طالب فراس : سوزي

في سوق البالات وقف هيمن ينادي بأعلى صوته (تخفيضات…الحاجه بربع( … في أقصى سوق البالات مكومةً بضاعته على الأرض ، لم يكن غريباً على السوق ، حفظ تفاصيل حياة طويلة في البيع و الشراء ، من أول سنة وصلت فيها البالات الى السوق يدفعه حلم واحد ، أن يكون له بيت وزوجة ، لكن الأسباب عديدة كان عمله لا يعود عليه بموفور الرزق ، كافح من أجل الحصول على المال بطرق و دوافع شتى ، تأجل مشروع زواجه من سيوجل ثلاث سنين أو اكثر ، وكانت سيوجل تعمل أحياناً في الحقول بمواسم الزراعة.
قرر هيمن أن يتزوج ، فالعمر قصير و سيوجل تنتظره ، صحيح أنه لا يستطيع دفع المهر ، إلا أنه استدان واشترى بعض الحلى الرخيصة ،كان يكفي أن ينظر الى سيوجل ليتجاوز إحساسه بالضائقة المالية ، حيث فرص العمل قليلة جعلت الشباب يتسكع دون هدف ، ولكي ينجو من تلك الحياة أتخذ قراره ، وعمل حفلة عرس رائعة فليس هناك معنى لتأجيل البهجة .
استأجر هيمن منزلاً صغيراً مكوناً من هول وغرفة واحدة ومطبخ وحمام ، لا يبعد البيت عن سوق البالات ولم يكن يهم أن يكون باب البيت ضيقاً ، فلم يكن البيت في نظره سيئاً ، وقد احبت سيوجل هذا البيت ايضاً.
استحوذت ولادة طفلتهما سوزان على حبهما…ينادونها سوزي ، وكما يبدو إنهما يسعيان لاختيار نمط حياة جديدة ، وباستثناء اختيارهم للأسماء والملابس الضيقة التي كانت سائدة ، إلا انهما لم يتخلصا من عاداتهم السيئة في الغش والمراوغة وافتقارهم الى الخيال ، والتي تؤكد بمجملها حجم الصورة المأساوية التي تجعلهما يضحيان بكل شيء من أجل المال ، كما كانت عليه الحال عند أغلب باعة البسطيات في السوق ، ظلَ هيمن و سيوجل يتطلعان الى اليوم الذي يملكان فيه بيتاً ومحلاً لبيع بضاعتهم.
توقفت سيوجل عن العمل بعد أن ولدت هيوا ، و ريبوار . استقرت في البيت ترعى شؤون البيت والاطفال لكنها ظلت تحاول أن تلاحق صرعات الموضة من قطع البالة التي يختارها زوجها ، وفي بعض الاحيان تذهب الى السوق لشراء ما يُطُّري بشرتها قبل أن تتعفن وتزداد سمرة وجهها.
قُتل هيمن في انفجار السيارة المفخخة قرب سوق البالات . مات بعد الانفجار بيومين ، بعدما تسبب الانفجار بتمزيق أحشائه .
لم تجد سيوجل فرصة لمواجهة حياتها وكانت ذكرى حادثة قتل هيمن سبب في خلق حياة خالية من الشعور . وفي حقيقة الأمر ان سيوجل كانت تعيش في بيتها ، وقد أصيب عقلها بالاضطراب. مدفوعة بالخشية من قسوة حياتها خرجت للبحث عن عمل ، وكانت تتجنب سوق البالات خوف أن تهيج فيها آلام الذكرى التي بدأت تتلاشى مع ازدياد قسوة حياتها .
عادت الى بيتها ولم تعرف ما تفعله سوى العودة الى البيت ، لكن لابد لها أن تخرج الى السوق لتجلب لأطفالها ما يسد حاجتهم. اصبحت سوزي في الثانية عشرة. ارادت أن تشارك أمها في الخروج الى السوق للعمل مع أمها . وتكهنت نشوة الفرح التي تغمر روح أمها. تنام سيوجل ولم تكن تستطيع أن تفكر في أي عمل يكون في قدرتها أن تقوم به . تسولت أول الأمر بعض الحاجات من جيرانها ، وكانت ترسل سوزان للتسول من بيوت محلتها .كل يوم تلبس سيوجل عبائتها وتخرج الى السوق دون أن تقرر الاتجاه الذي تسلكه. هناك شباب يتسكعون في الاسواق توسلت إليهم أن يمنحوها بعض المال ، سخر البعض منها وتحرش بها آخرون . تبعت سيوجل الرجال الذين تعتقد أنهم يمتلكون المال . شاب يرفع شعره كعرف الديك وعدها أن يعطيها ورقة إن هي طاوعته . نظرت إليه وهي لا تدري ماذا تفعل . لم تدرِ كم مرَّ عليها من الوقت قبل أن تدعوه الى أن يلحق بها . اجتازا فوضى سوق البالات ، وبرغم أنه تبعها دون تردد إلا أنه كان يقدم خطوة ويؤخر أخرى . أشعل سيجارة يدفعه شعور بالقلق خوف الخديعة ،فتحت باب البيت ، ووقفت في فتحة الباب الضيقة . أغلقت الباب خلفه ، وكانت سوزي تشاهد التلفزيون تلبس بنطلوناً قصيراً بجسدها الممتلئ ، وقد نفر ثدياها الصغيران تحت قميصها الضيق . جلس عند قدمي سوزي ، ورجته أن لا يتحرش بها إلا إنه أصرَّ على سوزي التي جلست لا تفقه ما يدور حولها . كانت سيوجل تحاول أن تثنيه عن قصده .مد يده في جيبه وأخرج مئة دولار .وقفت سيوجل مبهوتة وقد رأته يمد يده اليها .مدت يدها بهدوء شديد ، خرجت بعد أن صفقت الباب ورائها دون أن تضيع لحظة واحدة متجهة الى السوق . أشترت كلما كانت تفكر به وعادت الى البيت ، ولم تعرف ما تفعله سوى العودة الى البيت . هيوا وريبوار يلعبان قرب باب البيت . اتجهت الى الغرفة الوحيدة ، كانت سوزي ممددة على الفراش ، وغطت نصفها الأسفل ببطانية عتيقة . اخرجت من الكيس برتقالة و موزة ووضعتهما الى جانب رأس سوزي ، وذهبت الى المطبخ .أخرجت اللحم والخضار والخبز .عجلت رائحة اللحم المطبوخ بالبهارات الى نسيان الأشياء المحزنة والمفجعة أحياناً رغم طعم العلقم ، ذلك الذي لم تكف عن الإحساس به وهي تملأ الصحون باللحم والمرق.

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| محمد الدرقاوي : كنت أفر من أبي .

 هي  لا تعرف لها  أبا ولا أما ،فمذ رأت النور وهي  لا تجد أمامها  غيرهذا …

حــصــــرياً بـمـوقـعــنــــا
| كريم عبدالله : وحقّك ما مسَّ قلبي عشقٌ كعشقك .

كلَّ أبواب الحبِّ مغلّقة تتزينُ بظلامها تُفضي إلى السراب إلّا باب عشقك مفتوحٌ يقودني إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *