العلامة الراحل د. يحيى الجبوري: عطاء العلماء يبدأ في الثمانين
شخصية سبرت أغوار المخطوطات العربية ورحلت معها صوب الماضي البعيد. الدكتور يحيى وهيب الجبوري أستاذ الأدب الجاهلي في عدة جامعات عربية بدأها بجامعة بغداد وجامعة قطر وليبيا وأل البيت وإربد الأهلية بالأردن، كتب وألف وحقق عشرات الكتب منذ مطلع ستينيات القرن الماضي وإلى اليوم، نشير إلى بعضها: العباس بن مرداس السلمي، وشعر عمر بن أذينة، وشعر عبدة بن الطبيب، وشعر عبدالله بن الزبعري، ونشر قصائد جاهلية نادرة، والشعر الجاهلي خصائصه وفنونه، وكتاب المحن، ومنهج البحث وتحقيق النصوص، والشعر الإسلامي والأموي، وبيت الحكمة ودور العلم في الحضارة الإسلامية، والحنين والغربة في الشعر العربي، والكتاب في الحضارة العربية، والخط والكتابة في الحضارة العربية، ومع المخطوطات العربية، وغيرها الكثير…
عبد المجيد عبدالحميد
الدكتور يحيى الجبوري المولود في بغداد، بلغ الآن العقد السابع لكن ما زال عطاؤه مستمراً في التأليف أو الإشراف الجامعي. وخلال رحلته الطويلة مع الكتب والمخطوطات يحدثنا وهو الذي عاصر باحثاً ومنقباً عن لآلئ وجواهر تراثنا العربي عن أعلام بلغوا الثمانين ولكنهم لم يكلوا أو يملوا أو ينقطعوا عن حرفة الكتابة بل كتبوا وأتحفوا المكتبة العربية بفيض من المصنفات البديعة.
في ما يلي حوار مع الدكتور الجبوري عن المصنّفين في التراث العربي ومصنّفاتهم:
? خلال عملك في التحقيق والتأليف مبكراً، ما الذي لفت نظرك عند المُصنفين العرب القدامى أو المحدثين؟
? شاع بين الناس ـ وما أكثر الأخطاء الشائعة ـ أن سنّ السبعين هي سنّ الشيخوخة والتقاعد والكسل واليأس، فما بالُك بالثمانين والتسعين، وقد يكون هذا صحيحاً لدى الفئات التي لا تعنى بالعلم والتفكير والثقافة، أما فئة العلماء فسنّ السبعين هي سنّ النضج والكمال الفكري والعطاء الناضج الغزير. وجلّ ما قدمه العلماء المشهورون في الحضارة العربية الإسلامية وغيرهم من حضارات الأمم الأخرى كان في سنّ الكمال والنضج وهي سنّ السبعين، وقد تمتد إلى الثمانين والتسعين.
? هل من شواهد لما تقول؟
? عرفت في بعض الجامعات العربية، وأكثر الأوروبية أساتذة بلغوا السبعين والثمانين وما زالوا في الجامعات متفرغين للبحث والإشراف على الرسائل الجامعية ويُستشارون في القضايا العلمية وهم في مكاتبهم، ويبقون أعضاء في المجالس، وقد شهدت في جامعة كمبريدج أساتذة بلغوا الثمانين أو التسعين وهم في مكاتبهم ويناقشون الرسائل الجامعية أو يشرفون عليها، كما عرفت في الجامعات المصرية من أساتذتي الذين بلغوا الثمانين أو يزيد يعتبرون أساتذة غير متفرغين ويشرفون على الرسائل، ويُكرّم الأستاذ بأن يذهب طلاب الدكتوراه إلى بيته لتلقي الدرس دون أن يُكلف هو بالذهاب إلى مكتبه في الجامعة.
? هل ثمة شواهد للمُصنفين العرب الذين أبدعوا في الثمانين؟
? سأبدأ بعلماء حضارتنا العربية القدامى المبدعين وهم في عقدهم الثامن الذين قدموا العطاء الوفير في اللغة والأدب والعلم والحضارة، فنجد منهم مَن جاوز الثمانين إلى التسعين أو أكثر، وكان أكثر مؤلفاته الرائعة قد أنجزت بعد السبعين، ومن هؤلاء الأفذاذ الذين وقفت عليهم من خلال قراءاتي وقد جاوزوا الثمانين: الجاحِظ الذي توفي وعمره اثنان وثمانون سنة (163 ـ 255هـ) وأنجز في هذا العُمر الحافل أربعين مُؤلَفاً بين كتاب ورسالة، وابن الجوزي، وقد قارب التسعين (508 ـ 597هـ)، وقد بلغت مؤلفاته المئات، وقيل ستمائة وصل منها خمسون كتاباً، والمؤرخ الطبري الذي بلغ السادسة والثمانين (224 ـ 310هـ) وأنجز روائع يكفي أن نذكر منها “تاريخ الأمم والملوك” في أحد عشر مجلداً، وأبو العلاء المعري الذي بلغ السادسة والثمانين (363 ـ 449هـ) وخلف سبعة عشر كتاباً، غير الدواوين الشعرية، والإمام مالك بن أنس “رضي الله عنه” الذي بلغ السادسة والثمانين (93 ـ 179هـ) وألف المُوطأ، وهناك الفارابي الفيلسوف المعروف الذي بلغ الثمانين (261 ـ 339هـ) وقد عُرِف بعلمه وفلسفته، وكان يُسمى المعلم الثاني بعد أرسطو، ألف أربعة عشر كتاباً.
? وغيرهم من علماء الحضارة العربية؟
? الحديث يطول عن المعمرين ممن بلغوا الثمانين، اثروا الفكر بمؤلفاتهم، أما مَن بلغ الخامسة والسبعين وجاوزها فهم كُثْر، فمنهم: الإمام احمد بن حنبل الذي بلغ السابعة والسبعين (164 ـ 241هـ) وله من الكتب عشر مجلدات، والمُبرِّد الذي بلغ السادسة والسبعين (210 ـ 286هـ) صاحب الكامل، وابن خلدون صاحب المقدمة، بلغ السادسة والسبعين (732 ـ 808هـ) وابن الأثير المؤرخ صاحب “الكامل في التاريخ” الذي بلغ الخامسة والسبعين (555 ـ 630هـ).
? ماذا عن العلماء الذين أنجزوا إبداعاتهم وهم في الثمانين من الأحياء؟
? إنّ من بلغ السبعين وأثرى الفكر العربي الإسلامي فأكثر مما يحيط بهم حصر. هذا من علماء التراث أما من علماء العصر الحديث الذين اثروا الفكر وكان عطاؤهم مميزاً بعد أن بلغوا الثمانين أو جاوزوها، فأكثر من أن يُحاط بهم، نذكر بعضهم على سبيل الذكر لا الحصر، ولا نذكر الأحياء هنا فهم كُثْر مدّ الله في أعمارهم مثل الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، وصلاح الدين المنجد، وعبدالهادي التازي، وفؤاد سزكين، وناصر الدين الأسد، وشاكر الفحّام، ومازن المبارك.
? نعود إلى إبداع علماء الثمانيين وأكثر في الأدب والثقافة؟
? الأستاذ الشيخ أحمد عبيد من علماء الشام النادرين بلغ السابعة والتسعين (1892 ـ 1989م) وله كتب كثيرة في إحياء التراث العربي تحقيقاً وتأليفاً، والأستاذ الشيخ محمّد بهجت الأثري الذي بلغ الرابعة والتسعين (1904 ـ 1996م) ومؤلفاته كثيرة تزيد عن الأربعة عشر كتاباً غير الأبحاث المنشورة في المجلات، والأستاذ إبراهيم الأبياري الذي بلغ الثانية والتسعين (1902 ـ 1994م)، وهو مِن أعلام المحققين بمصر، وله من الكتب أكثر من ستة عشر كتاباً وجُلها مُجلدات.
? وهل هناك أسماء أعلام أُخَر أبدعوا في عقدهم الثامنة ويزيد؟
? نعم هناك من علماء العربية وسدنة التراث مَن جاوز الثمانين أذكر منهم: الأستاذ الشيخ محمود محمد شاكر الذي بلغ الثامنة والثمانين (1909 ـ 1997م) الذي زادت مؤلفاته عن الخمسة عشر كتاباً، والأستاذ سعيد الأفغاني من علماء دمشق الذي بلغ الثامنة والثمانين (1909 ـ 1997م) وألف وحقق أكثر من اثني عشر كتاباً، والأستاذ محمّد فؤاد عبدالباقي الذي بلغ السادسة والثمانين (1882 ـ 1968م) وبلغت مؤلفاته أكثر من خمسة عشر كتاباً، ومن دُرر أعماله “المُعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم، والمُعجم المُفهرس لألفاظ الحديث النبوي”، والأستاذ الدكتورة عائشة عبدالرحمن “بنت الشاطئ” التي بلغت السادسة والثمانين (1912 ـ 1998م) وزادت مؤلفاته عن خمسة عشر مُؤلفاً، والأستاذ الباحث العراقي كوركيس عواد الذي بلغ الرابعة والثمانين (1908 ـ 1992م)، وقد ألف أكثر من عشرين كتاباً في الأدب والتاريخ والحضارة، والدكتور طه حسين الذي بلغ الرابعة والثمانين (1889 ـ 1973م) وخلف تراثاً كبيراً في الأدب والنقد والسيرة والتاريخ، والأستاذ أحمد فارس الشدياق العلامة اللبناني الذي بلغ الثالثة والثمانين (1804 ـ 1887م) وألف عشرة كتب كبار في اللغة والأدب بالإضافة إلى ديوان شعر كبير، والأستاذ خير الدين الزركلي الدمشقي الذي بلغ الثالثة والثمانين (1893 ـ 1976م) وألف في التراجم والرحلات، ويكفي أن يكون له كتابه الكبير”الأعلام” في ثماني مجلدات، والباحث الأديب والمؤرخ حبيب الزيات الدمشقي الذي بلغ الثالثة والثمانين (1871 ـ 1954م) وقد ألف أكثر من الربعة عشر كتاباً غير المقالات التي نشرها في المجلات، والأستاذ أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة المصرية الذي بلغ الثالثة والثمانين (1885 ـ 1968م)، وله مجموعة من الكتب، ومقالات في مجلته الأدبية.
*عن جريدة الاتحاد