سفن بلا ربان-عن رشدي العامل
د. حاتم الصكر
سفن بلا ربّان
عن رشدي العامل
أتعبتني يا أيها المتعبُ فحيثما تذهبُ بي أذهبُ
أنت شراعٌ هائمٌ في الدجى
يطوي الليالي، وأنا المركبُ
أتعبك البحرُ وأمواجهُ لكن أحلامكَ لا تتعبُ
أودعك العالمُ أحزانه وأنتَ لا تشكو، ولا تنحبُ
كأن أحزانكَ أرجوحةٌ
راقصةٌ، في ظلها تلعبُ
استذكار الشاعر الخمسيني الراحل رشدي العامل يستلزم بعد قرابة ثلاثة عشر عاما أن نقف عند اهتمامات جيله التي كانت السياسة شاغله والواقعية منهجه في الشعر والسرد ، تعبيرا عن رؤية اجتماعية تزدهر في الصراعات الطبقية والعقائدية. تتصادم الرؤى وتعبر عن نفسها مباشرة بصوت عال وغنائية تنعكس على لغة القصائد وصورها ، وإيقاعاتها التي تهيمن عليها الوزنية عمودية أو حرة ، وربما تجاورت في نص واحد، كما في كثير من قصائد رشدي.لكن تميزه بين أقرانه يكمن في مزاوجته بين سمات الرومانسية الشعرية والواقعية التي يهفو لها فكرياويؤمن بها.
في 1-7- 1986 سلمني رشدي نسخة من ديوانه (حديقة علي) وكتب في الإهداء (أخي حاتم سأظل شاعراً رومانسياً). كان يشيرمشاكساً إلى مقالتي (غناء الألوان المهاجرة) حيث شخصت خطابه المميز بنبرة غنائية ، ومناخ رومانسي يؤطر قصائده ، حتى تلك التي يوهم القارىء بأنها واقعية (احتكاما إلى موتيفاتها : حدث- شخصية -موقف) فهو يختار زوايا ومداخل تضعه دوماً في (مواجهة) موضوعه.
كما أشرت في المقالة ذاتها إلى مناقشة بينه وبين الزميل ماجد السامرائي، رد فيها رشدي بعنوان طريف وموحٍ: (نعم , أنا شاعر رومانسي).
فهل كانت رومانسيته آمتيازاً أم نقصاً ؟ تقليداً ومحافظة أم خصوصية وهوية؟ وهل كانت محاولته المزاوجة بين الرومانسية والواقعية وهماً؟
يقول رشدي عن القصيدة: ( تتحكم بي إلى درجة العذاب . تمزقني . تفري عروقي. وأحياناً تتعطف عليَّ ؛ فأحبها في الحالين.) وهذه المجاذبة العقلية والعاطفية الصورية شعريا ً تؤكد ما ذهبت إليه قراءات نقدية كثيرة لشعره تشيد بانعتاقه
من الواقعية الفوتغرافية وآختياره الفضاءات التي تتيحها الأحاسيس والرؤى الرومانسية.فيتجاوز حواسه التقليدية ليسند لها وظائف تعكس العمق الروحي. فهو (يشم) الألوان كطائر يقول عنه:( الطائر المذبوح/ يشم لون عشه/ فتستفيق الروح) وتلك هي رمزية صلته بوطن قال عن ثنائية جماله ورعبه إن(الضلوع تَراقصُ بين الولادة والموت/بين القماط وبين الكفن/أيهذا الوطن!) ملخصاً عناء حب وطن جارح يتمدد في مسافة زمنية ومكانية :بين القماط في الولادة والكفن في الموت ، كأنهما قوسان يغلفان المصائر ويحددان الاحلام.
في تصوير مواجده ومصائر أحلامه يستعير رشدي مفردات وإجراءات الخطاب الرومانسي.كل شيء له تمثيل رمزي من الطبيعة. كونها الشاهد الأكبر على إنسانية الإنسان ، وعلى حيرته وضياعه.الحياة يتم تمثيلها بالصورة التالية: (سفني تبحر/ لا صارية، لا أشرعة /لا ربّانْ/وحدي / مائي الصبر، وزادي ملح النسيانْ). وحين كلفت بتقديم ديوانه (الطريق الحجري) الصادرعام 1991 بعد رحيله ،لم أجد أكثر دلالة على عمله من عنوان تقديمي وهو(العذاب السعيد أو جنات رشدي العامل) فالسعادة والعذاب حياتيا يوازيهما وصفه لأثرالقصيدة فيه : تمزقه وتعطف عليه! عذاب سعيد رافق رحلته عبر السنين الست والخمسين التي وهبتها له حياة سارت كسفينة بلا صارية ولا ربان، مسرعة مابين القماط والكفن.
ويسعدني في استذكار رشدي أن أعيد مقدمتي لديوانه (الطريق الحجري ) الذي أصدرته دار الشؤون الثقافية عام1991 بعد وفاته بأشهر..
(( الطريق الحجري ))
العذاب السعيد أو: جنات رشدي العامل
حاتم الصكَر
1- لكي تصل الى رشدي في سريره الذي تلازم وإياه في سنواته الاخيرة، فأن عليك أن تجتاز باباً لايغلق على الدوام ثم تعبر حديقة جانبية ستعلم منه أنها (حديقة علي ) ولده البكر(1) التي زرعها قبل سفره فصارت عنواناً لديوان رشدي الأخير واسماً لقصيدته الرئيسة ذات المقاطع المتعددة .
وحين يجئ صوتة مرحباً مستبقاً رؤية القادم , يكون قد أزاح الغطاء أو ابعد كتابا فكأن سريره هو العالم . يواجه الخارج وهو مبحر. بحره الشعر ومياهه الكلمات . الغرفة: كأس وسجائر وصحف متناثرة وكتب مصطفة دون ترتيب أو مرمية على الأرض . جدرانها صور ولوحات باهتة وقديمة من إحداها يطل وجهه فتياً . البورتريت يحاول إحضار فتوة الشاعر الذي كان , ويستبق الغائب بمحاولة حصر حضوره قسرياً عبر ملاحمه الجميلة . ليس بعيداً عن اليد . ثمة هاتف مشرع لإحضار أي صديق في أي وقت ، من أي مكان. حين يراني يهز يده اليمنى التي زادها الوهن والمرض جمالا وترفا . ثم إجلس مشيراً إلى أي فراغ حوله : السرير أو الكرسي . ثم يقول : اسمع هذه القصيدة ويمد يده تحت السرير أو تحت الوسادة أو يفتش في صفحات كتاب .. ليجد القصيدة.
حيث تمتد يد رشدي يخرج الشعر . وكنت أداعبه كل مرة بهذه الحقيقة: إنك تخرج الشعر من أي مكان حولك . وكان هو لايفتا يذكرني بهذه الدعابة كلما التقينا.
(بالنسبة لي لم تكن تلك دعابه أو طرفة ) انني احس ذلك وأعتقده. فيد رشدي لاتبعد عن الشعر إلا بعدها عن القلم . وهذا هو سر شعرية قصائده ( أو بالاحرى قصيدته. فرشدي لم يكتب إلا قصيدة واحدة يغنيها بألف صوت وألف مفردة. يهمس بها أو يصيح يباشرها أو يناجيها. لكنها هي دون سواها.
2- في نصه تحتدم الواقعات . بل نصه حرب واقعات استهلكت حياته فأراد أن يأسرها في شعره ليتغلب عليها بعد أن هزمته . فيباشرهاويحاورها ثم يُطلقها إلى فضاء حرص أن يكون أوسع مايستطيع .يمكننا إن نسمي – إن شئنا – بضع واقعات :
– واقعة المرأة :
مجنون من يحسب أن امرأة
تعشقه وحده (3)
– واقعة الاٍنتماء:
فالعالم ليس السجن
وأهداب الدنيا بستان
العالم ،ياولدي ،الإنسان
– واقعة الإبن .الغالب :
ياولدي ترحل ؟
ها أنت بعيد
شاهدت أصابعك الملمومة حول الكاس
وعينيك السوداوين
تغيمان وترتعشان(4)
– واقعة المرض :
ساقي مشلولتان
لن أستطيع اليوم
أن اركض في الحارة
– واقعة الموت (يعبر عنها مجازياًهنا بالضمأ أو الجفاف ..)
وحدي شجيرة صبر فاتها مطر
وخافق متعب جفت حناياهُ
يظل يصرخ من جوع ومن لغبٍ .
إن غاب عن فمه المنهوم ثدياه
وبتعبير مباشر :(زارني الموت | ما ألعن الموت… )
واقعات لا تنتهي . تتنوع لتجد لها معادلا في الشعر وما السرير ( الذي كنيت عنه بالعالم ) إلا متمما للحديقة التي زرعها علي . وهي حديقة رشدي كما لاحظ الشاعر حميد سعيد وهو يكتب مقدمة لديوان ( حديقة علي ) اسقاطية أخرى في ارتباكات شعورية يمر بها رشدي . وحين يحدد الشاعر إبعاد عالمه لا يعسر علية أن يصير كل شيء شعراً اليفاً بسيط التراكيب , عالي النبرة , موسيقياً , تنتحر معانيه من أجل حياة قافيته وايقاعه . لا تقف الإشكال عنده في حدود ما فالتقليدي والحديث العمودي والحر المباشر والمرمز أسماء لاتهم رشدي فتراه يكتب من هذا وذاك فكأنه شعراء عدة في واحد
3- في 1986-07–11يهديني رشدي نسخة من ديوانه ( حديقة علي ) وعليها يكتب إهداء مشاكساً ( أخي حاتم سأظل شاعراً رومانسياً ) لقد كان يشير دون شك إلى مقالتي عنه ( غتاء الالوان المهاجرة ) حيث قلت ان رشدي قد وجد خطابه عبر نبرة غنائية وجو رومانسي يؤطر قصائده حتى تلك التي يوهم القارىء بأنها واقعية ( احتكاما إلى موتيفاتها : حدث- شخصية- موقف ) فهو يختار زوايا ومدخل ومعالجات تضعه دوماً في ( مواجهة ) موضوعة مباشرة فيعلو صوتة
ويتجه إلى الخارج مبرزاً ذاته لتكون ( بؤرة ) تنطلق منها أشعاعات نصه حتى تلامس الخارج, لاكنها مشدودة إلى مركز بدايتها : الذات . ففنائية رشدي وجدت في المأساة موضوعاً وشكلاً تعبيرياً متلازمين .
كما أشرت في المقالة ذاتها إلى مناقشة بين وبين الوميل ماجد السامرائي (9) . وكان رد رشدي على السامرائي بعنوان طريف وموحٍ : ( نعم , إنا شاعر رومانسي )
فهل كانت رومانسيته أمتيازاً أم عيباً ؟ تقليداً ومحافظة أم خصوصية وهوية ؟
أن الخطاب الرومانسي واضح في شعره . فالقصيدة , كما أعترف في مناقشاته تلك :
( تتحكم إلى درجة العذاب . تمزقني . تغري عروقي . وأحياناً تتعطف علي فأحبها في الحالين. ) قصيدته أستجابة لحالة . ورود العناصر مايشتمل عليه خطاب رشدي من مفردات مأساويه , وضغط خارجي تنوء منه القصائد . ولقد كان رشدي يخاط ذلك كله بحاسة غريبة كان ( يشم ) الألوان كطائره الذي يقول عنه :
الطائر المذبوح
يشم لون عشه
فتستفيق الروح (10)
4- في أخر مقابلة معه – قرأتها ( 11) ، يتحدث رشدي عن ( وجه أمه ) واحداً من رموزه المتكررة . ثم يروي فجأة واقعة حياتية عن أمه التي قالت له قبل أيام : ( أن الأبناء يأخذون أمهاتهم إلى المتنزهات والمسارح . أما رشدي ففضيلة أنه لم يترك سجناً أو مستشفى لم يرني إياه ) .
حياته مغطس يجر من حوله إليه . وتلك كانت حدود عالمه . مكانه فوق السرير أو بين الجدران
قبل عام كتب قصيدة ( رمال المرفأ ) وهي مهداة إلى صديقه الشاعر محمد سعيد الصكار وقد حذف الإهداء في الديوان . لاتقول سوى جملة واحدة عبر أبياته المتعددة : ( لم أسمع بباريس . لائنني لاأعرف إلا مكاني هنا مكاناً . ) فالمكان عنده مقدس .
كثيراً ما تحسر وهو يدخل حديقة اتحاد الأدباء ببغداد . ففي نهاية الممر الصغير , حيث تكدس الأ أن الصناديق الفارغة والأشياء القديمة , كانت الزاوية المخصصة لرشدي وشباب الشعراء (12) حين تأسس اتحاد الأدباء لأول مرة .
كان أسمها ( المرفأ ) . واتفق الأصدقاء أن يضعو الأسم فوق إصداراتهم الشعرية .
ماذا حل بالمرفأ ؟
مطابقة أخرى بين واقعة خارجية وواقعة شعرية .
أن مفردة ( المرفأ ) وتنويعاتها (13) هي أكثر المفردات إلحاحا في شعر رشدي . فقد كان يرى العالم بحراً …والسعادة مرفأ لاتصله السفن إلا غرقا أو محطمة .
يعادل ذلك ( الضمأ ) .
حالة أخرى عاشها رشدي ووافق تشخيصها ما ذهب إليه الزميل السامرائي في دراسة عنه . فهناك ترميز للضمأ عبر ( كأس بلا شارب أو فانوس بلا ضوء أو قاع نهر يابس …) وفي قصيدة مهمة هي ( سوناتا للوحدة ) يتماهى مع تلك الصور ويؤكد حالة الضمأ التي عبر عنها :
وأنا ضوء الفانوس
وحارس نصف الليل
وقاع النهر اليابس
وطفل ضيع طعم الثدي
والكأس يغادرها الشارب (14)
الشارب المغادر هنا يترك ضله في الكأس الفارغة . فيغدو ضمأ الشارب ضمأ الكأس نفسها هكذا يلتقط رشدي ( ثيماته ) الشعرية
5- كان يدهشني فيه وفاؤه للموتى من أصدقائه والبعيدين…
في الذاكرة الان حماسته للملف في الصحافة عن حسين مردان وأخر عن يحيا جواد وثالث عن عبد الأمير الحصيري . كان يسجل أدق الذكريات وكأنها تجري الان أمام عينيه .
هل كان يرى موته وغيابه فيهم ؟
أم أنه كان يستشير بهم شعره ( أي حياته الباقية ) ؟
حين ذكرته بقصيدة سعدي المهدات إليه ( بطاقة زيارة ) 15 حدثني عن مرجعها وهو وعد بينهما منذ ثلاثين عاماً بأن يزور أحدهما الآخر ليلة رأس السنة عام 2000 .
بعد أيام كان رشدي يكتبه قصيدة بهاذا المعنى هي ( بوح ) المنشورة في هذا الديوان
لقد تحولت الواقعة شعراً .
هكذا يخلق رشدي العامل أشعارة . بل هكذا يكرر بعبارات متجددة جملته الشعرية الواحدة التي أنفق عمرة في ترديدها .
6- في ( الطريق الحجري ) تتواصل رؤى الشاعر حاملا عذابه السعيد مؤكدا صوته الذي لازمه منذ بواكيره حتى نضجه .
انك لا تكاد تحس أنحناء أو انحرافاً أو تبديلاً . وبقدر ما يصبح ذلك مأخذا فنيا بمفهوم التحديث . فأنه سيغدو أمتيازاً لشاعر وجد نفسه في أطار ما . وراح يعاود التعبير من خلاله
الجديد في ( الطريق الحجري ) بروز واقعة المرض تمهيداً للغياب بشكل لافت . وأسقاط ذلك على مجمل قصائدة في المراثي الكثيرة والتذكارات ( 16) فكان ( الطريق الحجري ) خلاصة حياة , تحضر فيه مفرداته وموضوعا ته ولو\زمه الشعرية لتواجه معه ما ينتظره من ذبول وغياب لهذا تترقق بنية القصائد حتى تصير غناء ومتثالاً للإيقاع الواضح , المهيمن بحدته على سواه من عناصر الأسلوب
7- أعني ..
لأقرأ فيك الغياب
أعرني إذا لزم الأمر عكاز وحدتك الآهلة
وقل لي :
أحقاً قطعت الطريق , وجزت الحديقة
وهزّوك في النعش سبعاً؟
أجبني
.. فقلبي يخبئني عنك كي لا أراك (17)
حواشي ( هاربة من المتن )
* سيكتشف القارىء أن العنوان مستل من مقابلة مع رشدي العامل يعزف فيها الشعر (هل يعرف الشعر حقأ ) بأنه ذلك العذاب السعيد مازجاً بالم وما سوشية بين لذة وجرح يهبهما له كوني الشعري الذي لا كائن اسمه رشدي بدونه .
إما عنواني المقترح الاكثر دلاعة على فهمي لنص رشدي فهو ( حرب الواقعات ) أن لي اسبابي التي يبررها المقطع الثاني من نصي النقدي هذا
بقانون الصدفة المحض ( هل للصدفة قانون؟ ) أن تترمز الحديقة شعرياً لتصبح البداية بداية رشدي بولادة علي حياتناً والنهاية نهاية رشدي بعنوان اخر دواوينه شعريا ومابين انتكاسه الصحية الاخيرة وموته تبدل سريره فاصبح في الجدار القصي البعيد عن الحديقة كانت تلك عندي علامة شؤم .
وربما كاساً فنجان قهوة صغير يستخدمه كاساً
(3) الشعرالمجتزا وماسيليه من دواوين رشدي المتفرقة .غير موثق ؛ اهم بدلالته لازمنيته
وبعضه من ديوانه الماثل للقراءة (الطريق الحجري ).
4)الأصابع والكأس ؛العينان المرتعشتان ؛هي كسر مهرية من رشدي إلى ولده .صورة فذة لاسقاط شعري _شعوري .
(5) تتسع لوحة الواقعات إلى تنويعات أخرى يمكن إن تقترحها قرلءة نص رشدي . لكن بؤرتها واقعات لا تنتهي . تتنوع لتجد لها معادلا في الشعر وما السرير ( الذي كنيت عنه بالعالم ) إلا متمما للحديقة التي زرعها علي . وهي حديقة رشدي كما لاحظ الشاعر حميد سعيد وهو يكتب مقدمة لديوان ( حديقة علي ) اسقاطية أخرى في ارتباكات شعورية يمر بها رشدي . وحين يحدد الشاعر إبعاد عالمه لا يعير علية أن يصير كل شيء شعراً اليفاً بسيط التركيب , عالي النبرة , موسيقياً , تنتحر معانيه من أجل حياة قافيته وايقاعه . لا تقف الإشكال عنده في حدود ما فالتقليدي والحديث العمودي والحر المباشر والمرمز أسماء لاتهم رشدي فتراه يكتب من هذا وذاك فكأنه شعراء عدة في واحد
(6) على مستوى البنية لابد من خسائر حين تنشطر الرؤية حديثة وتقليدية فينسكب من هذه على تلك هذه الملاحظة تفسر المباشر في شعر الحديث أن نوعهاً من خطاب تقليدي يسود ثمره لكنة متسع لثياب الحداثه
(7) الفعل المضارع ( يهديني ) أشارة غير مقصودة أصلا , أكتشفت أنني بها أحاول أقصاء الغياب , غياب رشدي , الذي يمثله الفعل الصحيح , الماضي ( أهداني ) .
( 8) ليست مقالتي عنه . بل بالاحرى عن مجموع شعره لمناسبة صدور ديوانه ( هجرة الالوان ) عام 1983 . والمقالة منشورة عام 1985 .
(9) وسنجد في قاموسه الشعري , كلون عش المشوم , بستاناً يضحك للجدول . وساقية تغني لزنبق . وبدأ تاسر قيداً . سنجد , جرح ضوء , وعطر لون. ولون همسات وكلمات . ولون حزن ولون شمس وطعم ثدي
وسنجد ايضاً , شكوى الورد الذابل . وكف الضحى وأهداب الشمعة . وأعين الأزهار ….
اهي رومانسية أم حياة يقبل عليها رشدي
(10) في مجلة الأقلام – شباط – 1985
11) في نيسان 1990 مجلة الأفق
(12) منهم الصكار وسعدي وحساني علي … واخرون
(13) سفن ومراكب وأشرعه وبحار وشواطى ونوارس وبحارة ومبحرون :
14– حالة ( الضمأ ) موجودة في شعر رشدي المبكر , فمن شعرة عام 1955 نقراء :
كأسي إلى ثغري مشدودة
فارغة , ضماى إلى الخمر
وصورة ( الكأس الضماى ) ذات دلالة كما بينا
15- وفيها أشارة إلى عام 2000 وقد كررها رشدي لتصبح مولدا لقصيدته . تذكرنا بقول الشاعر
عام الفين , وفي منتصف الليل , وفي باب حديقة
سائر مر
خطاه المثقلات
برصاص العمر الضائع , تروي كيف ماتوا
16- لايعني ذلك أن رشدي لا يبتكر لنفسه المداخل أو زوايا الخطاب : فهو في ( رمال المرفأ ) يتخذ الحوار وسيلة لتوليد التداعيات . لكن مرجعة الأول ( الواقع الخارجي ) حاضر بقوة . انه خلاصة ما يحيل إليه الشاعر وما ينطلق منه في أن واحد . إلا أنة السمة الأسلوبية في ( الطريق الحجري ) تتقدم على أنها شفافية ,. شفافية الجسد وهو ينزف الشعر انتظارا لغيابة فيما تغترقه الروح بقوتها الأثيرية فتعبره بوجد ورقة : وعذوبة .
أنها – في رغبه منها( بالانفلات ) من سجن الجسد – تعرض رغبتها في ( الآفلات ) من الموت ذاته تلك جدلية أكيدة يقرأ بضوئها شعر رشدي الأخير الذي يجمعه ديوان ما بعد غيابه , أو ديوان حضوره الرمزي هاذا : ( الطريق الحجري )
(17) أبيات لي في تذكر رشدي بعد موته مباشرة , قرأتها وسواها مما ليس هنا, في تأبينه الأربعيني .
*عن موقع الناقد الدكتور حانم الصكر