نجاح الجبيلي: بورخس والألوان

يكاد الأسى يتقطر من كلمات بورخس وهو يصف كيفية تلاشي الألوان من بصره، في المقتطف أدناه الذي ترجمته من آخر مقابلة معه في عام 1985 أجرتها معه الإذاعية الأرجنتينية غلوريا لوبيث قبل رحيله الى جنيف وموته هناك سنة 1986. وتبدو رغبته في القبض على تبصرات ملونة وهي تتحدى ذلك العمى الذي تسرب إلى بصره تدريجياً بالوراثة (كان أبوه وجدته مصابين) حتى أفقده الإحساسات البصرية بالألوان فلم يبق لديه سوى آثار طفيفة. وقد تسربت تلك الألوان إلى نصوصه السردية والشعرية فأصبحت رموزاً للعديد من الثيمات الحياتية والوجودية وهذا ما تصفه دراسة بالإنكليزية عن توظيفه للالوان في قصصه وشعره وتقرر بأن ألواناً محددة مثل الرمادي والأحمر والأصفر هي الأكثر استعمالاً في قصصه وتحمل معاني رمزية تدل على الخلود لدى بورخس وخاصة قصته “الموت والبوصلة” (التي ترجمتها وقمت بنشرها في مجلة “فنارات” الصادرة عن اتحاد أدباء البصرة). وفيما ما يلي مقتطف الحوار:
*إضافة إلى الكتابة وقراءة الكتب المفضلة، فما الأشياء الأخرى التي تهواها؟
-أحب السفر، أود أن أشعر بالبلدان وأتصورها؛ من المحتمل بشكل غير دقيق بسبب…
* إذن رفيقتك هي التي تصفها لك؟
-نعم، أسافر مع “ماريا كوداما”، فهي تصف الأشياء لي وأنا أتصورها، على نحو طفيف طبعاً.
* هل تتصورها بالألوان؟
-نعم، عادةً، وأحلم بالألوان أيضاً، لكن حين أفعل ذلك فإن الألوان تكون مبهرة. أما في ساعات يقظتي، مثلاً الآن، فأنا محاط بضباب. إنه مشرق، وأحياناً مزرقّ، وأحياناً أخر رمادي، والأشكال غير محددة تماماً. آخر لون بقي معي هو اللون الأصفر. كتبت كتاباً بعنوان “ذهب النمور” قلتُ بدقة: أظن أن اللون الأول الذي رأيته كان الأصفر لفرو النمر. اعتدتُ أن أقضي الساعات الطوال وأنا أحدق بالنمور في حديقة الحيوان، وحين بدأت أفقد بصري فإن اللون الوحيد الذي تبقى لي كان الأصفر، والآن فقدته أيضاً. كانت الألوان الأولى التي فقدتها هي الأسود والأحمر، التي كانت تعني بأني لم أكن في الظلام أبداً. في البداية شعرتُ بعدم الراحة قليلاً. ثم تبقت لي ألوان الأخضر والأزرق والأصفر، لكن الأخيرين تلاشيا إلى البني، وسرعان ما اختفى الأصفر. ولم يبق لي حتى الآن سوى النور والحركة.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

| زياد كامل السامرائي : عصيان يعدو إلى حتفه.

اتركي لنا كذبة بلون الرجاء يا حياة كذبة لا تدوس على خواطرنا فتجرح الصراط نمشّط …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *