد تخفت ضراوته ويضعف انتشاره آملين تطوير العلاجات والتلقيحات الوقائية التي ستتباين حسب تباين الامكانات العلمية والمادية لكل دولة وسيتحول الوباء من (عابرللحدود او دولي Pandemic الى متوطن Endemic ضمن الأمراض المتوطنة والقبول بأمر الواقع.
و هذا ما أراه عند قرائتي لفنجان كوفيد-19.
مع تمنياتي بالصحة و السلامة للجميع .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *