برهان الخطيب : روايات وراء قضبان الشجون الثقافية (ملف/38)

إشارة :
برغم أن الروائي المبدع برهان الخطيب يُحسب على جيل الستينات إلا أنّ ما يميز منجزه الابداعي هو هذا التجدّد والتجديد في الأسلوبية وتناول الموضوعات مع ثبات بصمته السردية الجوهرية على خارطة الأدب الروائي العراقي والعربي. وقد أغنى عمله الصحفي وحياته الحافلة بالمتغيرات مخزونه التجاربي فأثرى المكتبة السردية العربية بأكثر من اثنتى عشرة رواية كل واحدة لها عالمها المستقل المتفرّد. يسر أسرة موقع الناقد العراقي أن تبدأ ملفها عنه متمنية على الأحبة الكتّاب والقرّاء إثراءه بالمقالات والصور والوثائق. تحية للمبدع الكبير برهان الخطيب.

روايات وراء قضبان الشجون الثقافية
برهان الخطيب

الحلبوسي يصرح قبل أيام: خلص صبر الشعب العراقي. برهان الخطيب ينادي على صحيفة (الصباح الجديد) قبل 14 سنة تحديدا في (21 أكتوبر 2005) بعد تسويف وزارة الثقافة في نشر بعض أعماله: صج النوم يا وزارة الثقافة!.. إلى اليوم يكرر النداء.. لا فائدة. ما العمل؟ استبدال خطاب الأدب بغيره أيضا لا يفيد، يعني نستجيب إلى المطلوب، من عملاء لهم مختلف الأقنعة في جهاز الدولة خارجها تخريب حرق منجزات وطنية، اقتصادية ثقافية، رفع التوتر بين المواطن ودولته، إضعافها، رفدها المزيد من أنانيين لاهين أو مناضلين خارج سياق تأريخ نظيف لبلدهم، على طريق استكمال هيمنة خارجية على البلد، على اقتصاد العالم، ذلك يحدث لا في العراق فقط، لا في منطقتنا فقط، بل كل العالم، في أزمان مختلفة..
نهاية سبعينات القرن الماضي أرسل إلى وزارة الثقافة العراقية مجموعة قصص (عشرون قصة) للنشر بذلك العنوان ضمن منشوراتها، بعد أقل من عام يأتي الرد: قصتان من المجموعة موضوعهما لا نريد إثارته. الرقيب يحصل اليوم على جائزة إبداع. أتخلي عن عنترياتي أكتب إليهم: نستبعد القصتين ننشر البقية تحت عنوان (الشارع الجديد)؟ أول الثمانينات تظهر مجموعة القصص. يكتب عنها وقتها رئيس اتحاد الأدباء الحالي مقالا حسنا، يرسله مؤخرا إليّ مشكورا. يظهر أيضا من يكتب على هوى حسنة ملص عنها عن غيرها يقول قصص برهان كذا كيت، تمنع كتبي من دخول البلد، من كتابة أطروحات أكاديمية عنها، يذكر ذلك باحث عراقي محترم. رفع كبس يستمر. أعترض برسالة شديدة إلى الوزارة على منع إحدى رواياتي، صديقي نقيب الصحافيين يخبرني بعد حين: كيف تجرؤ على الاعتراض، اهرب قبل النيل منك. أعود إلى بلد الكافيار والاشتراكية والنساء الجميلات، المقال موجود في ألف باء. الحرب العراقية الإيرانية مع صعابها المعنوية والمادية محتدمة يفاجئني بنك موسكو يخبرني وصلت إليك مكافأة نشر، حوالي ألفي دولار، المبلغ ذلك الوقت يسحر، يدحر ما يدحر، لم أطلبه ولا أنتظره، أحوله إلى شقيقتي رغم مشاكل حولي تكمل دراستها في الخارج، تحصل على الدكتوراة، تخبرني بعدها لولا تحويل ذلك المبلغ إليها يومها تنقطع عن دراستها لا تحصل على الشهادة.. في ما مضى دعاية طبعا للوزارة وقت دكتاتورية، حرب، إنما موضوعي هنا حرب خفية تحت معلنة..
نضطر إلى النشر في الخارج، العزيز الطيب فؤاد التكرلي يكتب إليّ في رسالة شخصية أحتفظ بها: ما يهم في النشر هو التوزيع، وآمل أن تفهم دار (بوديوم) أهميتك داخل الوطن العربي وان تبذل جهدها لإيصال عملك هذا إلى القراء العرب..
حكمة تضيع بل تضيَّع عمدا مع جل حكمة الإنسانية.. السلام عليكم، منها حكمة أمتنا العربية، العراقية، البابلية.. من أجل حفنة دولارات!..
هنا تفصيل داخل تفصيل، كما في رواية مختصرة محتصرة لاستكمال صورة أكبر أهم..
تحديدا بعد أربعة عقود، نشر درزن كتب، انتظار مكاتبات سنوات، استلم رسالة أمس من دائرة الشؤون الثقافية.. تخبرني عليك دفع نصف كلفة النشر لطبع كتابك الجديد.. قبلها قالوا (ثلث الكلفة).. قبلها توافق وزارة الثقافة على دعم النشر بكتاب رسمي، يوقعه المستشار الأقدم، الموافقة تضرب عرض الحائط رغم نظام (ديمقراطي) عندنا، رغم فلوس نفط تصل جيوب كل الحرامية.. إلاّ ثقافة الوطن الأبية، رفدها، رفعها، دعمها، كما فعل السيد الجابري حال اطلاعه قبل عام على رسالتي عن مشروع نشر الروايات في دار الشؤون الثقافية، أيضا رغم رواج بيع الكتاب الأول والثاني والثالث لي هناك خلال الأربعين سنة الفائتة، رغم نقل احد موظفي الوزارة هناك لي أنه يفكر في مفاتحة الوزارة لإعادة نشر تلك الكتب ردا على كساد كتب أخرى تطبعها الشؤون.. موظفة أخرى تتغنى تقول لي .. لم نبع من روايتك نسخة واحدة! كرامر ضد كرامر.. الضحية البلد، ثقافته، اقتصاده، استقراره، وجوده..
خلال وقت طويل أناور مع الشجون، في دور حَكم، أحاور الشؤون، الوزارة، هذه ترفع تلك تكبس، للوصول إلى نتيجة ترضي سعي الأدب العراقي عموما إلى رفعة، قبل ثلاثة أعوام ننجح في نشر (نجوم الظهر) مكافأة النشر منها (النشر المكافأة قصدهما جرّي، تعلن سيدة طروب، إليهم.. إلى معمعة.. أفهم) استبدلها عددا من النسخ، استبشر على أي حال خيرا في تمكن أدبنا اجتياز محنة العراق بعيدا عن مماحكات السياسة، إنما يبقى هذا من تلك..
ما أن ينجح عادل مهدي في ترسيخ أساس جديد للسياسة العراقية في سفرته إلى الصين، يبعد العراق عن دوامة الأطماع الخارجية، الحزبية، لا أقول الطائفية، لأني أساسا لا أصدق بوجود صراع مذهبي أو طائفي أو ديني في العراق، كل تلك الضوضاء مفتعلة من الخارج، الشعب العراقي واحد، فطن، منتبه، إلاّ دمى تحسب نفسها من مثقفين، سياسيين، تتراقص تتصايح عن خطأ الجميع إلاّ حضرتها.. تسير على صراط مستقيم.. المهم الهميم، اليوم يجد العراق دربه السليم بعد بحث عقود، تغير أنظمة، يتجه إلى تطوير قويم، حتى نسمع الأصوات تتعالى مجددا عن خطل هذا رجاحة ذاك، محاولة لإعادة أو استمرار البلد في دوامة الصراع، ذلك متوقع طبعا.. تقارب أي بلد مع الصين لا يستمر من غير إثارة مشاكل في الظل في النور. تلك جورجيا القفقاس تبني الصين في عاصمتها تبليس مدينة تجارية فخمة لا مثيل لروعتها، إنما لأسباب لا تفهم أو تدليس باقية سنوات فارغة.. تنادي المستثمرين.. جلهم من ذلك في حيص بيص.. هكذا حال الثقافة.. يستعدل وضعها يقلب في خفاء.. تدري لا تدري ممن..
التهذيب الأدب سلاح خلّب. النتيجة؟ فرط صريح يقلّد المسيح؟ تبنّيه تصديقه كسيح.. في هذر فسيح.. أو.. حمل المكوار في هجوم صريح.. على دائرة السجون يحرر الشجون؟ سوف يتصايحون على مواقع الفسائس: انظروا ماذا يفعل المثقفون.. بأي آلاء وزارة يكذبون!..
لا أحد يرى.. يعمل الخطيب في مشروعه نصف قرن يهدي عصارته إلى شعبه عن طريق الشؤون ثم الوزارة.. جائزته، حسنا لا جنازته، من أشباه رجال تملص.. يلائمه أسوأ نص..

*عن صحيفة العالم

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *