مقداد مسعود : أرباض (وحدات شعرية) (17 – القسم الأخير)

ترابضات

(خيمة ٌ ربوض)
هي دارتي السابعة تنسجني كل يوم، تعيد لي صورا فوتوغرافية مقوّسة ومصفرة :
*أراد أبي تعليمي رتق الغيوم، فتعلمت ُ خياطتها وكما أسحب ُ طيارتي الورقية كنت أسحب الغيوم بعيدا وأقوم برتقها..
*جاهد شقيقي الأكبر ليجعلني ماهراً في نسج حصران حديد سقوف العمارات، فأصابني الدوار وأنا أباعد بين قدميّ أثناء ربط الأسلاك البيض النحيلة عند تصالب الحديد .
*أخذني أخي الخامس إلى مرسمه ليعلمني الأجنحة والرقص وتحطيم ما لا أريده فتمرد أنفي بعطاسٍ دائم..
*حاول الربان خالي تعليمي : البحر .
فصحبت ُ معي موبي ديك، والعجوز سنتياغو، وزكريا المرسلي . وباءت محاولات الخال الحنون بالفشل.فطردني البحر من الباخرة .
*على اليابسة لم أشعر جرحا وأنا المطرود للتو .بعد ثلث قرن سأكتشف أن هناك من تلقى جراح الطرد عوضا عني . وهو لا يشبهني إلاّ حين نتلاقى مصادفة في حلم مزحوم .
*كما صرخها ذلك اليوناني المخبول بالماء : وجدتها…
تبسمت ُ في سري وكأني أتذكر نسيا منسيا : أ…ر…با….ض
ثم نسنس نسيم في سمعي : ذاكرتك الصغيرة: طراوتها تسع تفاصيلي كلها .
وحين أيقظتني أحلامي .نسيت ُ كل الأشجار التي مررت بها. نسيت ُ وتدحرجتُ ..داست الأظلاف أعمدة النور وعمودي الفقري .وما إنكفأت ُ : نصبت ُ عيني ّ في عيون سماء الليل
وفي عين ظهيرة آب .. قررت ُ لحظتها الحلم بالطب البديل لمعالجة العفن الجماعي الذي أخترق جسد شط العرب ..ونخيل البصرة ..معاملها ..مؤسساتها ..سمائها البلور ..أسمائها الحسنى

(تعديد)
نبضَ..
ربضَ ..
ضربَ ..
بض..
ضر ..
نض …
…………………….
………………..
إلخ
: مفردات
تفتح
خزائن المخيال .

(درعٌ ربوض)
الخزانة مازالت تنتظر مَن يخلّصها مِن ساعة يدوية تشتغل منذ 1920
الخزانة لا تنتظر من يوقظ أحشاءها : أقمشة الديليون والكريشة وصدر الحمام والتو باي تو.. الخزانة لا تنتظر من يجترح فوضى في هذه القوارير الثابتة مثل حرس بوابة ملكية . قوارير ثابتة سفائنها لم تتوقف عن الحركة كل يوم ينتحر قرصان أو يضرم النار في أحد الأشرعة وفي جسده متيقنا أنه سيصل إلى امرأة الخمارة أسرع من البريد السريع ..
في الخزانة وتحديدا في الرف الأول، نسوة أنيقات يتبادلن الشتائم وينعتن لحظة إلتقاط هذه الصور:(ساعه سوده) جمعتهن للتنافق فيما بينهن..الخزانة وهي ترى وتسمع ما يجري داخلها وداخل الغرفة : تبتسم/ تتأفف: حين تخاطبها الرفوف والمقابض وكل ما فيها يخاطبها وما يعتلي تاجها الهندي المخرّم يخاطبها
: متى تتخلصين من الساعة اليدوية التي مازالت منذ 1920 تشتغل ..

(ربيض)
مازالت الساعة اليدوية المخبوءة في خزانة أقترضت لونها من عتمة الباذنجان، تتذكر كيف تراخى بزيم طوقها وسقطت بنعومة على تراب بنكهة الثغاء في ربض، سوق الصفا البصرة القديمة ، مازلت تتذكر رجفتها وقد تدورت حولها الأكباش والنعاج ..مازلت تتذكر لعاب فكوكها وطفولة عيون الثغاء اللاصفة الوسيعة..مازلت تتذكر كيف اخذت النعاج والأكباش تطوف حولها فأستعادت الساعة اليدوية نبضها الطبيعي وتآلفت مع أظلاف متربة وثغاء بنكهة البرسيم ….
فجأة توقف كل شيء فشعرت الساعة اليدوية بوحدتها المظلمة في نهار مشمس،أزداد الظلام ظلاما وهي ترى نفسها في نعومة بطانة جيب سترة عرفتها من عرق صاحبها البغيض ..

( شجرة ربوض)
في عمق (نهير الليل ) في بيت حديقته سقياها من مياه شط العرب أتأملُ وأنا على سطح البيت شجرة توت .وما أن تسقط توتة ٌ، أكون ثلاثة ً: متأملاُ على السطح وغائصاً وعائماً مع التوتة الهابطة.. تحتويني التوتة ذاتها فأراني هناك بعد مئات ٍ من السنوات وآلاف من الأرباض على مشارف بخارى 728 هجري منزويا مع فقراء( قصر العارفان) أتأملُ مَن لا يشبهني فأنتسبُ وأياه إلى شيوخ ٍ من كوكب دري يعلمونني الصمت والصبر و حياكة القداح والتوت ومنهما تكون بوصلتي نحو وبر خوخة الكلام.

(قرية ربوض)
قصر يطلُ على نهرٍ،في الجهة المقابلة لمدينة ألعاب، على مبعدة من القصر صومعة توراتية فيها مجلدات قوّستها مياه الأمطار وغير الأمطار .. المرايا مصابة بالعمى والشمعدان بالزنجار …
يحتوي القصرُ حوضا مدورا تسبح فيه أسماك زينة ..الطفل الذي كنته، يدخل القصر وكفه الصغيرة تحتضنها كف والده، ظل سدارته البنية على شمس الحديقة. سيدةٌ أنيقة تتأرج منها رائحة قهوة ساخنة تنتظر .. الآن ليلة منتصف تشرين الثاني 2017 في مدينة ألعاب تزورني في حلمي سمكة من ذلك الحوض ..سمكة زرقاء خضراء تتراقص بعيدا عن بقية الأسماك قريبا من وجهي المائي ثم أراني سمكة صغيرة مثلها وندور ندور وحدنا في الحوض الذي صار هو القصر كله ولا أحدَ سوانا في الحوض والقصر ومدينة الألعاب ..

(مربوض)
كلنا نستعمل الشص لصيد الأسماك عصرا، إلاّ الرجل الأليف المنتبذ عنا في جلسته، فهو يطلق صفيرا خافتا..كأنه راعٍ ينادي خرافه في الربض،.ومن يديه يتدلى الخوص زنبيلا ..ليمتلأ سمكا .. فجأة يختفى ذلك الرجل الأليف المحسود …سيهمسني رابعنا ونحن نعود من كلية باب الزبير ..البارحة حلمتُ بالرجل الأليف كان يعزف صفيرا ثم أخذت تهاجمه سمكة جهنم ………………………………..إلخ
صحنا به نحن الثلاثة لم يكن بيننا رجل أليف منتبذ عنا، لم نسمع صفيرا وما تدلى من يديه زنبيلٌ

(رابضة/1)

(أعرض عن الجاهلين ) هي وصيته لي .ويضيف : ولا تعرض عن وطن تحصن في الفقرات العنقية لكوكبة من خمرة الفقراء ..حاولتُ تحويلها كميراث لحفيدي فهمست بخشوع شموع جوار ضريح (أعرض عن الجاهلين ) تأملني الحفيد بعينين جميلتين جديدتين كل يوم ،وأبتسم ثم قال
: إذن عليّ بالفرار؟
– لا.
– هل توصيني بالعزلة .
– لا
– إذن عليّ إضرام الماء نحوهم .الجاهلون لوثوا الهواء كما لوثوا الفقه ،لوثوا الوسادة كما لوثوا السيادة .أضرموا الأرضة في حياتنا وماحولها من أرباض، يسلبون الربض ويبيعونه بمافيه من ثغاء وشراة وباعة ومسقفات ومعلف .الجاهلون يتحكمون بمنافذ الحدود ويقيمون الحد علينا ولايعرفون أي صلاة هي الصلاة الوسطى ولا تفوح منهم سوى عفونة ما تركته كروش أسيادهم عفونة حيوانات نافقة منذ أيام في نفق مسدود ..وعفونة سمك نافق من كرسي الديباج .

(رابضة/ 2)
في أحلامها معان ٍ مؤجلة.في أحلامي أشجار نفضية . لأحلامنا : ظل عشب يتدفق .نتحاور / نتكاتب .هي تكتبني نهرا. أنا أكتبها وردة تغتسل بي كل فجر، هي تبتسم فتحط طيورٌ ملونة على شجرة النارنج، طير يتوارى في طفلة بخمس ضفائر، طير يتلامح منه فتى شعره يغطي حاجبيه المقطبتين .هو يخرج قطعة نستلة من غلافها الملوّن وعلى ورقة بلون الورس. يرسم ضفائرها الخمس وبسمتها التي الشمس لاتغيب عنها ولاتربض ..

(ربضة ماقبل الأخيرة)
لاعليك …
حسبك تخريبك الجميل، إنتبذ بعيدا عن أحد المعنيين.. كن أعمى وتلّمس الكلمات حتى تبصرها بأصابع كفيك .الكلمات من المعادن ومن الأضوية حجر الكلام .هناك كلمات من ماء منحوت وللكلمات هجرة الطيور..تصاب الكلمات بألزهايمر، وبالنومشة تصاب كلمات أخرى
هناك كلمات سريعة وعالية ومغامرة ولها موسم كرنفالات الركمجة .لاتنسى قبيلة من الكلمات ربضت بمضاربها وراياتها في مكانها ،بعضها أصبح غورا وبعض البعض في مقبرة معاجم مغبرة وما تبقى من البعضية تبلبل وتسبأ..
وجاء في الأثر: ثمة كلمات شهقت شهقة ً كونية ً وتكوكبت في سماء الليل ولم تخنس في نهاراتنا ..
…………………………………..
…………………………………

إذن فرّق بين معنيين

النسخة الأخيرة / 25 تشرين الثاني 2017/ التاسعة من ليلة الأحد / البصرة – إبريهة .
المراجعة مابعد الأخيرة 9/ نيسان / 2018/ الثالثة والثلث عصر الأثنين

مقداد مسعود من خلال أشجاره
*1954- بصرة
*يعمل في صحيفة طريق الشعب منذ 1975
*من المؤسسين لجريدة الحقيقة / لسان الحزب الشيوعي العراقي في البصرة/ 2003
* في الهيئة الإدارية لملتقى جيكور الثقافي في البصرة
*مسؤول القسم الثقافي في اذاعة الملتقى 2008
*سكرتير تحرير مجلة فنارات / اتحاد أدباء البصرة 2009
*مشارك دائم منذ ربيع 2003 في مهرجان المربد الشعري
*شارك في الندوة التي وجهتها له مجلة الطريق اللبنانية، بمناسبة أربعينية الناقد اللبناني محمد دكروب وكانت ورقته بعنوان(أيدلوجية القص)
*أحتفت بمنجزه الإبداعي، مؤسسة النور للثقافة والإعلام في 2017
*له عمود صحفي اسبوعي( مسح ضوئي) في جريدة (طريق الشعب)
*له عمود صحفي في مواقع النت الثقافية(مظلتان لشخص واحد)

في الشعر…
*المغيّب المضيء/ دار الرواد/ بغداد/ 2008
*زهرة الرمان/ دار الينابيع/ دمشق 2009
*الزجاج ومايدور في فلكه/ دار الشؤون الثقافية/ بغداد/ 2009
*بصفيري أضيء الظلمة وأستدل على فراشتي/ دمشق/ دار الينابيع/ 2010
*شمس النارنج/ دمشق / دار الجفال/ 2011
*حافة كوب أزرق/ دار ضفاف/ بغداد/ دولة الأمارات المتحدة/ 2010
*مايختصره الكحل يتوسع فيه الزبيب/ دار ضفاف/ 2013
*جياد من ريش نسور/ دار ضفاف/ 2013
*يدي تنسى كثيرا/ دار ضفاف/ 2014
*هدوء الفضة/ دار ضفاف/ 2014
*بساطيل عراقية / دارضفاف/ 2016
*الأرق استراحة النوم / دار ضفاف/ 2016
في النقد الأدبي
*الأذن العصية واللسان المقطوع/ قراءة اتصالية في السرد والشعر/ دار الينابيع/ دمشق 2009
*القصيدة : بصرة /قراءة إتصالية منتخبة من الشعر البصري/ دار ضفاف/ 2012
*من الأشرعة يتدفق النهر/ قراءة في الحداثة الشعرية العراقية/ دار الشؤون الثقافية العراقية / بغداد/ 2014
*زيادة معنى العالم/ دار ضفاف/ 2014/ بغداد/ دولة الأمارات المتحدة
m.mookdad@yahoo.com

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| عدنان عبد النبي البلداوي : “ذكراك نور” مهداة الى روح الشريف الرضي في ذكراه الخالدة .

ذِكراكَ  نورٌ، تسامَتْ فيه دُنـيانا                             يا رائـداً  قــد مَلَكْـتَ القـلبَ أزمانا فكنتَ أصْدَقَ مَــن يَهوَى بناظِـره                           حتى …

| كريم الأسدي : مركبُ الأرض ..

قاربٌ يتحطمُ فوقَ الصخورْ  فيغرقُ طفلٌ ويأفلُ في مقلةِ الأُمِّ نجمٌ ونورْ يريدونَ حريةً وحياةْ  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *