كعادته في الإحتفاء بالمبدعين العراقيين الذين يزورون دمشق قادمين من المنافي ، أقام المنتدى الثقافي العراقي في دمشق أمسية شعرية للشاعر العراقي (وديع شامخ) المقيم حاليا في إستراليا بمناسبة صدور مجموعتيه الشعريتين الأخيرتين في دمشق : (ما يقوله التاج للهدهد) عن دار التكوين ، و ( مراتب الوهم) عن دار الينابيع .
وفي البداية قدم الناقد (حسين سرمك حسن) دراسة عن الشاعر عنوانها (الشاعر وديع شامخ: معضلة الحداثة والثقافة ، أو سؤال الرؤيا والرؤية ) قال فيها :
(الفطرة الشعرية – أو ما يسمى بـ ” الموهبة ” لم تعد شرطا حاكما للشاعر الحديث ، قد تكون لها أهميتها لكنها لا تكفل شرط الحداثة في ما ينجزه المبدع ولا توفره ، بل هي قد تجهضها أحيانا – وقد أدرك وديع شامخ ذلك بقوة .. أدرك أن الثقافة ضرورة للشاعر الحديث وليس إدعاءات جنيات الإلهام وسكرته وأحلامه . يقول ” هاينه ” شاعر ألمانيا العظيم : ( يتحدثون عن الإلهام وأنا أعمل كالحداد . . أطرق حلقة في حلقة وحلقة بحلقة وحلقة مع حلقة ) ..وها هو سخام كور العملية الشعرية المثقفة يكلل جبين قصائد وديع المباركة .. سخام مقدس وجليل يعبر عن الرؤيا والرؤية المتلازمتين حد الإنصهار .. والرؤيا كما قلت في دراسات سابقة تعني الجواب على سؤال : لماذا أكتب الشعر ؟ أما الرؤية فهي ترتبط بالجواب على سؤال : كيف أكتب الشعر ؟ . وقد أمسك وديع بأزمّة الجوابين على السؤالين الجامحين بعقلية فذة ، وبعناية ” نحتية ” للمفردة بذاتها وللنص بكمال جسده البهي . وارتباطا بسؤالي الرؤيا والرؤية ، يمكننا القول من دون إطلاق منفر وتعميم لاموضوعي إن أغلب الشعراء القدماء قد أجابوا على سؤال الرؤية (كيف أكتب) ، وبعضهم بصورة رائعة ، لكن القليل منهم من استطاع الإجابة على سؤال الرؤيا ( لماذا أكتب ؟ ) ، والأقل هو من تمكن من المزاوجة العظيمة بين إجابتي السؤالين الخطيرين الكفيلتين بإنضاج كل منجز إبداعي دخل تاريخ الإبداع . وهذه المزاوجة الخلاقة رهينة في جانب كبير منها بثقافة الشاعر كما قلنا .. وفي نصوص وديع تتكشف خلطة عجيبة ومدهشة من الرموز والمخزون الفردي والجمعي من الأساطير السومرية واليونانية والموروثات المسيحية والإسلامية والحكايات الخرافية والمأثورات الشعبية وغيرها ، تعكس أدوات الشاعر المعرفية المقتدرة التي يجسد أداؤه فيها ذكرى كتاب ” تحولات ” أوفيد حيث تتبادل فيه الكائنات هوياتها ، فيتحول الرجل إلى صخرة ، وتتحول المرأة إلى موجة ، وتتحول الشجرة إلى إنسان ، والرغبة إلى بحر … إلخ ، وفي بحر الرغبة الشعرية الهائج غاص بنا ” وديع شامخ ” لنرى ” التحولات ” الشعرية الإحيائية الخالدة ، ونسمع : ” ما يقوله التاج للهدهد ” ) .
بعد ذلك استبق الشاعر وديع شامخ قراءاته الشعرية بكلمة شكر وامتنان إلى الهيئة الإدارية للمنتدى الثقافي العراقي مثمنا احتفاء المنتدى بالمبدعين العراقيين الذين يزورون دمشق أو يقيمون فيها ، ثم بدأ بقراءة مجموعة من نصوصه الشعرية من المجموعتين الجديدتين ، ومن مجموعتيه السابقتين : سائرا بتمائمي صوب العرش ( 1995 ) ، ودفتر الماء ( 2000 ) ، والتي تفاعل معها الحاضرون خصوصا من الشباب والشابات العراقيات . بعدها بدأ الحاضرون من النقاد والشعراء خصوصا بالحوار مع الشاعر حيث تحدث الناقد (خضير فليح الزيدي) – الذي كان أيضا في زيارة لدمشق قادما من بغداد – عن البصمة الشعرية الخاصة أو الصوت الشعري المتفرّد لكل شاعر والذي لا يتأسس عادة إلا بعد قراءة ودراسة وتحليل مجموع أعمال الشاعر وصلة هذه النظرة بمنجز الشاعر وديع شامخ .ثم طرح ظاهرة غريبة تتمثل في هذا التضخم السرطاني لاتحاد الأدباء في العراق ( 8آلاف عضو مقابل 350 عضوا في إتحاد الأدباء في الولايات المتحدة!!). كما تحدث الشاعر والناقد (فائز الحداد) عن جوانب من تجربة وديع التقطها من خلال متابعته المبكرة لها، وعن صوته المميز بين أقرانه من جيل الثمانينات ، هذا الجيل الجبّار الذي اثقلت كاهله الحروب والحصارات والخسارات الباهضة .
وفي الختام قام الشاعر بإهداء نسخة من مجموعتيه لكل واحد من الحاضرين تقديرا لاحتفائهم واستجاباتهم الرائعة .
وديع شامخ في المنتدى الثقافي العراقي في دمشق
تعليقات الفيسبوك