موقف المُصطفى
***********
أوقَفَني في موقفِ المُصطفى
وقال: أرأيتَ إلى مَن رأى
مِن آياتِ ربّهِ الكبرى؟
أرأيت إلى مَن أرسلتُه رحمةً للعالمين،
وختمتُ به الأنبياءَ كلّهم والمُرسَلين،
وجعلتُ له الأرضَ طهوراً ومَسْجِداً،
وجمعتُ على مائدته
قدحَ الصبرِ إلى قدحِ النصر،
وماعونَ المحبّةِ إلى ماعونِ العِلْم،
وشرابَ الشفاعةِ إلى شرابِ الكوثر؟
أرأيت كيف أسريتُ به
إلى حضرتي الكبرى
مِن سماءٍ إلى أُخرى،
فرأى مِن النورِ ما رأى،
فكانَ قابَ قوسين أو أدنى؟
ثمّ قلتُ له: صفْني يا مُحمّد،
صفْني يا حبيبي،
صفْني أيّهذا المُصطفى.
فقالَ: سبحانَ الله.
قلتُ: نعم.
قالَ: والحمدُ لله.
قلتُ: نعم.
قالَ: ولا إلهَ إلا الله.
قلتُ: نعم.
قالَ: واللهُ أكبر.
فجعلتُ الشمسَ تجري في وجهه
وفي صلواته الخمس.
وجعلتُ اسمَه مقروناً باسمي،
وشهادتَه بشهادتي،
ومحبّتَه بمحبّتي
إلى يوم يُبْعَثون،
يوم لا يَنفعُ مَالٌ ولا بنون
إلا مَن أتاني بقلبٍ سليم.
موقف الماء
***********
أوقَفَني في موقفِ الماء
وقال: قِفْ على الماء.
فقد جعلتُ من الماءِ كلَّ شيءٍ حَيّ.
فَوقفتُ.
ثمّ قال: امشِ. فمشيتُ.
مشيتُ حتّى الخطوة الثانية
وفي الثالثةِ غرقتُ.
فمدَّ لي يداً من نور
ثمّ قال: امشِ. فمشيتُ
حتّى وصلتُ السادسةَ ارتبكتُ
وفي السابعةِ سقطتُ
حتّى هلكتُ أو كدتُ.
فَمَدَّ لي يداً من قاف
وقال: امشِ. فمشيتُ.
وفي الخطوةِ الثلاثين
غرقتُ وطافَ جسدي فوقَ الماء.
فقال: انجُ. فنجوتُ.
وفي الخطوةِ الأربعين زُلزِلتُ
حتّى عبرَ جسدي بحرَ الظلمات
قِطَعاً قِطَعاً.
وصارتْ كلُّ واحدةٍ فوق جزيرة
فدعاهنّ فجئن
على هيئةِ طائر
ثمّ على هيئةِ طفل
ثمّ على هيئةِ إنسان.
ثمّ فتحَ لي باباً وسط الماء
وقال هذا باب النجاة.
فانزعْ عنكَ كلَّ حرفٍ إلا حرفي
وامسحْ من قصيدةِ قلبِكَ كلَّ نقطة
إلا نقطة نوني.
واخرجْ فإنّكَ عريان
خُلِق الساعةَ كي يمشي فوق الماء.
لن تغرق بعد الآن.
فافرحْ لأنّي جعلتُ الماء
يتبعُ خطواتكَ أنت
ويمشي بإشارةِ قلبِكَ أنت،
قلبك الذي هو قلب الماء.
موقف الصبر
***********
أوقَفَني في موقفِ الصبر
وقال: الصبرُ امتحانٌ عظيم.
فماذا ستفعلُ يا عبدي؟
أعرفُ أنّ كلماتكَ سترتبك
وينهار معناها
مثل جبلٍ من الثلج
وستدمع عيناك مثل طفل ضائع
في السوق.
أين منكَ إرادة يوسف الصدّيق؟
وأين منكَ حلم يعقوب
وقد ابيضّتْ عيناه من الحزنِ فهو كَظيم؟
وأين منكَ، قبل هذا، صبر نوح وإبراهيم؟
وأين منكَ صبر مَنْ أرسلتُه رحمةً للعالمين؟
وأين منكَ صبر الأوّلين:
صبر عليّ والحُسين؟
أين وأين وأين؟
أين وقد أنفقتَ حياتَكَ
في عاصفةٍ تتلوها عاصفةٌ،
وفي نارٍ تتلوها نار،
وفي طوفان يتبعهُ طوفان،
وفي أُحُد تتبعُها أُحُد،
وفي كربلاء تلدُ كربلاء جديدة،
وفي منفى يتبعهُ منفى:
منفى أبعد مِن السماء
وأقرب مِن حَبلِ الوريد؟
موقف الحيرة
***********
أوقَفَني في موقفِ الحيرة
وقال: خلقتُكَ يا عبدي وأنا أعرفُ حيرتَك.
حيرتك أكبرُ من البحر
وأقسى من الصحراء،
أبعدُ من الغيم
وأقربُ من القُرب.
فكيف ستنجو منها
وأنتَ كلّما صُمتََ
ظهرَ لكَ العسلُ شَهيّاً
فارتبكتَ؟
وكلّما تَرمّزتَ
ظهرَ لكَ المَخفيُّ جَليّاً
فأعلنتَ؟
لِمَ لا تكتفي بالصومِ إلى الأبد؟
ولِمَ لا تلبس ثوبَ الحرمان
وهو ثوبكَ منذ الأزل؟
الحيرةُ ستأكلكَ أكلاً جَمّاً.
وستضيعُ وأنا أنظرُ إلى حيرتِك
وهي تحيطُ بكَ من الجهاتِ الأربع،
فَتَمّسكْ وَتَنسّكْ وَتَماسَكْ!
فإنيّ أخافُ عليكَ من غدرِ البحر
ومن عاصفةِ الصحراء
ومن ضياعِ الغيم
ومن حَبلِ الوريد.
وهل هنالك خوفٌ أعمق من حَبلِ الوريد؟
موقف الكتابة
***********
أوقَفَني في موقفِ الكتابة
وقال: يا عبدي
كلُّ كتابةٍ لا تَتَبسملُ باسمي،
ولا تُشيرُ إلى جَنّتي وجَهنّمي،
ولا تَحضُّ على مَحبّتي،
وعلى شُرْبِ كأسِ مَحبّتي،
إنّما هي كتابة العابثين.
******************************************************
* مقاطع من مجموعة شعرية بعنوان (مواقف الألف).
www.adeebk.com
أديب كمال الدين – أستراليا