” افتراس “
استحلاب ممض لأيام الوجع !
خلال السنة الماضية – 2015 – كتبت سلسلة من المقالات الادبية : مجموعات قصصية وشعرية وروايات وكتب مذكرات .. الخ واذكر هنا مقالة خصصتها لمجموعة الكاتب والقاص ( سلام القريني ) والتي اطلق عليها “للنساء حكايات” طالبت من خلالها القاص القريني ان يوسع احدى قصصها ( وعنوانها ام كاظم ) ويجعلها رواية لا قصة موجزة لانها مهياة لمزيد من الاحداث والاضواء التي تنير المعتم والمقتضب ،وقبل نحو من شهرين اتصل بي القريني هاتفيا وقال انه انجز الرواية المطلوبة اعتمادا على قصة “ام كاظم” التي نشرها كقصة قصيرة اولا ولكنها اصبحت رواية الان( وارسلها الى بريدي بالفعل) ، وقد اثلجني هذا التطور لا لان القريني استجاب لما طلبته وانما لكون الاحداث المسرودة هي اكبر من حجم القصة القصيرة التي قدمت من خلالها فهي اشبه ب ( رواية مضغوطة) ولهذا جاء توسيعها الى الشكل الجديد المستحدث افرب الى طبيعة احداثها مع ان ” القصة القصيرة والرواية ” قادمان من بوتقة سردية ملتهبةّ!. وقد انتبهت ، بعد ثلاث قراءات في حجمها المحدد والمحدود اصلا باثنتي عشرة صفحة بانني ازاء ما يسمونه بالنقد والدراسات ( القصة القصيرة الطويلة) او هي تكاد تمثل (رواية قصيرة ) في احسن التعريفات !.
اربعة موجهات خارجية تكفي!
اكتفى الكاتب والقاص سلام القريتي بالتركيز على اربعة موجهات خارجية لتكون عونا للمتلقي في سعيه للنفاذ الى معنى النص وهي: العنوان / المقدمة / اسم الكاتب/ التاريخ ، اما بقية الموجهات فقد تركها عامدا اما لعدم الحاجة اليها او حتى يطبع نصه في كتاب مستقل ، ولو اننا قد تناولنا هذه الموجهات سراعا سنقول ان العنوان يحمل مفتاح النص لفهمه وايضاح لغائيته الكتابية كما انه يفضح يشكل ” مقروء” الطرف الاخر واساليبه القمعية والاقصائية ، ولقد احسن الكاتب حين وضع العنوان من مفردة واحدة هي ( افتراس) وتشرحها مصادر العلم واللغة بقولها (( الافتراس هو – وفقًا لتعريف علماء البيئة – تفاعل بيولوجي بين كائنين، حيث يقوم أحدهما وهو المفترس – الضاري أو الكاسر أو الجارح أو الكائن الذي يصطاد- بالاقتيات على كائن أو عدد من الكائنات الحية الأخرى التي تُعرف باسم الفريسة – الطريدة أو الكائن الذي ييُصاد- ويزداد العجب حين تضيف المصادر ذاتها (يظهر بأن الافتراس أصبح إحد أساليب الاقتيات منذ ما يقارب 550 مليون سنة..) وهذا الشرح العلمي واللغوي يجلي المعنى المباشر الذي اراد القريني توصيله عبر نصه هذا كما ان الاتيان بعنوان ذي مفردة واحدة منكرة وغير معرفة يعني استمرار هذه الظاهرة الوحشية وبقائها مدورة – باشكال مختلفة – في حياتنا الحاضرة والقادمة !.
اما المقدمة التي اختارها سلام القريني ونشرها كتهيئة للنص فهي تنبئ بسؤال غير بريئ ويسير على من يقرأ ” جاء في مقدمة كتاب ملحمة كلكامش للعلامة طه باقر من ان الانسان قضى القسم الاعظم من حياته في اطوار التوحش والهمجية , والتي سميت بعصور ما قبل التاريخ والتي استغرقت اكثر من 99% من حياة الانسان والتي تقدر بنحو مليوني عام
ترى هل انتقل الانسان في العراق الى طور الحضارة الناضجة بعد سلسلة من الاكتشافات الى حياة التحضر والمدنية بعد كل تلك السنين ؟ ” واكيد ان الذي يقرا النص – وحتى قبل اكماله –سيصرخ من شدة الحزن واللوعة ولهيب الذاكرة بنفي حصول مثل هذا التحضر ولم يزل الانسان بانتظاره !، وقد حرص القريني على انهاء نصه بتاريخ محدد هو ” انتهت 18 /اب / 2016
فهل كان لهذا التاريخ مغزى معينا حتى يكمل السارد ما بدأه من الاحداث والفجائع او تتوقف عنده في الاقل ؟ ثم هل ان ثمة صلة تجمع هذا التاريخ بالفقرة السابقة التي ذكرناها ؟!.
اختزال المحور الرئيس
لئن جدد الكاتب مرحلة التهجير القسري (1980-1981 ) مهادا زمنيا تنطلق منها احداث روايته القصيرة وقد عانى من سوءاتها والامها الوف العراقيين فانه مر مرورا عابرا على هذه الماساة الاجتماعية واكتغى باختيار عائلة (ام كاظم) نموذجا واحدا من العوائل المهجرة التي كابدت الكثير بسبب “مذهبيتها” ولكن الملاحظ ان القريني ما زال اسيرا لفكرة القصة القصيرة وضرورة التكثيف واختزال الاحداث بل وتكديس الوقائع والشخصيات وعدم ايلاء الاهتمام الكافي للوصف والحوار والمكان مع ان” الرواية” تتيح مجالا واسعا للروي والتفاصيل السردية التي تغني الحدث وتثريه ، كل هذا يعني تسرعا وتفضيلا للنهاية السوداء التي ارى انها كانت حاضرة منذ البدء بل اقول لكم ان هذه الرواية الفصيرة جاءت معكوسة اذ انبات بدايتها الكامدة بتلك ” النهاية الفاجعة”!.
عموما يمكن القول ان من الجلي ان هناك تغيرا واضحا قد طرا على الاحداث وطريقة عرضها وتقطيعها بين الماضي وزمن السرد واضاءة بعضها ورفعها من العتمة التي غامت فيها طويلا و كل هذا جلب لها الوضوح المطلوب ولكنه لم ينقذها من جريرة “التبسيط” وفخاخ العجلة فكل حدث كبير يحتاج قطعا الى سرد ناضج وقادر على نقل الضورة المسرودة الى الاحساس الداخلي للمتلقي ( قارئا او مستمعا) ويؤثر فيه حتى يكون مثل هزة توقظه من غفلته وتجعله في مواجهة مباشرة مع ما ضاع منه او يتفجع من خلاله ّ!، ثم هل لي ان اطمح من القريني ان بعالج سرديا هذه الفكرة للمرة الثالثة (بعد ان يزاوج الواقع المخيلة) وهذا يحدث للمرة الاول بفن السرد!.