أوقَفَني في موقفِ الخطأ
وقال: أنتَ خطأٌ يتكرّر.
كلّما انتهى إلى الحقّ
عادَ فوراً إلى الخطأ.
ما أنْ تُشفى مِن خطأ يا عبدي
حتّى يتدارككَ خطأٌ أكثرُ قسوة
وأكثرُ رماداً.
كيفَ يحدثُ هذا ودمعتُكَ لا تفارقُ عينَك؟
كيفَ يحدثُ هذا وشمسي تُحيطُ بقلبِك؟
كيفَ وقد عبرتَ سبعاً من لُغاتِ الجَمر،
وسبعاً من معارك الكَفَرةِ الفَجَرة،
وسبعاً من بوّاباتِ مدنِ السُفهاء،
وسبعاً من تُفّاحاتِ حَوّاء،
وسبعاً من سكاكين صويحباتِ يوسف؟
موقف الوحشة
********
أوقَفَني في موقفِ الوحشة
وقال: الوحشةُ داءٌ قديم.
فما بلغَ مبلغكَ منه يا عبدي؟
قلت: الواو سقتْني السمّ
والحاءُ أجهزتْ عليَّ بالسيف.
فخرجتُ من الحفلة
متنكّراً بهيئةِ عابرِ سبيل.
قال: سأزيلُ الوحشةَ عن قلبِك
وإنْ كانتْ بحجمِ جبلِ أُحد.
ادخلْ إلى الحفلةِ ثانيةً،
يا عابرَ السبيل،
وذكّر الناس
فالناس سُكارى
وما هم بسُكارى.
ذكّرْهم بقافي وقرآني،
بزلزلتي وسُبحاني.
ذكّرْهم فالناسُ غرقى
والناجون قلّةٌ وقليل.
وأنتَ من الناجين
وإنْ أبحرتَ على خشبةٍ من طين.
فستنجيكَ باسمي الذي تدعوني به
حين تحاصرُكَ الدمعة
وتتلبّسُكَ الدمعة
فتصيرُ كلّكَ دمعة.
فتعرف أنْ لا ملجأ منّي
إلا إليّ
وتعرف أنْ اسمي
هو الحَيّ الباقي،
والكلُّ فناءٌ مطلق،
أنْ اسمي هو الحَيّ القَيّوم.
موقف البيت
*********
أوقَفَني في موقفِ البيت
وقال: يا عبدي أمَا مِن بيت؟
أنفقتَ عمرَكَ تحملُ صرّةَ ثيابِك
هائماً على وجهِك
من بيتِ الفراتِ إلى بيتِ الرماد
إلى بيتِ البحرِ وما وراء البحر.
ومن بيتِ اليُتمِ إلى بيتِ اللئام،
ومن بيتِ الحرمان
إلى بيتِ البكاء والناس نيام،
ومِن بيتِ الصرخةِ إلى بيتِ الغُربة،
وأنتَ تبحثُ عبثاً عن مأوى
وطمأنينةِ جدار.
يا عبدي
لا بيت لكَ إلا بيتي.
فادخلْه مطمئناً
وقلْ: سلامٌ سأستغفرُ ربّي.
وقلْ: الحمدُ للهِ الذي آواني
بعد طولِ تَشرّدٍ وضياع
وَجَعلَ حرفي ونقطتي جدرانَ بيتي.
موقف الاسم
*******
أوقَفَني في موقفِ الاسم
وقالَ: ما اسمكَ يا عبدي؟
قلتُ: النقطة.
قالَ: بل الحرف والنقطة جزءٌ منه.
ثمّ قال: ما اسمك؟
قلتُ: الحرف.
قالَ: بل الحُروفيّ والحرف جزءٌ منه.
ثمّ قالَ: ما اسمك؟
قلتُ: الحُروفيّ.
قالَ: بل الصُوفيّ والحُروفيّ جزءٌ منه.
ثمّ قالَ: ما اسمك؟
قلتُ: الصُوفيّ.
قالَ: بل العارف والصُوفيّ جزءٌ منه.
قلتُ: أنا العارف،
فَلَكَ الحمد ملء السماوات والأرض.
وبكيتُ على السجّادةِ الخضراء
حتّى اخضلّتْ روحي.
قال: ما لكَ تبكي كلّما خاطبتُك
حتّى تخضّل روحُك؟
قلتُ: أغثْني ثمّ أغثنْي.
قال: إنَّ لكَ عندي وِرْداً مِن نور:
سبحانَ الله
والحَمدُ لله
ولا إلهَ إلا الله
واللهُ أكبر.
فإنْ صادفَكَ ذئبٌ بشريٌّ أو ذئبٌ كَلْبيّ
فاقرأْه بوجهِه
فسيهربُ منك
يجرُّ هزيمتَه جَرّاً.
خُذْ هذا السرَّ مِنّي
جوهرةً تتلألأُ مِن عَرشي
حتّى تصلَ إلى مثواكَ بأقصى الأرض.
موقف الحرف
*******
أوقَفَني في موقفِ الحرف
وقال: الحرفُ حرفي والنقطةُ نقطتي.
فكيفَ لكَ أنْ تفهمَ سرَّ خُلودي
وأنتَ الذي يحملُ الموت
في نبضةِ القلب؟
وكيفَ لكَ أنْ تتجلّى في ملكوتي
وأنتَ الذي يبكي على جرعةِ ماءٍ
ورغيفِ خبز؟
وقال: الحرفُ حرفي
ستجدهُ في كهيعص
وألم وطه ويس وق ون.
فكيفَ لكَ أنْ تتقبّلَ سرَّ السرّ
وأنتَ الذي تتقاذفُه المنون
ليضيع في البحارِ والبلدان
وفي سناّرةِ السنين؟
هل حمّلتُكَ ما لا تطيق
وأنا الرحيم يا عبدي؟
النونُ كانتْ نقطتي
فلا تكنْ كصاحبِ النون
إذ تدراكتُهُ وهو ما بين الخيط الأبيض
من الخيطِ الأسودِ من الموت.
بل كُنْ ك(يس)
كُنْ ك(طه)
إذ أسريتُ به
وقلتُ له في حضرةِ العرشِ: صِفْني.
فقال: إلهي………
وبكى مِن هيبتي وَجَمالي
وبكى مِن عِزّتي ورحمتي وجلالي.
فخشعتْ لصدقه السماواتُ والأرض
وأشرقتْ لنبضِ قلبه شمسُ عرشي.
******************************************************
* مقاطع من عمل شعري طويل بعنوان (مواقف الألف).
www.adeebk.com
أديب كمال الدين – أستراليا