د. عاطف الدرابسة : يا بحرُ

يا بحرُ

هذا مدُّكَ ينحسرُ
كغطاءٍ للشِّتاءِ
كعباءةِ امرأةٍ
في خريفِ العُمرِ
فيتركُ لنا العريَ
والبردَ
والخذلان ..

يا بحرُ

تغيَّرَ لونكَ
تغيَّرَ اسمكَ
وتغيَّرت أحلامُنا فيكَ
فصارت كالأفكار المُقيَّدة ..

يا بحرُ

كلُّ الرِّمالِ مريضةٌ
كروحي
ذابلةٌ
كعيني حبيبتي
وكلُّ الشَّواطئِ
لا شمسَ تُناجِيها
ولا قمر
كأنَّها الرُّوحُ
حين تصيرُ مُقفِرة ..

يا بحرُ

لِمَ أغضبتَ الرِّيح ؟
لِمَ غابَ عن وجهكَ البرقُ
ورحلَ الغيمُ
وتوقَّفَ عن الرَّقصِ
مع موجكَ المطر ؟

يا بحرُ

من فقأَ آخرَ عينٍ
في موجكَ
حتى صارَ هذا الموجُ
أعمى ؟
من سرقَ الملحَ
من خلايا مائِكَ
فما عاد ماؤكَ
لجسدي طُهرَاً
أو لعقلي مأوى ؟

يا بحرُ

كيف أعبرُ منكَ
إلى بلادِ الضُّوءِ
وقد صادروا
عندَ أوَّلِ مرفأ
آخرَ باقةٍ رِيحٍ
في يدي ؟

كيف أعبرُ منكَ
إلى آخرِ دولةٍ
في الخيالِ
وقد مزَّقوا
آخرَ شراعٍ نسجتُه
بخيوطٍ من دعاءِ أُمِّي
ومن دمي ؟

يا بحرُ

يا أوَّلَ كتابٍ
من ماءٍ
ومدٍّ
وموجٍ
وريحٍ
علِّمني
كيف أقرأُ الجسدَ
كيف أقرأُ البلدَ
ألستَ الوجهَ الآخرَ للجسد ؟

يا بحرُ

لا فرقَ
بين رقصِ موجكَ
ورقصِ الجسد
لا فرقَ بين غضبكَ
وغضبِ الجسد

يا بحرُ

ألستَ الوجهَ الآخرُ للبلد ؟
لا فرقَ
بين أكبرِ حوتٍ
يقيمُ فيكَ
وأكبرِ حوتٍ
يشربُ البلد ..

د.ع

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم الأسدي : مركبُ الأرض ..

قاربٌ يتحطمُ فوقَ الصخورْ  فيغرقُ طفلٌ ويأفلُ في مقلةِ الأُمِّ نجمٌ ونورْ يريدونَ حريةً وحياةْ  …

| عدنان عبد النبي البلداوي : قالوا  وثَـقْـتَ .

لـكـــلِ قــافــيـةٍ عَــزْفٌ ، تــوَلاّهــا وحُسـنُ مضمونها، إشراقُ مَغْـزاهـا أجـواؤها إنْ حَواها الصِدقُ عامـرةٌ وعَـذْبُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *