د. قصي الشيخ عسكر : من قصص اللمحة

من قصص اللمحة
ضُرِبَ أحد الرفاق خلال شجار على رأسه فذَهَبَ إلى الشّرطة بشكوى فيها: ضَرَبَني عَلى رَأسي فسبَّبَ لي رجةً وصداعا،أمَّا التقرير الذي كتبه إلى مَسؤوله في الحزب،فقد ورد فيه:ضربني على رأسي المليء بمبادي الثورة ذلك يعني أنه يهدف باعتدائه الثورة ومبادئها.
نقصان وزيادة
اثنان وعشرون قردا يحكمون الوطن العربي،وبعد أسبوع حالما عاد من جديد بوجه متورم ومحجرين زرقاوين وقف في الساحة العامة أمام الجمهور وأنشد:واحد وعشرون قردا يحكمون الوطن العربي

إنها تحب المزاح الثقيل،
قال الطفل ذلك حالما خرج من غرفة المرأة الأربعينية وأضاف ظلّت تعصرني بين فخذيها إنها تحبّ المزاح الثقيل.
قبل عام ،حين ابتاع بيتا كانت أبواب البيوت في ذلك الزقاق ذات لون بنّيّ،فطلا بازرق لونه الأثير بابه،وبعد عام بدت أبواب البيوت بألوان شتّى.
لم يعترضه رجال الأمن قط على الرغم مطارد تهم لرفاقه الاخرين وذلك استهزاء بشخصه وسخرية من عاهته وقد اعتاد ان يبتاع الصحيفة المشبوهة بنظر السلطات فيرفعها على جانب راْسه وهو يجتاز دائرة الأمن متظاهرا انه يتقي بها الشمس .
هذا ديدنه كل يوم،
وفي أحد الأيام سخر منه الحارس الواقف بباب دائرة الأمن وصاح به ان يحول الصحيفة الى صفحة راْسه الاخرى فالشمس تسطع من تلك الناحية.
هذه المرة كنت أسخر من نفسي تماما.
سبعة عشر ميلا قدت سيارتي لأحضر مزاد ملتون كي ابتاع بعض الدجاج والطبور، قيل لي من قبل ان المزاد يبيع بسعر رخيص وحين يرى المزايدون رغبتك بشيء واهتمامك فيه ينسحبون فلا يضايقك احد لكني الأسبوع الماضي لم انتظر حضرت مبكرا في الساعة السابعة هي المرة الاولى لي وعرفت فيما بعد ان المزاد يبدأ الساعة العاشرة وقبل ان ارجع وجدت محلا يبيع بعض الخضار وعلف الحيوانات وشدني قفصان كبيران لدجاج بني ذي ريش براق والأكثر ان ثمن الدجاجة لم يكن مرتفعا.. شيء مذهل اقرب الى سعر المزاد ابتعت بعض دجاجات وعدت ولم انتظر افتتاح المزاد ذلك اليوم وعدت هذا الأسبوع وفي نيتي ان ابتاع طيور الحب والكوكتايل وتوجهت قبل الافتتاح الى المحل القريب …
لقد كان مقفلا وهناك عند العتبة حارس من هيئة البلدية يحدث زبائن يبدو انهم اشتروا الأسبوع الماضي دجاجات من المحل ذاته كان يقول لأي قادم المحل أغلق يبدو ان صاحبه كان يسرق الفراريج من المزارع ويبيعها للزبائن !!
ستة
كانوا ستة
نعم ستة
التفت عبر زجاج الغرفة الشفاف الذي يفصل الصالة عن الحديقة الواسعة الكبيرة وعددت الأشجار فوجدتها أكثر من ستة. كنت أحسبه يعدها ويخطيء فلم يبق له كبر السن في دار العجزة هذه أية ذاكرة ساطعة ثم عرفت أنه كان يتذكر ستة جنود المان قتلهم يوم كان طيارا في حرب الصحراء وبعد أيام من لقائي الأول به انمحت من ذاكرته الواهنة جميع الذكريات ولم يعد يحتفظ إلا بالرقم ستة.
محاولة اغتيال
مر نصف ساعة ولم يأتِ الخفير البديل فغادرت متنكبا بندقيتي الى منزله الذي يبعد عن نقطة الحراسة حيث أقف بضعة أمتار وحين وصلت لفت نظري شيء ما حركة او صوت فاختلست النظر من شق بين حافة الباب والحائط فرأيته في باحة المنزل وقد انحسر سرواله الى ركبتيه وزوجته جاثية أمامه شبه عارية تتوسل اليه: هذه هي المرة الثالثة التي تفعلها أرجوك دع ذلك الى وقت اخر واذهب الى عملك عندئذ اجتاحتني سخرية فانحنيت على الارض التقط حجرا واطوح به من فوق الحائط ليسقط حيث يقفان ثم اسرعت الى نقطة الحراسة وكأن شيئا لم يكن.
خلال دقائق رأيته يهرول نحوي بهيئة يرثى لها . سألني وهو يلهث
رفيق هل رأيت أحدا مر من هنا؟
أجبت مشيرا الى نهاية الشارع: نعم رأيت شخصين ما يقفان عند الباب ويمضيان مسرعين نحو الشارع الآخر
هز رأسه وعقب: انه يرومون قتلي
قال عبارته ومضى الى مقر القيادة ليدعي ان هناك مؤامرة لاغتياله!!
درَّاجَة
كنت في وضع أسوأ فقد انكسر قفل دراجتي فرفعتها الى كتفي وقصدت محلا دنماركيا لتصليح الدراجات. قال لي صاحب المحل عليك ان تأييدا من الشرطة يثبت ان الدراجة غير مسروقة ، التقطت أنفاسي وتأملت الامر، ، قلت لم هذا التعقيد ، المسالة ليست بحاجة الى شرطة هناك محل اخر يديره احد العراقيين رفعت الدراجة على كتفي ثانية ومشيت في شارع النوروبرو.كيلومترين، ربما اقل ،قال لي صاحب المحل ولا يهمك انا الان مشغول اذا كنت في عجالة خذ هذا ذلك المنشار من على الرف وانشر القفل بنفسك!

الفرّاش الجديد
أشاع (ج) فَرّاش مدرستنا الجديد أنّه ُنقِلَ من أبي الخصيب لأن المفتش ضبه يفعل بالمدير الفعل المريب داخل الإدارة،أما مدير مدرسة التنومة فكان حريصا على ألا يعاقب الفَرّاش (ج) خشية من أن يفتريَ عليه!
شيء مخفيّ
زوجته من أجمل النساء بل آية في الجمال ولايبالي أن يواقع أية أنثى مهما كانت درجة قبحها فيرد على المعترضين بقوله: مهما تكن الأنثى موغلة إلى درجة بعيدة في البشاعة والقبح فلابد أن تكون هناك مسحة من الجمال مخفية فيها لايكتشفها إلا رجل خبير!
بلامبالاة مسح الجندي المرافق للضابط – بعد أن استمنى – عضوه التناسلي بالمنشفة المنشورة على عمود وحين عاد الضابط من إجازته وباشر بحلاقة ذقنه، وضع المنشفة ذاتها بين يديه وشفتاه تنمان عن دعاء له بالعافية!
داشر
حين خرج ” الحاج عبد الحليم ” عن طوره، فهجم على ضيفه صفعا بالنعل قال أهل التنومة إنه على حق تماما، فقد اعتاد ذلك الشخص الوقور الرجل المضياف دعوة أي شخص يصادف أن يمر بمضيفه، وعندما مر ذلك الشاب الغريب الأنيق ذو الهندام الحسن، دعاه الحاج ثم حمل بنفسه الإبريق وصب الماء على يديه قبل الغداء وإذ حان وقت الصلاة واستعد لها لم يسأل الحاج ضيفه إن كان يصلي أم لا فقد وضع في باله أن يكون ذلك الغريب من غير ملة المسلمين….
ولم يغضب قط إلى حد الاعتداء بالنعل لكون اسم الضيف ” داشر ” فهو على أية حال اسم لاعيب فيه بل أفضل من اسماء كثيرة لكن الحاج خرج عن طوره على غير عادته في كرم الضيافة والصبر الجميل حالما عرف أن الضيف يسكن حي الطرب وأنه من عشيرة الغجر!
فوضى
هذا الصباح اعترتني حالة غريبة من النسيان
كنت أكتب رسالتين واحدة لحبيبتي والثانية تهنئة للسيد الرئيس
لكن
من سوء حظي أني وضعت الرسالتين بالخطأ في مغلفين يحمل كل منهما عنوان الآخر.
الفوهرر
بعد خمسين سنة ألفناها عنه من هدوء ودعة وسلام
وجدناه هكذا فجأة
يحلق شاربه على الطريقة النازية
ويزعق في الشوارع
يقال إن أحدهم قال له إنك تشبه الفوهرر
الأمريكي
اقتنى دراجة لأنه أراد أن يهاجر إلى أمريكا
قال إنه يمرن نفسه على سباق الدراجات كي يحوز على ميدالية آسيوية فيصبح له اسم عالمي طويل عريض فتطلبه إما الولايات المتحدة أو كندا.
ثم اقتنى كلبا يجري معه كل صباح وهو على الدراجة
عندما عدت إلى العراق في آخر زيارة بعد غياب ثلاثين عاما خيل إلي أني لمحته وقد بان عليه الصلع واحدودب ظهره كان مازال على الدراجة وكلب ما ينط جنبه.
لقاء عابر
التركي عامل التنظيف في محطة (سفنه مولن) قصدني وهو يقول عثرت سيدة على مائة كرونه أودعتها في مكتب الاستعلامات تستطيع أن تدعيها فنتقاسمها بيننا.
القط
Where is the cat
أجاب التلاميذ الصغار:
It is on the table
ثم يسأل المعلم ثانية ، فيجيب الصغار:
It is under the table
كنت في درس اللغة الإنكليزية أخضع لتجربة المعلم الجديدة مرة أجلس على المنضدة عاكفا يديّ كالقط ومرة أهبط تحتها، وحين كبرت وهاجرت أول مافعلته أني غيرت اسمي.ودفعتني الغربة إلى تعلم أكثر من لغة عرفت الروسية والفرنسية والالمانية والسويدية تناسيت اللغة الإنكليزية تماما ،ثم اكتشفت وأنا أزور لندن للمرة الأولى أنه كان علي أن أكره اسمي والمعلم ولاأكره اللغة الإنكليزية التي أجدها تتبعني في أي مكان أذهب إليه حتى لو كنت أتحدث كل لغات العالم.

البائعة
اعتادت المرأة صاحبة البقالية أن تسألنا ونحن عائدون من المدرسة عن ابنها المعلم كيف يعاملنا وهل يضربنا لأنه لو فعل ذلك معنا نحن أحبابها الصغار لكانت تجعله في البيت يتمدد على السرير فتجلده على رجليه أو إليته مثلما كانت تفعل وهو صغير في سننا. جميع أهل الحارة يعرفونها امرأة تعادل مائة رجل تعتمد على نفسها بقيت في بقالية زوجها بعد وفاته ولم تقبل أن تعتاش من راتب ابنها معلم مدرستنا.كنا نرتاح لحديثها ونحن نتوقف عند بقالتها في أثناء عودتنا من المدرسة فنستمع إليها وهي تقلب العالم لنا رأسا على عقب إذ المفروض أن يسألنا الآخرون عن رأي المعلم فينا لا عن رأينا فيه .
والحق لم نكن نشعر بالخوف إلا يوم ماتت … رحنا نسأل أنفسنا ونحن نمر من أمام البقالة المغلقة : هل يتجرأ المعلم ويعاقبنا بعد وفاة أمه؟
لون بنفسجيّ
منذ اشتريت قطعة الأرض تلك نظرت إلى نفسي ميتا.
كلّ اسبوع أمر عليها . أقف لحظات أو دقائق أو ساعة أتأمل المكان، وأسمع هدير السيارات.المكان رائع يقع في شارع النروبرو وسط مدينة كوبنهاغن، يحدّثني الدنماركيون أن الشارع لم يكن بمثل هذه الحيوية قبل ثلاثين عاما. من النادر أن ترى فيه أي أجنبيّ، أما الآن فقد انبعثت فيه الحركة والحياة بفضل العرب والقادمين من الشرق.على الرصيف الآخر انتشرت محلات الصاغة والأقمشة ومطاعم الشاورما والفلافل وأنا بطبعي أكره السكون والصمت، وأخاف منهما، أما يوم السبت فتمتد المناضد على طول الرصيف القريب إليّ من الصباح إلى مابعد الساعة الثالثة ليبيع أصحابها مختلف البضاعة القديمة التي لايرغبون فيها والحق إن ضوضاء الشارع جذبتني إليها ففكرت أن أجد فيه موطيء قدم هنا على الرصيف أيام السبت أو أكون أحد مالكي المحلات على الرصيف الآخر.
كنت أقف أمام قطعة الأرض تلك أتأمل الشواهد والأشجار وعند بعد قريب من الشارع المكتض بالسيارات تتهادى إلي أصوات مختلطة لحركة تطرد عني الوحشة ن أما في الليل وحين يقفل الباب الواسع فلما تزل حركة ما وأنوار كثيفة تتسلل من السياج الذي يزيد ارتفاعه عن مترين بقليل.
هذه المرة قطع علي تأملاتي بستاني المقبرة ذلك الرجل المرح العملاق الذي تعرفت عليه يوم اشتريت قطعة الأرض تلك، عشرة ألاف كرونه مبلغ ليس بالقليل لكن ذلك أفضل من أن تدفنني البلدية على نفقتها الخاصة في أي مكان تشاء ثم غنني سوف أدفن هنا وسط المدينة حيث الضجة والأنوار فلا أشعر بالعدم يأكلني.
أنت من المحظوظين فلم تعد هنا من أراضي للبيع بعد هنا في مقبرة اسستانت كركه كورد.
قال عبارته، وقبل أن ينصرف إلى عمله مددت يدي إلى جيبي ونقدته بعض الكرونات وأنا أقولك
فعلا تستطيع أن تبتاع بعض الورود لتزرعها حول القبر وأضفت تذكر أني أحب اللون البنفسجي !
أرقام
كانت قد نسيت الزمن تماما تبدو أصغر من عمرها تمشي بمساعدة إطار ذي عجلتين تستطيع الاعتماد على نفسها في الحمّام ترتدي ملابسها من دون مساعدةز كانت فقط لاتتذكر الأيام والسنوات ولاتدرك في أي يوم تعيش، وفي ذات يوم قدم زائر غريب يسال عنها. كان أخوها الاصغر الذي قدم قبل بضعة ايام من جنوب أفريقيا.
على الرغم من أن المقابلة لم تدم إلا أقل من ساعة فقد رأيت بريقا يسطع من عينيها. اقتربت منها وسالتها من هو، فاستراحت إلى سؤالي كمن يلتقط جرة ضاعت منه في بحر واسع . إنه أخي الاصغر أجابت لوركا بسرور واسترسلت. أصغر مني ن عمره خمسة وستون عاما لكنه يبدو أصغر من عمره الحقيقي، هو اخي الوحيد فأخي الأكبر قتل عام 1945 في حادث سيارة في جبال فرنسا مع خطيبته النيوزيلندية. كان عمري حينذاك 18 عاما. حادث مروع. أمي ماتت بسبب الصدمة عام 1945.أنا توقفت عن التدخين عام 1992 بسبب التهاب الرئة أما أبي الذي كان يدخن بشراهة فقد تزوج عام 1952.زوجة أبي طيبة تدمن التدخين أيضا منهما تعلمت التدخين. الله يرحمهما ماتا في فترة متقاربة هي عام 1986 وأبي بعدها بستة أشهر .
ثم توقفت عن الكلام كأنها تذكرت شيئا ما وسألتني :
إنه أخي الوحيد أوصاه أبي بي لكنه هاجر إلى جنوب أفريقيا ليفتتح مشاريع عديدة ، هل تظن أنه سيخرجني من المأوى لأعيش معه في بيته؟
أم علي هالة القمر
منذ عهد بعيد ربما أكثر من خمسين سنة ، كان شعر الحاجة “هالة القمر “ينضح بالشقرة فتكاد بعض خصلاته تذوب تحت الشمس، وترآى لنا أن وجهها الملائكي المدور كهالة القمر يظل كما هو وإن طال الزمن وتراكمت السنين، وقتها أطلت من الباب ، ورمقتنا بنظرة خاطفة مشوبة بالحياء ، ونحن منهمكون بلعب ” الدعبل” ، غير أن عباس بن الحاج الذي كان مفتونا بها توقف عتن اللعب وهتف فينا رافعا صوته لتسمعه:
سترون كيف أسير على قمم الأشجار حتى أصل إلى نهاية صف الأثل
سرعان مانط على أقرب شجرة إليه مثلما فعل طرزان الذي شاهدناه يوم أمس في السينما.كان عباس يصيح ويزعق وهو يرتقي بخفة جذع شجرة الأثل الضخمة وفي باله أن يصل قمتها ثم ينط على الشجرة الأخرى فيخطيء الغصن ويقع على الأرض!
لم يعد يعرفنا بعد الإصابة التي سببت له ارتجاجا في المخ. ظل صامتا، وراح يسير في الشارع ويداه فوق رأسه و ولم تتزوج ” هالة القمر” إذ كانت ترفض أي عريس يتقدم لخطبتها حتى نسي رفاق الطفولة اسمها تماما وعرفوها بكنيتها ” أم علي ” التي أطلقوها عليها منذ اللحظة التي سقط فيها سقط عباس بن الحاج علي من على شجرة الأثل وهو يقلد طرزان لالشيء إلا من أجل أن يلفت نظرها فقط !
صباح ذلك اليوم ذهبت شأني كل مرة إلى السوق. هناك اكتشفت أني نسيت النظارة. كنت أخمن مواضع السلع والبضائع فتقع يدي عليها .. ار تحت كثيرا كوني لم أعد أسير النظارة التي صحبتني منذ الصغر، وفي البيت استدركت خطأي عرفت أني اشتريت بضائع مختلفة تماما غير التي كان يجب أن أبتاعها!
دعاوى
كنت أحدق في القائمة مندهشا
حقا المبالغ كبيرة جدا. كان هناك بالعشرات ممن يأتون إلى أهلي يطالبونهم بمبالغ استلفتها منهم كما يدعون وبعد عشر سنوات استعدت ذاكرتي، وأول ما فاجأني تلك المبالغ المتراكمة من الديون علي..رحت أحدق في القوائم الطويلة العريضة وأنا بانتظار أصدقائي الذين ادعوا علي في سنوات فقداني الذاكرة. انتظرت يوما يومين وأكثر. بقيت اأنتظر طويلا مرت الشهور والسنوات ولم يأتوا.
لم أرهم ثانية قط.
أخيرا كدت أنسى أشكالهم لولا هذه القوائم الكثيرة المعبأة بالأرقام التي تذكرني بهم.
المومياء
أراها منبسطة أمامي تبتلع الأعوام والقرون. لايفصلني عنها سوى صندوق زجاجي شفاف. لاأفهمها. قد لاتفهمني أيضا، وعلي أن أدخل عالم الصمت مثلها لعلنا نستطيع أن ندرك أحدنا الآخر.ماذا يحدث لو هويت بقبضة يدي على ذلك الصندوق الزجاجي الشفاف الذي يفصلني عنها فلا استطيع أن أهاجر عبر الزمن بل كان هناك صوت يحثني والآخرين الذين نسيتهم وأنا أبحر فيها:
الآن ننتقل إلى مشهد آخر
شواهد
صحا الناس ذات يوم
ليجدوا أن شواهد القبور
غيرت اماكنها
لتختار أية شاهدة القبر الذي تهواه
عندئذ
قالوا
ربما هو الضجر الخفي دفعها لذلك!

في التسعين من عمرها.
حين التحق هارلي بدار العجزة ظنته مابلي زوجها. كانت تجلس جنبه وتتحدث طول اليوم أو يتبادلان القبل. أحيانا يتحدثان وفق ماتمليه ذاكرتهما، فتسأله عن الجو ليجيب أن الحرب العظمى انتهت أو أن السوق مليء اليوم بالمبتضعين.وحين أصحبها إلى غرفتها تسألني هل نام هارلي؟ هل غطيته جيدا فأجيبها بالإيجاب.
في أحد الأيام حملت الممرضة صورة قديمة مابلي وزوجها الحقيقي المتوفى قبل أعوام وهما ينعمان بالشباب والحيوية وسألتها وهي تبتسم من هذا فأجابت إنه زوجي ثم التفتت إلي متسفهمة عن زوجها هارلي عندئذ اندفعت الممرضة : هارلي ليس زوجك زوجك مات يجب أن تفهمي ذلك.
لم تجب مابلي وظننت أنها سوف تنسى الشيء الذي أثار استغرابي أنها في اليوم التالي أخبرتني أنها لاترغب في مساعدتي الممرضة التي تنافسها على زوجها وأن عليّ أن أعتني بها وحدي.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| عبدالقادر رالة : الزعفرانة.

    لمحتها في المحطة تنتظر القطار …    الفتاة الوحيدة  التي تقرأ كاتباَ ؛ كتاب في  …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| كريم عبدالله : وحقّك ما مسَّ قلبي عشقٌ كعشقك .

كلَّ أبواب الحبِّ مغلّقة تتزينُ بظلامها تُفضي إلى السراب إلّا باب عشقك مفتوحٌ يقودني إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *