لم يكن يعلم أبدا أن هذا ما سيحصل له في الساعات الأولى من هبوطه مطار هذه المدينة الجميلة…الناس في الشوارع تبدو متعبة..وهدوء في كل مكان..وصل المدينة هذا الصباح..وهو يؤمل نفسه بلقاء طلبته الذين درسوا على يديه يوما في جامعة سوانزي في ويلز..تلقى الدعوة ملهوفا لحضور مؤتمر علمي كان من المقرر أن يبدأ يوم وصوله المدينة…ترك حقيبة سفره في غرفته بالفندق، وشكر الموظفة في الأستقبال وهي الضاحكة دائما..وخرج لأستكشاف ما حوله..لا زال موعده مع طلابه بعيدا..عنده من الوقت عدة ساعات يستطيع فيها تسجيل ملاحظاته والتمتع بالطبيعة المحيطة..وقبل كل شيء ممارسة هوايته في التصوير الفوتغرافي..كاميرته معه كل وقت.. مغرم بمناظر الطبيعة وبطراز معمار المدن…زار هو مؤخرا ثلاث مدن في أوربا..يدخل مسرعا ويخرج من المدينة على عجل..يحضر المؤتمرات التي يدعى لها..ويحاضر مرة وقد يكون له ملصق علمي مرة أخرى..ولكنه يجد ذلك ممتعا في حياته..وكاميرته تظل معه..مذ كان في مدرسة التطبيقات النموذجية في بغداد..معلما للغة الأنكليزية..مزهوا بأيام شبابه ..وأصدقائه..ومطاعم بغداد ومقاهيها..وشوارعها وساحاتها..و..و..و..صور عنده كثيرة ..وذكريات ..وصور أسود وأبيض..يجدها أحلى من الصور الملونة أحيانا..
كاميرته معه…يسير في شوارع المدينة التي نزل قبل ساعات…أسواق بطراز معماري حديث..وحدائق غناء…وخرير نهير صغير مجاور يطرق أذنيه..وفقير جالس مع كلبه المبلل بعد أن غطّسه بماء النهير..يأخذ لقطة للكلب المبلل وهو ينفض الماء عن جسمه..لقطة أخرى لتمثال كرة أرضية تبدو مائلة فاقدة للتوازن….وعلى حين غرة، أوقفه شاب أسمر..كان يقتفي خطواته قبل ساعة..يتبعه.. قال أنه من شرطة المدينة…وهو يحمي المدينة.. ذكّره بأنه غريب هنا..وبدأ تحقيقا سريعا معه..فتح تلفونه الجوال ليعطي أجوبة الزائر الحائر لمسؤوليه..سؤال المحقق- الشرطي ظل يتردد في ذهنه .. منذ متى لم يزر العراق؟..لم يدر بباله أنه لم يزره منذ ثلاثين عاما الأّ عندما سأله هذا المحقق الغبي في بلدة جاء لحضور مؤتمر علمي فيها..
ركب سيارة الأجرة وأقفل راجعا لمطار المدينة، سائلا عن رحلة طارئة تعيده لمدينة صباه..!.
د. عامر هشام : يحدث في البلاد البعيدة
تعليقات الفيسبوك