جيم جديد — جابر خليفة جابر
3 – ثريا المثقف
عبد الهادى الزعر
—————————–
فى ضحى الخميس 11 كانون الاول 2011 شيع جثمان الاديب محمود عبد الوهاب المولود ببغداد عام 1931 من مقر اتحاد ادباء البصرة القائم على ضفاف نهر العشار فى محلة نظران وهو مقر السراى العثمانى سابقاً المجاور لبيوت اعيان البصرة وبشواتها –
شيع فى موكب مهيب الى مقبرة الحسن البصرى فى مدينة الزبير ليرقد بسلامٍ ودعةٍ جنب صديقيه الخالدين السياب والبريكان –
لم تشهد البصرة تشييعا باذخاً لراحلٍ من هذا الزمان شبيهاً له ربما هو قرين لمنظر المدينة وهى تودع أمامها الحسن البصرى فى غرة رجب عام مائتين وعشرة هجرية –
ومحمود عبد الوهاب هو أحد أعمدة جيل القصة العراقية الخمسينية جايل فؤاد التكرلى وعبد الملك نورى وغائب طعمة فرمان والصقر – – كان منفتحا على جيله الادبى ؟
أبدع النصوص التالية :
طيور بنغالية \ القطار الصاعد \رغوة السحاب \ ثريا النص \ سيرة بحجم الكف \ وعشرات المقالات التى نشرت هنا وهناك ؟
سأله صديقه محمود الظاهر عن سبب شحة أنجازه فأجاب :
(لابد ان تجزم بانك الافضل عند النشر قصة واحدة يطول الجدل فيها لتميزها خير من كثرة لاتقرأ)
كان يرحمه الله يتعقب الجمال – – مفرادته السردية مكتنزة بالحدس ومشبعة بطاقات دلالية مستترة تنم عن ثراء فكرى متفرد
يستقي مادته الكتابية من زحام الناس بالأسواق و المقاهى والقطارات والمنتديات العامة والساحات والتلاميذ وأساتيذهم وستائر الشبابيك حين تبوح بما خلفها –
أبتدع كتاب ( ثريا النص ) فأمسى له بصمة لاتمحى رغم اوراقه القليلة ولكنها فى منتهى الثراء ويقصد بالثريا — العنونة — وهى العتبة الصغرى والعتبة الكبرى هى المتن وثريا النص عبارة عن إلتقاطات ذكية وخاطفة لاتتمكن من إلتقاطها إلا العين المدربة (عين صقر )
يلتقط هموم المتحدثين وصدقهم من قسمات وجوههم وأرتعاش أيديهم ونبرات أصواتهم حتى لو كانت بارقة كلمحة الضوء فهو ضليع بعلم – الهيأة –
ومحمود عبد الوهاب نجم لامع فى اجواء الثقافة العراقية حضوره (كرازيمى ) شكلا وصوتا فكها لاذعا خفيف الظل مما جعله قريب من نفوس البصريين أدباء وفنانين وهواة شعر وأنصاف مثقفين –
قال مرة : كنا ثلاثة نتنادم وأذا بأمرأة جميلة تضرب ( الودع ) نظرت لنا ملياً وقالت للسياب :سوف تتألم كثيرا من شدة المرض وتموت غريبا ّ وقالت للبريكان سوف تقتل وتموت موتة شنيعة وألتفتت نحوى قائلةً :ستعمر طويلا ثم تموت وحيدا –
فالعرافة صدقت مع السياب والبريكان وأخطأت الحدس مع عبد الوهاب لكونه رقد فى مستشفى البصرة التعليمى الطابق الخامس لمدة اربعين يوماً ولم ينقطع عنه اصدقائه ومحبيه
فأتحاد أدباء البصرة يضم قرابة مائتى عضو معظمهم زاروه ورافقوه حتى الرمق الاخير لاسيما صديقه وتلميذه محمد خضير-
لم يترك البصرة إلا فى سبعينيات القرن الماضى متجهاً الى كمبردج لندن لغرض الدراسة مكث فيها عاماً واحدا وقفل راجعاً لم يفصح عن رجوعه المفاجىء لأقرب خلانه –
كان مدرساً فاعلا وتربوياً من طرازٍ خاص تمتع بنشاطٍ غير مسبوق فهو قاص وناقد ومسرحى وشاعر مكين أكتنزت مقطعاته الشعرية بالحداثة والرمزية والسريالية –
ترك وراءه أسئلة لا زالت بحاجة لمجيب :
فى أى خانةٍ يوضع أدبه فى النقد ام الشعر ام السرد ؟
يعشق الذين يخالفون الحاكم وهم على بينةٍ ومبدئيةٍ وتعقل فالرجل لم يتفيأ
تحت ضلال اى مسؤول منذ عام 1958 حتى ساعة مغادرته الدنيا الفانية –
عقد علاقة فكرية امتدت طويلا مع الاستاذ فخرى كريم رئيس تحرير المدى حيث نشر له الكثير من المقالات بأريحية تامة –
الخصيصة الأجمل فى شخصية محمود عبد الوهاب أنه على مسافة واحدة من ابناء جيله والجيل الذى سبقه فلا فرق لديه بين نجيب المانع ورزوق فرج رزوق وزكى الجابر وكاظم الخليفة ومصطفى عبد الحميد وعبد الحسين الشهباز وهم ادباء قدامى وبين كاظم الاحمدى وعلى عباس علوان وجاسم العايف وحسين عبد اللطيف ومحمد صالح عبد الرضا إلا بالأبداع والتألق ولم تسجل عليه طيلة ست عقود قضاها متنقلا دؤوباً كالفراشة والرحيق أنه قلل من شأن أديب مبتدىء فى اول مشواره –
فهو كتلك الام العربية ذات الخمسة اولاد قيل لها من تحبين أكثر قالت:
(الغائب حين يعود والصغير عندما يكبر ووو )
كان مرحباً به فى كل الأوساط أكاديمية كانت أم أدبية لدماثة خلقة وسعة صدره كما انه مستمع مثالى لا يقاطع محدثه إلا من بعد ان تفرغ جعبته رحمه الله وأحسن مثواه –