شوقي كريم حسن
قلب مفتوح.. فضاء مغلق.
/جذور الملح/
*لم يعد فاضل أبراهيم، يعي مايحدث عند ليل وحدته، التي صبغته بوحول من الهموم والآهات،يقتعد باب الموضع الذي يشبه فماً متوحشاُ، ويغمض عينيه محاولاً الإمساك بمايستطيع من الموجودات التي طمستها الأيام،ليس ثمة شيئاً محدداً،تتكور غزول الآمال مثل وشائع صغيرة، يحاول لملمتها، لكنها تتبعثر مأخوذة الى لب الظلمة، الثاغبة بنباح الكلاب البعيدة، وشخير الأفواه التي أتعبها الترقب، وبعض من همهمات الأرواح التي كانت تصطلي بنيران مواجدها، يجر الليل الى حضنه، غير آبه يلحق به، إن هو فرط بلحظة صحو، يضع أيامه ،قبالة تابوت الليل، منهمراً بمطر مالح، من الحكايات التي لايعرف لها نهاية، الحروب بكل تفاهاتها، ورعونتها ، جعلت منه حكاءً حالماً من طراز فريد، يسبر غور الوجود الذي لايعرف عنه غير أزقة ضيقة ، ووحول تسحله الى خرائب منسيةْ، وجوده ينسكب بين يدي اللحظة التي يرسمها بخفرمديوف بلوعة، ماذا يحدث لو أن الرب ماخلق حواء لتنجب كل هذا الأرث من الحلوات اللواتي يذبن مثل جكليت بين أيدينا؟ تظل تنظر اليه غير مصدقة، إن هذا الولد الاخجل من الصمت يمكن أن يكون بهذه الوقاحة،كان حمار الخوف العجوز الذي أنهكته الطرقات، يجره الى حيث يرغب، لكنه وبعناد يعاود الإتكاء الى ملحوظة الوقت،ماالذي يمكن أن تصنعه وأنت تسكن لب هذه الوحشة التي لاتعرف لها إنتهاء.؟
لم توجب الجلوس هنا، من أجل أستقبال رصاصة طائشة بفرح وزغاريد، يأمرونك بفتح صدرك والإندفاع دون تردد الى حيث يقف الموت شاهراُ سيف غضبه، من يرضي هذا الإله الغاضب دوماُ ْ اللأحس وجوه الناس ومسراتهم،تحوس الروح باحثة عن منفذ تهج من خلاله الي حيث يمكن أن تستريح، لكنها ومثلما كل يوم تفشل، تعاود الإندغام وهنيهات القهر التي غسلت الشعفات الكرداء اليابسة، يلم الآلم خطواته ، دون الإكتراث بكل تلك الهموم المتناثرة بين ثنايا ملكوت الموت والغرابة، وأنتَ تواجه الموت كل لحظة وقت، عليك أولاً التخلي عن جنونكَ، وأحلامكَ، وتشًيد معابدَ فخمة تقدس الخراب وتمجده، ترتل فيها كل ماتجود به حنجرتك الميته، ولسانك الذي صار يصوغ همومه قصصاُ تثير الشفقة والسكون/أيتها الروح الأعذب، المرتدية لباس القحط/كيف يكون لسؤالكِ فائدة وسط هذا الضجيج؟/لايمكن للوقت منح الخدرعرش الصدارة/عليكَ أن تتوسد عبثك، مجونك، سفالاتك التي ملأت كل مايحيطك بها/دون أن يكترث لها أحداً/تلوب عند باب الحوش الذي تراقبه حيتان تزمجر كلما رأتك تقترب إليه ،مثل كلب تنبح… تعوي.. تتقيأ غضبك الفائر رغبة، تضرب رأسك بجدار الذل الذي يقابلك ضاحكاً، لتندحس عندأول ومضة ضوء، تلوح بها تلك التي تعودت الترحيب بك كلما فاضت بروحك المواجع.
-ماغيرت طباعك أبداً
-ولم أغير طباعي.. هل يتوجب عليً التغييرحتى أعلن حبي لواحدة مثلك.
-أوتسمي هذا حباً فكر في الأمر.. مثلي لايجب أن تحب.. ثمارها يابسة وأحلامها باتت مجرد لحظة إبتهاح كاذبة.. عالمك غير ما أناعليه.. حدق ملياً لتعرف كيف نمنح أنوثتنا دون كلمة شكر أوهمسة حب.. كل ما نشيده عند تلك اللحظات هو محض أكاذيب وأدعاءات، لايفيدك الجسد الخرب الذي يحوي روحاً فاسدة!
-ماذا لو قلت لك أني جسد خرب بروح فاسدة.. ماتبقى مني هو هذا الذي ترينه أمامك مثل نخلة تعمدوا قتلها، جذع فارغ، ذاوٍ لايفيد بشيء، حتى تلك الحكايات التي كانت تسربل ليلي بالحياة، غدت الآن مجرد أوهام غبية، لا أساس لوجودها.. الوجود الوحيد الذي أعرفه وأقدسه ويزداد أيماني به هو وجودك أنت .. أنت ولاأحد سواك!!
-لاوجود لما تسميه وجودي… من تسكن وكراً موبواً تجوسه أقدام غريبة لتمارس إذلالنا دون أن نعترض او نفوه بشيء.. تعودنا القبول.. والرضا .
– ولا أريدمنك سوى تمثيل هذا الدور الذي أعشقه.. تمثيل آهات كاذبة تثير في مكامن جنوني إضطراباً ولوعة، إقتربي لنعرف كيف يمكن حسم الأمر؟!!
ترد المسافات مسرعة،مانحة صمته رضاب الشفاه التي ظلت لصيقة به حتى نبلاج لحظاته الغاربة الآن،
-فاضل.. يافاضل!!
-نعم سيدي ي.. ي!
-من ذاك الذي يجلس هناك غير آبه بالليل؟
-هذا خالد خلف عودة!!
-ومن يكون.. ولم يعوف موضعه ليجلس هناك.
-سيديييي.. خالد جن منذ أخترقت رأسه تلك الرصاصة.. ونحن نستخدمه لجلب الماء والأرزاق!!
-ها فاضل عند طرة الفجر أريده عند الساتر الأول..
-لكنه مجنون سيدي!!
-فاضل لأنه مجنون لابد أن يكون هناك!!
/ أيتها الالهة التي تخلت عند مجد الإنسان ، ماالذي نستطيع فعله، كيف يمكن إرسال هذا الشاب الذي فقد كل شيء ليموت بهذه السهولة والإمتهان؟
عندهذه اللحظة الموجعة، يتململ الجسد، تندفع المخدرة التي كانت تغتسل بصمت عينيه، بإتجاه الآلة التي سارعت خطاها من أجل إيقاف تلك الحركة المباغته، رفع البضاع كدر عينيه، صوبها، مزيحاً أكداساً من نفيات وأنقاض السنوات، قال-كنت أتوقع حياته أسهل من هذا.. يعيش داخل دوائر سود من الآثام والكراهيات والرغبات الميته.. صعب على واحد مثله دفن كل تلك الرغبات في أعماق لاتجد لها مستقراً!
يقول الرجل الذي مسح قطرات الدم المتساقطة عند حافة الجسد المسجى،- مثل هؤلاء عمي تكون خسائرهم أكثربكثير من أيامهم.. خسائر متنوعة بلهاء.. لا اعرف ماسر تمسكهم بالحياة ومن أجل ماذا؟
-الخراب صناعة حكاية.. وهو مغموس بعسل حكاياته التي لاتنتهي قط.. عليك أن تنظر الى تلك البقعة التي هناك.. أنظركيف تبتسم الوجوه التي تسكن فجواتها.. لهؤلاء معنى يحاولون الحفاظ عليه وإدامته.. لو كنت مثله لما أخترت غير لعبة مواجهة الحياة هذه..الحق أقول لكم إن مثل هؤلاء لايجب أن يغادروا حياتنا!!
يتنفس البضاع الصعداء، محاولاُ الإمساك بدروب الهروب التي توسعت بين يديه فجأة، دافعة بمئات الأسرار الى حيث الإناء الذي كان يستقر عند طرف السرير الذي آن توجعاُ، سيطر الرجل على لحظة التراجع، حين منح الجسد دفقاً من الهواء، قالت المخدرة وهي تمسح وجه البضاع الذي تصبب عرقاً-عمي هل هناك مايعيق حركة المبضع؟
صفن البضاع لبرهة وقت، وتمنى لو أنه كسر قاعدة القلق والخوف والترقب وأشعل سيجارة تفتت حثى الشد الذي بانت ملامحه على يديه، المرتجفتين دون إرادة منه، قالت المخدرة-عمي أسترح قليلأً
قال البضاع-الوقت يسرقنا ولايجب أن نفرط فيه.. كل ما أراه الان يبدو خارج مألوف دنيانا.. خليط غريب بين مكونات لايمكن أن تلتقي في غير هذا المكان.. أحاول ترتيب هذه الفوضى التي أوصلت القلب الى هذا الجفاف…كيف أستطاع تحمل كل هذا ، ليته يستطيع أجابتي الآن؟
هزت المخدرة رأسها مستحسنة السؤال، فيما إبتسم الرجل الذي يعرف بعض أسرار هذا القلب الراعف أياماً بين يدي البضاع، تزحزحت الروح قليلأً فلم تعد تتحمل كل تلك الأصوات الغريبة، الطاعنة في الإرتباك، كثيراُ ما وقفت بالضد من ما كان يقوم به، لكنها ماتلبث آن ترضح معلنة إستسلامها، مع أنهزام واضح، يقول البضاع-حين تنهزم الروح تتهدم مكونات القلب فيذوي ويغدو الجسد مجرد وعاء تالف!!
يقول الرجل-مثله لايمكنه القبول بما ترغب فيه الروح.. معاني حياته إضطربت بين كفي حلم وموت!!
تقول المخدرة- كان عليه أن يطاوع روحه فهي الأخلص اليه.. هاهو يجني ثمار خيانة قلبه الذي آمن به وتبعه دون تردد أو وجل!!
مد البضاع كفه الى حيث تلة مليئة بالأطمار التي هاضت مثل خفافيش، سود تطن بأصوات مفزعة، لاتستقر عند مكان، قال البضاع مبتسماً-أراه يتعلق بستائر روح هتشكوك.. كل ما يرسمه مخيف وغير حقيقي!!
قال الرجل ، وهو يزيح بعض من أكوام الخفافيش التي راحت تبحث عن مأوى آخر-هو اقرب الى كافكا.. أيامه عشقت غريغوري سامسا.. هذا ماأعلنه لأكثر من مرة؟!!
قالت المخدرة، وهي تشير الى مكمن الخوف-وهل تجد فرقاً بينهماً كلاهما يمثلان شكل الرعب وقوته!!
إهتزت معاقل القلب ، فليس ثمة مايدعوه الى كل هذا الوجع الذي لم يعتده من قبل، وود لوأنه قدر على الهروب من بين براثن هذه الثرثرات التي لايطيق الإنصات اليها./عندأول الإبتهاج يتوجب عليك أن تقيم لكلك معنى/عليك التخلص من رذيلة الموت السافل الذي لايأبه لوجودك منتظرا الاشيء/كنت تقف غير بعيداً عن حفرة الخوف، حين قال الضابط.. تقدم.. سيدي لكنه مجنون لايعرف من الامر شيئا أضافة الى أنه جريح حرب.. سيدي اتوسل اليك لاتقتله بهذه الطريقة.. الأم التي فجعت بكل أ ولادها تنتظرعودته ليسد فراغ وحشتها.. كل هذا لايعنيني بشيء الحرب تحتاج حطباُ وفتح الطريق بمجنون أحسن من فتحه بواحد مثلك…. القلب عند هذه اللحظة، إنشمرخائفاً، إذ وجد الفرصة للمقارنة بين موته وموت خالد خلف.. الذي راح يبتسم ببلاهة وستغراب، أشار الضابط بالتقدم… لكن الوقت توقف.. سيدي.. يسقط تلك اللحظة المشؤومة خالدخلف.. يتورى خلف فيوض من الغبار والرصاص والدمْ، الم أقل لك هو الطريق سالك/.
تجف حقول القلب، ويبدأ الجسد بالإختلاج، كانت سيدة الكرسي التي ترقب الأحداث وقد إنغمست ببكاء مر، تحاول الإندفاع الى أمام، لكن البضاعْ،أبعد كرسيها الى حيث يتطلب أن يكون، قالت متوسلة خذلانها،-دعني قريبة منه… أتدري هذه المرة الأولى التي أراه فيها.. وربما تكون الأخيرة.. كان خبر مجيئة الى هنا صاعقاً بالنسبة لي.. كنت أفكر اللقاء بغير هذا المكان.. لكنه تعجل المجيء.. كان حين يتصل بي.. يهمس.. أيتها السيدة أشعر أن قلبي يخونني.. لم يعد يطيق كل هذا القهر والخراب..أيتها السيدة الوانك لاتفيد القبح بشيء.. كل ما حلمنا به حولوه الى أكوام من النفايات المعروضة للبيع، لشدما تزعجني فكرة بيع وطن بكامله الى فراغ.. علينا البحث عن خلاص.. أيتها السيدة اللون.. هل ثمة من ممر يوصلنا الى آمان وطمأنينة.. كلما أنهمر هكذا.. إندفعت بعربتي مبتعدة.. أخاف كل هذا الصراخ الذي يطلقه ليل نهار.. أرجوك دعني اتملا وجهه المجبول على الحزن والجنون.