رمزي العبيدي: ليس دفاعاً عن علي السوداني، لكن هناك ما يجب أنْ يُقَال

علي السوداني أيام العز

نشرَتْ جريدة الزمان بطبعتها الدولية في عددها 3769 ـ الذي وقع في يديَّ مصادفة ـ الصادر يوم السبت الموافق 6/آب/2011م ، وعلى الصفحة 11 منه أو منها ، مقالة للسيد كريم محمد حاتم ، وهو كاتب من محافظة ميسان العراقية ، على ما نُشِر تحت اسمه في هذه المقالة نفسها ، فهو يقول عن نفسه فيها : إنَّه كاتب مغمور غير معروف ؛ وأنا أقول له إنَّ المادة الأدبية هي التي تفرض نفسها على القائمينَ بالنشر ، ولا علاقة بكونه مغموراً غير معروف أو مشهوراً شهرة تؤهله لنشر مادَّته في جريدة الزمان وغيرها .
 استهلها بطريقة تقليدية لا تختلف عن طرائق معظم كاتبي مقالات النقد الأدبي ، وليس فيها عيبٌ أو نقيصة ، وليس غرضي من الإشارة لها بأنَّها تقليدية أن أعيبها أو انتقص منها ، بل أردْتُ أنْ أقول أنْ ليس في الأسلوب التقليدي عيبٌ إذا كانتْ الجدَّة موجودة في المادة الأدبية ، وفعلاً وجدْتُ الجدَّة فيها ، لكن هذه الجدَّة ليسَتْ ممَّا نطمح أنْ نصل إليها في كتاباتنا النقدية ، لأنَّه أكثر من الاقتباسات والنصوص التي أخذها ناقلاً عن كتابات الكاتب علي السوداني ، ذلك أنَّه ورَّط نفسه في نقد مجموعة مقالاتٍ للسوداني بصدد موضوعات مختلفة ، هي : ( فقه الحانات ، إصدار الفرمانات ، إرشاد المرجعيات ) ؛ وقد ربط كلاً منها بتفرُّعات ونزعات ، وأصدر عليه حكماً نقدياً يُسهل دمغه والردُّ عليه منه وفيه ، فهو يرى : إنَّ كتاباته تخلو من الرسائل الأدبية وتتلاعب بالكلمات على طريقة الحكواتي أو المقامات ، أو ليس عنده رسالة أدبية وهو مجرَّد متلاعب بالكلمات كحكواتي أو صاحب مقامة من المقامات ، وهو هنا يُناقِض نفسه بنفسه ، لأنَّ مَن يستطيع التلاعب بالكلمات بطريقة السوداني التي يراها السيد كريم محمد حاتم أو لفتت انتباهه ، يجب أنْ تكون عنده رسالة أدبية لا بل فكرية قبل أنْ تكون أدبية ، لأنَّه لا يمكن أنْ يتلاعب بالكلمات إلا مَن كان أديباً متفوِّقاً ، يتلاعب بها من أجل فكرة في رأسه الذي يحمله فوق كتفيه ؛ فلو فصَل وفصَّل الناقد في حكمه النقدي لكان أفضل ، وكان أنْ عليه أنْ يقدِّم دليلاً على ما يقدِّم ، وهو لم يفعل ذلك في كلِّ الاقتباسات التي نقـلها عنه ، ثمَّ مَن ينكر على الحكواتي براعته وقدرته وتمكُّنه السرد ؟ ،  وكذا صاحب المقامة مـثله ؛ ثمَّ إنَّ ممَّا يتعلق أيضاً بما ذكره وأشار إليه ـ بدون دليل كما قلنا ـ في موضوع أنَّه لا يرى رسالة أدبية في كتابات السوداني ، أقول هذه مشكلته وحده ، وليسَتْ مشكلتنا ولا نلتزم بها ، لا لأنَّه لم يقدِّم دليلاً صريحاً وواضحاً على رأيه فحسب ، بل لأنَّ غيره من النقاد ( قد ) يرى هذه الرسالة ، لا سِيَّما أنَّه أقرَّ بنفسه بأنَّ السوداني يتلاعب بالكلمات
ثمَّ أنَّه أطلق حكمه النقدي قبل أنْ يعرض الفكرة ، واكتفى بالإشارة إلى أنَّ واجبه الإنساني والأدبي هو الذي دفعه للكتابة في هذا الموضوع ، وإنْ كان هذا صحيحاً ـ وأنا لا أكذِّبه بل استغرب منه ـ فلا قيمة لما برَّر فيه بعده لدوافعه ونيَّاته بأنْ ذكر بأنَّه كان من المتابعينَ المعجبينَ قبلاً بكتابات السوداني ، ثمَّ يعود ليطلق فرضيَّة من خياله الغريب بأنَّ رآه ( ينحرف بمساره ما يكتبه ) ـ هذه العبارة نصاً له ، وهي مرتبكة مهلهلة كما ترونَ ـ وأظنُّه يقصد أنْ يقول بأنَّه رأى الكاتب علي السوداني [ ينحرف عن مساره فيما يكتبه ] ، أو [ يحرِّف بمساره ما يكتبه ] ، أو [ ……….. ] ، ولا أدري على مَن يعود الضمير في كلمة : ( مساره ) ؟ ، ولا أدري ماذا يعني بلفظة ( مسار ) وحدها فيها ؟ .
وأراه يصرُّ على تلاعب السوداني بالكلمات ، ويتَّهمه بلا دليل كعادته ، بأنَّه يستخدم في كتاباته ( عبارات غالباً ما تكون هشة ومفردات شعبية يحشو بها مقاله ليدفعه للنشر ، ……. ، وصولاً إلى مقالات مموسقة ومقفاة )   ، وهو بذا يتَّهم القائمينَ على النشر في جريدة الزمان بالسذاجة والسطحية ، بأنْ استطاع السوداني أنْ يستغفلهم ، فجعلهم ينشرونَ مقالاته حسب هواه ومزاجه ، لا كما يريدونَ ويقرِّرونَ .
أنا لا أعترض أو أعترض على قوله : ( هشة ) ، لأنَّه سبقها بكلمة ( غالباً ) ، وهذا رأيه وله الحقُّ فيه وقد أجبرني على احترامه بأنْ سبقه بـ ( غالباً ) ، فأنا احترم مَن لا يعمِّم ويستخدم المطلقات ، ولي رأيي غير المتواضع الذي يناقضه ولي الحقُّ فيه أيضاً ، فعبارات السوداني ليسَتْ هشَّة كما يدَّعي صاحبي ؛ وهنا أسجِّل أمامه وأماكم استغرابي ودهشتي من اعتراضه على السجْع والتقفية ، وهو من الجنوبيينَ ، أهلُ السْـجـع والتقفية ، أهـل الكناية و ( الحسجة ) ، أهل الطرب والموسقة ، أهلُ الذوق والفنِّ بعبارةٍ أدقّ وأوضح .
وعن اعتقاده بأنَّ علي السوداني يحاول في عموده الصحفي ( أنْ يجاري أستاذ الفلسفة مدني صالح  في عموده ) الذي كان يكتبه كلّ ثلاثاء في جريدة الجمهورية ، أقول له : لقد ظلمْتَ الاثنينِ صالح والسوداني ، فلا يكفي أنْ يكون يوم الثلاثاء الذي ينشر فيه الكاتبان هو الذي دفعك إلى هذا الاعتقاد الذي عدْتَ لإنكاره ونفيه فوراً في تكملة تعليقك ، بأنْ قلتَ : بأنَّ كتابات مدني صالح ( فلسفية لغوية وأدبية بحتة )   .
أما رأيُكَ في كون كتابات السوداني ساخرة ، أو أنَّه محرِّر عمودٍ ساخر ، يقلد فيه كتابات كلِّ من الأستاذينِ طيِّبي الذكر عندي : داود الفرحان ، وحسن العاني ، ففيه نظر ، وفيه شيءٌ من الصحَّة ، مع الإشارة إلى أنَّ للسوداني أسلوبه الخاص الذي يُفرَّق به عن الأستاذينِ الفاضلينِ  ، وليس بالضرورة أنْ يتفرَّد أو يتميَّز به عليهما ، أو يكونَ أحسنَ منهما فيه ؛ ولا أدري ما وجه اعتراضك هنا على التقليد ؟ ، أو ما العيبُ فيه في هذا الموضع ؟ ، ولا تعليق عندي على إهانتك للأوَّل وتكريمك للثاني .
لقد أخطأتْ عندما اعتقدْتَ  أنَّ أعمدة علي السوداني الصحفية النثرية تعوِّض عن أدب الخمريات الشعري الذي ابتدعه عمرو بن كلثوم التغلبي وطوَّره ( أبو نؤاس ) بأنَّه أوَّل مَن خصَّ الخمرة بقصيدة منفردة ، لكنَّها عندي محاولاتٌ غير مسبوقة ، أو أنَّني لم أقرأ لكاتب يكتب في الخمريات نثراً غير علي السوداني ، وما أروع أدب الخمريات يا صديقي ، جرِّب بنفسك احتسِ خمراً واعطني أدباً .
أنا معك أنَّ السوداني أجاد الوصف للملاهي والبارات وما يُقدَّم فيها ، بل أنَّه أبدع في ذلك كلِّه ، لكنَّني لسْتُ معك فيما وجدتَّه أنت في كتاباته من أنَّه ذلك الرجل المظلوم المحروم الذي لا يعود لبلده خوفاً أنْ لا يجد فيها الحانات التي تمنحه إبداعه الأدبي ، فمع أنَّ الخمرة تمنح الإبداع الأدبي لعلي السوداني ولي ولغيرنا في أيِّ مكانٍ لا في الحانة وحدها ، ويكون هذا الإبداع أكثر وأغزر إذا كان احتساؤها في حانة ، يجدر بك وبي إلى ننتبه ونعي أنَّ علي السوداني إذا رجع للعراق سيعرف كيف يدبِّر أمره ؟ ، وسيعرف من أينَ يجلب خمرته ؟ ، وأين سيحتسيها ؟ ، أو أين يجد حانتها أو حانته ؟ ، فلا تخفْ عليه ، ولا تخفْ عليَّ ، وخفْ على نفسك وحدها ، وعلى أمثالك من المحرومينَ من لذَّة مذاقها ، فيا حسرة عليك وعليهم ، لقد فاتك ما فاتك ، وعلى دنياك السلام ، كما كقال ( أبو نؤاس ) :
إنَّما الدُنيا سماعٌ ومُدامٌ ونِدَام 
  فإذا فاتَكَ هذا فعلى الدُنيا السلام
وإذا كنتَ ترى أنَّ السوداني قد ابتكر في كتاباته النقدية باباً للمجاملات ، فأنا أرى أنَّ هذا يحسب للرجل لا عليه ؛ أمَّا المجلات وتقديمه النصح للمثقفينَ العرب بقراءتها ، فأنا اعتقد أنَّ هذا رأيه ويجب عليك أنْ تحترمه ، كما أحترمه أنا وغيري من الكُتَّاب والمثقفين .
وعن اعتراضك على جمال مجلة ( جسد ) لصاحبتها الجميلة جمانة حداد ، وأنَّها ( لم تكن سوى مجلة خليعة تشمئز منها النفس ) ، وطرحك للمجتمع العربي بأنَّه ( محافظ ) ، وإنَّ ( في مفهوم المجلة استفزاز للقيم والعادات التي تربَّتْ عليها الأجيال العربية ) ، أقول أنْ لا مبرِّر لك في هذا أيضاً ، فمَن قال لك أنَّ المجتمع العربي مجتمعٌ محافظ ، وإنَّ كلَّ أجياله تربَّتْ بطريقة واحدة ؟ ، وإذا كان كذلك فهل ما كتب علي السوداني عن ملاهيه وحاناته كان من خياله الذي تعتبره ـ فيما فهمْتُ من كتابتك ـ مريضاً ؟ ، والحقيقة عندي أنَّ خيالك يا صديقي هو المريض ، وأذكِّرك عندما نتحدَّث جمال جمانة حداد ومجلتها بأنَّ : [ الربّ جميلٌ يحبُّ الجمال ] .
وإذا كان علي السوداني يُدافع عن مشعان الجبوري ويجامله ، فأنتَ نفسك تدافع بنقدك له عن جلال الطلباني وتجامله ، [ وكلٌّ يغنِّي على ليلاه ] ، وليس عندي لك في هذا أكثر .
ليس من حقِّك يا صديقي أنْ تعترض على كتابات علي السوداني التي تنتقد حكومة تركت العراق بلا خدمات بلدية ولا كهرباء ، وليس من حقِّك أيضاً أنْ تسلبه رأيه في الأمريكان وفلسطين ومتظاهري ساحة التحرير ، في هذا الدمج الغريب بين كلِّ هذه المواضيع في مقالتك ، بل من حقِّك أنْ تدحض رأيه بالدليل المقنع والحُجَّة الموضوعية ، وأنتَ ـ للأسف ـ لم تفعل .
وأخيراً أطلتْ في موضوع ذمِّ الكاتب السوداني للمرجعيات الشيعية في النجف ، وكأنَّه يذُمُّها وحدها ، ولا يذمُّ غيرها ؛ أو هو وحده يذمُّها ، ولا يذمُّها غيره في هذا العالم الفسيح ، وكأنَّك في الحالتينِ ناطقٌ باسمها ؛ وهنا ليس عندي إلا أنْ أقول لك إنَّ واحداً يحتسي الخمرة مثلي ومثل علي السوداني لا تتوقع منه أنْ يكتب ما يرضيك لا عن مرجعياتك في النجف وإيران ، ولا عن مرجعيات غيرك في السعودية ، وإنَّها كلَّها تعرف كيف تدافع عن نفسها ، وهي ليسَتْ بحاجةٍ لك كي تدافع عنها ، وإنْ كان أربابها والقائمونَ عليها بتلك الحاجة فلا خير فيهم .
لم يكتفِ السيد كريم محمد حاتم بأنْ ورَّط نفسه في نقد مجموعة مقالاتٍ للسوداني في مواضيع مختلفة ، بل ورَّطني معه وحيَّرني ـ وحيَّر غيري وورَّطه أيضاً ـ في جمع آرائه النقدية المتشتتة بين نصوص السوداني ، فكان الأولى به أنْ يعقِّب ويعلِّق على كلِّ مقالة على انفراد ويعطي آراءه فيها ، أو يجمع مجموعة مقالاتٍ في موضوع واحد ويعقِّب عليها ، ولكنَّه لم يفعل .
اعترف بأنَّه أتعبني ، وأتمنَّى أنْ يعترف هو بأنَّني أتعبته ، بأنْ سفَّهْتُ رأيه ، وهللْتُ عبارته ومزَّقتها ، وقدَّمْتُ من الأدلة المنطقية ما لم يقدِّمه ولم يقدر عليه ، وأنصفـْتُ السوداني ، وهو الذي لا أعرفه إلا من خلال كتاباته ، وربَّما يعرفني هو أيضاً من خلال كتاباتي أو لا يعرفني لا أدري لا أدري ، ولم ينصفه هو .
كما أنَّ علي السوداني ليس بحاجة لي كي أدافع عنه ، ولم يطلب منِّي ذلك ، وليس في كتابتي هذه عنه إلا رأياً نقدياً موضوعياً دفعني إليه السيد كريم محمد حاتم نفسه بتجنيه على الرجل بلا مبرِّر ولا معنىً .
لقد أسرف السيد كريم محمد حاتم وبالغْ في مثاليَّته ، وكأنَّه واحد من القديسينَ أو من أولياء الله الصالحينَ ، في عرضه وطرحه لرسالة المثقف ـ الذي يسمِّيه حقيقياً ! ـ وواجبه في دعم المجتمع والنهوض بثقافته ، وأنا أقول له : إنَّ المثقف مثقف رغماً عنه ، ولا أريد أنْ أقول له رغم أنفه ، سواء معه أم ضدَّه ، سواء دعم مجتمعه وثقافته التي يزعمها ونهض به وبها ، أم لم يفعل أو فعل غير ذلك ، فهو أمرٌ واقع مفروض عليه وعلى غيره ، أو هو فارض نفسه على الجميع ، ولا يمكن تقسيمه إلى حقيقي وغير ……. ، فهو مثقف واحدٌ لا غير .

هوامش:
———–

[1] . الصحيح أنْ يقول : ( يحشو بها مقالته ليدفعها إلى النشر ) ، لا كما قال ، وليراجع قواميس اللغة فيعرف الفرق بين كلمتي : ( مقال ، ومقالة ) .

[1] . في هذا التعبير ركاكة وخلل وارتباك أيضاً فكان الأولى به أنْ يقول : [ فلسفية أو لغوية أو أدبية ] ، فيجب استخدام حرف العطف للتقسيم ، وبلا ( بحتة ) لأنَّ هذه الكلمة يجوز استخدامها مع التقسيم باستخدام حرف العطف ( أو ) ، ومع التعداد أيضاً باستخدام حرف العطف الواو ، حتى لو استخدمه مخطئاً . 

للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة إلى :
Ramzee_Alobadi@Yahoo.Com
Ramzee_Alobadi@Hotmail.Com

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *