إشارة:
جماعة “البصرة أواخر القرن العشرين” جماعة فريدة ليس في تاريخ السرد العراقي فحسب بل في تاريخ الأدب العراقي عموما. فهي لم تكن “الجماعة القصصية” الأولى في تاريخ العراق فقط بل كانت مشروعاً تثويرياً في النظرة إلى دور السرد خصوصا في واحدة من أخطر المراحل التي عاشها العراق بانعكاساتها الهائلة على رؤية الأديب ورؤاه. اقتنصت هذه الجماعة الإمكانية العظيمة لفعل الكلمة المقاوم حبن ترتدي أثواب الفن الباهرة فيمكنها أن تكون ماسة تلمع وتقطع في الوقت نفسه. وإذ تنشر أسرة موقع الناقد العراقي تراث هذه الجماعة وما كُتب عنها فلأنها “ظاهرة” تستحق الدراسة لاستنباط دروسها. تحية لجماعة البصرة أواخر القرن العشرين. ويهم أسرة الموقع أن تتوجّه بفائق الشكر والامتنان إلى الأديب الأستاذ “محمد عبد حسن” مؤرّخ هذه المجموعة وواحد من المساهمين المهمين فيها لأنّه زوّد الموقع بأغلب نصوص هذا الملف.
قصتان قصيرتان جدًا
محمد عبد حسن
1- الحرب:
انحنت ممسكة بحافة المعجنة فوخزت بقايا العجين المتيبس راحتيها الطريتين البيضاوين. من النافذة البعيدة تبدو السماء. ترى بوضوح بوادر جنود سود تزحف محتلة الأفق. في مثل هذا الوقت تُشعل السراج. هل سيشعلونه الآن!؟
اغتيل النهار. تفترس، بأسنانها، شفتها الذابلة. تتشبث بحافة المعجنة. صوت الآخر يصلها بوضوح واضعاً في كيسها القماش الأبيض خمسين رغيفاً أسمر.
2- انتظار:
– ولكني أمس الأول كنت في الواجب !؟
– واليوم أيضاً.
– ولكن . . . . . . .
– في الساعة الثانية.
ومضى مبتعداً.
مدّ يده وأسكت منبه الساعة. قبل أن يبتعد أضيئت غرفة نومه. رأى زوجته، كما رآها أمس الأول، تنضو عنها ثوبها، استبدلته بآخر أكثر عرياً. سرّحت شعرها. طلت شفتيها. فتحت زجاجة عطر، دلقت قليلاّ منه في كفها، مسحتْ رقبتها.. أبطيها. وبقيتْ تنتظر.
تنهّد بحسرة وابتلعه الظلام.