علي عزيز السيد جاسم : عزيز السيد جاسم يرفض 3 أوامر للكتابة عن صدام والإساءة لأهل الجنوب والحرب الإيرانية (ملف/8)

إشارة :
رحل المفكّر الكبير والروائي والناقد “عزيز السيد جاسم” بصورة مأساوية تاركا إرثا فكريا وروائيا ونقديا ضخما يستحق الإحتفاء والتحليل العميق مؤسسا على شخصية إنسانية رائعة وسجل نضالي أبيض وتاريخ صحفي حافل. لقد كان مؤسسة قائمة بذاتها. ولكن، وباستثناء الجائزة السنوية المسماة باسمه والتي أطلقتها صحيفة الزمان الغراء إدراكا منها لقيمته الفكرية والوطنية الفذّة لا نجد احتفاء رسميا يليق بقامته الشامخة وعطائه الفريد وكأنه ليس من تراب هذه البلاد المقدّس. بمقالة الأستاذ قحطان السعيدي الجميلة هذه يفتتح موقع الناقد العراقي ملفه عن الراحل الكبير ويدعو الأحبّة الكتّاب والقرّاء إلى إغنائه بالدراسات والمقالات والصور والوثائق.

عزيز السيد جاسم يرفض 3 أوامر للكتابة عن صدام والإساءة لأهل الجنوب والحرب الإيرانية

علي عزيز السيد جاسم

من الصعب الكتابة عن انسان مبدع وتناول جميع مفاصل حياته بشكل دقيق من دون الوقوع في مطبات او تقصير او قصور فكيفما الحال اذا كانت الكتابة عن مفكر واديب وسياسي ومناضل وقيادي في الحركات الوطنية والاشتراكية والعمالية وقطب بارز في الساحة الصحفية العراقية والعربية واقصد بذلك المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم الذي للاسف ومايزال البعض من اشباه الكتاب يتندرون بسرد قصص وحوادث ابتدعوها من وحي خيالهم لا لشيء سوى لملء صحف صفر وعدتهم بصرف اموال شحيحة مقابل كتابتهم عن هذا الموضوع بعد ان عجزوا عن العطاء والكتابة في مواضيع حقيقية فاختاروا اللجوء لقضايا رموز وطنية علها تشكل مادة دسمة لدى القراء حتى ان كانت كتاباتهم انشائية غير مسنودة لحقائق وعزاؤها في ذلك كبر عظم الشخصية الامامية المتمثلة بالامام علي بن ابي طالب عليه السلام ووصولا لقضية السيد جاسم وكتابه علي بن ابي طالب سلطة الحق وما شكلته من ظاهرة فريدة في مواجهة نظام طاغ شح في زمنه الرجال من اصحاب الموقف والكلمة الصادقة الا ما ندر. وبالرغم من وجود دراسات ذات مستوى عال ومرموق وكذلك النهضة التكنولوجية واتاحة الوصول الى المعلومات الا ان الكتاب التقليديين ممن راح عليهم الزمن ولم يستطيعوا مواكبة العصر وتطوراته ظلوا في افيونهم مستندين الى اشاعات كانت تروج سابقا من الاجهزة القمعية الصدامية التي لم يكن الجهاز الاعلامي ببعيد عنها وعن اولئك الكتاب دون ان يكلفوا انفسهم في البحث والتقصي عن الحقائق التي لم تكن مكتملة لديهم في ذلك الزمان. وجاءت المذكرات التي كتبها استاذ النقد الادبي في الجامعة الامريكية بنيويورك واستاذ الدراسات العربية والاسلامية في الجامعة الامريكية بالشارقة في دولة الامارات محسن الموسوي عن شقيقه المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم والتي نشرتها جريدة (الزمان) في سلسلة من سبع حلقات كانت اولها يوم 8 من تشرين الثاني الجاري لتكشف عن الكثير من الحقائق التي طرحت للمرة الاولى بشكل واضح وصريح وبلغة سلسة وشيقة ومترابطة لكني اجد للامانة ومن الضرورة التنويه الى ان المادة كتبت في بداية تسعينات القرن الماضي وشرع الموسوي بنشر جزء قليل منها في صحيفة أخبار الأدب عام 1995 بعنوان :عزيز السيد جاسم سيرة لم تكتب و كان سفير العراق في تونس حينذاك قد اتصل اثر وشاية ما طالباً بصراحة التوقف عن نشر مذكرات أدبية و شخصية ، وقد ذكر الموسوي ذلك في الحلقة الاولى لكن ما اريد قوله ان الموسوي بصحة لاتسعفه لاعادة قراءة ما كتبه في حينها وارسل لي المادة كما كتبت في زمانها وظروفها وقد نوهت الى ذلك في الحلقات الاخيرة من نشر المذكرات وهنا اود اعادة التنويه الى وجوب ان يقرن قارئ المذكرات المادة بتاريخ البدء في نشرها بصحيفة اخبار الادب اي في منتصف التسعينات عندما لم يكن الموسوي على علم يقين بان شقيقه قد استشهد واراد ان يخفف من الحدة مع النظام كما لا ننسى ان اسرة شقيقيه المفكر عزيز السيد جاسم والمحامي محمد السيد جاسم وبقية اسر العائلة الكبيرة واولادهم وبناتهم جميعهم في العراق وان اي كتابة ضد النظام او كتابة ممكن استثمارها لتحريض النظام ستهدد حياة الاسر ، وعلى الرغم من ذلك يجد القارئ الدقيق والمتفهم لحقيقة الاوضاع حينذاك ان الموسوي كتب باسلوب حذر ولكنه عرض حقائق وتفاصيل عميقة تصلح ان يكتب لها سيناريو وتتحول الى مسلسل او فيلم يوثق حياة المفكر الشهيد عزيز السيد جاسم لكن طبعا وكما ذكرت من الصعب اختزال حياة مفكر ومناضل بحلقات تلفزيونية كانت ام صحفية ، فلذا وددت اضافة بعض المعلومات الاضافية لاستكمال الصورة لدى القارئ بشان ما تعرض له المفكر الشهيد ومنها ما جاء في الامر الذي اصرت عليه الرئاسة وتحديدا رئيس النظام البائد مقابل الافراج عنه وعن شقيقه الموسوي عندما كانا في معتقل الامن العامة واحتفظ بنسخة من الامر الذي جاء فيه اولا : اعادة توثيق كافة الروايات وتحديد مصادرها. وهذا امر مستغرب كون جميعها مذكورة بالتفاصيل والمصادر الا ان عدم استطراد المؤلف فيها اثار حفيظتهم وهم على حق اذ لا يكونوا دهاقنة ان لم يضعوا نظرية الشك والمؤامرة مسبقا في نواياهم ولاسيما ان الموضوع متابع من كبار سلطة النظام الغاشم المستندين اليه ، ولكن لجهلهم وعدم معرفتهم بالسيد جاسم اغفلوا بل لم يكونوا على دراية بان من مصادر السيد جاسم كتاب المنهج التربوي للامام تاليف علي الاديب وهو قيادي في حزب الدعوة الاسلامية في حينها وما يزال وكذلك من المصادر بعض الاسانيد للشهيد الصدر الاول وممكن التاكد من هذه المعلومة بالعودة الى طبعة الكتاب المحققة من الكاتب صادق جعفر التي طبعت بعد عام 2003. على كل حال جاء في الفقرة ثانيا:حذف ما من شانه اظهار وصية العهد بشكل يختلف عما تم سياقه حيث ان استرجاع مثل هذا الجدل يثير بعض الخلافات الفكرية التي هي بمستوى الطائفية ونحن في غنى عنها في هذه الظروف. وجاء في الفقرة الثالثة من الامر : هيمنة فكرة عصمة الامام المطلقة ساقت البحث الى نظرة غير علمية في تقويم كثير من الاحداث المؤسفة والمؤلمة في حرب الجمل وصفين والخوارج اضافة لما ورد في الصفحة السادسة من المقدمة (المقدمة اشارة الى شرنقة المنافقين والمساومين والمنتفعين وحلفاء المارقين) ومبحث ولادة الامام (لم تكن هنالك قطعا ولادة مثل ولادته) ومبدأ التلقين الخاص (لجأ الانبياء الى تلقين علومهم للاوصياء) وهي اساس الباطنية. بحسب التقرير الذي جاء في فقرته الرابعة: تشير في مواضع عديدة في كتابك الى (ان عليا هو الوصي) وهذا يعني نسف الخلافة الراشدة وبطلانها. خامسا: هناك تبرير للناس الذين الهوه من (امثال عبد الله بن سبأ) وامر الامام بالقذف بهم في النار (بانهم احبوه) صفحة خمسة من المقدمة.والحقيقة انهم كانوا متآمرين كاذبين في حبهم للامام هادفين الى تمزيق الامة تحت ستار حب الامام وهي من المخادعات اليهودية. سادسا: ظهر في دراستك ترديد مبالغات المؤرخين في الاحداث عموما دون تمحيص، مثلا (جملة من قتلهم علي بكفيه في يومه وليلته خمسمئة في ليلة الهدير). صفحة 99. سابعا: تصور الاتجاه غير العلوي بالاتجاه السلطوي والاتجاه العلوي بالاتجاه العقائدي الاسلامي.وقد يكون فيه بعض الصحة مبدئيا ولكن ليس من المعقول والمنقول ان يرسل معاوية ابا ذر مثلا (وهو الممثل للثورة الجماهيرية) الى قبرص للتخلص منه .صفحة 200. ثامنا: حين التطرق للخوارج من انهم (الاب الشرعي لكل ارهاب ديني سياسي في تاريخ الاسلام) ان يتضمن الطرح ايضا الى الخمينية خوارج العصر. تاسعا: حذف الروايات (غير الموضوعية) والمعادية والتي تسيء الى ابن عباس ومعاوية كما في الصفحة 80 و98 . ومن يعرف عزيز السيد جاسم جيدا بامكانه ان يعلم مدى الحيرة والالم الذي كان يعتصره في تلك الازمة اذ هو ليس من النوع الذي يسمح للطغاة ان يجبروه على فعل شيء هو غير مؤمن به لكن هناك اسباب قد تتعدى مسؤولية الشخص عن حياته ومصيره اذ ان مصيره لم يكن ملكه فقط ولا سيما اذا عرفنا ان عشرات الادباء والمثقفين المدقعين كانوا يلوذون به وكذلك نحو اكثر من ثلاثة عشر اسرة تمثل عائلته من اخوته واخواته وابنائهم وغيرها من الاسر التي كان الاب والمعيل المعنوي والمادي لها بامتياز وبكل بساطة ان غيابه باختياره سيكون بالضرورة غياب تلك الاسر من على وجه الارض!وفي مثل تلك الظروف الحالكة والصعبة وتحت التهديد والضغط الحكومي وحتى الاسري كان ما كان وطبعت النسخة المحرفة.بعد تلك المحنة مر السيد جاسم باصعب فترة في حياته وهو الذي يابى ان يطأطئ راسه الا لمن خلقه فكان رداؤه رداء المتصوفة المتشح بالسواد واختار لنفسه عزلة طوعية انجز خلالها رواية المفتون التي تعري النظام لكنها لم تطبع وترى النور الا بعد سقوطه وهي غير متوفرة في المكتبات العراقية حتى الان. محاولتان لإتمام الجريمة بالتاكيد لم يكن النظام ليرتضي لنفسه ان يسمح للرموز الوطنية ان تصفي نفسها بيدها اذ ذلك يعد انتصارا عليه فكان ان سمح بتاجيل تصفية السيد جاسم على ان تتم الجريمة فيما بعد لكن ذلك يحتاج الى مؤلف جديد بمثابة سلطة الحق لكن مؤلف السيد الجديد جاء عن متصوفة بغداد عام 1990 وهذا لا يكفي لتصفيته لكن افتعال سبب هو من ابسط ما يمكن لجلاوزة النظام البائد بل ان العشرات من اشباه الكتاب كانوا يتبارون من اجل تولي او افتعال الاسباب لقتل الناس لا لشيء سوى مرضاة قائدهم. بعد ازمة سلطة الحق كان السيد جاسم في مكتبه في شارع السعدون نهاية الثمانينات عندما جاءه الاديب خضير اللامي بصفته موظفا في دار الشؤون الثقافية يحمل معه امرا رئاسيا ويقول اللامي بحسب ما رواه للاسرة ونشره في صحيفة الصباح بعد 2003 عندما دخلت على السيد وكنت احمل رسالة حملني اياها شقيقه محسن الموسوي الذي وجد في اعطائها له شخصيا مساسا لكليهما بعد ان كلف بذلك من السلطة بحسب منصبه كمدير عام دار الشؤون الثقافية قال لي السيد جاسم باللغة الدارجة بما معناه ماذا تحمل يا خضير لقد سبقوك الجماعة ، فقلت له من تقصد ،قال ضباط المخابرات. وبحسب اللامي كان مفاد الامر هو تاليف كتاب مضمونه بما معناه جدلية العلاقة بين صدام وصلاح الدين الايوبي ، والحديث للامي ان السيد جاسم لم يرفض بشكل مباشر ومطلق الا انه وضع شروطا تعجيزية لتاليف الكتاب المذكور في حقيقتها هي رفض للامر منها تامين نفقات سفر له ولاسرته الى مصر وتهيئة سكن بالقرب من الجامعات المعروفة بالقاهرة ليتسنى له الحصول على المصادر المطلوبة والتفرغ للكتابة اضافة الى شروط اخرى.. ويبدو ان دهاقنة الرئاسة فهمت القصد اذ يقول اللامي وهو مقرب من السيد جاسم عندما سألته ماذا لو وافقوا على تلك الشروط فقال ستكون فرصة للخروج من البلد الى غير رجعة وبعد هذه الحادثة التي زادت من غضب راس السلطة جاء الامر الاصعب ففي عام 1991 ابان الحرب الدولية على العراق بسبب السياسة الرعناء وغزو الكويت التي وجه في اثرها السيد جاسم رسالة للنظام تصف غرو الكويت بالعمل الاهوج انتقل السيد جاسم واسرته الى مدينة كربلاء في منزل بحي الحر قرب مرقد الحر الرياحي الذي جاهد مع الامام الحسين ضد طغاة ذلك العصر وبعد العودة الى بغداد وتحديدا في شهر اذار كان بالقرب من المنزل ومعه الممثل عدنان شلاش وهو من اهالي الناصرية وكان يلوذ بالسيد جاسم لضيق حاله في وقتها حين جاء الصحفي الصغير هاتف الثلج وكان مقربا من رئاسة النظام ويعمل في كابينته الاعلامية يحمل امرا رئاسيا جديدا يطلب من السيد جاسم كتابة سلسلة مقالات ينتقص فيها من اهالي الجنوب ويصفهم بوصف غير لائق وانهم جاءوا من الهند على ظهر الجواميس مع محمد القاسم وبقية القصة معروفة وكان الامر الرئاسي مباشرا من صدام ومدون بقصاصة ورق عادت مع حاملها الذي طلب من السيد جاسم ان يبلغه بالرد على الطلب سواء كان موافقة ام رفض بحسب الاوامر التي جاء بها فما كان من السيد جاسم الا الرفض طبعا.يقول عدنان شلاش بحسب ما اقسم عليه اليمين ودونه امام قاضي المحكمة الجنائية العليا عام 2006 ان السيد جاسم قال لي : يريدونني ان اشتم اهلي وانتقص من اصولهم. وكما هو معروف ايضا ان المقالات نشرت بقلم شخص اخر وكتب السيد جاسم ردا عليها دفعه للنشر في جريدة الثورة لكنه بالتاكيد لم ينشر بل ارسل الى الرئاسة ، وبالعودة الى مذكرات الموسوي فان السيد جاسم رفض امرا مماثلا لوزارة الثقافة والاعلام تكرر عليه مرتين للكتابة عن الحرب العراقية الايرانية لكنه رفض ذلك ومنع من النشر في الصحف بوقتها. بعد هذه الحادثة بنحو شهر اي حادثة رفضه الاساءة لاهله في الجنوب اعتقل الشهيد عزيز السيد جاسم من امام مكتبة لبيع الكتب والقرطاسية بالقرب من منزله عندما جاءت سيارتان ركنتا داخل فرع وترجل منها اشخاص تعرفوا على هويته وبعد ان تعرف هو على هوية من يقودهم وهو ضابط يبدو انه برتبة رفيعة ما تزال جهة عمله غير مؤكدة فيما اذا كانت من جهاز الامن الخاص او ما يماثله فرحل معهم السيد جاسم بدشداشته وسترته الزرقاء في ليلة عيد الفطر بشهر رمضان المبارك الموافق الخامس عشر من نيسان عام 1991 ولم تعرف اية تفاصيل عن جريمة تصفيته التي تعد واحدة من كبريات الجرائم البشعة التي اقترفها النظام الصدامي ضد رموز العراق الوطنية والفكرية.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *