نماذج من الشِّعر المسيحي عن الحسين(ع)
محمد عبدالله فضل الله
6 محرَّم 1439هـ / ٢٦/٩/٢٠١٧
لكربلاء الوقع والصَّدى في نفوس الأدباء والشّعراء المسيحيّين، فالأدب المسيحي زخر بشعر كثير عبَّر فيه أصحابه عن عظمة النهضة الحسينيّة، وما خلَّفته من أثر إنسانيّ عظيم على البشريّة جمعاء. ومن هؤلاء الشّعراء، كان إدوار نقولا مرقص، الشَّاعر والكاتب والصّحفي السّوري، الّذي له ديوان شعر ضمَّ قصيدةً عن الإمام الحسين في كربلاء، يقول فيها:
ركبَ الحسينُ إلى الفخارِ الخالدِ بيضِ الصّفاحِ فكان أكرمَ رائدِ
حشدَ الطّغاةُ عليه كلّ قواهمُ وحموا عليه وردَ ماءٍ باردِ
وتخيّلوه يستجيب إليهم أما أحسّ من الظّما بالرّافدِ
تأبى البطولة أن يذلّ لبغيهم من لم يكن لسوى الإله بساجدِ
أيهابُهم سبطُ النبيّ وعنده جيشٌ من الإيمانِ ليسَ بنافدِ
حسبُ الفتى من قوّةٍ إيمانه ولـ (كربلاء) عليه أصدقُ شاهدِ
وهناك الشّاعر اللّبناني بولس سلامة، له الكثير من القصائد في مدح الإمامين عليّ والحسين(ع). يقول في أحد فصول ملحمته (الغدير):
أنزلوه بـ (كربلاء) وشادوا حوله من رماحهم أسوارا
لا دفاعاً عن الحسين ولكن أهل بيت الرّسول صاروا أسارى
قال: ما هذه البقاع فقالوا: كربلاء فقال: ويحك دارا
هاهنا يشرب الثّرى من دمانا ويثير الجماد دمع العذارى
بالمصير المحتوم أنبأني جدّي وهيهات أدفع الأقدارا
إن خلت هذه البقاع من الأز هار تمسي قبورنا أزهارا
أو نجوماً على الصّعيد تهاوت في الدّياجير تطلع الأنوارا
تتلاقى الأكباد من كلّ صوب فوقها والعيون تهمي ادّكارا
من رآها بكى ومن لم يزرها حمل الرّيح قلبه تذكارا
(كربلاء) ستصبحين محجّاً وتصيرينَ كالهواءِ انتشارا
وزخرت ملحمته بفصول كربلاء، ومنها هذان البيتان:
يا ضياء الغروبِ في (كربلاء) دونكَ الشَّمس في الغروبِ ضياء
شاعرٌ مقعدٌ جريحٌ مهيضٌ كلّ أيّامه غدت (كربلاء)
أمَّا في ملحمته (علي والحسين)، التي تبلغ (220) بيتاً، فقد كانت روحه في كربلاء تقتبس من شعاع الشَّهيد:
كربلا يا مغرب الشَّمس غصّت بالشّعاع الشَّهيد يوم انطفائه
ويختتم ملحمته بكربلاء:
شاعر صدره جحيمٌ مقيمٌ وفؤادٌ يموت في كربلائه
أمّا الشّاعر جورج شكور، فله ملحمة اسمها (الحسين)، تبلغ (80) بيتاً، صوّر فيها الذكرى الكربلائية، وما تتركه من شجن في النفس، وما تحركه من مشاعر إنسانيّة نبيلة:
يا (كربلاء) أأنت الكرب مبتلياً وأنت جرح على الأيّام نغّارُ
لالا وثيقة حقّ أنت شاهدة أن في الخليقة أشرارٌ وأخيارُ
وجولة البطل إن طالت لها أجل والحقّ جولته في الدّهر أدهارُ
كلّ الزّعامات إن شيّدت على ظلم كالبُطْل ولّت وصرح الظّلم ينهارُ
ووحدها نسمات الرّوح باقية على الزّمانِ كأنَّ العمر أعمارُ
يا (كربلاء) لديكِ الخسرُ منتصرٌ والنَّصرُ منكسرٌ والعدلُ معيارُ
وفيكِ قبرٌ غدت تحلو محجّته يهفو إليه من الأقطارِ زوّارُ
أمَّا الشّاعر ريمون قسّيس، فله ملحمة اسمها (الحسين)، التي تبلغ (115) بيتاً. يقول الدكتور ميشال كعدي في المقدِّمة التي قدَّمها للملحمة: “الحسين هو القتيل في سبيل الله والإيمان والعقيدة والإسلام، وهو الشَّهيد الذي ترك من نثير طلعته الغرّاء على أرض البطولة قدرة بحجم المستحيل”. ويقول أيضاً: “ملحمة قسّيسٍ تشير إلى عزم كربلائيّ ما تضاءل إزاء قدرات مجتمعة وشدّة كبيرة، فبقي الحسين البطل القادر في معركة تفوق حجم المعارك كلّها على أرض كربلاء”، وهو يفتتح ملحمته:
يا حسينُ الفداء تفديكَ نفسي أنت نوري المضئ يضحي ويمسي
قد دعا موسى والمسيح تجلّى وأتى أحمد لربّ بخمسِ
وعليٌّ ونهجه متسامٍ متغاوٍ بمجدِ قولٍ وترسِ
(كربلاء) تطيّبت بدماها فغدت موئل البكا والتأسّي
ثم يتحدَّث عن كربلاء بعد أن صاغ لها الحسين تاريخاً عابقاً بالشّهادة:
نصرة للأنام ذي (كربلاء) من يزرها يكن دحوراً لبخسِ
يا بني هاشم وصفوة قوم من قريش حسينكم هو مرسي
جرأة في شجاعةٍ، جودُ كفّ لا يجارى ونبعُ فهم وندسِ
وحسينٌ كيوسفٍ ليس إلّا شهدت فضله موارد خمسِ
ويختتم ريمون ملحمته بخلود الحسين وخلود كربلاء وخلود الشَّهادة:
وكراماتٌ للحسين تجلَّت وتفشَّت من (كربلاء) لنرسِ
كيف ترجو لأمّةٍ نورَ شمسٍ وهي دوماً تعيشُ دجيةَ غلسِ
كيف تصحو على عبيقٍ بوردٍ وحوالى الرّوضِ اصفرارٌ بورسِ
صاح هذي كتبتها بنجيعي عن شهيدٍ لم يروهِ فيضُ نِقسِ
لقد فتحت النَّهضة الحسينيَّة الخالدة قريحة الشّعراء، وتسابقوا على النَّظم في معانيها وتصوير عظمتها وعلوّها، إذ تلتقي هذه الذّكرى مع كلّ المكرمات والمعاني السّامية التي تستثير مشاعر الإنسان، وتوقظ خلجات قلبه، وتفتح عقله على كلّ حدث أو ثورة خالدة كانت ولاتزال محطّة مفصليَّة في تاريخ البشريّة وملهمة لها في ظلمات الطّريق، فكيف إذا كانت هذه الثَّورة الثّورة الحسينيّة، ورائدها قدوة الأحرار الإمام الحسين(ع).
*عن موقع بينات