وهذا – أحبتي وحبيباتي وتيجان رأسي وماء عيني – باب من بيبان شلعان القلب وبحوشة القحف وحرث شاشة الذاكرة ، كنا أتينا عليه من قبل ، غير مرة ومرة ، فلم نشبع من نفح الذكرى ، ولم ننضب من ماء السرد والمسرود ، حتى يهيىء الرب لنا ، خلوة مسترخية آمنة مطمئنة ، من سنوات أخير العمر ، فنضع هذه فوق تلك ، ونشتل تلك فوق ذاك ، حتى ينمو مجلد فخم ضخم على أعذب الأيام ينام . هي أذن ، مدسمة دسمة عاشرة مستلة من مائدة مقهى حسن عجمي التي ثردنا فوقها ، أياماَ وليال ، وهي من أعمال شارع الرشيد وحارة الحيدرخانة ببغداد العباسية ، الحلوة المغتصبة المحتلة حتى ساعة تدويننا هذا المكتوب ، بعمّان حتى الآن . سنتناوش صحبتكم المبروكة اليوم ، فعلاَ مشهوراَ من أفعال الشعراء القصاصين الروائيين الرسامين المسرحيين الممثلين المغنين ، وجلاسهم الغاوين ، منزوعاَ من باب المقمرة ، التي منها القمار والمقامرة ، وأبنة خالها المغامرة ، أذ تكتظ ظهائر المقهى وعصاريها ، ومفتتحات أماسيها ، بثلة من أدباء ومتأدبين وجلاس ومريدين ، يلعبون لعبتين معروفتين عند أهل بلاد ما بين القهرين ، هما لعبة الطاولي ولعبة الدومينو ، أو الدومنة كما مسماها الوسيط . وسنمر بسرعة على لعيبة الدومنة الذين رهانهم هو أستكان الشاي ومنقوع نومي البصرة ، وقد يتطور الرهان ، فيذهب الى غداء دسم من مواعين أبن سمينة ، أو لفّة جبن ، مدفوعة بكأس طيبة مبروكة من دكان حجي زبالة ، وأشتهر منهم ، جبار أحمد وعباس جاور وكفاح الحبيب وسيف الدين كاطع وسعدي فري ، وآخرون يلجون المقهى وقد جائوا زحفاَ وشوقاَ من الأطراف . أما لعيبة الطاولي فكانوا أشداء ، قلوبهم غليظة ، وجوههم مكشرة ، لا تأخذهم في الخصوم رحمة ، وفي المفاليس رأفة ، الا اذا كان الند القاعد قدامهم ، هو من منزلة الصعلوك الحافي جان دمو ، الذي ان غلبك ، أخذ منك ، وأن قهرته بالدوشيش ، كشّر ومنحك سنّاَ وشتيمة لا يلبس عليها لباس . ودعبلة الزار الزهر النرد عند هذه الفئة ، سعرها ربع زجاجة من عرق العصرية المشهور ، أو كروة التاكسي من الميدان صوب مكمن الأدباء بساحة الأندلس ، من أعمال رصافة بغداد ، أو ماعون تشريب باميا وهمية ، يسرطه السكارى الأبرياء ، من تحت يمين أبي مايكل الطاهر ، كما لو كان أطيب من زند الغزال . من مشهوري هذه اللمة القاهرة المقهورة ، كنت أنا الذي خلع عليّ أضدادي لقب ” كليم الزار” وأيضا ، عبد الستار ناصر وصلاح حسن وعبد المنعم حمندي وعبد المطلب محمود ورباح نوري وعدي الصبّي ونوري ابو رغيف وقاسم العزاوي وصباح العزاوي ، وحجي ابراهيم الذي أتى من مدرسة الرايسز والأحصنة البائدة ، والفتى الوسيم أكرم الذهبي ، الذي تكنيه الجماعة بـ ” أكرم حماقة ” تيمناَ بالحمق الذي يشوب تدويراته لأحجار اللعبة ، وحديثه عن جماليات النص الطاولي ومصطلحات نقدية تنفر الندّ ، وتجعله فرجة ومضحكة . وكذلك علي رستم وعلي منشد ومنصور عبد الناصر وحسين حسن أبو عيون الزرق ، وجبار حمادي ورحيم يوسف أبو الدجاج . هذه الجمعية ، المغضوض طرف مالك المقهى أحمد أبو كرش عنها ، تلعب وفق مبدأ الأمان ، أذ يدفع الخاسر ثمن خسارته فورا ، أو يتم تبييت الرهن بجيب جليس ثقة محترم أمين ، من مثال الشيوعي جاسب أبو سلام ، الذي يعطيك دنانيرك والحصاد حتى لو هدده المهزوم ، بطبر تحت اللوزتين ، ودفرة فوق كيس الصفن الذي يأوي الخصيتين ومنتج الفحولة العزيز . كنا بهذه الواقعة نقتل الزمن بالكد والعرق ، حتى كلكلة المساء ، لنفر بعيده ، زرافات الى بيت الأدباء بساحة الأندلس ، وفي منبته الأخضر ، نكرعها بيضاء صرفاَ ومخلوطة ، حتى انفناء نصف الليل . فمن كانت أمه مستجاب دعاؤها ، شاله عبد الستار ناصر ببطن سيارة برازيلي زرقاء محسودة ، نحو تدويرة كهرمانة ، ودفع عنه شر ثمن أربعة أسياخ كباب . وأن كان حظك طائحاَ ، مثل حظ جندي طامس بشق مبلول شرق نهر جاسم ، والريح شرجية كأنها تنكة دبس مزروفة تخر فوق ظهرك ، حملت جسدك الثقيل صوب ساحة الطيران ومؤسستها الأستطعامية الحميمة ، حيث الكرسي هو قوطية حليب نيدو ، والمخلمة معمولة من بيضة وخبطة طماطة وبصل أخضر ، وما شئت من الصمون الحار ، ثم الهجيج الى زوجة طيبة تنطر ، وأم بديعة تفرش من أجل عافيتك ، سجادة تسابيق الفجر المبين . طبعاَ ألمسألة لا تخلو من طيحان حظ ولعبان نفس وهزيمة ونكوص ، ونبش أسنان حد تسييح الدم ، لكنني أذ أستعيدها ألليلة ، أكاد أبكي من قوة الشوق ولفحة أنفاس بلادي العزيزة ، التي جارت عليّ ولم أجر على أحد ، ونامت حسرة أبدية بين الضلوع . أشكركم جداَ .
alialsoudani2011@gmail.com
عمّان حتى الآن
علي السوداني: حسن عجمي عاشرة
تعليقات الفيسبوك