شوقي كريم حسن: ولام العطار.. السرد المقهور؟

*منذ صباها، وجدت مدرسة فكرية تغذيها، وتجيب عن اسئلة الصبا التي كانت تحيرها، يمنحها المعلم وقتاً للفهم والجدل، والوصول الى غاية سرية في كشف كنه الاحلام، وتدوين مدهوشات الرؤى وانهمار الافكار، تنتقل بين عالمين، تتصارعان وتخلقان في النفوس اضطرابا، ومخاوف، بين تشخوف وسارتر وديبفوار تشعر بالامل والسعادة التي يشوبها القلق والمحنة، وحين تلتجأ الى عالم الاب واسرار كتبه، تود لو ان مكسيم غوركي ما اطلق سؤاله المثير للجدل.. أين الله؟
تقرأ وتتعلم ان الرب روح الرضا والاخلاص والاسلام، لهذا تشعر بالامان والطمأنية، ولكنها ومن غير قصد، تعاود الدخول الى عوالم المسرح وجدل الادب ودون قصد منها تجد نفسها منحازة لديو تسوفسكي، قلق الروح، وانهزام الجسد، يوم اخذت المقاصل الباغية معلمها الاخ، شعرت بالفراغ، وان انهيارا كوميا قد يحدث، وفعلاً كانت الحرب قد طرقت الابواب بعنف، وحولت البيوت الى مقامات للنواح، والرغبة بفكاك الغربة، اللحظة الحاسمة، جعلتها تمنح البياض بعض من لواعج روحها، ورغبتها بايحاد مخلص، بدأت تخط اول سردياتها القصيرة، وحين ارسلتها الى مجلة طلبة، وجدتها بعد اسبوع منشورة ، مع اشارة تميز، دفق فرح مديوف بالسؤال، الى ماذا يمكن ان تصل لي الكتابة السردية؟
وهل استطيع من خلالها الدخول الى عالم الصحافة الذي احب؟
في لحظة تأمل تبدو الاجابات سريعة، وربما غريبة، ولجت ولام العطار علم الصحافة من خلال اكبر جريدة حين ذاك، وجدت نفسها محاصرة بجموع من الاسماء التي كانت تكن لها تقديساً واحتراماً، دافع نفسي اخر، منحها فرص للتلقي المعرفي الخالص، والغوص في عوالم ما كانت تعرف عنها شيئاً، حولت الجمع من نقيضين، الصحافة التي تجعل عاملها يلهث وراء فكرة او خبر، وبين السرديات المسترخية والتي لاتحب العجلة وتطالب منتجها بالتروي، حين قدمت مجموعتها السردية الاولى عام ٢٠٠٠.. لاقت نجاحا نقدياً لم يك غيرها قد حظي به، كتب الشاعر كزار حنتوش، يقول.. اننا امام تجربة فريدة تجمع بين السردية القصيرة والومضة الشعرية، وهذا ما كان حاصل فعلا، لكن الرياح جرت لتأخذها الى عالم الصحافة والمسرح المختص بالطفل لتنال جوائز مهمة ، كانت تفكر بالسرد، وتقرأ بوعي حيثيات السرديات الروائية، وحين بدأت تدون سرديتها الاولى وجدت الحرب بكل ثقلها تدخل غي عمق ارواح شخوضها، الحرب التي دفعت الكثير الى الهجرة والترحال، واخذت اعز الوجوه واقربها للروح، هي الساردة العارفة، لكن ما يعوزها هو اخلاصها للسرد، في مرات تراها متحمسة لتكتب ما يمكن ان يكتب، لكنها تتراجع مثل ومضة برق، شاعرة ان ثمة لا جدوى، الروح الحزينة، يوقفها انكسار الحزن، وهي لاتريد تدوين الاحزان والاضطرابات، تسعى بجد الى منافذ الهدوء الروحي وهذا ما حققته حين انجزت سرديتها الثانية، برغم عنف الجملة السردية، وعتمة الصراع الصوري، وسعي الثيم الفكرية بأتجاه مناحي نفسية لا يعجب المتلقي ربما، تمتاز حركات شخوص، ولام العطار، بالعصبية الواضحة، والتوتر النفسي الذي يمنح قوى التلقي ارثاً معنوياً يزيد من حدة الاضطراب، والخوف، لهذا تتعثر خطاه القرائية، ويظل يتأمل المشهدية المتحفزة، بحذر وخوف شديدين، هل نجحت ولام العطار، وعن قصدية في اقامة مثل هذه العلاقة، المتجاذبة الاطراف ، بين الشخوص، والمتلقي، والفعل السردي، الذي يمتاز بوفرة الحركة السينمائية وكل مقوماتها التأثيرية؟
ماالذي تسعى اليه.. المغايرة.. ام هي الدقة في العوم داخل البواطن والاطمار الانسانية، وهي بهذا تقف عند ابواب معلمها الاول ديوتسوفيسكي، دون ان تلج تلك العوالم المخيفة، والدقيقة التكوين، تزداد اضطراباً كلما اقتربت من البياض، فتهرب لائذة في وجدانياتها الروحية، تبتعد.. وتبتعد.. لكن الرغبة باقتحام البياض تظل فاعلة وقائمة، وقد تحدث دون سابق تحضير او انذار، وبقدرة سردية طيبة.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *