كريم عباس زامل : ثلاث قصص قصيرة جدًا (ملف/26)

القاص كريم عباس زامل

إشارة:
جماعة “البصرة أواخر القرن العشرين” جماعة فريدة ليس في تاريخ السرد العراقي فحسب بل في تاريخ الأدب العراقي عموما. فهي لم تكن “الجماعة القصصية” الأولى في تاريخ العراق فقط بل كانت مشروعاً تثويرياً في النظرة إلى دور السرد خصوصا في واحدة من أخطر المراحل التي عاشها العراق بانعكاساتها الهائلة على رؤية الأديب ورؤاه. اقتنصت هذه الجماعة الإمكانية العظيمة لفعل الكلمة المقاوم حبن ترتدي أثواب الفن الباهرة فيمكنها أن تكون ماسة تلمع وتقطع في الوقت نفسه. وإذ تنشر أسرة موقع الناقد العراقي تراث هذه الجماعة وما كُتب عنها فلأنها “ظاهرة” تستحق الدراسة لاستنباط دروسها. تحية لجماعة البصرة أواخر القرن العشرين. ويهم أسرة الموقع أن تتوجّه بفائق الشكر والامتنان إلى الأديب الأستاذ “محمد عبد حسن” مؤرّخ هذه المجموعة وواحد من المساهمين المهمين فيها لأنّه زوّد الموقع بأغلب نصوص هذا الملف.

ثلاث قصص قصيرة جدًا
كريم عباس زامل

1- بائع الفراشات الورقية:
دخلت وحدي إلى الغرفة التي كانت في يوم ما محرمة علي، فوجدته مسجى مغمض العينيين بارد، وللحظات كنت أدقق بذلك الشق فوق جبينه ذو الطبقات المتراكبة، تسللت عبر الزحام الذي تزايد وفي داخلي رغبة للبكاء بعد أن ارتعشت كل أجزاء جسمي وما عدت أسيطر على حركاتي والتي بدت وكأنها لا أرادية، انعطفت وراء الستارة الرمادية القاتمة التي تفصل الباب الرئيسي لدار جدتي القديم عن الشارع الإسفلتي العريض، غرقت بعد أن أحسست بجسمي يميل نحو الخلف ، صرخت وهي تلوح بأصبعها:
– هل أنت مجنون ، أترك ذهولك يا أخي..

2- بعيدا عن خطوط الطول:
رجال مجهولو الملامح لهم أنوف معقوفة يحملون بجوانبهم هراوات بلاستيكية يلوحون بها على الدوام وهم أشبه بمعلمنا القديم، كان الصوت يأتي عبر النوافذ وهي مغلقة غير أن دواخلها كانت مطلية بدهان لمّاع يعكس الأشعة الصارخة للبروجكترات وهي ترسلها عبر الفضاء المفتوح.
كانوا يسجلوننا بأوراق بيض ثقبت جوانبها، وعبر مساحات محرمة علينا كنا نسمع أخبار غريبة تتسلل عبر المساحة المفتوحة من مذياع صغير ثبت بمسامير صدئة بأحد زوايا القاعة التي لاتبعد سوى بضعة أمتار عن مكاننا.
حين وضعونا في الشاحنة كانت الوجوه الفاترة من أثار البرد تحصي أعمدة الكهرباء التي نمر بها ونترك واحدة لئلا تلتهمنا الصحراء الشاسعة ، وعند المدخل كان واقفا وبأصبعه الطويلة كان يشير إلى واحد من المارة فيأخذوه بعيدا عنا ونحن لا نعرف أين سنتجه. التفتّ نحوه:
– هل أنها المحطة الأخيرة
– لا أنه الجحيم الأخير .

3- سطح زجاجي:
ممرات متراصة كانت تفصلني للحظات عن النهايات المستدقة للطرق المظلمة التي انحدرت منها وأنا أسحب عربة صغيرة كانت محملة بأكياس فارغة وبقايا ملابس رثة وأشياء صغيرة كنت أحتاجها أحيانا وأنا أغرس بطيات الارض الجرداء بذور صغيرة.
تركت غرفتي القديمة ونزلت بين خيمتين متجاورتين أهداهما لي عمي بعد أن يأس مني في المدن المفتوحة والاسواق التي هجرتها وهجرها هو قبلي
– ألي أين تبغي الوصول
– ألي أي أرض سترحل
– ألي أين
– ……………………

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

د. قصي الشيخ عسكر: نصوص (ملف/20)

بهارات (مهداة إلى صديقي الفنان ز.ش.) اغتنمناها فرصة ثمينة لا تعوّض حين غادر زميلنا الهندي …

لا كنز لهذا الولد سوى ضرورة الهوية
(سيدي قنصل بابل) رواية نبيل نوري
مقداد مسعود (ملف/6 الحلقة الأخيرة)

يتنوع عنف الدولة وأشده شراسة ً هو الدستور في بعض فقراته ِ،وحين تواصل الدولة تحصنها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *