حسين سرمك حسن : صباح عطوان .. ضحك كالموت

يمكننا القول ابتداء إن من السمات الأسلوبية الثابتة لدى الكاتب العراقي المبدع “صباح عطوان” ، هو شدة اهتمامه بمسألتي التقديم لكتبه أولا وإهدائها ثانيا . هناك عناية غير عادية بهاتين المسألتين اللتين كثيرا ما يستصعبهما الكاتب العراقي الذي من صفاته أنه غير صبور أصلا ( ألهذا لم تتطور الرواية بصورة كافية في العراق لسرعة نفاد صبر الكاتب العراقي ؟!) . سأقف لاحقا على المقدمة الهامة لرواية السيرة (تنومة) التي أصدرها مؤخرا واستغرقت 34 صفحة !! . أما الآن فسأتناول كتابه الآخر (مسرحياتي) الذي صدر عن دار جدل في دمشق مؤخرا، وضم ثلاث مسرحيات من مسرحياته هي : مولينا ، والموت سيدتي ، وأصوات من نجوم بعيدة . وأقف أولا عند الإهداء الذي يعبر عن روح صباح هذا المبدع الغيور والبسيط كما عرفه أبناء شعبه الذين تغلغل فنه الباهر في وجدانهم، حيث قال فيه:                                                                                                          (إلى جمهرة أولئك الرجال والنساء الميامين من فراقد شعبنا ؛ مشاعل الهدى وقناديل الحق ورسل الحقيقة ؛ أولئك الذين يحفرون في جلمود حياتنا الهمجية البغيضة ، بحثا عن ندى .          إليهم وحدهم أهدي حب قلبي ، ومداد عقلي قبل اليراع ، فبهم وحدهم تقوم الساعة – ص 6 ) . ومن لا يعرف الروح العراقية لصباح عطوان سيجد أن في الجملة الأخيرة : بهم وحدهم تقوم الساعة ، مبالغة خارقة تنافي منطقيات العقل الغربي خصوصا “الموضوعي” مثلا ، العقل الذي صار لا يعترف بـ “الساعة” بحكم تضخّم نرجسيته المرضية. لكنها بالنسبة لمن خلقه الله من مياه ملتقى أعظم نهرين في الكون معجونا بطين التنومة المقدّس مسلّمة لأنه وريث. وصباح هو وريث ، ولكن ما أصعب أن تكون وريثا كما يقول “غوته”.  بالنسبة لي المؤلف لا يموت أولا، ولا يمكن فصله عن نسيجه الاجتماعي ومسيرته الشخصية ثانيا، وكلا القناعتين تقفان ضد أهم أطروحتين بنيويتين افتتن بهما النقاد العرب الاشاوس طويلا. وصباح كمؤلف عراقي لا “يموت” بالمعنى البنيوي أبدا. وهو حاضر من فاتحة الإهداء وحتى الصفحة الأخيرة التي يكتب فيها سيرته التي أغاضت البعض بحكم اشتراطات السيكولوجية العراقية المعصوبة. هذه المقدمة تعكس نفس الروح التي حملتها جرف الملح أو المحطة, أو ذئاب الليل أو “المس” التي تناولناها مؤخرا على صفحات ألف ياء الزمان الغراء. المؤلف واحد والموقف واحد ، وكلاهما متوحدان ، وهذا ما تعبر عنه المقدمة اللاحقة والتي استغرقت 40 صفحة من كتاب “مسرحياتي” الذي عدد صفحاته 171 ، فلماذا ؟ لأن صباح يشعر كأي مبدع عراقي مميز وقدير أنه مغبون ولا كرامة لنبي مبدع في وطنه. ومع تدهور الذاكرة العراقية وتآكلها المخطط ، وقبل سنوات ومثلما حصل في أحد الاستفتاءات التلفزيونية التي أعدها “مزهر الخفاجي” في التسعينات، ولا أعرف أين حل به الدهر الآن، وهل هو حي أم ميت، حين سأل عينة من طلبة الكليات عن فؤاد التكرلي فلم يعرفوه !! إن صباح عطوان قد نفض يديه الكريمتين من الثقة بنا كنقاد نعرف أتفه كاتب قصة في أطراف كولومبيا وشعراء مجاهيل غابات الموز في الإكوادور ، ولا نعرف اللآليء التي تحيط بنا، بل نساهم في إهارة التراب على جبينها اللامع. إقرأوا المقدمة- أيها النقاد – ثم اسألوا أنفسكم عن أي جناية ترتكبونها بحق شعبكم وتاريخكم وثقافتكم ! لو كان هناك في أي بلد عربي ربع صباح عطوان لاحتفوا به أيما احتفاء وليس كثيرا عليه أن يقيموا له نصبا ويسمّوا قاعات المسارح والكليات باسمه. وبالمناسبة: هل هناك قاعة في أكاديمية الفنون أو مسرح في البلاد عليها اسم صباح ؟ 
في عام 1960 قدم صباح مع جمهرة من الطلاب مسرحية “نهاية اقطاعي”، وفي عام 1965 يشكل فرقة مسرحية في مديرية تربية البصرة .. ومن هو آنذاك ؟ إنه مستخدم بدرجة (حارس) .. الله أيها العراق .. ماذا تفعل بأبنائك ؟ وهم محطمون بمحبتك !! المهم أنك ستطالع مسيرة طويلة عجيبة مدهشة مليئة بالإخلاص والتفاني، بل وعبادة المسؤولية الفنية الوطنية . إنها ليست مقدمة – وعادة الكتاب العراقيين أنهم لا يهتمون ، بل قل يستسخفون المقدمات كما قلت لأنهم يبحثون دائما عن ” المتن ” وهذا شيء مشروع على أن لا يغيّب العنوان الفعلي .
ومع كتاب صباح هذا تحضر إلى ذهني فورا مقولة الروائي التشيكي “ميلان كونديرا” التي يقول فيها : إن صراع الفرد ضد السلطة هو صراع الذاكرة ضد النسيان . إن هناك حربا حقيقية تدور رحاها على ساحة الذاكرة العراقية الجريحة أصلا ، وتجلت معالمها بأدق صورة فيما فعله الأمريكان الخنازير الغزاة بعد احتلال بغداد المحروسة . يدرك صباح أهمية الأدوار الملقاة على عواتقنا في المساهمة بأي قدر في ترتيق هذه الذاكرة ، وهو يتصدى بجهده الفردي لتحقيق مشروع ستكون له أهميته الكبرى في مجال الثقافة العراقية الفنية وهي التي تغلغلت – كما قلت – في وجدان المواطن العراقي .  يتحدث صباح عن “محمد وهيب” فيقول: “مع المسرح الاحترافي لمديرية التربية بالبصرة، والمتمثل بالفرقة الرسمية التي تقدم عروضا كلاسيكية للمسرح كـ “أوديب ملكا”، وأعمال وليم شكسبير كـ “هملت” وبعض أعمال المسرح الأوروبي والعربي بدءا من جون باتريك بـ “القلب الأرعن” وانتهاء بـ ” يا طالع الشجرة” لتوفيق الحكيم ، وكان يقود هذه التجربة بالبصرة مخرج عبقري – في تقييمي الشخصي – هو ” محمد وهيب ” – فهذا الرجل الأكاديمي الحرّيف ، قدم في البصرة عروضا مسرحية مميزة ، وبمستويات لم يقدم مثلها في العراق حدث مماثل ، بما في ذلك أغلب أعمال الفرقة القومية للتمثيل في بغداد ، كانت عروض محمد عالمية بامتياز ، وقد تأكد هذا اليقين لدي ، بعد ما جلت أوروبا بعد ذلك بسنين ، وشفت أنواع العروض الخارجية هناك ، وقد ضم مسرح التربية الذي كان يترأسه محمد وهيب ، باقة من زينة شباب البصرة . لعلني أتذكر منهم المرحومين : فيصل لعيبي وأسعد عبد الحسين ، وطالب جبار وحميد الحساني ونصير حسين وحسين زيدان فيما بعد وغيرهم – ص 23 ) . فأسأل نفسي : من هو “محمد وهيّب”؟ ويأتي الجواب إنه ذاك الإنسان البسيط المهذب الصموت الذي التقيته في مقهى مبتذل في “جرمانا” من ضواحي دمشق العروبة . وكنا في محنة الحصول على الإقامة. هو هذا محمد وهيب الذي وصفه صباح بأنه مخرج عالمي . وآه يا ثقافة هي قطة تأكل أبناءها . أرسلت رسالة بالموبايل إلى الأستاذ محمد وهيب استفسره فيها عن قولة صباح فأجاب بحياء المبدعين الكبار نعم أنا المقصود لكن صباح متفضل بالوصف !! يقول صباح : ( وأدمنت هذاالشطط وذاك، فكان مشوارا هستيريا ملتاثا متزاحما من الرغبات الساذجة والأحلام المسفّهة الغريرة والأوهام الفاقعة، والمتع الحسية السريعة، والنجاحات التي لا تشبه الفشل، والإخفاقات المتصلة فيما تبع ذلك من سنين ، فكل ما حصل وجرى وكنت بوتقته ما كان إلا دويّا مرعدا، ولكن في فضاء طبل أجوف، فكرت في الأيام التي تلت خروجي من مسرح محمد وهيّب المبهر، وأحسست بالدفء يسري في داخلي وأنا أقود دراجتي (الروج الحمراء) فوق إسفلت كورنيش العشار الكالح ، وأنا أتجه إلى مدرسة الجاحظ، حيث عدتُ إليها حارسا، رحت أسترجع من الذاكرة القريبة وجوه سالم مزعل وعبد الحسن سلمان ، وغيرهم من مستخدمي التربية ممن التفوا حولي يريدون العمل في مضمار الفن –ص 26 ). مواقف كثيرة- ونحن قد تعطلنا عن تحليل المسرحية المقصودة بفعل ضرورة هي نفسها الجانب السلبي من إطالات صباح المباركة- تلهمنا أهمية عزم الإنسان العراقي الجبّار على اجتراح المستحيلات- والحضارات العراقية الخمس مقابل ثلاث حضارات للبشرية كلها – متمثلة -مثلا – في ما استنتجه “صموئيل نوح كريمر” من حقيقة أن أرض الرافدين هي أرض يد الله عليها .. ولم تنضج قدرة صباح إلا من خلال لحظة مشاهدته الطفولية لمراسم العزاء (المسرح) الحسيني ؟ إن من نماذج الحوادث المستحيلة التي اجترحها صباح المثابر لنفسه هو تأسيس وتشكيل (المسرح العمّالي) وفرقته التي قدمت مجموعة من أجمل العروض المسرحية في تاريخ المسرح العراقي. إن إعادة الحياة في عروق المسرح العمالي وإنشاء مسرح خاص به في مساحة ضيقة شبه مستحيلة كانت في حكم الخوارق. لكن صباح عطوان المخلص لفنه عملها. وأترك لكم مراجعة الصفحات (29 إلى 39 ) للتعرف على جهد صباح الخارق والمشرّف هذا.      
 في مسرحية “الموت يا سيّدتي” ومن العنوان نواجه تعمية في العنونة حيث لا ندري من يخاطب من ؟ وهي حالة- من آلاف الحالات- التي تطيح بأطروحة أن “العنوان هو ثريّا النص” ، بعد- طبعا- استكمال ” الصورة الكلّية- gestalt” لتحليل المضمون الكلي للنص . المسرحية ذات شخصية واحدة (مونودراما) ، وطابعها هو طابع كوميديا سوداء من (مونودراما) الحرب . وحسنا فعل صباح عندما وضع مفردة مونودراما بين مقوّسين لأن المتضمنات الدلالية والمرتكزات الفنية التي تنطوي عليها المسرحية أوسع من دلالات مصطلح مونودراما المعتادة . والشخصية الرئيسية في المسرحية هي شخصية السيدة (روز) التي تعيش وحيدة مع ببغائها (ميتا) الثرثار ذي اللسان النقدي السليط واللاذع الذي يلاحق المؤلف من خلاله بسياط التهكم والسخرية مظاهر الخراب والدمار العاصفة التي اجتاحت المجتمع العراقي بعد الإحتلال. فالببغاء الناقد الشاهد (الحيوان الثرثار الحكيم الذي لا يعرف في الحق لومة لائم) يعلّق على كل حدث أو خبر من المذياع أو اتصال هاتفي متخم بالنفاق والمخادعة . والسيدة روز المسيحية العراقية هي خلاصة المحنة العراقية التي عزّ مثيلها في تاريخ البشرية المعاصر، فقد مات أخوها والغزاة والغوغاء وقوى الإرهاب تعيث فسادا في الحياة العراقية، حتى صار من المستحيل عليها أن تدفنه، فالأب كوركي الذي تتصل به روز طالبة سيارة التشييع يقول لها إن السيارة مهملة ومطمورة بسبب هجرة سائقها (جورج) الذي خطف القتلة ولده طالبين فدية كبرى وقتلوه عندما عجز عن توفيرها. لكن المصائر الفاجعة تلاحق العراقي الذي خلقه الله وهو يبكي في أي مكان، فغرق جورج ببحر مرمرة بعد غرق سفينة المهاجرين التي أقلته(لاحظ أن أكثر من 400 مهاجر عراقي غير شرعي غرق بسبب موقف الشرطة الأسترالية ولم يتحدث أحد عن حقوقهم .. وقد عرضت قناة العربية برنامجا عن الكيفية التي قام بها أفراد الشرطة اليونانية بتقييد أيدي المهاجرين العراقيين وإلقائهم في البحر الأبيض المتوسط ليموتوا غرقا لغرض تأديبهم ). يعلّق (ميتا) مخاطبا روز: شرايده المسكين ينصلب عالباب ؟ القرش أرحم ! (ص 102). وفعلا صارت أي ميتة مهما كانت بشاعتها أقل فداحة من الموت على الطريقة العراقية بعد الاحتلال، فها هي روز تحتفظ بجثمان أخيها المنتفخ في البيت ولا تعرف كيف وأين تدفنه. فسائق التاكسي يخبرها بأن تنفض يديها من مسألة دفن أخيها في مقبرة المسيحيين في خان سعد. فقد سرق الناس حتى شواهد القبور ووسط دوّامة حيرتها المدوّخة تأتيها لطمات المحن من كل جانب: موت حماتها شكيبة فدفنها زوجها [=هو شقيق روز] في صالة البيت! ثم يموت في تفجير سيارة مفخخة المصور الشعبي ونسيبه الطبيب البيطري وبائع الخضروات السيد عجيل وأخوه ربيع وشرطي المرور الذي يوزع البالونات على الأطفال، وكلهم تعرفهم روز وملأوا حياتها.. ثم الخسارة الذروة بمقتل أخيها توما نفسه. وللتعبير عن سطوة شبح الموت والخراب على كل زوايا الحياة العراقية يصمم صباح ببراعة شبحا رقم (2) يتجلى بصورة هلامية ومخاتلة في أي لحظة وهو شبح الموت ، الحي الذي لا يموت ، والذي يخبرها بأنه سيتخم حياتها بالعزاءات والمآتم وينفّذ لها وعوده المميتة وهي تتوسل إليه بأنها في حاجة إلى “ناس” تتفاعل معهم وتنفعل بحضورهم فتخف لواعج همومها الحارقة. ومع كل هذا الخراب الرهيب تنطلق “كوميديا” الحوار مع مذيع المذياع الذي يلفق ويكذب ويتصافق لتخريج أي حادث تفجيري مرعب فيجعله انفجار قنينة غاز أو اصطدام سيارتين! ثم يعلن الفاجعة الكبرى عن اقتراب غيمة نووية زرقاء تبدأ بالتهام أوصال المدينة بشرا وبنى .. غيمة لا يمكن مواجهتها إلا إذا أمطرت السماء .. وهنا تتجلى الروح التحرّشية لهذا المبدع .. وسرّ عظمة أي إبداع بدءا من ملحمة جلجامش يتجسد في قدرتها التحرشية الجسور بما هو مقدّس أو يُفترض أنه مقدّس نخنع له .. فالشبح يسائل روز عن هل أنها “تنتظر” الرجل المنقذ فعلا ؟! ثم أن الفاجعة المهول التي تمحق الناس والتي لا علاج لها إلا بالمطر، والإرادة العليا “قافلة” ولا تستجيب ، في حين أن أخاذ الأرواح ملك الموت ينفذ وعوده بكل اقتدار:
الشبح 2: تبحثين عن الأحزان أجيبلك أحزان . تبحثين عن قبر ، العالم الّلي أنتي فيه قبر
روز” أريد ناس يا وهم، أريد بشر يا حشر، أريد أكون حيث لست بكائنه، أريد حياة من هذا الموت .
الشبح2: هذا أمر السماء ، السماء حتى الآن قررت أن لا تمطر. السحابة مستمرة . القيامة تقوم. الرجل آت. هو أنتو هم تنتظروه فعلا يا ست روز ؟
……………………
الشبح 2: العصف الذي جاي يا سيدة روز
روز: مدا أفهم ، أشو من جوه ومن فوق قافل ؟ ما يمطّرها
الشبح 2: هيّ ماطرة قبل الآن حتى تمطر الآن ؟ ما في أمل .. ما ناوي يتخذ هيجي قرار .. – ص 114و117) .
ومع اشتداد هجمة اليأس الفظيعة ، يتسيّد الموت ممثلا له على كل مناحي حياة روز .. ظلام ورعب وقتل يومي ومخاطر تتناسل على طريقة إحمد الله إذا جاءت المصيبة لوحدها .. لكن الأدب إذ يفي بأعظم ما يحققه من منجزات للموت (أعظم الآثار الأدبية مدينة للموت : أوديب ملكا ،هملت، الجريمة والعقاب ، الرجع البعيد .. إلخ ) يبقى واجبه الأساس معاونة الإنسان على “تحمّل” الحياة هذا العبء الثقيل الذي يمر الإنسان بلحظات كثيرة يرغب فيها بإراحة كتفيه من ثقله . وهنا يتجلى فهم صباح لدور الفن كعامل عظيم يعيننا على مواجهة الموت فيختم مسرحيته بخطاب لروز؛ جسور رغم أنه جريح تخاطب به أخاذ الأرواح (الشبح 2) :
شبح 2: أنا ..أنا الموت يا سيدتي
روز: إقلع عن حياتي يا سحاب الغمّ، دعني لهم ذكرى ، وللآتين سلوى ، وللباقين حياة، دعني أعيش للذين على الدروب يتواصلون . أبعد أيها القمام ، إبعد أيها الموت.
(الرعد يستمر ، المطر يهطل،المياه تأخذ بالتساقط، فيما الستائر الكفنية من حوامل المسرح تأخذ بالإخضرار تدريجيا ، وتتبدل الألوان ، هي تصرخ وسط المسرح : إبعد .. إبعد .. إبعد .. (تركع متكورة)
الببغاء: (ببرود) : هوّ أخينا ما ياخذ درس .. إتمطرها؟ وبعدين ؟ – موسيقى تتصاعد .. أنوار – ص 119 و120) .
لقد أثّث صباح- وبعناية مخرج ماهر وهو عمل في الإخراج المسرحي فعليا- المكان المسرحي بكل ما يجسد المناخ النفسي الداخلي المحتدم لـ “شخوصه” بدقة وتفصيل قاس يشيع في نفس المتلقي المرارة والإنكسار متعاطفا مع حال “الشخوص” الممزق . ترافق هذا الفعل القصدي مع استخدام اللغة العامية المقصود أيضا ، والتي جاءت بليغة وشديدة الإحتدام في التعبير عن وضع بشري لا تلخصه سوى جملة العنوان التي تلخص حال وطن وشعب ينحدر بعزم على هاوية الخراب والثكل : “الموت .. يا سيّدتي” . وكان بإمكان صباح أن يقول إنه الموت ، أو أنا الموت، أو هو الموت، يا سيّدتي . لكنه يدرك أن الموت- وخصوصا في عراق الأمريكان- ليس بحاجة إلى ضمائر “تخصيص” ، فقد جعلوا الموت فعليا لا شعريا “الحي الذي لا يموت” !!        
تحية لصباح عطوان ..

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *