بولص آدم: ضراوة الحياة اللآمتوقعة (6) (ملف/6)

إشارة :
“ومضيتُ، فكرتُ بنفسي كالمتسوّل، لعلّ أحدا ما يضع في يدي وطني”.
يهمّ أسرة موقع الناقد العراقي أن تقدّم هذا الملف عن تجربة الأديب العراقي “بولص آدم” مبتدئة بنشر نصوص كتابيه: “ضراوة الحياة اللامتوقعة” و”اللون يؤدي إليه” اللذين وضع لنصوصهما جنساً هو “الواقعية المتوحّشة”، وهذا امتيازه الفذّ في ابتكار جنس من رحم الأهوال العراقية، فقد أدرك أنّ النصّ العراقي يجب أن يُكتب بطريقة تكوي أصابع من يقرأه وقد يشتعل بين يديه. وهي ليست نصوصا “مفتوحة” بل الرؤية التي ينبغي أن يُكتب وفقها النص العراقي الحقيقي. بلاد تُجمع فيها الأشلاء المجهولة لأجساد أبنائها المُقطّعة بالمفخخات في “بابل” في “طشت الخردة” لا يمكن لنصوصها أن تُكتب إلا بطريقة بولص آدم “المتوحشة”. وبهذا المعنى فهي أيضا درس في أن أدب الحرب الكبير يُكتب بعد الحرب. حرب العراقي لم تنته. لقد بدأت الآن خلف سواتر الذاكرة المؤرِّقة الشعواء لتخرّب حياتنا إلى الأبد نحن جيل الخسارات الابدية: “حياتي ضراوة لامتوقعة- لاتسألني رجاءً عن باقي النص”. تحية للمبدع العراقي بولص آدم ودعوة للنقد العراقي لدراسة نصوص قد تمهّد لمدرسة.
هؤلاء

(6)
له راس ومخرج مثلهم

هم لايموتون بل

يتمنون الموت السينمائي !

يقتلهم الواحد تلو الآخر مثل بعوض حوافي الناموسيات

يسلكون طرقا فائقة الحلم لكي يتجنبوه بتعويذة تحت اليد ..

هؤلاء تحت الأبادة … وطنيون كالبلور الوطني بيد المزيف يتبلورون قتلى !

نعرفهم حالمون على ارائك القرية الكونية

ثمة من يقتلهم دائما لأن الأرض زلقى وزاغلة وزائغة ..

وحده ، قاتل هؤلاء ، ذريعته فناء عالمنا !

الحصان القرمزي
اراد القاتل بقتله لمن كان منقذه من القصاص ، ان تواتيه فرصة القتل المربحة ثانية ، لن يجازف بالعودة الى ضاحية المدينة الصغيرة غنية الماء والنخيل و الأقدار والحظ المنحوس لكي يتخلص من الجندي المنسي القديم ..العاطل المعوق ، الشاهد المصدوم امام جثة اخيه ! بل نزل من على ظهر حصان قرمزي اللون بمثلث ابيض يربط عينيه بالمنخار ، وظل ممسكا بطرف الحبل والحصان يصهل ممدود الرقبة العريضة حتى فم الشمس ، يغشى بعينين سماويتين غائمتين محدقتين مبحلقتين متمردتين . منغمستان لحظة مابعد الجريمةفي حمرة الغضب .. افزعته العيارات النارية وهدت قواه مرائي نوافير تخرج من جسد الضحية ، واصابه غثيان رائحة الدم التي بلغ سامه من تكرارها في حياته منذ عامه الأول وباختلاف القتلةالذين امتطوه ! .. لربما . هد قواه اجترار تلك اللحظات الرهيبة وجسده يرتد الى الخلف ، بينما الرماة يعبرون بردة فعل اكتافهم القبيحة الى الجانب وبحركة لاارادية خاطفة منتولة عن تحقق فعل الرمي حقا وانقذاف الرصاصة ، وكل ذلك الرصاص كان السابح مندفعا في مسار لعين فوق راس الحصان القرمزي ببقعة بيضاء على البطن تنحسر في تقلص الصدمة المتكررة تلك وهبة هواء حارقة تلامس بسرعة البرق فرشاة رقبته العريضة ، تمر الرصاصات من بين اذنيه ، لكانها خرجت من قحف جمجمته ، لحظة لكم تكررت منذ عامه الأول ورافقته وجسده يرتد الى الخلف بلاحول ولاقوة. تتقوس نصف دائرة ظهره اكثر وتتكسر قوائمه رعبا ويضرط !

لم يفهم القتلة السابقون مغزى تمرغ الحصان كالمجنون بعد ان نقلهم كلهم الى بقعة الأمان ، هو لهم بالنهاية حيوان .. وهو في اغلب الأحيان ، ترك بلا اجر يعادل تبنا او شربة ماء .. بل طارد سراب البوادي ورحل منطلقا .. ليجد الحصان القرمزي الجميل رقبته الملفوفة بحبل يمسك بنهايته القاتل التالي في مكان اخر في ضواحي تلك المدينة الصغيرة الغنية بالماء والنخيل وبفلاحين شرفاء ..

القاتل يغادر ، الحصان القرمزي بعينين مغرورقتين لحظة مابعد الجريمة بحمرة الغضب .. كم هو سهل لمن يقتل انسان ذلك القرار الغريزي بقتل الحيوان ؟!
جسد الحصان القرمزي الجميل ممتدا على جانبه وقد اصطبغت بياضاته المتفرقة كلها بالأحمر ..
ماهو اقدم من اسدال الجفن على عين تصادفها الشمس ؟
عين مفتوحة لحصان ميت لكانها تختزن سرا ،
عين تختزن قوة الصمود .

مواليد برج الشيطان

يتدلى حنكه على الطاولة ، يتنفس كالنفق ، يتربص بالزرزور و ينقش بالبارود على جبهتي حوامض الظهيرة في ازقة مكعبة كغرفة للحمولة المنحوسة يتدلى كله قارئا برجه على سراديب مليئة ببراميل الحظ المعتقة..

كان اليوم الثامن من اسبوعه
تمنى عون البرج في حياته
ابتدا برجه بفائض من الألغاء المصفح لصالحه

هو يعرف ماالغى لكنه تخيل انه سيفعلها طبقا للبرج في قراءة قادمة .. تدلى انفه على الخنجر . مات انسان اخر !

مواليد برج الشيطان يتنقلون بين السنتنا ليقرروا متى ينطلق سباق الديدان .. اي منها يصل اولا الأذن في الغرفة الحامضة كمكعب يختزن ماءا اسنا هو بئر تروي زرازير البرج والمرج والمنحدر المزروع بتبغ الحظ المولود مع مواليد ذلك البرج !
بمفاهيم تتدبب واقوال تتهذب واحوال بين مؤخرات القرون تتهلوس تسيل كساقية حظ تشطر زقاقا للخوف في )محلة الساعة(
كنا نلهو بمشكلة ساقية محلتنا المحطة .. لكن مولود برج الشيطان كان اكثر حظا منا ..
ذلك الشيش المعدني الذي ادخله في نفق ساقية الساعة تحت شارع الظلام . خرج في محطتنا لينغرس في سواقي اللحم بين اضلعنا ليشل حركتنا والقى نفوذه تحت اقدامنا دما من خل البارود وعجوة القنبرة..
تدلى على سنواتنا وبالسكين الذي يسلخ به جلد السمك قشطوا لأنفسهم كعوب احذيتهم من رؤوسنا..

هكذا تدلى حنكه على كرشه ، على خصيته ، على السكين الهابطة بحركة موت بطيئة على كعكة حظه

واحتفل في يوم اسبوعه الثامن بالغاء جذورنا !

مخاط الشيطان

كان لي جدان عابسان
نفس الأسم يحملان ..
جد قس
دكتاتور
واخر
اسمه ادم ايضا مات بقالا في بغداد
القس ماتت زوجته حزنا
تزوج ثانية ، من امرأة كان همها البستان

البقال انجب امي
جدتي كان لها صديقة وحيدة، افعى مسنة تزحف مقبلة تعبى من خلف شجرة الجوز، تبلع على مهل رقائق الخبز القروي، تبتسم لها جدتي ثم تبكي
الأفعى عمياء
اختفيا معا وانفرد الشبح كمثري الراس بثمار الجوز يفتح سواق جديدة لمياه تسبح فيها الديدان .
على تلة بسبعة الوان
سقط القس من على ظهر الحصان
مات غاضبا يلعن مياه ( كاني جومرا).. العين التي لم تنفع قراءة الأنجيل لتنظيف المجرى من مخاط الشيطان!
في كوخه تحت تلة الألوان سقط المرتل الشهواني ( تومانو) من السلم ومات في موسم الحصادامام المجرشة
بدا مؤشر يعدو على ايقاع الحداد
سقطت قنابل الحكومة من طائرات تشبه دببا خضراء
ابتدات مع دخاخين قرية ( ديريه ) مواجع ذل ، سواطير هجرة ، سكاكين الغالبين ، ملاقط صماء تلتقط الموج الدائر من راس الحصان المخصي ليموت القس ساقطا تحت قدميه يخرج من منخريه تزمير الأنتقام ويعدو خوفا من القيامة داخلا كهفا يبلع الدب الأخضر .
المنجل الذي يحصد الحنطة في الشتاء ومطر خبيث يتساقط كالخيط على سقوف حمامات النساء التي يسترها صفيح من جهة الغرب مفتوحة للعابرين شرقا ، كان الشهواني ( تومانو) يمر بهن عاريات مستحمات ويطلب منهن لمروره الوقور ان تكون اعينهن مغمضات ! والا هلكن قبالة التلة حابلات الزنى
بوجوه عار ذي سبعة الوان هو فعل الشهوة ينزفها نهيق الشيطان .
راس حصان ثائر قتل جدي ارتطم بالجدار الأخير لكهف عميق وارتفع طائر يشبه القاذفة فطوره نمل المياسم الصفراء التي تخترق حقولا خضراء ..
.. هو ماتبقى قبالة التلة الملونة
اسنان سوداء سقطت من مناقير طيور مسكونة وحملتها دخاخين قرية ( ديريه ) المحترقة انيابا كعلامة شؤم
سقط من بطن الدب الطائرعلى سنام كهف اللعنة جسم كراس الحصان انفجر
طائر يشبه الدب بعد تقليد افعال الظلمة البدائية في صيد وحشي ، ينام جائعا !
…. لم نعرف ما كان جدنا يفكر فيه وهو يحرك بعصاه السكر المشوي

لم نعرف ، حتى اليوم الذي تعشى الطائر فيه على مخاط الشيطان !

اوشانا رمو

يصحو قبل الديك وبعد الخفاش ينام
لم اسمع صوته وكان اعمى
اتى الى هذه الدنيا ملفوظا كحرف العلة
ايام مقتل ارشيدوق النمسا ولد
لا احد يتذكر يوم تقبره
الشعب مشغول بتلميع جلده بقشور الرمان
والدباغ كانت ايامه كايام السلطان
يرسل السفراء الى مدن هرمة
كان الشعب مشغولا في المدبغة .. ادمن رائحة جلد الماعز
يفرك جلده بماء السماق كتعويذة لطرد الأرواح الشريرة

الخال ( اوشانا رمو)
يفرك عينه المبعوجة بورق التوت الأحمر
ينتظر ذبائح النذور لياكل من لحم الخروف الأبيض
قيل انه كان الساقط كل مرة في نفس الحفرة
وهو يغادر انقاض الدير المدمر تقوده العصا يحك ظهره بحجرة
لم تسلم من قشور الرمان ايام الدباغ السعيد كالسلطان
يتبارك ظهره في طقس الحك ..في حضرة القائد العسكري السفاح الذي تاب وتقدس ومات بعد بناء ديره الذي حمل اسمه فيعود بعد صلاة المساء الى كوخه المنسوج من اعواد شجرة التوت الضخمة التي قتل على اغصانها عصفور قبيح يلقي ذرقه الأصفر على راس الدباغ سنين طويلة حتى ايام ردم الحفرة زمن الغليان ..

كان الخال ( اوشانا رمو ) نسطوريا يلهج قلبه بتسبيح اسم المار المقدس طارد وساوس الشيطان وشفيع المتعبين نفسيا من كل ذي نفس حية وهكذا رفرف حنان المار القديس علينا حتى يوم كنا نتسلق الحياة كالجرذان ..

عاش الخال العزيز في كوخه خلف الدير
كان غريبا ومالوفا في نفس الصورة
ليس ذارقا بانتقامه مثل ذلك الطير
ولا ذليلا يحك جلده تحت سقف الدباغ الأعور
بل شيئا مختلفا مات مختلفا
لا كما عاشه الغير !

الطفل الآشوري

ذاك الذي قطعوا جسده
ليسهل نقله وتهريبه
سلخوه من وجه المنحوتة
وتركوا الأثر الدامي في عنق(سميل)،
بحثوا عنه ، قتلوه ، حنطوه ، خلف الحدود
كتحفة اثرية للغيلان عرضوه
رايته في النمرود
يرفع القرابين وفاءا للحياة مع امه
ذاك الملفوف في قماط ابيض
رماني الخدود ، يحمل رائحة الحليب الأول
اذهب الى ديارنا
واسال الفراشة
والنحلة عنه
هو الطفل الآشوري

لايدري المرء ماقد يحدث
البيت لم يقع اختياره على لحظة فيها رحيل
الأخت التي تخشى البقاء وحيدة في البيت خوفا
جدها الذي كان لايزال سادرا في اغمائه
والطفل تشده الى صدرها
كلاهما ينظر الى رجل مسلح
يقف في فم الدار
ملفوف الراس بضباب بنفسجي…

دمعة طفلنا تلمس جذرا
يكبر ليسمق شجرة
البذرة في عينه غابة
والحرف الحنون سيرة
الأم تهز مهد خشبي فارغ !
والرجل يبلع ضبابه البنفسجي طفلا
هو،
الطفل الآشوري ..
الأم لاتبكي
الأم تغني ..
ساشد لطفلي ارجوحة عملاقة ،
من ديريه الى كوماني !
ينمو الكوكب و يمطر ضوءا
يخطف بساط نجاة من لهب نينوى طفلا
الأم تملأ المهد احلاما :
بروني .. بروني ..
الطفل رسم نصف الشمس هناك
ونصف اخر في المنفى
يرد الدين لأرجوحته الخرافية ويتلو صلاته :
يمي .. وي يمي..
يجمع اخر حنطة من طرف بيدر الحياة
يشم طين البيوت في اشور
ويزرع حبات اللمحة في تاريخ القرى
دفء بلون السماق
عنف الحلم ، حزام للحكمة
الطفل الآشوري لاتضربه بحجر !
مهده الخشبي فارغ في قرية محترقة
سيطبع يوما قبلة على كف الأجداد
ويرفع نذور شكره الى واهب الحياة
هو الذي لعب مع اطفالكم تحت المدرج الروماني في عمان ،
ذلك الذي اغتسل في نهر الأردن ثانية غريبا
والتقى اصدقاء له في العالم،
وقال سلاما لكم بكل لغات العالم
مر عليكم من اورمي ، قامشلي ، قرى الخابور
من سيلوبي واسطنبول
من دمشق وبيروت
من الهند والسند وسمرقند….
الطفل العراقي لفظه مركب لاجئين غارق
بقى موصولا بالحبل السري
في ظلمة امواج المحيط
هي ام كانت له تغني
وهو الطفل الآشوري .
……………………

بروني = ولدي
يمي = امي

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *