عبد علي حسن : رواية تأريخية أم رواية تأريخ؟

رواية تأريخية أم رواية تأريخ ؟

عبد علي حسن

مرة أخرى تحاول الصديقة الدكتورة نادية هناوي تكريس مصطلح ( رواية التأريخ ) بديلا لمصطلح ( الرواية التأريخية ) وحجتها في ذلك هو دخول السرد الى منطقة مابعد الحداثة التي تسمح بالإهتمام بالمهمش والثانوي دون المركز الذي هيمن على التأريخ عبر المرويات والمصادر التي اهتمت بأخبار الملوك والسلاطين دون العامة والمهمشين من الناس الذين كانوا حطبا لحروب اولئك الملوك ، لذا فإن مهمة السارد التأريخي ستنصب على كشف الزيف والتحريف في المرويات الناقلة للاخبار التأريخية لأنها كتبت وفق ميل ايديولوجي يحتمل الصدق والكذب والتزييف ، لذلك سيغدو التأريخ ( مجرد مسرود متخيل لا وقائعي وهذا مايتيح للحكاية المروية أن تتحرر من الانعكاس والمحاكاة للواقع متجهة صوب مديات من التخييل الروائي ومن غير اتباعية واقعية ، ليكون المتحصل رواية التأريخ وليس رواية تأريخية ) . ونستخلص من مقالها الموسوم ( رواية التأريخ والتمثيل المخلخل لفلسفته) المنشور في ثقافة جريدة الصباح ليوم الخميس 19/9 ، توكيدها التالي :- ان الرواية التي يكون موضوعها التأريخ وتتبنى موجهات مابعد الحداثة فكرا وتقنيات سردية انما هي ( رواية التأريخ) وليست (رواية تأريخية ) ، ونرى ضرورة مناقشة هذه الآراء ومحاولة استبدال المصطلح للوصول الى قناعات علمية حول صحة المصطلح ، وسنجعل المناقشة على شكل فقرات ليسهل على المتلقي متابعة الحوار والتركيز حول الحقائق الأساسية التي سنتوصل اليها :–
1– إن مصطلح ( الرواية التأريخية) توصل اليه لوكاتش عند دراسته لوالتر سكوت حتى تولستوي والكسندر دوماس وسواهم في كتابه المهم (الرواية التأريخية) ، فصار نوعا روائيا قارا في الأدبيات النقدية ومهدت الطريق أمام الروائيين للوقوف على آليات الكتابة بهذا النوع الروائي .
2 — لقد كان للتحول في بنية المجتمع الغربي اثره الواضح في تحول البنية الفنية للرواية ، وحين ظهرت مابعد الحداثة في منتصف القرن الماضي فإن تحولا كبيرا قد طرأ على البنية الروائية ، كان من نتائجها ظهور الرواية الفرنسية الجديدة التي تأثر بها سائر الروائيين في المجتمعات الاوربية وحتى خارج جغرافية الحداثة الأوربية ومنها مجتمعنا العربي ، فدخلت آليات وتقنيات سرد مابعد الحداثة الى الرواية التأريخية ، ويلاحظ هنا تجاوز هذه الرواية لموجهات الرواية التأريخية التقليدية لما قبل رواية مابعد الحداثة ، فظهر الميتارواية وخرق التتابع الكرونولوجي واستخدام النصوص الموازية كالوثائق واليوميات وما الى ذلك من التقنيات الجديدة .
3– لم تكن الرواية التأريخية الجديدة المستجيبة لفكر وتقنيات سرد مابعد الحداثة نوعا سرديا جديدا ، وانما هو تطور طبيعي وجدلي استجاب للتطور والتحول في البنية الاجتماعية ، مادام موضوعها التأريخ ، وليس من المعقولتغيير مصطلح جنس او نوع لمجرد وجود تطور في اداء واجراء ذلك الجنس او النوع ، فالشعر ظل شعرا مهما طرا عليه من تطور وتنويع ، مالم يكن هنالك ظهور لنوع شعري جديد يختلف في بنيته وصيرورته عن الشعر كجنس، كما في ظهور قصيدة النثر وسواها لم يكن سوى انواع واشكال شعرية .
3 — إن الروائي في الرواية التأريخية التقليدية والرواية التأريخية الجديدة يعتمد على مرويات شفاهية متواترة أو مكتوبة خاضعة للصدق والكذب والتزييف ، فأنى له معرفة الحقيقة وهو لم يشهد تلك الوقائع ولاغيره من الأحياء ؟ ، لأن تلك الوقائع الحقيقية ومروياتها قد حصلت في زمن سابق للذات الساردة .
4– نرى بأن المخطوطات والمرويات لوقائع سابقة انما كتبت بدوافع وموجهات غير محايدة وذات دوافع ايديولوجية ومصلحة سياسية او اجتماعية لهذا الطرف أو ذاك ، وهذه المرويات من الممكن تسميتها ب (رواية التاريخ) اذ انها تروي تاريخ الوقائع وهي مايعتمدها كاتب الرواية التاريخية لتكون موضوع روايته ، وهنا يتبدى على نحو واضح حرية الكاتب في التأويل والتفسير والتخييل لبناء روايته التي يضع فنيتها وأدبيتها في المقام الأول دون الوقوع في شرك المطابقة والتوثيق.
5 — اذن فنحن ازاء رواية تأريخية جديدة وليس رواية تأريخ ، اذ ان عمل ومهمة كاتب الرواية التأريخية هو تأويل رواية التأريخ المتمثلة بالمخطوطات والأخبار التأريخية.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| د. صادق المخزومي  : قصيدة الرصيف للشاعر صباح أمين – قراءة أنثروبولوجية.

مقدمة من مضمار مشروعنا ” انثروبولوجيا الأدب الشعبي في النجف: وجوه وأصوات في عوالم التراجيديا” …

| خالد جواد شبيل  : وقفة من داخل “إرسي” سلام إبراهيم.

منذ أن أسقط الدكتاتور وتنفس الشعب العراقي الصعداء، حدث أن اكتسح سيل من الروايات المكتبات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *