هشام القيسي: فريد زامدار من فراغ في العقل الاملائي الى املاء في العقل المكتنز
كتابة الضد والدوائر المتسللة

باحالته ظواهر الوجود وتضاداته الى مسالك فلسفية ، ينقلنا فريد زامدار بعد أن يلهب مخيلتنا ، الى مساحات يجعل الحكمة فيها بين روح تحترق ودهشة لا تقطف للوهلة الأولى:
 (( نصفي اللاانا 00
    اللاحياة 00
    نصفها اكذوبة حلزونية 00
    والنصف الآخر اسطورة
    في كل شيء حقيقي )) ( 1 )
فهو لم يقل للأشياء التي احتشدت في الطريق مهلا ، ولم يقل للجرح هذه رؤيتي ابحث فيها عن الشوارع المطوقة بالأسئلة ، وكيف حال الايام ، ولم يقل للمدن والاصدقاء والغياب في الحضور والقصائد والذاكرة المتقدة وتداخل المعاني في انهيار العالم فوق طلاسم في مواكب المتاهات ، استميحك عذراً :
  (( في احضان الايحاءات الصورية القصيرة 00
      التكامل ارتعاش للبقاء
      السير العميق نحو النور
          قدر الاكتمال
     للنزول في تكوينات الظلام
     صراع على جثث اللغات في المحطات الدائرية )) ( 2 )

 إنه من كوة كانت فيها شمس الله تسترخي على اوراق الشجر قبل أن ينتصف الليل ، يوقد ويشعل الماء في حرائق الصمت ، وفي اشتعالات السكون :
   ((  في ضوء الكلمات المنسية 00
        يرسم هندسة إنتمائه خارج الغرائز الأنسانية
        يتصل اتصالاً روحياً بدهاليز الرهبة المقدسة 00 )) ( 3 )
ان الغرابة تحتفل في ينابيع الجمر ، وغدير الأسئلة يغدو نسمة تهبط على العالم ولا يغفو موسما
آخر :
 (( انه اعادة خلق العالم والانسان وإسترداده وتقديمه
                  للرؤية كما هو
    التنبؤ بخفايا وأسرار الحقيقة
     سر غامض واكتشاف دائم
    هذا السكوت والسكون المعلن 00 0
           ينبعان دائماً 000
   من فراغ الحرية الأنسانية وضياعها00 ! )) ( 4 )

هكذا ينقش زامدار ، المارد الشارد الأليف ، بوجه عصور الهمجية ، وبوجه مكائد زائلة ولهاث ولون ولالون في أزمان اللاحالات الغائبة خارج التسول :
 (( هو ما لا يمكن تحديد تأريخه الفكري
    لأن الفكر دائماً يمثل النصف الآخر من جسده
             كشاهد لعصره
    شاهداً محايداً وليس منحازاً )) ( 5 )

 وهكذا يرتعش ولا يتناثر ، وعلى دفاتر مختنقة بالنزف دون أن تندس بين بطاقات الاقامة وفوهات اللحظات الباهرة ومعاصيها السابقة ، كل رغبات النوايا فهو يعرف الأيام على صنيعها لتقف طويلاً داخل صرخات مسكونة بعلامات التعجب :
  (( النساء الحليبيات في الحرم الملكي 00
      يسبحن خارج ثيابهن الليلة 00
      سجينات داخل أحلامهن الملغية 00
      التأريخ يولد في عيون الشلالات التمساحية مساءً )) ( 6 )
إنه يهمس ناشراً ألسنة اللهب المهاجر على أشرطة وفراشات ومسارات النور ، فله سر يسيل فيه الوقت ومن بين الخطوات يبحث عن بصمات الهيبة ولمس التحولات :
  ((  أجلس مع أطفال أحلامي الحزانى في فساتين
       الروائح المناوئة لمواسم الريح 00
     متعب الوجه أتغلغل في الأنامل البريئة ، داخل
                     بنادق بيضاء
     معطفي الصيفي ينام وراء مناقشات الأغصان
                         الخريفية
    كرهت مكابدة التفاصيل 000 )) ( 7 )
 وحيث تخامره الهموم ، وتخيره الرؤى والزوايا وأبواب المرايا ، فالمراثي التي أوغلت عبر دهاليز الذات كانت في لحظات الزهو الخارجة من آخر مشاهد الغربة :
 (( النداء المتجسد في الذات المعذبة
     هو الصراخ الوحيد والطريد والمشرد دائماً
     في المنازل المرتفعة لأفكاره المعذبة
     وغليانه الحيوي في جحيم إحتراق الآخرين ! 000 )) ( 8 ))
هي التصورات ، حطت رحالها وتحت خيمتها شاغلت شظايا الأفق ، وهي موزعة ترى المسافات حين تنأى وتغني في إنحناء ليس أكثر من استفهام واحد لا يحجب ولا يزول في أبجدية اللهب :
 (( من لا يعرف
     أن يمارس الانتحار البطيء
     لا يعرف كيف يحس بتكويناته الشيئية
                  خارج الأشياء
     سأحرر الأيدي المقيدة بسلاسل العقل
                 خارج رأسي
    للتحليق عظاماً منكسرة
    توقفاً ؟ عن التفكير في المكان 000 )) ( 9 )
ان حالات الشاعر لا ترتبط ببنية أداء الكلمات ، بل تستشرف وتتوالد وتتناغم في منظوراته ، ولهذا فصوره الفلسفية ساهمت في تخليق كنه تقسيماته وأبعادها التأويلية والدلالية 0 ووفق هذا نراه يسرف أحياناً في تقابلاته الغرائبية لغاية تفيد التحول والكشف والأشارة بالموقف :
 (( بالأمس 00
     فقدت شكلي البريء
     منهمكاً بقراءة الريح بهمسات طائرة 00
     في فضاءات التفكير 00
     أطوف الأعالي كالمخلوقات الجميلة التي 000
     لا تطير في الظلام أبداً 000
     ثم تغرق كصرخة في جنة الظلام 000 )) ( 10 )
إذاً في صيرورة الموقع الوجودي والاجتماعي يجهد الشاعر في اشهار كائناته التي لم يصرح بها غيره ، ولهذا نجد ان كتابته الشعرية تحفل بتوجهات من طراز خاص كخصوصية رؤاه الباثة للتجليات الهلامية التي تنهض أبداً ، وتشتهي أبداً :
 (( اختار الطرق المعقدة 00
     لولعي الذهني للخلاص الروحي
     والصفاء النفسي
     لا أنظر الى شيء 00
     سوى أقصر الطرق المؤدية الى الأبواب المغلقة )) ( 11 )
كذلك في استعارات الشاعر وكناياته ( جثث اللغات ، خيام اليأس ، حرية اللامرئيات ، غابات العقول ، الضمائر المسلحة ، دموع ثقيلة تتجسس على نفسها ، المنخفضات العالية ، الممكنات اللاممكنة ، أرصفة شمسية تركض في أدمغة الظلال 000 إسقاطات للتأثير والتأثر بين طبقات تستجلي كل مظاهر التأمل الوجودي بسياقاته وصفحاته المتعددة وجوانبه الأساسية ، وهي تتسع لوقفات تثير شهية الدلالات مثلما هي تفصح دون أن تخدش 0
وبعد
أتكتفي تضادات الشاعر زامدار ؟
أتكتفي ازدحاماته الهاطلة ؟
أتكتفي معاطفه وهي ترفع في المطر بقية الأرواح ؟
اتكتفي كائناته ،أسماءه ، في صدى الطوفان ؟
لا أكثر من زمان
إنه في الشعر
يفجر الظلام في معنى الضياء
ويقود الكلام في نبوءة الشقاء
فهو منذ كان في الاتجاهات الغريبة الجميلة
إنتسب الى أسئلة بها حزن
وليس فيها حزن 0
في ( فراغ في العقل الأملائي ) تسطع كل عناصر اليقظة والنفس والذهن لأجل تحقيق المثال الأنساني ، مثلما تستحضر الصرخة الوجودية تجليات سوريالية وميتافيزيقية هائمة وفنية تشترك فيها كل عناصر الجمال والفكر 0
 الهوامش
—— 
( 1 ) فريد زامدار / فراغ في العقل الاملائي ، قصيدة أفكار كهرومائية ص7
( 2 ) كـــــــــــــــــذا ، ص8
( 3 )كـــــــــــــــــذا ، قصيدة جنون الابداع ص12-13
( 4 ) كــــــــــــــــذا ، ص15
( 5 ) كـــــــــــــــذا ، ص16
( 6 ) كـــــــــــــــذا ، قصيدة تماسيح الحانات القانونية ص19
( 7 ) كـــــــــــــــذا ، قصيدة الذات المعذبة ص23
( 8 ) كـــــــــــــــذا ، ص25
( 9 ) كـــــــــــــــذا ، قصيدة اللاكائن هو الكائن ص28-29
( 10 ) كــــــــــــــذا ، قصيدة قراءات مضادة للمعرفة ص31
( 11 ) كــــــــــــــذا ، قصيدة كتابات ضد الكتابة ص42

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *