إعرف تاريخ عاصمتك “بغداد” أم الدنيا (1)

بغداد، هي عاصمة جمهورية العراق، وكذلك عاصمة محافظة بغداد. عدد سكان العراق في 2011، كان حوالي 7.216.040 نسمة، مما يجعلها أكبر مدينة عراقية،[2][3] وهي ثاني أكبر مدن العالم العربي (بعد القاهرة، مصر)، وثاني أكبر مدينة في غرب آسيا (بعد طهران، إيران). حسب الحكومة، والتي تستعد لإجراء تعداد، عدد سكان البلاد وصل إلى 35 مليون، منهم 9 ملايين في العاصمة بغداد.[4]

تشرف بغداد على نهر دجلة، تأسست العاصمة في القرن الثامن وأصبحت عاصمة الخلافة العباسية. في غضون فترة زمنية قصيرة منذ إنشائها، تحولت بغداد إلى مركز ثقافي، تجاري وفكري هام في العالم الإسلامي. هذا بالإضافة إلى أنها تضم العديد من المؤسسات الأكاديمية الرئيسية (مثل بيت الحكمة)، اشتهرت المدينة عالمياً “كمركز للعلم”. عبر سنوات العصور الوسطى المتأخرة، أعتبرت بغداد أكبر مدينة في العالم حيث كان عدد سكانها 1.200.000 نسمة.[5] تبعاً لبعض علماء الآثار كانت أول مدينة يصل عدد سكانها لأكثر من مليون نسمة.[6] تعرضت المدينة لدمار كبير على أيدي المنغول عام 1258، مما أدى لتراجع دورها عبر القرون بسبب الضربات المتوالية والامبراطوريات المتعاقبة المتعددة. مع الاعتراف بالعراق كدولة مستقلة (كانت في السابق تحت الانتداب البريطاني) عام 1938، استعادت بغداد تدريجياً أهميتها السابقة كمركز للثقافة العربية.

في العصر الحديث، كثيراً ما تعرضت المدينة لتدمير كبير لنيتها التحتية، وآخرها أثناء غزو العراق 2003، ولاحقاً أثناء حرب العراق التي استمرت حتى ديسمبر 2011. في السنوات الأخيرة، كثيراً ما تعرضت بغداد لهجمات المتمردين.

فهرست
1 أسماء المدينة
2 التاريخ
2.1 التأسيس
2.1.1 العباسيون والمدينة المدورة
2.2 مركز العلم (القرن 8-13)
2.2.1 الغزو المنغولي
2.3 الحكم العثماني (القرون 16 و19)
2.4 القرون 20 و21
3 المعالم الرئيسية
3.1 عامة
3.2 المتاحف والآثار
3.3 الجسور
4 الجغرافيا
4.1 المناخ
4.2 المياه
5 التقسيمات الادارية
6 الاقتصاد
7 تخطيط المدينة
8 تخطيط المدينة
9 الثقافة
10 التعليم
10.1 الجامعات
11 الثقافة
11.1 المؤسسات
12 الرياضة
13 الشوارع الرئيسية
14 مدن شقيقة
15 انظر أيضاً
16 المصادر
17 قراءات إضافية
18 وصلات خارجية

أسماء المدينة

اختلفت الآراء حول أصل التسمية بغداد، فمنها من قال بالأصل البابلي، من كلمة «بعل جاد» أي «معسكر بعل» و«بعل داد» أي «إله الشمس» باللغة البابلية الأمورية، ومنها من أرجع الكلمة إلى أصل كلداني نسبة إلى «بلداد» و«بل» الإله الكلداني. أو إلى أصل آرامي يتألف من كلمتين «ب» أي «بيت». و«كدادا» بمعنى الغنم فيكون معناها «بيت الغنم». [7]

ويرى بعض المؤرخين، أن الكلمة تعود إلى أصل فارسي هو «باغ داد» أي بستان «ذا دويه» أو «بغ دادي» وهو اسم بستان أنشأه كسرى أنوشروان ملك الفرس (532 – 579م) في هذا المكان الذي صار قرية سميت باسمه. أو أنه يعود كما جاء عند ياقوت الحموي في «معجم البلدان» إلى كلمة تعني بالفارسية «عطية الصنم» وربما قيل «عطية الملك».

وهكذا يتبين أن الأصل في اسم بغداد له أكثر من مرجع، لكنه في كل الأحوال موجود بالتأكيد، سواء بلفظه أو بشبيهه، ولاسيما أن الاسم نفسه، قد ورد في كتب الفتوحات، ومنها أن القائد العربي المثنى بن حارثة الشيباني، قصدها عند فتح العراق، لما ذكر له سوق بغداد التي يجتمع فيها التجار كل سنة. كذلك ورد اسم «بغداد» في أخبار الدولة الأموية مما يؤكد قدم استيطان الموضع.

وتعرف المدينة بأسماء أخرى، مثل مدينة «المنصور» نسبة إلى بانيها الخليفة المنصور، كذلك سميت «المدينة المدورة» لشكل بنائها الدائري، و«مدينة السلام» لأن نهر دجلة يقال له «وادي السلام» وقد أمر المنصور باستخدام هذا الاسم الأخير في سك الدنانير والدراهم العباسية، وفي المراسلات الحكومية، لكن ألسنة الناس درجت على استخدام اسم «بغداد» القديم حتى اليوم.

التاريخ

التأسيس

قبر زمرد خاتون في بغداد (بني عام 1202 م)، صورة لعام 1932.

قبر زمرد خاتون في بغداد (بني عام 1202 م)، صورة لعام 1932.
تقع بغداد بمحاذاة ضفتي نهر دجلة، في سهل لحقي منبسط ارتفاعه نحو 34م، بين خطي عرض 33 درجة و16 دقيقة و33 درجة و35 دقيقة شمالاً، وخطي طول 44 درجة و32 دقيقة شرقاً. وقد تعرضت المدينة لفيضانات النهر التي أحدثت فيها أضراراً كبيرة، وانتهت في عام 1956 بعد بناء سد سامراء شمال بغداد. وهذا الإجراء سمح للمدينة بالتوسع السريع والكبير شرقاً وغرباً، وتوسعها شمالاً إذ سمح بابتلاع بلدات مثل الأعظمية على الضفة الشرقية، والفاطمية على الضفة الغربية لدجلة، أقرب نقطة من نهر الفرات، حيث المسافة بين النهرين لا تزيد على 40 كيلومتراً، وذلك قبل التقائهما عند القرنة في جنوبي العراق.

وكان الرافدان دجلة والفرات، بعد وصلهما بقناة تصلح للملاحة النهرية، يؤلفان وسيلة نقل مائية تربط المدينة بالمناطق الشمالية والجنوبية.

ولعل نظام ري بغداد من أبرز مؤثرات الاختيار في النشأة الأولى، فقد جعلت شبكة الأنهار التي كانت تخترق موقعها على جانبي نهر دجلة، من ذلك المكان بقعة مثالية مناسبة لمتطلبات الري والزراعة المروية، فالجانب الغربي لهذا الموقع كان يروى من نهر سماه العباسيون باسم «نهر عيسى الأعظم» يأخذ مياهه من الفرات ويصب في دجلة جنوب بغداد اليوم بعد أن تتفرع منه عدة جداول. وكان هذا النهر صالحاً أيضاً لملاحة السفن القادمة من مدينة الرقة، تحمل التجارة من الشام ومصر. أما الجانب الشرقي للموقع فكان عامراً أيضاً بشبكة نهرية، يستقي أبرزها من نهر عرف باسم (النهروان) بجداوله الكثيرة، ويتفرع من نهر دجلة بجوار مدينة سامراء إلى الشمال من بغداد، ويسير بمحاذاة الأصل (دجلة) حتى يصب فيه مرة أخرى جنوب مدينة الكوت اليوم.

بنى أبو جعفر المنصور على نهر دجلة عاصمته بغداد (145- 149 هـ) 710 ميلادية على شكل دائري، وهو اتجاه جديد في بناء المدن الإسلامية، لأن مـعظم المدن الإسلامية، كانت إما مستطيلة كالفسطاط، أو مربعة كالقاهرة، أو بيضاوية كصنعاء. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه المدن نشأت بجوار مرتفعات حالت دون استدارتها. ويعتبر تخطيط المدينة المدورة (بغداد)، ظاهرة جديدة في الفن المعماري الإسلامي ولاسيما في المدن الأخرى التي شيدها العباسيون مثل مدينة سامراء وما حوته من مساجد وقصور خلافية فخمة. وإلى جانب العمارة وجدت الزخرفة التي وصفت بأنهما لغة الفن الإسلامي، وتقوم على زخرفة المساجد والقصور والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة والهدوء والانشراح. وسمي هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك.

العباسيون والمدينة المدورة

مدينة بغداد المدورة بين عام 767 و912 م

مدينة بغداد المدورة بين عام 767 و912 م

الحاكم فترة الحكم حياة الحاكم ملاحظات
أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد الأمام 754-775 714-775
أبو عبد الله المهدي محمد بن عبد الله المنصور 775-785 746-812
أبو محمد الهادي موسى بن محمد المهدي 785-786 766-787
أبو جعفر الرشيد هارون بن محمد المهدي 786-809 766-809
أبو عبد الله الأمين محمد بن هارون الرشيد 809-813 787-814 قتل
أبو العباس المأمون عبد الله بن هارون الرشيد 813-833 787-833

قصر الخليفة العباسي في سامراء بني في 221 هـ (836 م) هو أحد أشهر القصور الإسلامية في العالم

قصر الخليفة العباسي في سامراء بني في 221 هـ (836 م) هو أحد أشهر القصور الإسلامية في العالم
وفي عهد الرشيد بلغت بغداد قمة مجدها ومنتهى فخارها، وأمتدت الأبنية في الجانبين امتداداً عظيما، حتى صارت بغداد كأنها مدن متلاصقة تبلغ الأربعين. وبعد وفاة الرشيد عام 193هـ / 809 م. بويع الأمين في طوس أولاً ثم في بغداد، ومرت بغداد في عصره بأهوال أنتهت بقتلهِ عام 198هـ / 814 م، ثم بويع المأمون على إثر قتل أخيه، ولكنه لم يبرح خراسان وبقيت بغداد تئن تحت كابوس الحكم العسكري على ما بها من أوصاب الحصار وآثار الحجارة والنار. حيث بعد عامين من وفاة الرشيد وقع الخلاف بين ولديه الأمين والمأمون، وحوصرت بغداد لأول مرة في تاريخها ودام الحصار أربعة عشر شهرا. وفي نهاية عام 196هـ /812.

أطبق جند هرثمة وطاهر قائدي المأمون على الأمين في بغداد وعزل هرثمة الجانب الشرقي الذي لم يكن يحميه سوى سور سرعان ما أزاله، بينما عسكر طاهر أمام باب الأنبار فسيطر بذلك على الجانب الغربي، ووجد الخليفة نفسه آخر الأمر منعزلاً في قصر الخلد على شاطئ دجلة وما لبث أن وقع في الأسر وهو يحاول الفرار وقتل في أوائل عام 198هـ / 814 م، وبموته رفع الحصار وأصبحت بغداد المزدهرة خرائب ورماداً، وأثار موت الأمين سخط أهل بغداد، وتمكن إبراهيم بن المهدي العباسي بفضل الخلاف بين الناس من أن يستولي على بغداد ويصبح صاحب الأمر فيها ما يقرب من عامين غير أن خيانة قواده أجبرته على تسليم المدينة وزمام الحكم إلى الخليفة المأمون.

وكانت بطانة المأمون من الفرس تحاول نقل عاصمة الخلافة إلى خراسان ليتم لهم التغلب على شئون الدولة، وتولى الحسن بن سهل العراق والحجاز واليمن فاضطرب حبل الأمن ودبت الفتن في بغداد إلى أن دخلها المأمون عام 204هـ / 820 م، وعادت لبغداد شيء من نضرتها إلى أن أدركته منيته عام 218هـ / 834 م، وقد عهد المأمون بالخلافة من بعده لأخيه المعتصم، وظلت بغداد تموج بالفتن حتى أنه في عام 552هـ/1157م. لم يبق من تلك المملكة المترامية الأطراف إلا بغداد وأعمالها وقليل مما يتصل بها.

مركز العلم (القرن 8-13)

صورة بانورامية لمدينة بابل القديمة، تقع على بعد 85 كم جنوب بغداد.

صورة بانورامية لمدينة بابل القديمة، تقع على بعد 85 كم جنوب بغداد.

اتساع المدينة وعمرانها في العصر العباسي الأول: على أثر إنشاء المدينة عاصمة جديدة للدولة العباسية، واكتظاظ العمران داخل أسوارها، أقبل الناس على السكن بجوارها، واتسعت قرية الكرخ التي تقع جنوب المدينة، وصارت تعرف باسم محلة الكرخ، وقد نقل المنصور نفسه سنة (773م) الأسواق من مدينته المدورة إلى الكرخ، وعزم أيضاً على إنشاء محلة كبيرة أخرى في الجانب الشرقي لدجلة، شرق المدينة (المدورة)، لتكون مقراً لولي عهده المهدي وجيشه الخراساني، وذلك تحسباً من الفتنة بينهم وبين العرب، واستمرت عمليات البناء في هذه المحلة الجديدة نحو خمس سنوات، وسميت باسم «عسكر المهدي»، ثم سميت محلة الرصافة التي سرعان ما اتسعت لتنافس المدينة المدورة عمراناً وسكاناً، وتتفوق عليها في مراحل لاحقة، فابتنيت حولها الأسوار وازدحمت العمارة ومراكز الثقافة والعلم.

وإذ شهدت المدينة المدورة أزهى عصورها في عهد الخليفة هارون الرشيد (786- 809م) فأنشئت فيها المشافي (البيمارستانات) والمدارس والمساجد ومصانع النسيج والصباغة وصك النقود، واشتهرت بتراثها الأدبي والشعري والقصصي والعلمي. ولقد تغنى الشعراء بجمال بغداد ودعوها جنة الله في أرضه، لروعة حدائقها وخضرة أريافها وعظمة قصورها، والزخارف التي تزين قاعاتها وبواباتها، كما أشاد المؤلفون بجلالة قدرها وفخامة أمرها وكثرة علمائها وأعلامها وكثرة دورها ومنازلها ودروبها ومحالها وأسواقها ومساجدها وحماماتها وخاناتها. ولكن هذه المكانة تراجعت لمصلحة الرصافة بعد انتقال مركز الخلافة إليها في عهد الخليفة المأمون (813-833م) بعد انتصاره على أخيه الأمين، فابتنيت حولها الأسوار وارتحلت إليها دور العلم والثقافة ومراكز الثروة والجاه، وظلت بعض من آثارها باقية حتى اليوم.

كان لموقع بغداد الجغرافي ونشاط سكانها وتشجيع الدولة للتجارة أن أصبحت المدينة المركز الأعظم للتجارة، وأصبحت الأسواق من مظاهر الحياة الرئيسة فيها، سواء في الرصافة أو الكرخ، وكان لكل تجارة سوقها ولهذه الأسواق منذ عهد المنصور محتسب، يراقب الأسواق ويمنع الغش ويراقب الأوزان والمقاييس كما أنه كان يراقب الحمامات والمساجد، وكان لكل تجارة أو مهنة رئيس تعينه الدولة، ولكل مهنة صانع أو أستاذ، وكان من العوامل التي ساعدت على ازدهار التجارة والصناعة تطور النظام المصرفي في بغداد، كما يلاحظ من نشاط الصرافين والجهابذة، وكان للصرافين أسواقهم الخاصة ولاسيما في الكرخ، وكانوا يقدمون خدماتهم لأبناء الشعب، في حين كان الجهابذة يخدمون مصالح الدولة وموظفيها.

وشهدت هذه المرحلة من حياة المدينة معارف نظرية جمة، وبرز فيها أعلام كثر، فظهر الأصمعي والفراء، والخليل بن أحمد في اللغة، والمبرد والجاحظ في الأدب، وأبو نواس وأبو العتاهية والعباس بن الأحنف في الشعر، وابن إسحاق في الموسيقى، وآل بختيشوع وأولاد شاكر وابن ماسويه وابن البطريق وغيرهم في العلم والطب والفلك، وأنشئت المدارس والجامعات وقصدها طلاب العلم من جميع الأقطار الإسلامية، ونشأت الجمعيات العلمية مثل جماعة إخوان الصفا، الذين كانت رسائلهم أقرب إلى دائرة معارف موسوعية تحيط بمعارف العصر، كما كان بيت الحكمة مركزاً لترجمة روائع التراث العلمي القديم. وهكذا فإن بغداد كانت أعظم مركز للحياة العلمية والثقافية والفكرية في أزهى عصور الحضارة العربية الإسلامية، ويكفي أن يعود المرء إلى تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ليرى كثرة الشعراء والأدباء والعلماء في كل حقل من حقول العلم والمعرفة.

بغداد في العصر العباسي الأوسط والأخير: في المرحلة الممتدة بين 836 و892م انتقل العباسيون إلى عاصمة جديدة هي سامراء للابتعاد بحرسهم من الأتراك عن الاختلاط بالعرب، ولكنهم بعد العودة مجدداً إلى بغداد واتخاذها عاصمة للدولة في عهد الخليفة المكتفي بالله (901-907م) اختاروا الإقامة هذه المرة في ما سمي «المخرم» على الضفة الشرقية من دجلة إلى الغرب من الرصافة، ويعرف موقعها اليوم بضاحية «الصرافية». وقد ابتنى الخليفة المكتفي سوراً جديداً للمدينة، مازالت إحدى بواباته قائمة اليوم بعد ترميمها واتخاذها متحفاً للأسلحة.

بعد مقتل المقتدر سنة 322هـ اضطربت الأوضاع في بغداد، وظهر منصب جديد في الدولة وهو منصب أمير الأمراء الذي طغى على كل المؤسسات الإدارية والفكرية والعسكرية، وفي سنة 330هـ تعرضت بغداد لأزمة سياسية واقتصادية شديدة لم ينقذها منها إلا الحمدانيون، ولكن نفوذهم لم يدم طويلاً لظهور شخصية توزون التركي الذي انفرد بالسلطة الفعلية في الدولة، والذي تمثل وفاته نهاية السيطرة التركية وبداية ظهور قوة جديدة على المسرح السياسي في بغداد هي البويهيون، وتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الدولة العباسية هي مرحلة السيطرة البويهية.

كان العصر البويهي بوجه عام عصراً قاسياً على بغداد التي تراجعت في عهدهم، الذي امتد من سنة 944- 1055م، فقد أهملت مدينة المنصور وتقلصت معظم الأحياء في بغداد الغربية، وكانت أعمر بقعة فيها الكرخ حيث أسواق التجار ومساكنهم، ولذلك صار يُطلق على الجانب الغربي من بغداد اسم الكرخ. أما الجانب الشرقي فكان أكثر ازدهاراً وكان معظم كبار رجالات الدولة يقيمون فيه، وكانت مناطقه العامرة هي باب الطاق حيث السوق العظيمة، ودار الإمارة حيث يقيم الأمراء البويهيون في المُخرِّم وقصور الخلفاء في الطرف الجنوبي، ولعل عضد الدولة (977- 982م) هو الأمير البويهي الوحيد الذي أظهر اهتماماً ببغداد، فجدد ما دُثر من الأنهار وأعاد حفرها وتسويتها، كما أمر بعمارة منازل بغداد وأسواقها وكانت مختلة قد أُحرق بعضها وخُرب بعضها الآخر، وابتدأ بالمساجد الجامعة وكانت في منتهى الخراب فهدم ما كان متداعياً وأعاد بناءها وألزم أرباب العقارات بالعمارة، فمن قصرت يده عن ذلك اقترض من بيت المال، كما بنى مشفىً كبيراً ببغداد عُرف بالبيمارستان العضدي. كانت هذه الإصلاحات ممكنة في عهد عضد الدولة لقوته التي أرجعت الأمن وضبطت الجند، ولرغبته الصادقة في تحسين الأوضاع، على أن الرفاه لم يدم طويلاً، وإذا استثنينا بعض الإصلاحات من سَدِّ بشق نهر أو حفر قناة، فإننا لانكاد نسمع بعد عضد الدولة إلا الحديث عن الفقر والخراب، وتكرر فيضان دجلة الذي خرب الأرض والغلات لعدم تنظيم مياهه، وقاست بغداد الكثير من فوضى العامة ومن الخلافات المذهبية التي كان يشجعها البويهيون، ومن «العيَّارين» الذين كانوا يفرضون الرسوم على الأسواق والطرقات وينهبون المسافرين ويقتحمون المنازل ليلاً وينشرون الخراب والدمار بالسيف والنار، وقد استمرت هذه الفوضى حتى مجيء السلاجقة.

ففي سنة 1055م دخل طغرل بك بغداد، وفي السنة الثانية وسع دار الإمارة بعد أن هدم العديد من البيوت والحوانيت حولها، وأحاط دار الإمارة بسور، وصارت تعرف بدار المملكة، أما ملكشاه فإنه وسع وأعاد بناء جامع المُحرم القريب من القصر سنة 484هـ وعُرف بجامع السلطان.

تركزت الحياة في بغداد الشرقية في العصر السلجوقي حول قصور الخلافة والأحياء القريبة منها، وقد زار بنيامين الطليطلي بغداد نحو سنة 1171م، فتحدث عن روعة قصر الخليفة بحدائقه وحَيْر وحوشه وبركته، وامتدح البيمارستان العضدي الذي كان يضم 60 طبيباً وجناحاً خاصاً للمختلين عقلياً.

وفي سنة 581هـ وصف ابن جبير بغداد، ولاحظ التدهور العام للمدينة وانتقد عجرفة أهلها «الذين يظهرون لمن دونهم الأنفة والإباء ويزدرون الغرباء… ولا يعتقدون أن لله بلاداً أو عباداً سواهم…»، ويذكر ابن جبير أن الجانب الغربي قد عمه الخراب، ولكنه مع استيلاء الخراب عليه يحتوي على سبع عشرة محلة، كل محلة منها مدينة مستقلة وفي كل واحدة منها الحمامان والثلاثة والثماني، وكان أكبر هذه المحلات، القُرَيَّة على شط دجلة قرب الجسر، ثم الكرخ وهي مدينة مسورة، ثم محلة باب البصرة وفيها جامع المنصور ثم الشارع.

أما الشرقية فهي دار الخلافة وقصور الخليفة والحدائق المحيطة بها تحتل ربع مساحتها، والشرقية كما يصفها ابن جبير «حفيلة الأسواق عظيمة الترتيب، تشمل من الخلق على بشر لايحصيهم إلا الله تعالى، وبها من المساجد الجامعة ثلاثة، جامع الخليفة متصل بداره، وجامع السلطان وهو خارج البلد ويتصل به قصور تنتسب للسلطان، وجامع الرصافة، والمساجد في الشرقية والغربية كثيرة لا تحصى، والمدارس بها نحو الثلاثين، وكلها بالشرقية، وأعظمها وأشهرها المدرسة النظامية التي بناها الوزير نظام الملك، ولهذه المدارس أوقاف عظيمة ينفق منها على الفقهاء والمدرسين والطلبة بها». وعلى الرغم من عظم شأن بغداد فإن ابن جبير وجد الفرق كبيراً بين وضعها كما رآها وبين ما كانت عليه في قمة ازدهارها.

عانت بغداد في العصر السلجوقي من الحرائق والفيضانات ومن اضطرابات وفوضى العامة والخلافات المذهبية، مما كان يؤدي إلى الكثير من سفك الدماء والدمار.

.. يتبع

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *