84 عاماً تفتح له بوابة غينيس للأرقام القياسية
سامي عبد الحميد ممثل على الخشبة غريب عن الوطن
جمال آدم
خمسة وثمانون عاما ليس معروفا متى بدأ صاحبها الحياة في زماننا، إذ ولد في العام 1928 ولكن في يوم غير معروف بالنسبة له، وهكذا يحتفل بعيد ميلاد افتراضي يحكي فيه ضاحكا أنه اليوم الذي استقبلته الحياة ولكنه لا يتوانى عن القول دائما في كل المناسبات الفنية والحياتية إن يوم ميلاده هو اليوم الذي بدأ فيه العمل في المسرح، ذاك الكائن الجميل الذي يرافقه في حله وترحاله، فهو يوم ميلاده وكل الأيام التي تحمل الخير في حياته من ألفها إلى يائها.
الفنان العراقي القدير أو عميد المسرحيين العرب سامي عبد الحميد ابن الخامسة والثمانين عاما لا يغيب عن تظاهرة عربية تجمع المسرحيين العرب ولا يتعب من السفر والترحال وهو على أعتاب الرابعة والثمانين تراه يحضر لمناسبة مسرحية مقبلة أو يفكر في عرض مسرحي آخر، وهو كما يقول يحضر لعدة مشاريع مسرحية عربية خلال العام الحالي إذ العمر لا يمنعه عن التفكير والاستمتاع بكل لحظة من لحظات حياته المسرحية، بل على العكس يدفعه لقول كل ما لديه بمنتهى الصراحة.
وقبل فترة قصيرة قيل انه دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأنه وبهذا العمر قدم عرضا مسرحيا كاملا متكاملا ضمن صيغة المونودراما على مسارح بغداد بعنوان «غربة» وبالتالي هو الممثل الوحيد في العالم الذي قدم هذا العرض وهو بهذا العمر ما يجعله قادرا على التفكير بعرض مسرحي آخر وثمة من يشير إلى أن الفنان سامي عبد الحميد سيقدم عرضه المسرحي «غربة» في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما.
كما علمنا من خلال اتصال أجريناه مع ادراة مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، حيث أخذ هذا المهرجان على عاتقه واعتبارا من الدورة المقبلة تقديم أعمال مونوردامية لأهم الممثلين الكبار في العالم العربي، والدورة الجديدة ستجري في شهر يناير المقبل وقد ألمح إلى أنه سيسعى أن يقدم هذا العرض بتصور إخراجي وتمثيلي جديد لهذا المهرجان كما نقل عنه.
لا يجد الفنان سامي عبد الحميد ضرورة للتعريف بما قدمه نظرا لكثرته ووفرته، فهو يحمل معه سيرة ذاتية متنقلة ومكتوبة بخط اليد أحيانا ومطبوعة أحيانا أخرى، وذلك انطلاقا من تركيبة شخصية ومحبته للنظام وجمع أرشيفه معه أينما سافر، وهو يحكي في هذه السيرة وضمن ما يزيد عن الصفحات الخمس عما قدمه خلال حياته المهنية وهو كثير فعليا .
ويعترف الفنان سامي عبد الحميد أن ما يذكره قد كتبه وثمة الكثير من القضايا والتفاصيل التي تغافل عنها أو نسيها وهو يشير إلى ان جيله لن يتكرر على الإطلاق من حيث النشاط والحيوية وحب المسرح متهما جيل اليوم بالكسل، ومنوها ان الجيل الحالي هو جيل يسعى وراء تحقيق مكاسب سريعة من خلال المسرح ومن خلال لعبة الشهرة التي لا شك ستصل المرء طالما كان واقعيا وموضوعيا في التعاطي مع المسرح بصدق وتواضع، وهذه هي الصفة التي لازمت جيله بالإضافة الى البحث عن الفن في كل مكان على وجه الأرض.
وأشار عبد الحميد الى أن تجربة المونودراما التي قدمها بعنوان «غربة» هي بمثابة ردة فعل على الغربة الحقيقية التي يعيشها المرء في العراق والعالم العربي الآن، إذ ان الغربة تقضي على كل أشكال الحميمية والانتماء بفعل حالة الموت التي ترخي بظلالها على المشهد العام، لافتا الى أن معظم المواطنين العرب يشعرون بهذه الغربة في كل مكان يعيشون فيه وحتى داخل أوطانهم.
وامل عبد الحميد كما قال ان يسهم بغربته الجديدة إلى جعل الناس تعيش لحظة واحدة، لحظة صدق وصراحة مع نفسها، متمنيا أن تعود حالة الألفة والحميمية تلك التي كانت موجودة أيام زمان ولكن الخراب أصعب وأكبر من أن تمحيه الأمنيات حتى لو كانت أمنيات كبيرة.
ويؤكد سامي عبد الحميد الذي يعتبر بطل أول عمل سينمائي عراقي ملون بعنوان نبوخذ نصر عام 1962، أن حركة المسرح العراقي تمشي ببطء وهي بحاجة إلى بعض الاستقرار حتى يتاح لها أن تكوّن حضورا يعود للمسرح العراقي لأيام زمان، مشيدا بجهود المسرحيين العراقيين في الخارج فهم ينقلون بشكل أو آخر تصورا ما عن المسرح العراقي وعن العاملين فيه.
ويشير عبد الحميد إلى أن ما يثير السؤال في أعمال ما بعد الحرب وجود وجوه جديدة وجيل آخر من العاملين بالشأن المسرحي العراقي صعد للسطح من حيث التشكيل البصري والفهم الفكري لحضور العلمية المسرحية في المجتمع العراقي ورغم وجود حضور فني لهذه الأعمال إلا أنها غير قادرة على ان نتحدث عنها كتجربة وكحضور في المشهد المسرحي المحلي.
ولا يذكر عبد الحميد عدد المهرجانات التي حضرها في حياته ولكنها قد تقارب المئة مهرجان وهذا الرقم موزع ما بين دول القارة الأميركية والأوروبية والاسيوية ناهيك عن مهرجانات العالم العربي المسرحية.
غربة عبد الحميد
مسرحية «غربة» تحمل الاسم ذاته لمسرحية الفنان السوري القدير دريد لحام والتي قدمها في السبعينات من القرن الماضي عن نص الكاتب محمد الماغوط، وغربة سامي عبد الحميد عن فكرة حسن السوداني وإعداد جمال الشاطي وإخراج كريم خنجر شاركه فيها بعض الشباب من خلفه يؤدون لقطات لصور معبرة، وعلى مدار نصف ساعة أدهش الفنان عبد الحميد جمهور الصالة التي صفقت مطولا لأدائه المفعم بالاحتراف والحب.
وهي في العموم أول عمل مسرحي يقدمه سامي عبد الحميد منذ نحو ستة أشهر تقريبا بعد انقطاع لسبع سنوات عن المسرح، وأشار عبد الحميد في حديث له الى أن هذا العمل دخل في روحه وسيطر على كل حواسه أثناء وقوفه على الخشبة كما لم يحدث معه قبل الآن ربما لأنه يحكي فيه عن مظالم الشعب العراقي الذي تعرض لظلم كبير في تاريخه القديم والحديث وما زال يتعرض لنفس الآلية من الظلم ولكن بتمظهرات جديدة.
سيرة إبداعية
يعتبر الفنان العراقي سامي عبد الحميد إلى جوار رفيق دربه يوسف العاني وإبراهيم جلال أحد المؤسسين الكبار لحركة المسرح العراقي وقد اجتمعا معا في تأسيس فرقة المسرح الحديث عام 1951 .وسامي عبد الحميد حاصل على ليسانس الحقوق ودبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن وماجستير في العلوم المسرحية من جامعة أوريغون الولايات المتحدة الأميركية.
وهو رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب سابق للفنانين العراقيين، وفي المجال النظري ألف عدة كتب تخص الفن المسرحي منها «فن الإلقاء، فن التمثيل، فن الإخراج».
وترجم عدة كتب تخص الفن المسرحي منها العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين، المكان الخالي لبيتر بروك. كما كتب عشرات البحوث من أهمها الملامح العربية في مسرح «شكسبير»، السبيل لإيجاد مسرح عربي متميز، العربية الفصحى والعرض المسرحي، صدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي.
*عن صحيفة البيان