كثيرة هي الأقلام الأدبية التي تبحث دونما يأس أو ملل عمّن يحدد لها هدفا لتحقّقه، عن طريق يسهّل لها السير فيه لتصل إلى مبتغاه، من حيث الموضوع والقضية التي يدافع عنها أو الجنس الأدبي الذي يبرع فيها، ألا وهي الكتابة الإبداعية.
تعرّف الكتابة الإبداعية بأنها تلك الكتابة النثرية أو الشعرية التي تجد فيها الاحتراف اللغوي بشكل مباشر، بكل ما تملك هذه الكتابة من ميزات جمالية ولفظية وصور بيانية واستعارات متقنة، حيث يكتب الكاتب لينتج مادة أدبية ترتقي لمصاف الاحتراف، وهي تعبير عن الرؤى الشخصية وما تحويه من انفعالات وما تكشف عنه من حساسية خاصة تجاه التجارب الانسانية. فالكتابة الابداعية ابتكار وخلق وليس تقليد، وتأليف وليس تكرار. حيث تختلف من كاتب لآخر حسب ما يتوفر لديه من امكانيات أو طاقات لغوية أو فكرية أو خيالية، إضافة إلى مهارات خاصة وخبرات سابقة وقدرات لغوية ومواهب أدبية، وهي في المحصلة موهبة تنمو وتتطور بالتدريب والاطلاع.
من هذه المنطلق ظهرت الحاجة إلى مدارس أدبية تُعنى بالأدب كأدب، فترفع من مستواه الفني، لأن هذه المدارس لا تعتمد على الموهبة فقط، بل تصقّل الموهبة بالتدريب والممارسة لتحوّله إلى مهنة ذات أصول وقواعد، استنادا إلى شروط ومقومات وضعتها هذه المدارس، وبذلك تجد هذه الموهبة طريقا لها للنشر.
أكاديمية فن الكتابة
تعرّف هذه الأكاديميات بأنها مدارس إبداعية تهتم بالكتابة الأدبية بشقيّها الوظيفية والفنية، وفق شروط وأسس ومعايير لغوية تنهجها هذه الأكاديميات في الكاتبة. ونقصد هنا بالكتابة الوظيفية بأنها طريقة للكتابة بشكل رسمي، كالمراسلات الحكومية الرسمية والمرافعات الحقوقية وغيرها من الكتابات التي تعتمد على نموذج محدد وعلى عدد محدد من الكلمات، ولا يتطلب هذا النوع من الكتابة موهبة فريدة، بل يتطلب حفظا وتدريبا وتمرّسا لأساليب هذه الكتابة الوظيفية، إضافة إلى حاجتها إلى الحجج والبراهين لاستمالة القارئ عاطفيا وفكريا وإقناعه بالفكرة والتأثير عليه، كل ذلك سعيا لكسب تفاعل القارئ معه وإقناعه بموقفه.
أما الكتابة الفنية فهي تلك النتاجات الأدبية المعتمدة على الموهبة والفطرة اللغوية كالشعر والخطابة والرواية والقصة. لذلك تهتم هذه الأكاديميات بهذا النوع من الكتابة لتطويرها وصقلها بكل ما تملك من طاقات لغوية وفنية، وهذه الأكاديميات تتيح الفرصة لكل كاتب أن يرتقي بموهبته الأدبية، فالموهبة لا تكفي، ومن هنا نجد أن الحاجة لمثل هذه مدارس باتت ملحّة، نتيجة الفوضى الكبيرة التي تعمّ الساحة الأدبية من نتاجات لا تستحق ثمن الورق الذي طُبعت عليه.
إن أكاديمية فن الكتابة هي طوق النجاة التي يحتاجها أي مجتمع يريد أن يرتقي بثقافته الأدبية ويرفع من شأن نتاجات مبدعيه، وهذا ما نحن بحاجة إليه في المجتمع، خاصة في عصر العولمة الالكترونية، هذا الذي نعيشه الآن، وهذه المدارس تعتمد بشكل أساس على مختصّين في كل أجناس الأدب من شعراء وروائيين ومسرحيين، لينقلوا إلى الدارسين تجاربهم الفكرية وتجارب غيرهم من الأدباء العالمين وفق قواعد وشروط ونماذج وأسس ومدارس أدبية عالمية، حتى يجد الكاتب (الدارس) ضالته في المدرسة الأدبية التي استهوته فيبدأ بالكتابة. إنها ورشات عمل، كواردها عبارة عن كتّاب يتشاركون في انتاج عمل أدبي جميل ومتنوع وغريب نوعا ما عمّا كان سائدا فيما قبل.
بذلك ستنجح الأكاديميات في تحقيق مبتغاها الثقافي، وتُخرج إلى المجتمع قارئا نهماً محبّاً للمطالعة والقراءة، وكاتبا متمرّسا عاشقا للكتابة، وناقدا فذّا ينقد المادة بطريقة مهنية وموضوعية، ومادة أدبية راقية، تلقى الرضى والقبول من المجتمع، لما تقدّمه هذه المادة من أطروحات فكرية أو ثقافية أو فنية تناسب الذوق العام وتناقش قضايا اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية تجمع الرأي العام حولها، بمصداقية ومهنية.
المهارات الأدبية التي سوف يكتسبها الكاتب.
بناء الثقة بالنفس والتخلي عن الخوف والقلق من مواجهة القلم، اكتساب مهارات الإبداع وإيجاد الأفكار، خلق أسلوب خاص في فن الكتابة حدّ الاحتراف، معرفة أسرار الكتابة، تقوية عين الناقد لدى الكاتب لكي يستطيع الحكم على نصّه الأدبي بحيادية، امتلاك قدرات التفكير المنطقي السليم والابداعي والتواصل الفعال والاقناع.
صناعة الأدب.
إن الأدب مثله مثل أي صناعة بحاجة إلى التطوير والتحديث، وهذا لا يأتي إلا عن طريق الممارسة ومشاركة الخبرات وفتح النوافذ على تجارب العالم كلها، وهو فن راقٍ كسائر الفنون، تحتاج إلى شروط ومرتكزات لغوية، وإلى معارض للكتب وإلى ورشات عمل حقيقية، يلتقي فيها الكتّاب وينشدون الإبداع بكل صوره وأشكاله وألوانه، وبدون هذه الشروط والمقومات لا يمكن أن يكون صانع الأدب بليغا ولن يصل لقلوب الناس وعقولهم.