( الشـــــاعر ابو العــــــلاء المعــــري )
الشاعر الفيلسوف
بقلم : فالح الكيـــــلاني
.
هو ابو العلاء احمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي ولد في معرة النعمان احدى مدن سورية عام\ 363 هجرية في بيت عز وشرف وغنى ومحتمد عربي اصيل الا انه اصيب بمرض (الجدري ) في الثالثة من عمره فافقده البصر وعاش طيلة حياته في ليل طويل.
تعلم ابو العلاء على يد والده فنشأ رغم عماه ذكي الفؤاد مرهف الحس متوقد الذاكرة وقد قا ل الشعر في عمر الطفولة وقد توفي والده في صباه وعمره اربعة عشرة سنة تاركا لولده الاعمى ثروة طائلة واكتنفته امه وسهرت على تعليمه وقد تنقل في طلب العلم بين معرة النعمان مسكنه واللاذقية وحلب وطرابس وبغداد لمواكبة دراسته وكانت انــــذاك قبلة الأدباء وموئل الشعراء وبقى فيها ردحا من الزمن متنقلا بين مجالس الادباء والشعراء ونواديهم وقد اجلوه واحترموه بما يليق بمكانته وفي بغداد انكب على دراسة الادب والفلسفة والعلوم العربية والحكمة ولم يترك علما من العلوم أو الآداب الا وخاض غماره وتولاه بالدرس والتحليل ولما عاد الى المعرة عاد بحرا من العلوم والاداب والفلسفة ساعده حدة ذكائه وحفظه المفرط وسمو وعزة نفسه الابيةعلى ذلك .
وهو في بغداد علم ان والدته مريضة فهجر بغداد مكرها وسافر الى المعـــــــــــرة لاستطلاع الأمر الا انه فوجئ بخبر وفاتها ولما يصل اليها وعند وصوله انقطع الى نفسه وانعزل عن الناس وعاش منفردا وحرم على نفسه الاختلاط بالناس حتى انه عبر عن حالته في شعره يقو ل:-
اراني في الثلاثة من سجوني
فلا تسال عـــــن الخبر النبيـــث
فقدي ناظري ولزوم بيتــــــي
وكون النفس في الجسم الخبيث
كان طلبة العلم يتوافدون عليه وهو قابع في بيته فينهلون من معين صاف لاينضب وبحر غزيرواسع المعرفة وقد حرم اكــــــل اللحوم على نفسه حتى قيل انه لا ياكل امام احد من الناس فكان خادمه يضع له الطعام في غرفـة معزولة ثم يتوارى عنه كما انه لم يتزوج ابدا قال:-
هذا ما جناه علي ابي وما جنيت على احد
توفي ابو العلاء بعد اصابته بمرض خطيراودى بحياته بعد ثلاثة ايام من اصابته به وذلك سنة \ 449 هجرية بعد عمر ناهز 86 سنة قضاها في محبسه في ظلمة الحياة لقد صب ابو العلاء جام سخطه على الحياة وحدجها بنظرة ماساوية شـــــــــــــــــزراء تشاؤمية فهو يراها مفعمة بالشروالكدر بل كلها شر وما الخير فيها الا كزهرة تقطع فتذوى وتذبل وتنضوي بل عدها ضلالـــــة وجهالة وما هي الا مكر وحذاع وما تظاهر الناس بها الا رياء اوما يتدينون عن تعقل وروية وهو المفكر الفاحص بل يعتبره تقليد ابائهم كما فعل الجاهليون كما يرى ان الدين سبب العداوة بين الخلق ومصدر العداوة والشقاق بينهم يقول:-
ان الشرائع القت ببننا احنا وعلمتنا افانيـــــن العداوات
لكن الشاعر وهو الزاهد في الحياة المتفر بها غير ملحد كما تصور . انه مؤمن بربه كل الايمان لكنه يعيد كل الامــــــور على العقل فما قبله العقل وعقله واطمان به قبله وارتضاه وسار عليه فالعقل عنده المرجع والامام لذا فهو مؤمن بوحدانية الله تعالى :
توحد فان الله ربك واحد ولا ترغبن في عشرة الرؤساء
اساء المعرى الظن بالناس الى شاوى بعيد ونزع الثقة منهم وسخط على الحياة كان يرى الانسا ن المثالي الحر العقل والكريم في هذه الحياة غريب عن هذه الدنيا ولا مكان له فيها لذلك انزوى عن العالمين .
وابو العلاء فيلسوف شاعر فلسف الحياة في لزومياته وقد استقى اراءه وافكاره التي غذاها من انبع مناهل العلم واغزرها في الادب والحكمة والفلسفة والعقائد وظهــر كل ذلك في قريضه بنظم بديع وكلام متين بليغ .فشعر ابي العلاء بعد هذا وذاك قوي متين شديد الروعة فهو شاعر فنان فيلسوف اديب حجته بالغة عارف باصالة الفن وروائعه يمزج الفكر بالخيال والفلسفة بالحكمة واسع الادراك والفهــــــــم فياض المعاني في نظم بديع وشعر بليغ وقافية متينة نظم شعره على قافية معتمدا حرفين او ثلاثة حين الحرف الواحد يكفي انظر اليه يقول:-
سر أن استطعت في الهــواء
رويدا لا اختيال على رفاة العبـــاد
رب لحد صار لحدا مـــرارا
ضاحك من تزاحم الاضـــــــــــداد
ودفين على بقايا دفيــــــــــــن
من طويل الازمان والابــــــــــــاد
وضجعة الموت رقدة يستريح
الجسم فيها والعيش متل السهاد
وهذه سمة لم يسبقه الشعراءاليها ولم يات احد بعده عليها فكان المعري كأنه يلهي نفسه بها في وحشته وانعزاليته ومن حيث اللفظ فهو كثير غريب اللغة ووحشي اللفظ حتى ان المتتبع لشعره بحاجة الى معجم لمعرفة معانيه ومقاصده وليــــس هذا بغريب على شاعر مثل المعرى الواسع الذكاء العارف بخفايا العربية واسرارها ومعانيها واساليبها وبلاغتها خاصة وانــــه عاصر عهدا وصلت العربية فيه الى ارقى اللغات واسماها اضف ان قصائده تطغى عليها قوة بلاغية جناسية في اكثر الاحــــــــــــــوال :
وجدت الناس في هرج ومرج
غواة بين معتز ل و مــــرج
فشان ملوكهم غرف ونــــزف
واصحاب الامور جبا ة خرج
فاللزوميات فلسفة الحياة ومبادىء الاخلاق تتجلى فيها اساليب نقد وسخرية هذا الشاعر من الحياة ومن الناس بدعابة في جد يكشف اغوار النفس الانسانية واسرارها في شعر بليغ لم يات بمثله الذين سبقوه والذين جائوا من بعده يقول:-
جهلنا فلم نعلم على الحرص مـا
الذي يراد بنا والعلم لله ذي المـــــن
اذا غيب المرء استسر حديثـــــه
لم تخبر الافكار عنه بما يغنــــــي
تضل العقول الهبرزيات رشدها
ولـم يسلم الراى القوي من الافــــن
طلبت يقينا من جهينة عنهـــــم
ولم تخبريبي ياجهين سوى الظن
فان تعهديني لا ازال مســـائلا
في لم اعط الصحيح فاستغنــــــــي
ابوالعلاء غير متطير لكنه متشائم شديد التشاؤم لايرى في هذه الدنيا الا شرا مستطيرا لايستطيع دفعه ولا يامل بازالته او تحسينه لذلك يتظر الدنيا بمنظارة سوداوية حالكة يقول:-
وهل لحق التثريب سكان يثرب
من الناس لابل في الرجال غباء
اوقوله:-
أراني في الكرى رجل كأنــــي
من الذهب اتخذت غشاء راسي
قلنسوة خصصت بها نضــــارا
كهرمز اوكملك اولى خراســـي
فقلت معبرا ذهب ذهابــــــــــــي
وتلك نباهة في انـــــــــــدراس
اقمت وكان بعض الحزم يومـــا
لركب السفن ان تلفي الرواســي
اسمع قوله في نفي التطير :-
وما اسر لتعشير الغــــــراب اسى
ولا ابكي خليطا حل تعشــــــارا
ولا توهمت انثى الانجـــــم امــراة
ولا ظننت سهيلا كان عشتارا
بقي ان نقول ان الشاعر الكبير ابو العلاء المعري شاعر الحياة وفيلسوفها ترك وراءه جملة من الكتب والمؤلفات إضافة إلــى اللزوميات وسقط الزند في الشعر تربو على الثمانين مؤلفا . في مكتبتي منها رسالة الغفران ورسالة الصاهل والشاحج ومنها رسالة الملائكة وذكرى حبيب و الأيك والغصون وعبث الوليد ومعجز احمد والفصول والغابات وغيرها .
رحم الله شاعر العربية وفيلسوفها الكبير
اميـــر البيــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العــــراق – ديـــالى – بلـــــد روز
**********************