فؤاد قنديل : نساء وألغام (3)

بعد غد 27 رجب (الإسراء والمعراج) سأشتري خروفاً سميناً، بمساعدة عمر طبعاً، وأكلفه هو وأنور بشيه كاملا، ويكون عشاء لكل أهل الموقع.
كانت مفاجأة أسعدتهم جميعاً وغيرت من لون الأيام..كان الخروف لذيذا جدا . أكلناه مع الفت حتى سقطنا فى مواضعنا  ثم اشتعلت السجائر ، ودارت أكواب الشاى ، وسرعان ما حضرت النكت التى تساعد على الهضم .. قام مبارك وسامى  وصلاح فرقصوا وغنوا وتبعهم الآخرون ثم جلسوا .. دارت أكواب الشاي والسجائر  من جديد  ، وبدأ فصل آخر من النكت ، لكن الموقف اشتعل فجأة، إذ سب ميلود الجزائري كعادته أحد المصريين بلا داع، بعد أن سكر، وقمنا بالتفريق بينهما، وأعدنا ميلود إلى صوابه مؤقتاً.
قلت له: سأركب للسانك هذا لجاماً حتى تتحكم فيه، نحن فى غربة يجب أن تكون قلوبنا جميعاً على بعضنا، تجمعنا المودة والحب.
فى نفسي أكدت على فكرة أن ينال علقة محترمة، الولد يعمل كحصان ويعتمد عليه وبه نخوة، لكنه سريع الغضب والسب.. قبل أن يغادرني، قال:
ـ ألست المسئول عن راحتنا، ويهمك أن نكون أحبة؟
ـ طبعاً يا ميلود.
ـ خلاص. اتصرف.. شوف لنا نساوين.
   دفعته بقبضتى فى صدره دفعة خفيفة  وأنا أقول :
ـ أنا قواد يا وسخ.. امشي
علت ضحكاته وهو يغادرني صارخا فى السماء:
ـ نساوين يا رب.
  فى نفسي قلت:
ـ هذا هو الحل الوحيد.. لكن الله غالب.
سهرت الليل أفكر فى توزيع النساء على العاملين على فرض أن الشركة أمدتني بعدد منهن.
                                      ******                       

قبل رمضان اتفقت مع أنور الطباخ كي يعد لي قائمة بكل المطلوب للشهر الكريم، حتى لو تجاوزت الميزانية.. عزمت أن  أخلق  جوا رمضانيا كى يشعر العمال وكأنهم فى بلادهم. قمر الدين والكنافة والقطايف والعرقسوس والخشاف والزبادي.
ذهل أنور من أفكاري وقال:
ـ  إن الشركة لن تدفع مليماً واحدا ثمناً لذلك.
قلت: سأتصرف.
عاد يقول: لا تحرج نفسك يا أستاذ.
قلت بثقة: لا تشغل بالك يا أنور، عليك أن تستعد، فهذا جهد كبير عليك. لن أشتري كنافة جاهزة، أنت ستصنعها وكذلك القطايف، سأحضر الدقيق فقط والمكسرات والسوداني والزبيب وجوز الهند، والزبادي أيضاَ، لن أشتريها جاهزة. سأشتري اللبن فقط.
قال أنور بحماس: أخدمك بعيني يا أستاذ.
سألته: طلباتك.
قال بسرعة وفى شبه خجل: شئ واحد
ـ أعرف.. شاب يساعدك.
تهلل أنور وقال: نشنت يا أستاذ.
بعد إفطار أول يوم، قال عدنان وهو يبتسم على مسمع من الجميع:
ـ حركة خبيثة.
سألته: أي حركة؟
قال: جو رمضان ونفحاته الجميلة.
ـ ولماذا هى خبيثة ؟
ـ تستعد بها لأي انتخابات.
ضحكنا جميعاً. المشهد مثير. تنتابني بسببه مشاعر السعادة الغامرة، كل عامل يتذوق قمر الدين يغمض عينيه ليستطعم ويقول: اللااااا ه ، ثم يقضم قطعة من الكنافة، ويقول:
ـ  يا سلام سلم.. الكنافة بتتكلم.
أقول لهم: احمدوا ربنا واشكروا أنور.
قالوا فى نفس واحد:  تسلم يديك  يا أنور.
قال سامي أمين المخازن الذى لا ينطق بحرف:
ـ سامحني يا أنور.. لو كان لك اسم تاني كنت أشكرك.
تنبهت إلى مقصده فأسرعت.
ـ سامي.. نحن هنا خارج بلدنا، لا يصح أن نذكر أحداً وبالذات من تقصده بسوء.
قال ميلود: حرية شخصية من حقه أن يعبر عن رأيه.
قلت: أعلم إنها حرية يا ميلود، لكنها تذكرة من أخ، ولماذا نرتكب ذنوبا مجانية؟.
قال ميلود بحدة نسبية: أنت تحاول أن تمارس عليه سلطاتك ونحن الآن خارج العمل.
قلت: يا مليود، حتى فى العمل ليس لي أي سلطة.. كلنا زملاء.
تدخل عدنان، وقال: كل سنة وأنتم طيبون جميعاً.. عن إذنكم، لا تنس يا مبارك، من الصباح الباكر تأخذ رفاقك إلى الطريق . عشرين كيلو فى اتجاه “بن جواد” .. أوشكت الرمال أن تغطي الطريق.. المفروض كنا نبدأ من الليلة، لكن ربماً تقل الحركة مع أول أيام رمضان وربناً يستر.
أكملنا السهرة الجميلة، بمشاهدة التليفزيون الذى نستحضر محطاته القليلة بصعوبة، وأغلبها كنا نتعامل معه على أنه جهاز راديو، لكنه كان كافياً للتسلية بعض الوقت وإثارة التعليقات. وأحيانا يهب ميلود ويخبطه على قفاه قائلا:
ـ  أنت لا تنفع تليفزيون ولا راديو ولا وابور جاز ولا حتى مرة.
* * * * *
 اندفعت راكضا من مكتبي على غضب وسب وتهديد وأصوات كثيرة عالية من ناحية الورشة.. ولما وصلت وجدت عددا من العمال المصريين يريدون أن يفتكوا بميلود، فمنعتهم وقد وصلت الحدة إلى قول أحد المصريين:
ـ لما يكون آخر يوم لي فى ليبيا لن أتركه، لقد صبرت عليه كثيراً من أجل خاطرك.
كان قد اختلف ميلود مع نادر السوري الذى يسكن معه على بعض الحسابات، وأخرج له المطواة، فأسرع موسي يفصل بينهما، فقال لموسي:
ـ  لا تتدخل أنت لست رجلاً.
قال موسي بسذاجته المعتادة وهو يضحك.
ـ كنا بالأمس معاً آخر حلاوة، ماذا جري لك؟ ولماذا أنا لست رجلا ؟
رد ميلود بسرعة: أنت مصري.. إذن أنت لست رجلاً.
    غضب موسي، وذهب إلى الورشة ليلتقط ما يضرب به، وعاد وهو يقول:
ـ لقد صبرت عليك أكثر من اللازم، لن أتركك اليوم ولو فصلوني.
تحول فجأة موسي مثال الرقة إلى وحش.
وتبعه آخرون، فاضطررت للتدخل ..سحبت ميلود ورجوتهم الهدوء .. اعتذرت بالنيابة عنه: ـ  هو بالطبع لا يقصد.. لحظة غضب.
فقال: بل أقصد.
   عندئذ جرجرته بعنف وأنا أقول:
ـ هل أنت حمار؟، سوف يقتلونك اليوم.. هيا معي.
طلبت منهم الصبر هذه المرة.. قالوا فى نفس واحد:
ـ قلت ذلك مائة مرة.
قلت بتأكيد: أقسم بالله وصيامي أن هذه آخر مرة.
قلت له: ستبيت معي، لأنهم لن يتركوك.
قال  وهو ينفخ كثور هائج : بل سأبيت بينهم وأنا لهم جميعاً.
  وددت لو  أقضمه بأسناني.. قلت :
ـ المسألة ليست معركة.. نحن أخوة، لماذا لا تستطيع أن تتأقلم وتحافظ على زملائك ؟
واصلت تهدئته، وسألته عن حسابه مع نادر، قال لي: تسعة دنانير، أعطيتها له ودعوته لاستكمال عمله بعيدا عنهم وأن يبيت معي فى غرفتي.
تململ، فألححت عليه وأخيراً قبل.
أقسمت بيني وبين نفسي أن أضربه ضرب موت وليحدث ما يحدث..  لا يجب أن أعرض العمال المصريين للأذى من الإدارة، فهم أصحاب ظروف أسرية صعبة، أما أنا فلا أعاني من شئ،وأعزب والفرص أمامي ليست معدومة.
انتهي يوم العمل.. تجمعنا فى المطعم حول الإفطار..  وميلود إلى جانبي.. فتح سامي التليفزيون ..استمعنا مثل كل ليلة لآذان المغرب، ثم سمعنا صوت وردة الجزائرية تغني أغنية جديدة وجميلة..  ” وأنـــــا على الربابة باغني غنوة أمل للخلود.. أمل للنصر.. تعيشي يا مصر.. تعيشي يا مصر. ”
تلتها: أغنية “بسم الله. الله أكبر باسم الله”..وأدان على المدنة باسم الله باسم الله وأدان لبلدنا باسم الله. باسم الله .
أطل المذيع وقال: إليكم البيان التالي:
ـ  عبرت اليوم قواتنا المسلحة القناة إلى الضفة الشرقية واجتاحت خط بارليف وهى الآن تواصل التدفق فى عمق سيناء بعد أن استولت على أغلب المواقع الحصينة للعدو.
أقسم بالله لقد طرت فى الهواء ،  وأقسم بالله أني فوجئت بالكل يطير ومعنا ميلود.. أخذنا جميعاً نتعانق ونبكي ونقفز ونتكلم ونتعانق، ثم خرجنا إلى الساحة لأن هواء المطعم لا يكفينا.. أمسكنا جميعاً أيديناً معاً فى دورة كاملة نرقص متماسكين ونغني باسم الله.. الله أكبر.. باسم الله.
ساعة كاملة نغني ونرقص، ثم قال مبارك:
ـ نصلي أفضل.
صلينا جميعاً، حتى سامي المسيحي أمين المخازن.. وعدنا إلى الطعام الذي كنا نتناوله مع الدموع التى لا تكف عن الهطول.
بعدها قام ميلود بالانحناء علىّ وتقبيلي وهو يقول:
ـ سامحني.
مر على كل المصريين يقبلهم وهو يقاوم دموعه ويقول:
ـ أرجوكم سامحوني.. أنا غلطت فى حقكم.. الآن فقط حسيت إني خاطي.. نحن فى الجزائر لا نحب أحد مثل المصريين.. لكن ما حصل فى 67 طير رأسنا وودر عقولنا.. نترجى فيكم. سامحونا.
 مضينا نلتقط الأخبار، كل واحد أحضر الراديو الخاص به، وصعد بعضنا فوق السور وذهب إلى الطريق ليجلب إذاعة لندن ومونت كارلو وكل ما يستطيع التقاطه لأول مرة، هناك اتفاق كامل فى وصف الحدث الكبير.. الجنود المصريون عبروا القناة، والسوريون يتقدمون ببسالة. أذاع راديو ليبيا أن العقيد معمر القذافي سيلقي خطاباً الليلة.. فرحت جداً بالفكرة، سيقول خطاباً ليشجع الجنود الذين يحبونه، لأنهم يرون فيه رائحة من الحبيب عبد الناصر، وأنا أحبه وأثق أنه سيكون له شأن، على الأقل فى ليبيا.. الساعة التاسعة والمذيع يطلع علينا ليقول: بعد قليل سيلقي الأخ العقيد خطاباً هاماً. الساعة العاشرة، المذيع يطلع ليعيد ما قاله.. الحادية عشرة والثانية عشرة، والمذيع تغير عدة مرات.
لم أعد أري شيئا، عيناي مجهدتان، مغلقتان.. والمذيعون جميعاً تم استدعاؤهم من كل أنحاء البلاد ليعلنوا عن خطاب العقيد الذى لا يظهر، ولا أعرف السبب.
أتابع الإذاعة المصرية لأعرف الجديد، ولأتأكد من تمسك الجنود بأرضهم وأعود إلى الإذاعة الليبية والتليفزيون الليبي.
 أحاول تصور الأسباب، أيا كانت الأسباب فأملي أن يلقي كلمته.. سيشد من أزر الجنود ويرفع معنوياتهم.. هم الآن بحاجة إلى من يجفف عرقهم بكلماته الحماسية ويبث فيهم الأمل
فى الساعة الثالثة صباحاً ظهر العقيد، الثالثة صباحاً أي قبل الفجر بساعة . قال العقيد:
 ـ الجيش العربي سينهزم لأن الرؤساء لم يأخذوا رأيي ولم يرجعوا إلىّّ.
كنت واقفاً فجلست. وضعت رأسي فى كفي.. أصبحت ثقيلة بعد أن حط فوقها الكلام اللعنة.. أسوأ ما سمعت فى حياتي!!
  لقد صدمت بشدة لأني كنت قد تعرفت على العقيد فى عدة لقاءات، أولاها عندما فوجئت به فى صف لدفع المخالفات فى مرور طرابلس وكنت أنتظر صديقي الذى حضر لتجديد رخصته.. درت حوله لأتأكد أنه هو، دهشت جداً وشعرت بنشوة السعادة.. أخيراً سيري العرب العدل والحريةوالقدوة.
كان أحد الأصدقاء الليبيين قد دعانى  مرتين لحضور لقاءاته مع المثقفين والشخصيات البارزة فى المجتمع .. لفتت نظري أفكاره المستنيرة وأحلامه، ومع ذلك تسرب إلىَّ إحساس بأنه يختلف تماماً عن عبد الناصر.. بدا أنه لا يعرف ما يكفى عن الحراك السياسى العالمى ، ويعرف القليل  عن بلده و خصائصه النفسية وتعقيداته الاجتماعية.  يتحدث عن كل شئ فى المطلق .. أسرتني بساطته وتواضعه، وتمنيت له من كل قلبي التوفيق من أجل هذا الشعب الذى أحببته والذى حاق به ظلم كثير، آمنت بأن هذا الشاب الحالم الرومانسي قليل الخبرة سيتعلم بسرعة ويغير الحياة فى ليبيا.أكد لى ظنى إبراهيم الفقيه  الذى تعرفت عليه فى تلك الفترة مع خليفة التليسى وعلى المصراتى .
ظهر طيف عبد الناصر وملأ بعباءته السماء والأفق مثل والد  “هاملت ” عندما طالبه بالانتقام .. آه. ياعبد الناصر. أيها الحلم الرائع والمثال الرفيع للوطنية. كيف مضت بك وبنا الأيام إلى ما نحن فيه. لا شك أنك كنت تفتقد الكثير من الحيل السياسية وكان غياب الديمقراطية السبب فى ألا يصارحك البعض بآرائهم ، أو يصارحونك وأنت لا تري إلا هدفك الأسمى كالعاشق الذى لا يقبل كلام الأخرين عن حبيبته حتى لو كانت ناقصة الجمال، أوسيئة السمعة .
أنا لازلت غير قادر على تصور ملاحقة رجالك للكتاب والمثقفين.. ولا أتخيل صبرك الطويل غير المبرر على دعم الثورة اليمنية لمجرد إيمانك الراسخ بدعم البلاد العربية واستقلالها بكل ما نملك، حتى لم نعد نملك.
ولا أنا قادر على قبول رضاك المشبوه عن عامر الذى لا علاقة له بالعسكرية.. وأين كانت قراءاتك للأحداث والتصريحات  وخبراتك وإحساسك عام 1967 ؟ !.. ألم تلحظ موقف الاتحاد السوفييتى المتخاذل والذى يتناقض تماما مع موقفهم عام 1956 ؟ ! لماذا لم تتنبه إلى أن جونسون يختلف عن كنيدى ؟ !
إن الحصاد المر لا يليق بأمثالك من أبطال التراجيديا الإغريقية ولكنه برغمك ورغمنا حصاد يناسب الغافل حتى لو كان متدينا، ويناسب الرومانسي مهما كانت وطنيته، لقد خلقت السياسة للخبثاء فقط، لقد أسأت الحساباتدون شك ، لكن الأقدار لم ترحمك ولم ترحمنا.  
    أنت الوطنى النادر تحولت إلى بوابة دخلت منها إسرائيل .. يا لسخرية الأقدار !.. صحيح أنك جهزت الجيش للحرب تماما ، لكن السادات أتقن الاستعداد والتمويه والعبور . أشرف بنفسه على كل صغيرة وكبيرة  . كان يدرك أن مصر لن تستطيع أن تتلقى ضربة أخرى  ولن يقف الصهاينة عند القناة  .
* * * * *
   
      السادات  فكر طويلاً فى المعركة، وكان يجب أن يفعل ذلك، وأي شخص فى مكانه مهما كان محروماً من الفكر والرؤية، كان لابد أن يحفر الأرض بحثاً عن الرأي الصائب وأن يؤمن السبيل بشكل يحول دون تكرار اجتياح 1967، واسميه كذلك لأن ما حدث لم يكن معركة، ولا حرباً وإنما اجتياحا. طائرات إسرائيلية انطلقت وضربت طائرات مصرية فى مرابضها ثم تحركت إلى القوات البرية فيما يشبه الأرض المحروقة، لأن الطائرات سبقتها وعبدت الطريق، والحرب لن تكون بين جيش مصر البري والطائرات، فأسرع رجاله عائدين أو مختفين.
  الجيش كان جاهزاً للحرب فى 1973 عبر الدراسات الرائعة فى فن وعلم التمويه حتى لا تتكرر المأساة العجيبة، وهذا فى ظني ما شغل بال السادات وقواد الجيش، وأهم وأفضل ما فعل.. عدم إبلاغ القذافي.
  فجأة شعرت أن السادات بحاجة إلى التعويض عن الإهانات التى كلناها له فى المظاهرات والمقالات، لقد تحمل كثيراً وها هو يؤدي ما عليه وزيادة فيستحق التقدير.
    أخواى نازك وفتحى فى الحرب. أكل قلبى القلق عليهما رغم أن الوضع العسكرى يبدو  جيدا ،  لكن الحرب لا أمان لها . يجب أن أكون إلى جانب والدىٌ وبالقرب منهما . أسرعت  بالسفر إلى مصر  رغم مقاومة إدارة الشركة .
     كنت أمشي فى القاهرة يوم 16 أكتوبر، عندما ظهر موكبه إلى جانبي وهو يقف منتشيا فى سيارة مكشوفة، الناس تركض من حوله وتحييه، كنت قبل هذه الأيام أنفر من سيرته وأحاول ألا تقع عيناى على صورته، أما اليوم فقد وقفت أصفق له بحرارة، وتخيلت أنه ينظر إلىَّ نظرة ذات مغزى، واصلت التصفيق حتى بعد أن مر.
       تنهدت بعمق وقلت:
ــ  يا سلام يا مصر.. فى أحيان كثيرة يطول تحملك وصبرك، ثم تهبين لتحرزي الهدف فى الوقت المناسب.. طول عمرك تهزمين شر الهزائم وتنتصرين أروع الانتصارات. طول عمرك بلا نسق أو نظام، وربما عدم النظام أحياناً نوع من النظام.. هذا الرجل الداهية أنجز ما لم يكن متوقعاً.
   مازالت عمليات التمويه فى الحرب بحاجة إلى درس، وبحاجة إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تليفزيونية، ليعرف المصريون والأجانب ماذا تم على مستوي العلم والعسكرية.
              بعد العيد أقلتني البيجو إلى السلوم على بعد سبعمائة كيلو متر من القاهرة.. كنا مكدسين فى السيارة. ظللت بداخلها ألعن الزحام الذى أمقته والسجائر التى أكرهها وأشفق على مدخنيها.. كل شئ يضغط علىَّ حتى السائق المجنون ضئيل الحجم الذى لا يعلو رأسه على المقود، ولا يكف عن الثرثرة والغناء بصوت مشروخ وممزق للآذان.. تلاشي إحساسي بالمعاناة اللحظية التى أعيشها فى السيارة التى أستشعر أنها قنبلة بصورة من الصور. كان يجب أن أعود إلى ليبيا  كى أدخر ما يكفى لتحقيق أمنيتى فى رحلة أوروبية .
      اقتحمني التفكير فى أمريكا التى تدخلت فى الحرب وبشكل سافر. أكد أخي فتحي الذى حضر فى أجازة 24 ساعة أنهم أسروا دبابات أمريكية وجدوا عدادها يشير إلى 63 كيلو متر، أي أن الدبابة هبطت فى العريش ولم تأت من إسرائيل. تدريجياً تزايد الضغط وانفتحت الثغرة .. السادات اضطر لقبول وقف إطلاق النار، والإسرائيليون يحاصرون السويس، جولدا مائير التقطت لها صور فى ميناء الأدبية على بعد مائة كيلو من القاهرة.. القيادة المصرية فشلت فى إدارة مشكلة الثغرة. نشب نزاع بينهم.. كان يجب أن  تضرب بعنف منذ أول يوم. نفذ الإسرائيليون وسط قرى الإسماعيلية. وتعذر على القيادة اتخاذ قرار حاسم بضرب الجميع. ستفسد الفرحة.
  وصلنا أخيراً إلى الجمارك المصرية.. فوجئنا بالخبر..
ـ العقيد أمر بعدم دخول المصريين.. الشرطة المصرية لا مانع لديها من السماح بالسفر، لكن الشرطة الليبية ستمنع..
      نزل الركاب وافترشوا الأرض على الحدود بين البلدين بعد إنهائهم الإجراءات المصرية.. ما العمل؟.. لا تزال لي حقوق لدي الشركة، فلم أحصل على مرتبي لمدة أربعة أشهر ولابد من الرحلة الأوروبية.
  كلما مر الوقت تكدس المصريون، ولم يمنع الليل الذى هبط بإصرار من  هطول أعداد كثيرة من السيارات المصرية لتتكدس منتظرة على أجناب الطريق ولا تود أن تعود فارغة، بعضها يقل العائدين من ليبيا، لكنهم قلة.
  لا أدري كيف تكونت مستعمرة فى الساحة التى تفصل بين المبنيين المصري والليبي.. تدريجياً ظهر من يبيع البسكويت والحلوى والسجائرواللب والفول السودانى ، ومن يعد الشاي والقهوة واليانسون والحلبة، ومن افترش الأرض ونام.. الحقيبة وسادة.. تشكلت الدوائر وتجاذب أفرادها أطراف الحديث.أحس البعض بالبرد فقاموا وجمعوا بعض العصى الرفيعة والأخشاب  المتناثرة خارج حرم المبانى وأشعلوا نارا . مد الكل  إليها الأكف.. تعالت الضحكات وامتد حبل الحكايات . جاع البعض فقام وأخرج ما معه من الفطير والجبن والعسل والبيض المسلوق والبط والوز المحمر  والكعك والبلح وما حمله من الأهل كزوادة للطريق . فى أقل من ساعة بنى المصريون قرية صغيرة وتعايشوا مع الظروف حتى تتغير الأحوال ، فيفصلون لها مايناسبها وتمضى الحياة كأنها بلا مشاكل . انضم إليهم بعض رجال الشرطة الليبية ليسمعوا النكات المصرية ويشاركوا فى حضرة الإمتاع والمؤانسة .
      أراقب ما يجري مندهشاً.أتأمل طبيعة المصرى البسيط الذى تعود ألا يحمل هما مهما ساءت الأحوال فثقته بالله دون حدود ، ويوقن تماما أنه سيتصرف . ولذلك يقول ، ويعلقها على الجدران وعلى هياكل السيارات : يقينى بالله يقينى .
        تجاوزنا منتصف الليل ولا جديد.. القذافي فجأة  وبدون أي مقدمات أو أسباب قرر اليوم عصراً منع دخول المصريين . ولم يكن الخبر قد وصلنا عندما تحركنا من القاهرة ظهراً.
  لماذا يجلس المصريون هكذا ؟ وماذا ينتظرون ؟ تتعلق قلوبهم دائما بالأمل، وقد قضوا أعمارهم ينتظرون مالا يجيء.. مخلوقات عجيبة، لديها ثقة لا نظير لها بالله، وإيمان صخري أنه سيتدخل فى اللحظة المناسبة، والحقيقة أنه يتدخل فى أحيان كثيرة وإن كان تدخلاً ناعماً وبسيطاً، فهم دون شعوب كثيرة لم يعرفوا معنى الرخاء والوفرة.. معظمهم دائما فى حالة تقف على تخوم الستر، أسميها “بالكاد” .. بالكاد يعيشون. بالكاد يأكلون ويشربون. بالكاد.
  فجأة شب نزاع بالقرب من مقر الشرطة الليبية. انتفض المصريون نحو الأزمة.. سحبت حقيبتي الخفيفة وتبعتهم، كان الصخب عالياً والحناجر مسنونة.
  بدا أن الأسباب تافهة، لكن أوتار الأعصاب مشدودة. تدافع خفيف.. لمحت الممر الذى يجتازه الركاب إلى “إمساعد” خاليا ومشجعا كأنه انفتح خصيصا من أجلى . تسللت إليه واجتزته .. انحرفت بسرعة يميناً على طريق ترابي فى الظلام.. ابتعدت عن الطريق الرئيسي الذى تحرسه بعض المصابيح، وتغمره أحياناً أنوار السيارات، كانت هناك سيارات ليبية فارغة تنتظر.
        سرت نحو ثلاثة كيلو مترات فى الأرض القاسية التى لايطأها إنسان ولا حتى البدوى .  تعثرت عدة مرات وقفزت هربا منى  حيوانات صغيرة. وقعت فى حفر  وتغبرت ملابسي ، وتمزق بنطلونى من فوق الركبة بعد أن ارتطمت ببقايا أعمدة وتجرحت ساقاي .. تعلقت ببنطلوني أشواك وأسلاك.. خطر ببالي أن تكون المنطقة بها ألغام منذ الحرب العالمية الثانية، ولا أري فى الظلمة لافتات.أضواء السيارات القوية تؤذى عينى ولا تساعد على الرؤية .استبعدت أن تكون هناك ألغام حتى أرفع عن نفسى ضغط الخوف ، ومضيت أخوض فى المجهول .. لفحات من النسيم البارد ترطب رأسي المثقل بالهواجس، دون أن أجسر على تقييم ما فعلت وعواقبه.
     لقد كان من حظي أن أنهي رحلة الضياع المبهمة على الحدود مؤقتا.. كان صعباً علىّ رجوع سبعمائة كيلو متر مكللا بالفشل ومضغوطاً ومقهوراً فى مطحنة الجشعين من السائقين..         عودني الله أن يمد يده إلىّ برغم نزقي فى كثير من الأحيان.. أنا الآن كائن متهرب.. وجودي فى ليبيا غير شرعي. أنا الآن إنسان عربي يخوض فى واقعه العربي.    
      مشكلة كبيرة ليس سهلا مواجهتها ولديها القدرة على أن تهدم كل ما فعلت. جواز السفر غير مختوم بالدخول .. الشرطة توقف السيارات باستمرار طوال الطريق.
  صعدت إلى الطريق وسرت فيه إلى أن شقت الظلمة أمامي أضواء سيارة قادمة من خلفي. أشرت لها فتوقفت وركبت. كان بها أربعة. لم يسألني السائق عن شئ وكان يجب أن يسأل، لكنه كان شبه سكران وشبه مجنون، ويواصل السب، فهمت بعد وقت ليس بالقليل إنه غير راض عن وقف الحال.أوقفه شرطي، فتبادلا الشتائم وتبين أنهما أصدقاء.
      البحر المتوسط يزهو بمياهه ويفتح ذراعيه مرحبا بالسماء المتهللة بالنور . الساعة تجاوزت الرابعة والسائق لا يلتفت إلى الطريق إلا نادرا. السيارة تدرك ظروف وحالة صاحبها. مهما ضرب المقود وتحول ينظر خلفه إلى الركاب، وانشغل بتغيير الأشرطة، فلم تتخل عن الانطلاق باعتدال. أوشك أن يضرب جملاً صغيرا يركض خلف أمه عابراً الطريق من الرمل إلى الرمل. هل نحن دائما على هذا الطريق.. من الرمل إلى الرمل ؟
  توقفت العربة عدة مرات أمام نقاط المراقبة، لكن رجالها ـ مشكورين ـ كانوا قد ضاقوا بالتفتيش.. شرعت مساحات النور تعلو تدريجياً وتسمح للعيون أن تري بارتياح المعالم المنفلتة.
      ما قيمة الدنيا دون صباح؟! كم هو بديع ومنعش وباعث للحياة. وضوحه الجميل يروي الأرواح المعتمة ويفتح الصفحات الجديدة على بوابات الأمل. مررنا بطبرق ودرنة والبيضا.. مررنا بالمشاهد البرية الطبيعية المورقة والاخضرار المتألق والأرض الحمراء.. جبال ووديان تحاول أن تكبح عشقها المفضوح.
      البحر المتوسط يزهو بمياهه الملونة بالصفاء الأزرق ، ويفتح على امتدادهما ذراعيه مستقبلا السماء المتهللة بالنور الطازج مستمتعة بلمساته الندية .

      وصلت لمسكن عزاب الشركة فى بنغازي، وكان بعضهم قد استيقظ.. نمت حتى العاشرة، وأسرعت لأسلم نفسي للإدارة.
قال المدير:
ـ جئت فى وقتك.. القافلة الجديدة المخصصة لمركز بن جواد فى انتظارك.
توقعت أن يتولى المركز الجديد غيري، لكنهم رفضوا فكرة اختيار آخر، وكانوا قد يئسوا منى لأن القذافى قرر منع المصريين.
سألوني فى دهشة:
ـ كيف جئت؟
ـ عادي
ـ غريبة ؟
  بن جواد قرية كبيرة نسبيا، وأفضل كثيراُ من “العقيلة”..  يوجد فى الأولي مبني مهجور، لكن مركز بن جواد سيتم انشاؤه من الصفر، ولم يكن فى “بن جواد ” أية أحاديث عن شنق أو قتل. ومن ثم لم أتوقع هجوماً من الكوابيس، ولا تهديدا من الأشباح.
  أشعر بنشوة لأني متجه إلى الصحراء، ولأني أقود عملاً مؤثرا وأحظي بثقة رؤسائي.. كان طول القافلة التى أتقدمها نحو ربع كيلو من العربات الكبيرة والصغيرة.. فى البداية بنينا سوراً بارتفاع ثلاثة أمتار لنحدد المساحة المربعة التى تجاوزت خمسة أفدنة.. ظهر المعسكر مباشرة على البحر المتوسط، ووجه المركز للجبل.
     تعودت أن استيقظ فى الصباح لأسمع هدير الموج من خلفي، وأتطلع إلى الجبل المهيب أمامي. أشعر أنى أعانق الكون كل يوم. أتلقي الإلهامات الربانية. أسمو إلى جلال الخلق والخالق .. أغسل روحي وأسلم قلبي لهمس الطبيعة.
  كنا قد أقمنا ثلاث خيمات كبيرة للعمال بينما أسكن فى كرافان، وهناك كرافان آخر للمهندس رفقي الفلسطيني.. بنينا الورشة أولا قبل أي بناء، وواصلت مهمتي فى إدارة المعسكر، كم أحب الإدارة والترتيب وتوجيه الطاقات والاستفادة بها أكبر استفادة، وخلق أجواء من المحبة والتعاون! ساعد عليها محاولاتى لتوفير سبل ممارسة الهوايات مثل السلة التى بنيت لها منصة، وتنظيم مباريات كرة القدم والشطرنج وشد الحبل، ومنافسات الصيد فى البحر والقراءة والطاولة وليالي السمر بما فيها من مسابقات، كما كنت أوفر لهم الكثير من الكتب والمجلات.
      بدأت  حفلات السمر  بمباراة بين اثنين لتعليق أكبر عدد من مشابك الغسيل فى الوجه، كما كنت أفعل فى معسكرات أبي قير بالإسكندرية إبان الدراسة الثانوية وكان يسيرا أن أفوز وسموني بطل المشابك، فقد ركبت فى وجه خصمي واحدا وثلاثين مشبكا، ولم يركب فى وجهي إلا تسعة عشر . كنت أركب المشابك فى الشفاة وعلى الآذان وفى الرقبة وفى الشعر والخدود، لذلك كنت أختار الخصم السمين، ويضحك الجميع لمشهد حامل المشابك.
       القراءة ملاذي الأول، لكن محاولات الكتابة بدت عاجزة والأفكار هاربة واللغة قعيدة والرأس مجهد بالمسئوليات والمشاكل  وقلقى من تباعد فكرة السفر لأوروبا، فقد كان يغيظني رئيس مجلس الإدارة بأن يؤكد تمسكه بي، وإنه لن يسمح لي بالغياب عن الشركة لأي سبب، وأنه حتى لو تركها فسوف يصحبني معه أينما ذهب. ومع ذلك كنت أرسل لأبي أخبره برغبتي فى العودة، فأنا لا أحب البقاء غريباً من أجل المال.. هذا آخر ما أبحث عنه. أنا بحاجة إلى أن أكون حيث يكون الأدب والأدباء  ، فيقول لي:
ـ  أنت الرجل غير قادر على تحمل العمل وأنت على شاطئ البحر وبالقرب منك مدن عامرة، هناك نساء مصريات ذهبن للعمل عند آكلي لحوم البشر. اختشي على دمك.
  كان يشير إلى بعض الجيران والأقارب المدرسات والطبيبات اللائي ذهبن للعمل فى الكونغو وموزمبيق ورواندا وغيرها.
        أدمنت كتب ومجلات الفن التشكيلي والكتب السياحية التى تتحدث عن روما وباريس ولندن وفيينا وأثينا.. استولت علىّ روما بالذات، وفنانو عصر النهضة العماليق.. أي جبروت يتمتع به  دافنشي العالم النحات والرسام والكاتب؟! ومن أي سماء حمل إلينا فنه ورؤاه مايكل أنجلو ؟!  وما هذه العذوبة التى تفيض بها رسوم رفاييل وغيره من رسامي العالم مثل: دي لا كروا ومونيه ومانيه وسيزان وبوتشيللي وميسينا وبوسان، وديورر ودي لاتور، والجريكو وديجا وكونستابل وتيرنر وجاودي وجويا وهايدلدرين وفريدريك لويس وبوش وبروجل وجيروم وبيكاسو ودالي وميرو وفريدا كالو.. ما هذا السحر الذى يشرق من عيونهم وأيديهم ومن تحت أقدامهم ليشيع البهاء فى العالم !!.
  لم   يكن  ممكنا  أن أنام قبل أن أسمع شريطين أو ثلاثة من موسيقي بيتهوفن أو دي بوسي أو مندلسون، أو موزارت.. وما كان بالإمكان تجاهل شتراوس الجبار أو تشايكوفسكي أو فاجنر .
      رغم كل موسيقي العالم الفاتنة وعبقرية الجنون المتفجرة منها، أشعر بالانحياز لأقطاب الفن التشكيلي، وأشفق عليهم لأن إنتاجهم مكاني، لا يطير ولا يتحرك نحو الأبصار، وطباعته ونسخه  ليسا  كافيين كي يجتذب الذائقة، لكن الأدب يحلق والموسيقي تبلغ الآذان ولو كانت  فى  المجرات البعيدة.
     لأول مرة أشعر أن التصوير  يفوق كثيراً الشعر والرواية ، وتبدع الألوان والظلال ما لا تتفتق عنه اللغة، وأن الموسيقى الطالعة من التصوير فى بعض اللوحات لتفوق الموسيقى التى تصدر عن البيانو والعود والكمان . كل هذا العالم الرائع يدفعنى بشدة لمعانقة   السيدة أوروبا وردة العالم النضرة .
  الحياة هنا على جمالها فقيرة وبدائية وأوروبا لا تكف عن ندائي.. لابد أن تكون “بن جواد آخر ما يربطني بليبيا. فالأبحث فيك أيتها القرية الصغيرة عن ملمح من ملامح الجمال  لعله يستبقينى هادئا حتى يحين الحين  وألقى بنفسى بين أحضان محبوبى .
        أإلى هذه الدرجة تفتن بأوروبا لمجرد أنك قرأت ما كتبه طه حسين وزكى مبارك وسهيل إدريس وأحمد الصاوى محمد وحسين هيكل ومندور ولويس عوض وأنيس منصور والطيب صالح ؟!                            
       أإلى هذه الدرجة تفتن بأوروبا لمجرد أنك شاهدت الأفلام السينمائية  وبطلاتها وأبطالها وبناتها ونسائها وعمائرها ومختلف معالمها ؟ !
    أإلى هذه الدرجة تفتن بأوروبا لمجرد أنك طالعت لوحات الفنانين فى الصحف والمجلات وشاهدت  صور الشوارع والميادين والنافورات والجبال وهى تنتعش فى حضور الربيع وترتعش إذا حط الجليد وابيضت السطوح العالية  ؟ !
       كنت مفتونا فى سنوات الصبا والشباب الأول بالنساء والحب والكتب وعبد الناصر  واليوم لا تفتنك غير أوروبا ، حيث الفن والجمال والعلم والبهاء والسلوك والحرية والديمقراطية وجلال الفكر ، وشتى تجليات التقدم والرفاهية  وحيث الانسان هو بالفعل خليفة الله على الأرض .
       يفتنك دون شك ما يبلغك عن النظام فيها و احترام الانسان إلى درجة التقديس . فهل أنت من السذاجة بحيث يغيب عنك بطش هذه الدول بالشعوب الفقيرة التى خضعت بضعفها لدول أوروبا الإستعمارية ؟..هل غاب عنك فجأة ما تعرضت له هذه الشعوب من سحق وقهر  وتجويع وإبادة ؟ ! كيف عميت عن أبشع صور الاستغلال التى حاقت بثروات هذه البلاد ؟  كيف تناسيت وأنت تحنى جبهتك وكل ما فيك لولعك بأوروبا وتدلهك بها غراما وعشقا أن  الحكومات المستعمرة  اضطرت – تحت ضغط ثورات الشعوب التى لا تجد ما يسد رمقها –للجلاء عن هذه البلاد المحتلة و تركتها عارية تماما تحت حرارة الشمس القاسية . تنهش لحومها أنياب الفقر والحرمان والجهل والمرض والحيرة والضياع  وانعدام الرؤية ؟. يكفيك أن تتذكر الأحوال فى أفريقيا التى تغرق فى جب بشع من شتى ألوان العذاب  والمهانة ، وكل شبر فيها دليل على انعدام أى أثر لحقوق الإنسا . لا تقل  : لقد تسلمها أبناؤها .. فماذا تسلموا  لأنها – حبيبتك _ كانت تود أن تعود بصورة أخرى أقل شراسة ..صورة الاستعمار الناعم الجديد ..هل سمعت به ..أم تراك ماض فيما أنت فيه . لاترى إلا جانبا واحدا من الصورة ؟
                                       
                                         

                                          *******

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. زهير ياسين شليبه : الروائية المغربية زكية خيرهم تناقش في “نهاية سري الخطير” موضوعاتِ العذرية والشرف وختان الإناث.

رواية الكاتبة المغربية زكية خيرهم “نهاية سري الخطير”، مهمة جدا لكونها مكرسة لقضايا المرأة الشرقية، …

| نصير عواد : الاغنية “السبعينيّة” سيدة الشجن العراقيّ.

في تلك السبعينات انتشرت أغان شجن نديّة حاملة قيم ثقافيّة واجتماعيّة كانت ماثلة بالعراق. أغان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *