الفنان التشكيلي محمود فهمي عبود: اتمنى ان ارى الفن العراقي وقد استعاد عصره الذهبي (ملف/5)

الفنان التشكيلي محمود فهمي عبود: اتمنى ان ارى الفن العراقي وقد استعاد عصره الذهبي
حاورته: وفاء نعمان احمد 

فنان عراقي تنقل بين مرافيء المنافي والاغتراب حاملا جذوره الرافدينية الاصيلة ,تتلمذ على يد اساتذة الفن الروسي وعلى أصول المدرسة السوفيتية المعروفة بأصولها الفنية الصارمة.وعمل تدريسيا في النرويج عام 1999 الى عام 2002 وبعدها باشر العمل في الامارات بتدريسه لمادة الرسم في معهد الفن الخاص، ومراكز الاطفال والفتيات في الشارقة يتعامل مع المطبوعات في رسم القصص للأطفال من خلال الأسلوب والطريقة ليخرج بانطباعاته الجديدة في التجربة المعروضة، ويحقق الهدف من نشر الفن وتداوله بين الجميع للارتقاء بالحس والذوق لدى الإنسان في كل مكان حيث ترقى الأمم برقي فنونها..كان لنا هذا الحوار مع التشكيلي محمود عبود فهمي.
*نعود معك الى مرحلة التشكل والبواكير, بمن تأثرت في مراحلك الاولى؟ -كنت مهتما بالفن التشكيلي منذ الطفولة، وأعجبت كثيراً بالفن الأوروبي خصوصاً المدرستين الايطالية والهولندية، وفي مراحل متقدمة تأثرت بالفن الفلامنكي والانطباعية الفرنسية، وكنت شغوفاً بمعرفة سيرة حياة هؤلاء الفنانين واحلم بأن اكون مثلهم، كما كان لأخي الأكبر، الفنان محمد فهمي الأثر الكبير في زرع هذا الولع، عبر مكتبته المليئة بالكتب المصورة للوحات الفنانين، ومرسمه المتواضع في بيتنا، حزت في المرحلة الابتدائية على الجائزة الاولى على مستوى محافظة بابل وكانت السبب في فوز مدرستنا لأول مرة، وكان ذلك عام 1975، وما زلت احتفظ بالميدالية الخاصة بالجائزة. فرضت مراحل تجربتي الفنية في كل فترة فناناً معيناً، وحالما يتغير هذا الفنان يظهر فنان آخر حسب النضج الفني، فعند سفري الى أوكرانيا تأثرت بعدد من الفنانين امثال “اليا ريبن” و”سيروف كروفن” و”مليافن”، وكذلك “نيكولاي فيشن” والسويدي “اندرياس زورن” والنرويجي مونخ والكثير من الفنانين الكبار المعروفين، وكنت اقرأ سير حياة هؤلاء الفنانين، وتعجبني التقاليد الصارمة في دراسة الفن التي تحتاج الى المثابرة والصبر والتدريب المتواصل.
* ماذا تعني لك المدرسة الواقعية؟ –
المدرسة الواقعية هي الاساس الذي يرتكز عليه الفن الحديث وتبقى هذه هي الحقيقة مهما حاولنا التملص منها, التمكن يفتح آفاقا رحبة في عالم اللون والتكوين والحركة في اطار اللوحة المرسومة لذا فانا من مؤيدي الفن الواقعي للفنان في مراحل الدراسة الاكاديمية الاولى وحتى بعد التخرج لفترة وبعدها يكون الانطلاق في رحاب الحداثوية في الفن واستلهام التجارب الفنية من المدارس الفنية المتاحة في الساحة الفنية العربية والعالمية, مع تطوير التجربة الخاصة للفن المحلي والتراث ومن ثم الموروث الذي نمتلكه لتشكيل عمل وذائقة فنية جميلة. *الغربة وتأثيرها في لوحاتك؟ -الغربة بالرغم من قساوتها تنقل الفنان نقلات نوعية في اغناء تجربتهِ الفنية, لذا فانا ادين للغربة بالكثير، لكونها استطاعت ان تزيح عني الخوف من اكتشاف نفسي, واعطتني الثقة بالنفس لاغناء تجربتي وهي ما اتاحت لي الخروج من المدارس الكلاسيكية او المدارس الفنية المحدودة التي كانت مطروحة في الساحة الفنية العراقية.

* ماهواياتك الاخرى غير الرسم؟

-هواياتي الاخرى هي القراءة, قراءة الروايات والادب العراقي الحديث لكتاب شباب من الجيل الجديد الذين بدات انكب على قراءة انتاجهم الادبي.وكذلك الكتب البحثية والدراسية, وفي الفترة الاخيرة اتجهت قليلا الى قراءة الفلسفة الحديثة ولا اعرف لماذا الآن؟ ولكن اعتقد ان الكثير من الكتب الفلسفية في مرحلة من العمر استطيع ان افهمها واستوعبها تبعاً للتجربة والنضوج الحياتي, ومن هواياتي الاخرى سماع الموسيقى, بل وحتى في الرسم لا امارس الرسم الا والموسيقى هي المصاحب لي، لانها تعطيني الهاما ودافعا قويا لاكتشاف رحاب واسعة من التشكيل اللوني والتعبيري في اللوحة.
* ما اجمل لوحة مازالت عالقة في ذهنك؟

-اكثر لوحة تعجبني هي لوحة الجورنيكا للفنان العالمي بابلو بيكاسو ولوحة عيد الميلاد للفنان مارك شاغال ولوحة نساء يستحمن للفنان الفرنسي رينوار.. والكثير غيرها.
*هل لديك رسالة تريد ان توصلها من خلال لوحاتك؟
-اتمنى ان ارى الفن التشكيلي في الساحة الفنية العراقية قد استعاد عافيته كما كان في فترة الستينات والسبعينات او ما اسميه بالعصر الذهبي للفن التشكيلي العراقي الذي يتطلب تدخلاً من الدولة في تنشيط الفن والدعم المالي للمواهب عن طريق فتح الكثير من المراكز الشبابية وتسليط الضوء اعلاميا اكثر على النشاط الشبابي.
*هل لديك معارض ومشاركات دولية؟
– نعم لدي الكثير من المشاركات والمعارض المحلية والدولية منها في أثناء دراستي الاكاديمية في اوكرانيا وفي روسيا ، ومنها بعد التخرج ، اشتركت في معرض في العاصمة التشيكية براغ ومعرض شخصي بالنروج ، ومعرض شخصي في الامارات اضافة للمعرض المشتركة وهي كثير هنا بالامارت وقريباً في متحف الشارقة وهو معرض متميز سنوي تقيمه جمعية الامارات للفنون كل عام والعام الماضي اشتركت به وحصلت به على الجائزة الاولى بلوحة خاتون دجلة، والاعمال كلها بالقياسات الكبيرة مترين واكثر كل عمل هو بالطبع عن مشروع لوحة لانه يحتوي على تفاصيل كثيرة بسبب طبيعة الاسلوب الذي ارسمه وهو يحتمل الكثير من التفاصيل لذا العمل يستغرق عندي شهرا او شهرين
*هل بالموهبة وحدها تصقل تجربة الفنان ام بالدراسة والموهبة معاً؟
لايمكن للموهبة وحدها ان تصقل او تنضج الفنان ، تبقى الدراسة ضرورية جداً للفنان وهناك جزئيات بالفن يصعب شرحها سيفتقدها الفنان الفطري او الغير دارس اصول الفن بكل تقنياته ، بالتاكيد الدراسة والحياة الجامعية والاختلاط مع الطلبة والاستفادة من تجاربهم هو عالم هائل الجمال ولايمكن تعويضه بالموهبة فقط، واي فنان لم يمر بهذه المرحلة سيفقد الكثيرمن جوانب تلك المرحلة من عمر الفنان وهي الدراسة الاكاديمية وعندها ستكون الموهبة مع الدراسة شئ هائل لانه اجتمعت الموهبة والاحساس مع الدراسة الاكاديمية ، لذا يجب على الفنان او الفنانة ان يعتمد على انه لديه موهبة ولماذا يدرس!!! هذا خطأ كبير يقع به الكثير في الوسط الفني لان الفكرة والاعتقاد هي خاطئة اصلا
* الى اي مدى انت متفائل بابداع الفنانين الشباب؟
-انا متفائل جد بالمبدعين العراقيين ، العراق بلد منجب للمبدعين والمتميزين ، وكل يوم نرى الكثير من فنانين يفرضون ابداعهم والقهم الجمالي في الساحة الفنية العراقية وفي المنافي كذلك، ويرفعون اسم العراق عالياً ويرفدون المنجز والمشهد الثقافي العراقي بالفن الراقي بتالرغم من تلكأ البعض من الذين يمتلكون المواهب ولكن بوصلته مازالت باقية على تقليد الفنانين الرواد واساليبهم وهذه السلبية البارزة والمهمة التي تاخر نهوض بعض المواهب في الساحة التشكيلية العراقية
* ماذا عن النقد التشكيلي؟
-النقد التشكيلي احد اهم عناصر نهضة ورقي الفن التشكيلي، فالواقع النقدي جزء لا يتجزأ من المنجز الثقافي والفني في الساحة، ولا يمكن ان يكون النقد ناضجاً في واقع فني متخلف، فكلاهما يعتبر نتاجا للآخر، والاتجاهات النقدية في الامارات لها طابع يتسم بالتشتيت بسبب الفائض الثقافي المتنوع، وهو الأمر الذي أدى الى ضبابية في التصويب نحو تكوين خصوصية تشكيلية لحالة اماراتية تخرج من الولعية بالتراث، بخاصة في تركيزها على سمات (ديكورية تزيينية) اكثر من كونها نضجاً فنياً يعالج الحالة الانسانية وينطلق نحو الحرفية الفنية، وهذا عائد الى العقبات الاجتماعية والتابوهات التي تقف في وجه الرسم في بعض الاحيان. *ماذا تمثل لك المرأة؟ -المرأة أو عشتار هي الشغل الشاغل لكل الفنانين رغما عنهم، لانها تمثل الحيز الثاني في فضائنا فلماذا لا أكترث بهذا الحيز والكائن الجميل؟ خصوصاً وانا منشغل بكوني رجلاً اسهمت في تكوين هذه الحالات التي اردناها للمرأة شاءت ام أبت، فأنا هنا اتعاطف مع المرأة منذ أن كانت انثى تتصدر مكانة عظيمة تسمو على الحدود البشرية في الحضارات الانسانية القديمة، فعلينا ان نعرف كم كانت منزلتها عظيمة في الحضارات القديمة (عشتار البابلية وافروديت الآلهة الإغريقية).
*ماذا يعني لك اللون؟
-يشكل اللون عنصرا مهما في الحالة الانبهارية لعين المتلقي، فلا يمكن اغفال ذلك، لذلك أنا أهتم بالتجانس اللوني كثيراً، وكذلك التضاد الضوئي والفراغات التي دائماً ما تكون حيادية في احيان أخرى، في سبيل اعطاء الراحة لعين المتلقي وعدم اصابته بالدوار، كما احب الخلطات اللونية الخاصة بي، فهي اكثر غنى، كما أن بصمة الفنان تأتي من خلطته اللونية المميزة.
*هل لديك طقوس معينة في الرسم؟
-الطقوس الخاصة التي تدفعني للعمل نحو نافذة اللوحة، وعن أحلامي هي أقصى حالات الفرح وأقصى حالات السعادة بالنسبة لي، ارسم في الشتاء اكثر من الصيف، واستمع الى الموسيقى اثناء العمل في المرسم لأنها تجعلني في حالة انفصال تام داخل حرم الفن، وهذا هو طقسي الذي لا يتغير، ولهذا أحلم بالتفرغ نهائياً للرسم الإبداعي من دون الحالات والانشغالات الاستهلاكية اليومية الشاغلة عنها، وأحلم بامتلاك مرسم يستوعب كل لوحاتي الكبيرة، وانجاز لوحة جميلة هي اقصى حالات الفرح بالنسبة لي، واقصى حالات السعادة هي حب طلابي وطالباتي لي ورضاهم عني كأستاذ.
*ماهي مشاريعك المستقبلية؟
-نعم هناك الكثير من المشاريع التي تنتظرني وهي مشاريع لوحات باحجام كبيرة تتناول مواضيع تاريخية بمفهوم مغاير واقصد تاريخية ليست في العصور القديمة بل التاريخ الحديث الذي مر به العراق وبتناول اعمق للموضوع في اطار موضوعي الا ينحاز الا للانسانية والانسان ، وساتفرغ لها بعد ان انهي لوحاتي لمعرض الجمعية القادم . ومن مشاريعي القادمة هو اقامة معرض شخصي في بغداد اتمنى ان يتحقق لي هذا الحلم وهناك رغبة كبيرة من الاصدقاء لدعوتي واقامة هذا المعرض ، واكيد سيتناول مواضيع صميمية اكثر لانني عندها ساخاطب العقل العراقي الذي ليس سهلاً ان يستوعب اي طرح او اي سطحية بالمعالجة الفنية لمواضيع اللوحات.
*عن صحيفة التآخي

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

تعليق واحد

  1. محمود سعيد

    من المؤلم أن يخلو هذا المربع من المعلقين على فنك العظيم، إنه الحسد والحقد، وما نسميه في السوق العراقي “عداوة كار” لا تبتئس، انت يا صديقي، فخر العراق والفن جميعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *