إشارة :
ببساطة .. لإحساس عميق وقناعة راسخة لدى أسرة موقع الناقد العراقي بأن الشاعر المبدع “جواد الحطاب” هو “ظاهرة” فذّة في الشعر العراقي المعاصر لا يمكن إلّا الوقوف عندها طويلا وتأملها ودراستها بعمق ، تفتتح أسرة موقع الناقد العراقي ملفها عن تجربته الإبداعية المهمة ؛ شعرا ونثرا ، متمنية على الأحبّة الكتّاب والقرّاء إثراء هذا الملف بالدراسات والمقالات والصور والوثائق.
الشاعر العراقي جواد الحطاب: إذا اختفي الشعر من الوجود سيكون الإنسان مجرد كومة بيولوجية!
حاوره : محمد مزيد
جواد الحطاببأسئلة وجودية ومصيرية غالبا ما تصب في الانشغال الفلسفي الذي يثير اهتمامه، فكانت مجاميعه الشعرية طوال ثلاثة عقود من الزمن تتحدث عن إنسان يحاول التبسط في حياته، يطلب أشياء صغيرة ومحدودة، امرأة جميلة يمضي معها آخر ما تبقي من العمر، نهر صغير يحكي له مواويله، وعذاباته، إنسانه لا يحلم أحلاما مستحيلة، انه مثله ـ أي مثل جواد ـ يود العيش بسلام لا ينغص عليه الآخرون عيشه، وبنفس الوقت فان الحطاب لا يترك هذا الإنسان في قصائده، ساذجا، طيبا فحسب، بل انه يحاول أن يترك آثاره علي جلد الزمن، لكي يكتب بسذاجته وطيبته ملحمة وجوده، لا تلمس خطابا سياسيا واضحا مباشرا في انتماء هذا الإنسان لوطنه وشعبه المحاصر لكنك تستشعر من بين مبثوثاته، عمق ذلك الانتماء، وتلك هي برأينا لغة الشعر الحقيقية، إن تلمح ولا تصرح، إن تلقي بالأسئلة ولا يجيب عنها، إن تقود الزمان إليك بدلا من الانصهار في رياحينه ودولايبه، شعر جواد الحطاب يقودك إلي الأسئلة التي يصعب الإجابة عنها، ولكنها من البساطة بمكان إنها تستعذب الحياة وتتصور انك أمام مناشدة وجدانية، أو عاطفية، إنسانية، هدفها الجمال، والجمال وحده ما ينشده جواد الحطاب.. أنجز شعريا سلاما أيها الفقراء 78 و يوم لإيواء الوقت 90، و انه الوطن انه القلب 81 و شتاء عاطل 97 طبع في عمان عن دار أزمنة وكتابة نثرية يوميات فندق ابن الهيثم و إكليل موسيقي علي جثة بيانو مجموعة قصصية للأطفال باسم تلال يغسلها الصباح و شعر يا قمرا في البصرة للأطفال أيضا.
التقينا به فكان معه هذا الحوار:
أين أنت الآن، شعريا؟
ذات عبث انقطعت عن الكتابة لأكثر من سنتين شعرا ونثرا، كنت ازور الأوراق يوميا كمن يتفقد قبر حبيبته وقد أخذتني اللاجدوى لمتاهاتها الشاسعة لكن وعد الماء المخبوء تحت الصخور بالتدفق لابد إن يتحقق. مرة بين الحلم واليقظة رأيت نفسي مرتفعا عن مكاني مثل من يجلس علي نافورة أسطورية ومثلما يفعل البطل في الرسوم المحركة (وأنا أدمن رؤيتها) سبحت في الهواء ونظرت إلي نفسي وهي في موقعها الأول فرأيتني اكتب شيئا ما، عندها مسكت اقرب غيمة وصرخت بها: أنا اسعد إنسان في العالم هذا اليوم، فقد بدأت بكتابة قصيدة، هكذا يفعل بي الشعر، الشعر والنثر والداي وأنا ابنهما المدلل.
هل أصبح يوجد مكان للشعر في زمن الإلكترونيات والعلم والفتوحات الهائلة في التقنيات الراهنة؟
الله كلمة ولم يكن معادلة رياضية والحب كذلك، والإنسان أيضا، كما في الرقم الطينية المكتشفة في آثار وادي الرافدين تبين ان الشعر هو أول المدونات في الكتابة المسمارية وملحمة كلكامش شاهد علي ذلك، إذن من الألفية الثالثة قبل الميلاد إلي الألفية الثالثة بعده، كم مرت حضارات، واكتشافات، وكشوفات، كم ارتقي العلم؟ كم من إثبات ونفي وجدل اضطرت إليه وخاضت فيه البشرية؟ والحلم الإنساني في كينونته العليا، لم يحتج يوما، لتسويغ وجوده، كان الحلم (الشعر) هو من يجوهر الفكر والفعل أيضا، ويرصد الحاجات النفسية والجمالية للإنسان، في (القبتاريخ) قدم لنا الشعر (إيزيس) التي تجمع أشلاء من تحب ليبعث ثانية، وانساننا المعاصر، كان مبعثرا وعلي الشعر ـ والشعر فقط ـ مسؤولية تجميعه وتزويده بالأمل وهو يجوب الطرق السرية المتشعبة بحثا عن الحقيقة. يوم اجتاحت فرنسا أحداث الطلاب في 1968 (فرنسا العبث والعدم والوجودية والسريالية) امتلأت الحيطان بالقصائد وليس بغيرها.. ألا يدعو هذا الأمر للزهو؟ بالنسبة لي أضع رهاني علي الشعر وأنا مطمئن.
كيف كانت مجرات التأثير أو المؤثرات الأولي، البيئية، مدينة البصرة مثلا وهي مفتاح الجنوب العراقي علي تكوينك الشعري؟
لمدينة البصرة اليد الطولي في تشكلي الشعري، كان دجلة والفرات (نهرا العراق الخالدان) يلتقيان في إقطاعياتها ليشكلا (شط العرب) كان أعمامي يشتغلون في الميناء، وفي اصطحابهم لي، كنت اجلس بعيدا عن ضجيج تفريغ الحمولات ونداءات القباطنة وهدير محركات المراكب الصغيرة، واندمج مع هذه الأمواج المتراقصة إمامي، فتصيبني الرعشة، منذ آلاف السنوات وهي تجدد نفسها ـ الأمواج ـ لتندغم في النهاية في اللانهاية، مع البحر الواسع، كنت أتمني حينها لو خلقني الله موجة، إما في لحظات التواضع الشديد فقد كنت اقبل ان أكون نورسا. أمنيتي الأولي هذه كانت قصيدتي الأولي، والناس الفقراء الذين يملأون الميناء، عتالين، وباعة سندويشات، وعارضي بضائع شعبية هم من كتبوا قصائدهم بواسطة أصابعي، وكان مجموعتي الشعرية الأولي (سلاما إليها الفقراء) تمجيدا لمن كانوا يؤوبون إلي عوائلهم بالتعب فقط، وبذكريات معارك الميناء، المنجزة أو التي تنتظرهم غدا.
ماذا تقول في المقولة المتداولة عن موت الشعر، أو شحته، أو انقراضه؟
للإثارة الصحافية حصتها في هذا الادعاء، فغالبا ما تتعكز الصفحات الثقافية علي اقتراح مأجور، فتختار مثلا موت الشعر أو اندثاره أو هجوم (السرديات) عليه لافتراسه. لا أريد ان أكون كليب بن وائل حامي حمي الشعر العربي لكني أدعوك لأن تتفقد أعداد الشعراء، في الأقل في سجل اتحادات الأدباء الرسمية، لتنظر كم تنامي العدد، انظر إلي الدراسات التي تتابع الحركات الشعرية الجديدة وترصد منجزها، إذن أين هي (الشحة أو الانقراض)، الشعر ليس هو الكتابة النصية فقط، الشعر سلوك حياة، وموقف جمالي، واتيكيت ورقي.. الشعر هو اللغة في أوج تألقها ولكي نتوازن ـ كبشر ـ علينا أن نزيد حصة العالم من الشعر، لو كان بيدي أمر الثقافة لوزعت قصائد الشعراء في (البطاقة التموينية)، يقول مالارميه (في كل مرة يبذل جهد لتحسين الأسلوب، يكون هناك شعر) الألم والمكابرة، الفرح والحزن، الخيبات والأمل، التوق للسمو، هذه مشتقات الشعر، ومكوناته الأساسية، وإذا اختفت من الوجود لن يبقي من الإنسان سوي خردة معادلات رياضية وأكوام بيولوجية.
لماذا إذن لجأت إلي الكتابة للأطفال في الآونة الأخيرة؟
أنا لائذ بالطفولة منذ نعومة قصائدي، علي غلاف مجموعتي الثاني (يوم لإيواء الوقت) ثبت الناشر ثلاث شهادات لثلاثة نقاد (طراد الكبيسي، ياسين النصير، حاتم الصكر) يقررون فيها – دون اتفاق – إن جواد الحطاب شاعر طفل لعبته الكلمات، المتغيرات تحكم العالم، تحكم عالم الكبار فقط، أما عالمنا نحن الأطفال الذين نتعامل بالموجودات لا الحواس ـ كما يقول كانط ـ فهو مختلف ونريده كذلك.كلما جلست أمام ورقة بيضاء أكور قبضتي الصغيرة وأروح أدق علي بوابات العالم، لكنني، أعود دائما بكف مدماة، وعيون متسعة علي مداها، فلم يعد الوثوق ممكنا بعالم الكبار.منهمكا بلعبتي الأثيرة (الكلمات) أحاول ان أرمم ما يمكن ترميمه عند من يقرأني، أهاجم ـ نيابة عنهم ـ الأنظمة، أقودهم إلي التاريخ، واعبر بهم إلي المستقبل، علنا ـ هم وأنا ـ نعيد للعالم جدواه في الاستمرار.
يتردد انك ما زلت تحمل مفهوما رومانسيا للشعر، فما مفهومك عنه؟
الشعر كائن حي، وهو رغم شفافيته وعذوبته، يمكن له ان يكون مدمرا حين يسيطر عليه من لا يشعر بأية مسؤولية، الشعر، سيرة للحياة، سيرة ترصد الفعل وليس الشاعر سوي كاتب منشغل بتدبيج الهواجس والأمنيات، وبسلطة المنتج، وبسبب من طبيعة الإنسان العربي، وروح الشرق المفعمة بالألفة والتضامن، فان الوشائج قوية بين كاتب السيرة وبين قارئها، لذلك ينتقي العاطفة من بين ركام الكلمات التي نستهلكها يوميا، ليعبر عن طموحات الإنسان، عن كفاحه من اجل عالم أفضل وعن انتمائه للثورة ضد الظلم والاستغلال، من هنا، من هذا الباب، كان تمجيد الأمم للشاعر وإقامة التماثيل له والاحتفاء بميلاده.
أنت كسول في الشعر، وتكتب كما يعرف أصدقاؤك قصيدة كل عام، مشغول دائما بما لا علاقة له بالقصيدة، تري متي ستنجز ملحمتك الشعرية؟ متي ستقول للآخرين، الآن يمكنني الدخول في حلبة نوبل؟
اكتب الشعر لكي اغتسل بالحقيقة، ولذلك فهو يدعوني ان اذهب إلي أقصي مناطق البحث والتنقيب، أحيانا تجردني اللوازم اليومية من ذلك الإحساس الأسطوري العميق الذي تحدثه في نفسي سيمفونية الحياة، أنا لا اعرف متي ينبغي إن اكتب القصيدة، فهي ليست طبخة جاهزة بين أصابعي، ربما من الصعب علي الإنسان ان يمسك كل أطراف الخيوط ويقول ها أنذا قد أمسكت بالحقيقة ويجب علي الآن ان اكتب الشعر، كثيرا ما كانت المسافة التي اقطعها للوصول إلي نفسي تبلغ أعلي مراحل الألم الشعري، صدقني لولا الشعر لمت من الجنون، أو لأقل عشت من الفرح الساذج الغبي، لذلك لا تنتظر مني كتابة ملحمة شعرية، أنا كسول نعم، بل سيد كسالي التاريخ، بخصوص الانجازية الشعرية، أحيانا كنت أتمني لو أعيش بعد هذا العمر ألف عام، كي اكتب قصيدتي في السنة 999 وفي السنة الأخيرة أقول ما ينبغي قوله شعريا، هناك مدن عميقة الأسرار لم أصلها بعد في نفسي يتطلب الكشف عنها أولا تجريدها من عوالقها علي الورقة، ثم القيام بنحتها، كسلي التاريخي جعلني أقهقه كثيرا علي الدخان الذي يبثه شعر هذا الزمان العربي الملوث بالخزي والعار، ها هي فلسطين تذبح من الوريد إلي الوريد، هل تكتب قصيدة كي تمنع الصهاينة من ذبحها، أنا كسول إلي درجة الغليان ، ولن أقوم بكتابة قصيدة يلقي بها القارئ الى أقرب سلة مهملات، لا افرح أفراحا تستوطنني في الأحلام، ارضي أو نفسي، هي كل ما احلم بتحقيقه علي صعيد الإنجاز الشعري.
ما قصة ذلك الشتاء العاطل، الذي أصبح اسما لمجموعتك الشعرية التي صدرت في عمان ـ الأردن؟
انه الشتاء الذي تدثر بالنار واصطخب في حياتنا ليجعلها (عاطلة)، انه ذلك الشتاء المرعب الذي تعطلت فيه حياتنا يوما ما وانقادت مشاعرنا وأحاسيسنا إلي الخوف من المجهول، لقد خفنا علي ذكرياتنا وأفراحنا الصغيرة، بعد أسن حفظناها في القلب.انه ذلك الشتاء الذي جاءت فيه الطائرات والصواريخ عابرة القارات لترمي حمولاتها في قلب هدوئنا، تلك أيام لا تنسي، هل كان الشعر وفيا حين اقتنص لحظات شرورها، لا ادري، ولكن الذي أدريه ان أصابعنا تلوثت بالدخان الكثيف ونحن نمسك بدفاتر عزلتنا، تلك العزلة التي طالت فيما بعد اكثر من اللازم، وأصبحت مشاعرنا فيما بعد مستفزة إزاء ما يحصل لأبناء شعبنا من تقتيل مستمر تحت مزاعم أصبحت باطلة، كان من نتائجها موت الآلاف من الأطفال لأسباب لا تحصي، انظر إلي جغرافية الموت في المستشفيات التي تم بها عزل الناس الذين أصابتهم مخلفات اليورانيوم لتكتشف حجم الكارثة.
هل الشعر، عندك، محاولة لتمتين أواصرك بالوهم أم بالواقع؟
الشعر لم يكن عندي في أي يوم من الأيام مجرد محاولة، إنه كتابة علي صخرة الروح، إيغال في اللامرئي واللامحسوس، سباحة في فضاءات لم يصلها إنسان غيري، لكني قلت لك قبل قليل، تجردنا اللوازم اليومية أحيانا من أسطورية الإصغاء إلي سمفونية الحياة الحقيقية التي هي الشعر حتما.
وما عملك في الصحافة هل هو جزء من الإصغاء لتلك السمفونية؟
عملي هو جزء من تكوينات الشعر، لم اعمل عملا بعيدا عن مناطق الشعر، تعال إلي غرفتي في الصحيفة التي اعمل فيها، ستجد كل صعاليك الشعر تجلس أمامي، عملي لا يقيدني عن البوح الدفين للشعر الذي أريد.
هل النقد وضع إصبعه جيدا في نتاجك الأدبي طوال رحلتك في الشعر أم كان متخلفا بعيدا عنك؟
لم يكن هناك شاعر عربي، ينتظر من النقد ان يحتوي نتاجه، النقاد عندنا، مع احترامي الشديد لهم، ذهبوا إلي المناهج الحديثة، وهم محقون طبعا، وغيروا نمط كتاباتهم مع رياح التغيير، فبعضهم ضاع فيها إلي الحد الذي لا تلمس له وجودا، والبعض الآخر، سمحت له اللعبة ان يعمل علي موت المؤلف، وآخرون تركوا النقد ولجأوا إلي الكتابة التجميلية التي تهدف إلي اللاهدف. وفي الحقيقة لم يضع النقد إصبعه ولا مبضعه في شعري، هناك محاولات طيبة لابد لي من ذكرها كانت محاولات جادة قام بها النقاد طراد الكبيسي وياسين النصير وحاتم الصكر ود. محمد صابر عبيد وثمة كتاب سيطبع قريبا عن شعري للدكتور حسين سرمك فضلا عن رصد مشكور لمحمد الجزائري ود. عبد الرضا علي، وآخرين.
لديك كتابات في النثر، مثل يوميات فندق ابن الهيثم، وقصص عن الدخان والحرب انه الوطن.. انه القلب ما كان دافع تلك الكتابة النثرية (القصصية) هل هو الرغبة في التنوع التعبيري؟ أم كانت طاقة النثر تحتوي أيام الحرب أفضل من الشعر؟
يقولون إن النثر فضيحة الشعراء، واعتقد ان الله قد سترني في ذلك، أصدرت كتابي الأول وحقق صدي طيبا، والآن يطبع لي يوميات فندق ابن الهيثم ، وهو ـ دفتر حرب ـ واظنه يمتلك بعض الأهمية والفرادة، فعلي ذمة الروائي عبد الرحمن الربيعي (انه كتاب لم يكتب مثله في الأدب العراقي) و(لو كان همنغواي حيا لحسدني عليه) علي ذمة الناقد الجزائري. بالنسبة لي، أتمني إن أكون جادا مع مشروعي الروائي الذي سأتفرغ إليه قريبا بعد ان أصبحت كل (هيكليته) مبنية علي الورق وما يحتاجه هو ان أسير بالحماقة إلي آخرها. الكتابة عن الحرب، في أيام الحرب، أو بعدها، أخذت أشكالا شتي، منها ما كان حماسيا ومنها ما كان تأمليا، في يوميات فندق ابن الهيثم ، وهي تلك الأيام التي عشتها في البصرة مع مجموعة من الأدباء والصحافيين كان من بينهم الروائي محمد شاكر السبع والقاص وارد بدر السالم والقاص محمد مزيد والمصور الفنان فالح خيبر وصحافيون من معظم الصحف المحلية، كان الفندق ذاك منزويا عن القصف التدميري (اللحظوي) – تقريبا كل عشر ثوان كانت تنفجر قذيفة ـ فأصبحت مدينة البصرة في العاشر من شباط (فبراير) سنة 1987 مدينة أشباح، لا وجود للبشر سوي العسكر وحملة القلم الذين تركوا بيوتهم الصغيرة ولجأوا إلي تغطية تلك الأيام المشحونة بالتوتر، في هذا الفندق تجمع هؤلاء الكتاب، واخذوا يراقبون الحرب من خلال نوافذه المهشمة، كنا نتمترس بالقهقهات المرة خوفا من الشظايا، ولم ننم، بل كنا ننام عند آخر النوم، بانتظار قذيفة طائشة ستمزقنا إلي حروف وكلمات، كتبت عن كل ذلك ولم أزل أنزفه لليوم.
كيف تنظر إلي منجز الشعراء العرب، هل تتواصل معهم إبداعيا نقدا أو حضورا، لمن تقرأ من الشعراء العراقيين، داخلا أو خارجا، ولمن تقرأ للشعراء العرب عموما؟
معرفتي بشعراء بلادي جيدة، لذلك يمكنني ذكرهم بشيء من التفصيل (مستثنيا الأسماء التي أخذت حصتها من الإعلام) من الداخل أقرأ لـ(عبد الرحمن طهمازي، كاظم الحجاج، حسين عبد اللطيف، رعد عبد القادر، عبد الزهرة زكي، طالب عبد العزيز، كزار حنتوش) ومن شعراء الغربة اقرأ لعيسي الياسري، فوزي كريم، فاضل العزاوي، سركون بولص، جليل حيدر، عبد الكريم كاصد، نبيل ياسين، ولأصدقائي فضل خلف، عبد الرزاق الربيعي، أمل الجبوري، وعدنان الصائغ، وعلي صعيد الوطن العربي (للأسف المشهد الشعري المصري ـ الجديد ـ لا اعرف عنه شيئا بسبب الحصار الثقافي ومن اشترك معي في بعض الملتقيات العربية لم يكن مقنعا. من الأردن اقرأ لزهير أبو شايب، يوسف عبد العزيز، طاهر رياض، أبو لوز، ومن فلسطين اقرأ لأحمد دحبور، زكريا محمد، غسان زقطان. ومن الخليج اقرأ لقاسم حداد، سيف الرحبي والشاعرة ميسون صقر ومن سورية اقرأ لنزيه أبو عفش، أما الشباب فلا اعرف أحدا منهم. أما باقي المناطق الشعرية العربية لولا الحصار الذي طال الرئة، لتنفسنا بكل طاقتها، عبير الأصوات العربية المبدعة، (ولكن ما بعد العشية من عرار) .
*عن صحيفة القدس العربي.