إشارة :
يوما بعد آخر، تتراكم المقالات والدراسات والكتب والأطاريح الجامعية عن المنجز الشعري الفذّ للشاعر العراقي الكبير “يحيى السماوي”. وقد ارتأت أسرة موقع الناقد العراقي أن تعمل على تقديم ملف ضخم عن منجز هذا المبدع الذي حمل قضيته؛ وطنه؛ العراق الجريح، في قلبه وعلى أجنحة شعره الملتهبة لأكثر من خمسين عاماً كانت محمّلة بالمرارات والخسارات الجسيمة التي اختار علاجا لها الكيّ الشعري الفريد والمُحبّب عبر أكثر من 20 مجموعة شعرية. تدعو أسرة الموقع الأحبة النقّاد والقراء إلى المساهمة في هذا الملف وإثرائه بما لديهم من مقالات ودراسات وكتب وصور ووثائق. تحية للمبدع الكبير يحيى السماوي.
لا أدري لماذا أنا متعاطف مع هذا الرجل إلى درجة الإنصهار الوجداني .. وإلى درجة الانبهار الإنساني أكثر من غيره !
ألأنه طيرٌ مهاجر رغم أنفه يستظل بخيمة دون وطن ؟ أم لأنه غِرّيد شجيٌّ يسبح في فضاءات الغربة في الأقصى البعيد البعيد من جنوب القارة الجديدة أستراليا ؟
مأساةٌ أن تهاجر العقول عن أوطانها ـ كلّ أوطانها ـ حيث وُلِدت .. ثم حيث وُجِدت دون أن يشفع لها انتماء لاحدود له ، وارتماء لامساحة له ، وعطاء أشبه بزخات المطر ..
كان حضوري يوم تكريمه في جامعة الدول العربية مع آخرين ، لحظة استذكار ويقظة ضمير بأنّ الغربة لامكان لها لفكر ٍ حتى وإنْ حملت معها الجسد … إلآ أنها لا تقوى على الطرد لما هو أنقى وأبقى من الجسد .
كان يحيى حيّا ً كاسمه .. سماويا ً كنبض مشاعره وشعره يوم أنْ حلّق بنا على أجنحة مفرداته في حيرة متسائلة بين خيارات الحقل والشجرة والثمرة والماء أيها يكون معه وأيها تكون معه .. وعلى وقع كلماته وإيقاع نبراته الحزينة غالبني الكثير من الشجن !
لماذا السماوي الشريد الطريد من أرض يقطنها مئتا مليون من البشر دون أجنحة في معظمها تحلّق ، ودون أخيلة ٍ ترسم ملامح الصورة المثلى ؟
لماذا ضاقت به الأرض وضاق به الصدر وهو الذي بنى من شعره أرضا ً ووطنا ً وأملا ً ، وفتح صدره سكنا ً لكل جراحات وعذابات أمته ؟
ليلة أنْ صرّح بشكواه في بيت العرب نثرا ً شاعرا ً و شعرا ً ناثرا ً عن معاناة الشعب العراقي في ظل الديكتاتور ، أحسستُ أنّه من خلال منبر عروبته يستفزّ غيرتها .. يستفزّ نخوتها .. يستفزّ غفلتها .. يستفزّ سلبيتها … كانت كلماته تحترق وسط فمه .. أحسست بلهيبها يصهرني .. ينهرني .. يزجرني .. لماذا كُتِبَ على عقولنا أن تهاجر ؟ أن يطردها الهجر ونحن في حاجة إلى إطلالة فجر .. فجر فكر .. وفجر احتضان .. وفجر تسامح .. وفجر حب ..!
تحية لمن كرّمَ في شخصه طهارة قلم ، وعصارة ألم .
سعد البواردي