أصدرت سلسلة “دراسات في الإرهاب المعاصر” كتابا جديدا بعنوان “تقييم الحرب على الإرهاب – وجهة نظر غربية وشرق أوسطية” من إعداد: شارلز ويبيل ومارك توماس. تضمن الكتاب أربعة محاور شارك بها مجموعة من المتخصصين باستراتيجية الإرهاب ومقاومته بالإضافة لمجموعة من المهتمين بشؤون السياسة الدولية. ومن هؤلاء: نعوم شومسكي، سارتون فينروب، وليام كوين. ويضم الكتاب مدخلة لأنور سعيد الحيدري بعنوان “العراق: ضحية الإرهاب والحرب على الإرهاب”. ودراسة لبثينة شعبان عنوانها “المأساة السورية: الدور الغربي برؤية حكومية من الداخل”.
ومهد مارك توماس للمحور الأول بمقالة عنوانها “تحديد إطار الحرب على الإرهاب وتقييمها” . وهذه ترجمتها.
تحديد إطار الحرب على الإرهاب وتقييمها
مارك توماس
في المقال الإفتتاحي لهذا الكتاب، يستخدم نعوم تشومسكي التعريف الرسمي لـ “الإرهاب” كما ورد في القانون الأمريكي والبريطاني، وهو “الاستخدام المتعمد للعنف أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية في طبيعتها … من خلال الترهيب أو الإكراه أو بث الخوف”، وذلك لإظهار أن الولايات المتحدة استخدمت إرهاب الدولة وعلى مستوى دولي، منذ أن كان مبدأ مونرو قدوة لسياستها الخارجية. وفي حين أن “الحرب على الإرهاب” الذي أعلن عنه رونالد ريغان في عام 1981، أنتج سجلاً متطرفاً غير عادي من الإرهاب الذي لحق بالعالم الثالث، وخاصة في أميركا اللاتينية، فإن تلك الحقبة لم تكن خروجاً عن القاعدة. في تلك الحرب، استخدم ريغان عبارة “آفة الإرهاب الشريرة”، وهي عبارة تغطي “الحرب على الإرهاب”، لفرض حق الولايات المتحدة في السيطرة على القارة الأميركية وخارجها. ووفقاً لذلك، استخدم صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة العنف والخنق الاقتصادي لإخضاع الدول التي تشكل تحديا لها، وتوفر الملاذ للإرهابيين الدوليين، الذين يجب أن تكون أسماؤهم معروفة في الغرب إذا كانت الولايات المتحدة جادة في مكافحة الإرهاب.
ويزعم تشومسكي أن سياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة ألهمت الإرهاب الإسلامي المتطرف، ولم تهزمه، من خلال الترويج لثقافة أخلاقية وفكرية قاصرة. ففي عام 2010، احتفلت الولايات المتحدة بالذكرى العشرين لـ “سقوط طغيان العدو” بعد انهيار الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية والوسطى، في حين احتفظت بالصمت حيال “ذروة الفظائع البشعة” التي تراكمت في الفضاء الأميركي التي “تتطلب جهدا خارقا وولاء مستميتا ليفوتك ملاحظتها”. ومن أجل وضع حد لشر الإرهاب، يقدم تشومسكي ثلاث توصيات سياسية: أولاً، إنهاء دور الغرب كمرتكب للإرهاب. ثانياً، محاولة معالجة المظالم المشروعة. ثالثا، التعامل مع أي عمل إرهابي كأي عمل إجرامي، من خلال تحديد هوية المشتبه فيهم وإلقاء القبض عليهم وإجراء عملية قضائية نزيهة، بدلا من استخدام التقنيات الحالية التي تعزز من تهديد الإرهاب دون أن تخفف منه.
في المقال الثاني، يقول أوليفر ب. ريتشموند ويوانيس تيليديس إن ما يسمونه النهج “الأرثوذكسي” للإرهاب يعتمد عادة على “استبعاد” الجهات الإرهابية الفاعلة إلى أن يتخلوا عن استخدام العنف.
وهذا الاستبعاد يقودنا إلى “الحالة 22″ *حيث يتعين على الإرهابيين أن يتخلوا عن نفوذهم قبل الوصول إلى طاولة المفاوضات، الأمر الذي يجعل النهج “التقليدي” تجاه الإرهاب أشبه “ببناء الدولة” منه “لبناء السلام”. في المقابل، يقدم ريتشموند وتيلديس مقاربة تنتمي لمدرسة “ما بعد الإرهاب” و”ما بعد الليبرالية” وفيها يركزان على الحاجة إلى تطوير عملية سلام واسعة وشاملة لحمل جميع الأطراف الفاعلة على الابتعاد عن دعم العنف السياسي أو البنيوي ونحو التفاوض في سبيل حل وسط مستدام. ويدعوان إلى تطوير مؤسسات تنهي الخلافات المحلية والدولية، مما ينتج نموذجا هجينا وأكثر شمولا يمكن أن يحظى بقبول واسع النطاق، حتى من قبل المتطرفين. ويشجعان في مقاربتهما المندرجة في إطار دراسات “ما بعد الإرهاب”، على التعامل مع الأسباب الجذرية للعنف ومنعه. واستناداً إلى الحقيقة المقبولة عموماً وهي أن الاستجابة للإرهاب قد يمنع عمليات السلام من المضي قدماً، ويؤكد ريتشموند وتيليس أن النهج التقليدية لتحليل الإرهاب ومكافحته تميل إلى تكرار ظروف الصراع.
وكثيراً ما تحجب السياسات من القمة إلى القاعدة الجهود التي تسعى إلى تحقيق سلام دائم ومستدام لأنها تزيد من تفاقم الدوافع التي يعتمد عليها الإرهاب، وتسهل المهمة لمؤيدي الإرهاب الجدد بسبب الاستبعادات الثقافية أو الشخصية أو الاجتماعية، وتعزز المؤسسات نفسها التي تنتج مثل هذه الاستثناءات، وبالتالي تعمل على تهميش المصالح المحلية التي تسهل عودة ظهور ظروف العنف. بعد الحادي عشر من 11/9، دخلت الولايات المتحدة و”تحالف الراغبين” بالحرب، واشتعلت الحروب لتنتج عنها تحديات جديدة ونهاية غير متوقعة. يسأل عالم النفس السريري، سارتون وينروب: ماذا تعلمنا من خبراتنا؟ هل يمكن لهذه الصدمة أن تنجح؟. تجارب وينروب كأحد الناجين، والمقيم في مدينة نيويورك، وعالم النفس، تشير إلى أن لدينا طريقا طويلا لنقطعه. لقد قدم لنا رؤية عملية نفذت لأعماق الذين عانوا من هجمات 11 أيلول الإرهابية، وتستند رؤيته على تجربته الشخصية كأحد الناجين من الكارثة وكشخص وفر الرعاية لأولئك الذين واجهوا الهجمات على أرض الواقع.
إن “الصدمة والمدينة” لوينتروب، بالإضافة لنماذج عن دراسات صدمة 9/11 تشير إلى أن ظاهرة اضطراب ما بعد الصدمة لم تحصل على الاهتمام الذي تستحقه، مع أنها أثرت على الملايين من الأشخاص الذين عانوا من هذه الأحداث، بغض النظر عن مدى بعدهم فيزيائيا عن موقع الهجوم الإرهابي.
* الحالة 22: طريق مسدود نتيجة تشابك الظروف المعقدة.