قلتُ لها :
أيَّ تُفَّاحةٍ أكلتِ ؟
من أيِّ الكلماتِ شربتِ ؟
كيفَ مشيتِ خلفَ صوتٍ
جاءكِ من أقصى الحُمقِ يهذي ؟
يا امرأةً زرعتُ في روحها
حقلاً من حواسٍ
لا تستجيبُ إلَّا إلى النُّور
وشققتُ في عقلكِ
نهراً تجري فيهِ كلُّ الأقمارِ
وكلُّ النُّجوم
وتجلَّت على ضفَّتَيهِ العُطور
ماؤهُ سلاسلُ
من أسرارِ البدءِ والتّكوين ..
نثرتُ على ضفَّتيكِ
قُرى الشَّهدِ والشَّذى والبخور
وبنيتُ على أوَّلِ مُنعطفٍ
للنَّهرِ كعبةً
جعلتُها قِبلةً للطُّيور ..
في مواسمِ الخِصبِ
يفيضُ ماؤكِ غزيراً
كريماً
يغمرُ العُقول
بينَ عينيكِ
تتناجى الأيَّامُ والفُصول ..
كم قلتُ لكِ :
أخشى عليكِ من الضُّوءِ المالحِ
والنُّورِ الغريب ..
جاءَكِ يحملُ كفناً أسودَ
وباقةَ وردٍ من دَمٍ مسمومٍ
لمَ لم تُصغِي
يا آخرَ الأنهارِ التي تصبُّ في عُمري
إلى صوتِ النُّجوم ؟
كم مرَّةٍ قلتُ لكِ :
عطِّلي الرُّوحَ
وأغمضي عينيكِ
حين يأتيكِ من الدُّروبِ الضيَّقةِ
الضُّوءُ المالحُ
والعطرُ الفاسدُ
والصَّوتُ المسروق ..
تحوَّلَ مجرى الماء
صارَ النَّهرُ كالجُرحِ الطَّويل
يمدُّ روحي بالدَّمِ الغزير
لأنزفَ حتى آخرِ كريَّةِ دمٍ فاسدةٍ
في جسدي
والرُّوح ..
سأحملُ وجعي
لأزرعهُ في سنابلِ القمح
في كلِّ سُنبلةٍ
سبعُ حبّاتٍ من الوجع ..
سأخرجُ في مواسمِ الحصاد
من قلبِ كلِّ سُنبلةٍ
وجعاً يسمو بروحي
إلى أقاصي العُلوِّ
وأقفُ بينَ الغيمِ والغيمِ
أقبسُ منَ النُّورِ العظيم
بعضَ النُّور
وأتنزَّلُ معَ مطرِ تشرين
أحملُ زُجاجةً كأنَّها مجرَّةُ نجوم
أوَّلُ نجمةٍ أنتِ
وآخرُ نجمةٍ أنتِ
وبينَ النجمتينِ
أبني آخرَ دولةٍ من نور ..
د.عاطف الدرابسة