الأبعاد اللفظية والبصرية
في نصوص الشاعرة العراقية
منتهى عمران
كتابة : علاء حمد – العراق
مازق وياسمين :
هي المجموعة الشعرية الثانية للشاعرة العراقية منتهى عمران.. ومن العنونة التي حضنت المتن ومجاوراته، فقد دلّت العنونة على مباهج ممزقة في بلاد مابين قهرين، ومن هنا ندخل إلى العلاقة السيميوطيقية للعنونة، والتي تحوي على معادلتها كلغة، وتحوي على موضوع فعلي كخطاب. ونستطيع أن نقسم ذلك مابين المدلول كجملة، وبين الدال الأول الذي نقدره للجملة الإسمية، والتي تصدرت المجموعة بكاملها، فالعلامة هنا علامة تامة احتوتها العنونة، وهي تجمع المرسِل والمرسَل إليه، والمرسلة.. وعندما نميل إلى مفهوم النصّ، فهي وحدة لسانية قائمة بحالها، وكذلك حالة النصوص، كمجموعة متراصة ظهرت للمتلقي؛ ومن خلال الظهور والمفاهيم التي نعتمدها، هناك تجاوزات وتحوّلات من اللسانيات إلى العلامات، لذلك عندما يتجاوز النصّ الملفوظ يتحول إلى الحالة البصرية وأبعادها التي سوف تخدمنا في هذا المضمار، وقد أكدت جوليا كريستيفا ( J. Kristeva )، في بحثها علم العلامات الأدبي حول ذلك..
نصوص الشاعرة العراقية منتهى عمران، تقودنا إلى أنواعية في فلسفة الدهشة، وهذا ماظهر لنا من خلال تدارس النصوص والغوص بين غاباتها، ومنها دهشة نظرة الطائر، والدهشة الفلاشية؛ وذلك من خلال التصوير الذاتي الذي يتجاوب مع حركة المتخيل في إيجاد نزهة للشاعرة وقيمة الدال والمدلول لترسيخ الدلالات التي تشكل كجدول فعال لسقي الأراضي الصالحة للإرواء.. فإن المنظور الشعري، والذي يقودنا إلى معاني بين الأنا الفاعلة في النصوص والتي تغيّرت من المنحى الخارجي إلى المنحى الداخلي، وبين الابعاد اللفظية والبصرية، شكل أبعادا إضافية، فالحركة هنا حول إيجاد الذات العاملة غير المستقرة، فهي تأخذ بالارتفاع والهبوط، وهنا تجتمع عناصر الذات ولكنها تتغير وتبتعد عن الاستقرار، فالاستقرار يعني القضاء على حركة الذات التي تقودنا إلى القصائدية ..
سنذهب إلى ثلاثة اتجاهات مع نصوص الشاعرة العراقية منتهى عمران. وتشكل هذه الاتجاهات كمعرفة بنائية مابين المنتَج للنصّ ومخيلة الشاعرة التي سعت بأن تكون النصوص كمقاربات أولية مابينها وبين المتلقي، من خلال قراءة البيئة التي تحيط بها، وهي تميل إلى أقرب الحالات البيئية، لترسم عبر نصوصها القيمة الجمالية وتواصلها الذاتي من خلال المعاني والمنظور الشعري.. ومن هذه الاتجاهات:
اللفظ والمعنى
التلقي البصري للنصّ
أبستيمولوجيا النص

بما أنه العنونة تحمل حمولة دلالية، فهذا يعني لها علاقة مع المتن، ونحن نبحر بشكل إيضاح العلاقات النصية والتي تهمّ الشعرية كعمل فعّال نحو الأثر الفني في كلّ نص رسمته الشاعرة، خصوصا أن الشاعرة منتهى عمران تضع زهور الياسمين على الغلاف، ولكنها لاتشير إلى المأزق، فالعابر إليها؛ مأزق، وماخلف الستائر .. مأزق، والحياة التي تحوي البياض ( غلاف المجموعة ) فهي مأزق.. فإنها مقاربة فعالة لكي ندخل إلى تلك النصوص التي تعوم مع المأزق والياسمين؛ فعندما تكون النصوص بصيغة فعّالة مع بعضها فهذا يدلّ أنّ النصوص تقاربت من ذاتية الشاعرة وهي تؤسس لنا مزرعتها النصية مع العتبات، فعندما نكون مع العتبة الأولى ( مأزق وياسمين) فهناك العتبة الثانية والثالثة في دواخل النصوص الشعرية والتي لها الشأن النظامي بتقييد كلّ نصّ خارج المأزق الفني، فمأزق الشاعرة يؤدي إلى معنى حياتي، وخصوصا أنها ابنة البصرة، ثغر العراق الباسم..
تهدم بيتنا الصغير
وتشاهقت على أرضه
عمارة
لايبقى شاخصا
إلا قصر الملك
ومعبد الإله
وتماثيل مثلومة
وربما قصيدة
سأكتبها نيابة عنك
من قصيدة: أبي – ص 9 – مأزق وياسمين
لقد تمّ الانتقال من المعرفية إلى المحسوس الذاتي والشعور؛ وهذه الحالة معكسوة تماما، فعادة الشعراء ينتقلون من المحسوس الذاتي إلى المعرفية، ولكن الألم الفلاش باكي التذكري قد سيطر على تلك المعرفة، فتجاوزتها الشاعرة منتهى عمران، فهناك الأقرب والأهم :
تهدم بيتنا الصغير + وتشاهقت على أرضه + عمارة + لايبقى شاخصا + إلا قصر الملك + ومعبد الإله + وتماثيل مثلومة + وربما قصيدة + سأكتبها نيابة عنك
بسبب بعض التجارب التي يتلقاها الباث عادة، نلاحظ ميوله نحو محدودية الأنواع في العالم، لذلك فعندما تطرقت الشاعرة إلى البيت، فهناك مجوارات لهذا المنظور، ومن مجاوراتهـا ترسيخ المعنى بسبب الاستعارة البصرية، فالمشهد القديم على صيغة بيت صغير، والمشهد الجديد: ( تشاهقت على أرضه / عمارة ).. لو أخذنا جملة : تهدم بيتنا.. فهذا يعني أن البيت تحول من صيغة إلى أخرى؛ والصيغة الجديدة، هي حركة الفعل الانتقالية من وإلى، وهنا نميل إلى حركة سلبية خارج بناء البيت، فالحدث الشعري يقودنا إلى حالة بصرية من خلال منطقة الفلاش باك في ذهنية الشاعرة.. وبينما تقودنا الشاعرى إلى حالات استدلالية من خلال اللفظ والمعنى، فالفعل الحركي له الأثر بالتأكيد حول هذه الحالة:
تشاهقت على أرضه + عمارة = قصر الملك – لايزول –
فعندما نقول البيت، القابل للإزالة، فهناك البيت غير القابل للإزالة، ومن هنا لذة الألم البصرية من خلال المشهد الشعري المقاد، فنذهب من خلاله..
اللفظ والمعنى
إن قيمة اللفظ والمعنى لها علاقة مع القيمة الفلسفية ومدى ربطهما من خلال التصوير البصري أيضا، لذلك فالصورة الشعرية تدلنا على قوة الألفاظ وتراكم المعاني، وقراءة المنتج باتجاهات عديدة.. ولو تقصينا موضوع الدال والمدلول، فعندما يرسم شاعر المدلول فليس هناك شيء من النسيان حول الدال في الذهنية، ومكونات الفكرة التي تهمنا من خلال التصوير الذهني والبصري، لها الأثر الفعّال في قيمة اللفظ والمعنى..
تدخلت الألفاظ في نصية النصّ الشعري، وأصبح لها الأثر والفاعلية في فنون النصوص التأسيسية، لذلك ومن خلال الألفاظ تظهر بعض المعاني والتأويلات، وخصوصا أنّ لغتنا العربية لها اتجاهات عديدة في هذا الجانب، ومن خلال اطلاعي على مجموعة الشاعرة العراقية منتهى عمران، تناولت هذا الجانب المهم، والذي له الأثر في تسييس النصّ لدى الشاعرة من خلال الاتكاء على المعاني التي رسمتها في كلّ نصّ من نصوص المجموعة.. فهناك المحسوس الفعال الحاضر، وهناك المحسوس بفعالية فلاش باكية، وتظهر هذه الزمنية من خلال حركة الأفعال الانتقالية والتموضعية والحسية، فالجملة الشعرية لديها تناولت الجانب الحسي الداخلي، ومن خلال هيمنة الذات، استطاعت الشاعرة أن توجد وتعكس بعض الهموم المتعلقة ببيئتها بالذات..
كيف لي
أن أسير صوبك
وقد تخاصمت
قدماي ؟
ماظنك،
لو جئت إلي،
هل يتصالحان؟
من قصيدة: سؤالان – ص 12 – مأزق وياسمين
من خلال المتخيل الذي تحرك في الذات، نلاحظ بأن الشاعرة استطاعت أن تحوّل المألوف إلى اللامألوف، فالمنظور الشعري الذي أمامنا واختلاف لغته، يؤدي إلى هذا الاعتبار.. وهنا نتعتبر النصّ صورة واحدة، تواصلت من خلال المعاني التي وضحت التصوير، لذلك ففعل القول التصويري له قوته ..
كيف لي + أن أسير صوبك + وقد تخاصمت + قدماي ؟ + ماظنك، + لو جئت إلي، + هل يتصالحان؟
إنّ الأقدام لاتتخاصم، ولكن فعل القول المخالف للقول التوضيحي، جعل من اللاممكن ننساق إلى الممكن، لذلك فقد دججت النصّ بأسئلة متواصلة، ويستطيع المتلقي من خلال المرسَلة، أن يضع اسئلة إضافية، وهي إثارة للمعنى الذي اعتمدته الشاعر العراقية منتهى عمران.. وما بين الأنا كضمير ظهر من خلال الفعل ( أسير ) وبين الآخر، توجهت الشاعرة إلى حالة الحضور والغياب، معتبرة الحالة الآنية، حالة ذهنية تعلق بها الدال.
إنّ الصيغة المحورية مربوطة بـ ( بكيف ) مما أثارت سؤالها من خلاله، لذلك أعطت نتائج مشدودة من خلال صيغة النصّ الذي أدى إلى أسئلة ومن خلال آلية العمل وأدوات النصّ..
عندما كنا صغارا
رسمنا وجوها
نحبها
بكلمة ( ملح )
كبرنا،
ذابت الوجوه
وبقي الملح..
من قصيدة: سؤالان – ص 12 – مأزق وياسمين
معظم النصوص محصورة على صيغة تقطيع وموزعة على صفحات متتالية، وهذا يعني أن الشاعرة لم تجعل النصّ ينفتح، بل اعتمدت الانغلاق، بالرغم من المساحات النصية الواسعة التي أمامها، ولكن تبقى تجربة الألفاظ وكيفية الاعتناء بها والعمل على انفتاحها، تجربة محصورة بالشاعرة منتهى عمران بالذات، وهي نفسها الذات التي اشتغلت على هذه النصوص، بينما توسعت نوعا ما بالمعاني التي اعتمدتها، وهذه بشائر لها أريحية لتأسيس النصوص النوعية، والتي عملت جاهدة على توسيع رقعة النصّ، لكي تستطيع أن توجد بعض الأحكام النصية من خلال المعاني..
عندما كنا صغارا + رسمنا وجوها + نحبها + بكلمة ( ملح ) + كبرنا، + ذابت الوجوه + وبقي الملح..
إنّ من مثل هذه اللقطات تؤدي إلى عنصر الدهشة، ولكن هنا منطقة الفلاش باك والتي اقتحمته الشاعرة وهي في حالتين : حالة التذكر.. وقد بانت من خلالها حالة الطفولة، ومثلتها برمزية البراءة، وللملح براءة أيضا، بالرغم من طعمه المالح المرفوض عادة ..
حالة التفكر : ومن خلال النمو الحضوري، وبين الممكن واللاممكن، هنا بان لنا المشهد الناضج، وهي بذهنية واعية رسمت منتجها الشعري، وتتواصل معه من خلال إيجاد معاني لم تطرق سابقا..
كفّ عن النظر إليّ
فعينك المثقوبة
بالعتمة
لاتبصر
بياض قلبي
من قصيدة : خلخال – ص 30 – مأزق وياسمين
قوّة الاختلاف والتي تقودنا إلى دهشوية النصّ، تظهر لنا من خلاله اختلاف الذات أيضا، لذلك لو تقصينا في النصّ وكيفية الاشتغال عليه، فسوف نلاحظ هناك بعض التعيينات اللغوية الطافية والتي لاتختلف عن بعضها في المعنى، وتؤدي من مثل هذه التجربة إلى الاستعانة بقوة ديمومة النصّ، وعند اشباعه بالعواطف التي تظهر بين الحين والآخر، تكون مركزية الحدث حول تلك العواطف، والتي تساوي لنا المشاعر أيضا..
كفّ عن النظر إليّ + فعينك المثقوبة + بالعتمة + لاتبصر + بياض قلبي
هناك تقابلات في المفردات التي اعتمدتها الشاعرة منتهى عمران، فعندما تقابلنا العتمة، فيقابلها الضوء، ولكن ومن خلال الشكل التعييني للغة، استطاعت أن تزيح هذا المعنى التقابلي، فتصبح المعادلة، معادلة استدلالية :
العتمة = بياض القلب .. وعندما ننقاد إلى هذا المفهوم، فهناك عتمة القلب أيضا أي سواده :
سواد القلب ( العتمة ) = بياض القلب، ومن هنا نميل إلى هذه المعادلة التأويلية والتي أرادت منها الشاعرة منتهى عمران، أن تكوّن فعل القول من خلال القول الشعري الواضح.. وهو يقودنا إلى التأويل والاستدلال، لذلك نعتمد على الدلالة الاستدلالية في المعنى الذي اعتمدته الشاعرة..
أيها الصباح
كيف لك أن تتنفّس
كلّ هذا الهراء
ولا تعطس ؟؟
من قصيدة : أيها الصباح – ص 44 – مأزق وياسمين
نلاحظ من خلال هذا النصّ، بأنّ الجملة تعدت على الملفوظ، وذهبت بتواصل جزئي، فنحن لانستطيع أن نقول ( أيها الصباح ) ونسكت، أو نتحول إلى معاني أخرى، بل هناك امتداد لهذه الجملة، وهي امتدادات في المعاني أيضا، مما تمكنا من تجاوزها والوقوف ليس على حدودها، فيتبين لنا محدودية النص ودلالته، لذلك نقف على دلالة النصّ والبنية التي تحكمها ..
أيها الصباح + كيف لك أن تتنفّس + كلّ هذا الهراء + ولا تعطس ؟؟
يظهر لنا من خلال الجمل المركبة والتي أدت إلى كينونة النصّ؛ الخبر الرئيسي، وهو يظهر من خلال المعنى، فعندما نادت الشاعرة منتهى عمران – الصباح -، فلهذه المناداة إجابة، والإجابة كانت هو تواصل المعنى من خلال الجملة الأخيرة والتي مثلت الخبر الرئيسي.. وهكذا تتماشى نصوص الشاعرة العراقية منتهى عمران، بنصوص مقتضبة، وقد تقشفت بلغتها، مما ظهرت قوتها وسهولة تداول معانيها، وهي أسلوب الشاعرة عندما انحازت لهذا المجال لتكوين كينونة الصورة الشعرية ومدى تأثيرها بالمتلقي..
التلقي البصري للنصّ
تشكل الثقافة البصرية الأثر في تفعيل وانتقاء النصّ الشعري من نواحي عديدة، ومنها حالة التأويل والقراءة والمعنى؛ لذلك فالمنجز البصري يتقدم على الإيحاء ويذهب بنا إلى تمثيل الأشياء ونقلها إلى مستوى الإدراك، وما نلاحظه أن الواقع البصري عندما ينصبّ على الأشياء فتتم من خلاله نقل المصداقية أيضا، فالعين والتصورات الذهنية لهما الأثر في تحديد الأشياء المرئية.. (( إنّ الأيقونة هي إعادة كتابة الواقع. والكتابة، بالمعنى المحدود للكلمة، هي حالة جزئية من الأيقونة. وتسطير الخطاب هو نسخ للعالم، نسخ لا بمعنى التكرار والمضاعفة، بل بمعنى التحول والتناسخ. – ص 78 – نظرية التأويل وفائض المعنى – بول ريكور – ترجمة : سعيد الغانمي )). إن ماذهب به ريكور يقودنا إلى القيمة الإيجابية ونحن نتلو بما آلت إليها البصرية من نقل الممكنات والاختلافات بواسطة الكتابة والتي تتكئ على الوضع البصري، لذلك فالتصورات التي تدخل على ذهنية الشاعر ماهي إلا خطوات إيجابية لها قيمتها في فنّ كتابة النصّ.. لذلك فعندما نؤكد على التحولات الذاتية والتي تبدأ من حالة الجنون الخلاق، يكون قد بدأنا في حالات متقاربة مابين تلك التصورات والتي تضيف إلى الجمالية أيضا جمالا في المعنى، وجمالا في نقل الأشياء والميول إلى التصوير الظاهري الذي يقع أمام العين والذهنية.. أما الأشياء المخفية فهي تحظر بواسطة التفكر، ولا تفوتنا حالات الفلاش باك والعمل ضمن منطقته عندما ندخل إلى حالات التذكر الطويل منه واللحظوي.
تخترق البصرية الحالات القريبة منها أكثر من الحالات المتباعدة، وهناك ميزة بتقارب تلك الصور البعيدة واختراقها بواسطة الذهنية وتقييمها لزجها في العمل الكتابي، لذلك فحالة التصور لها فعالية عليا عندما تكون مترجمة على الطبيعة، ومن هنا نستطيع التبادل الكيفي للممكنات حسب المؤثرات التي تواجه الشاعر، مما تعطينا مساحة للتأويل أيضا، والانتقال من الدلالات المتطابقة إلى الدلالات الإيحائية. لانميل إلى الرؤية العادية عندما تكون البصرية بنشاطها، ونستطيع أن ننقل الأعمال التجريدية، وهي تشكل حالات من الجمالية والاختلاف في العمل الفني القصائدي، لذلك هناك علاقات متعارف عليها مابين النقل التوضيحي للرسم، وبين النقل التجريدي للذهنية..
في كلّ ليلة
تسافر أصابعي
تقبض على قضمة حلم
تطلق سراحها
في الصباح
تلهو مع أطفال المدارس
من قصيدة : أيها الصباح – ص 53 – مأزق وياسمين
مأزق شعوري هذا ما أرادت أن تذهب نحوه الشاعرة منتهى عمران؛ حيث يتحول الكلّ إلى جزئي، والجزء إلى تنفسات خارجية، وهنا ثبوت الأشياء عندما نكون في وسطها، فمشهد الأصابع، ثابت لايتغير، بينما الأحلام قابلة للتغيير، ولها علاقتها الذاتية، واستطاعت أن تستعير بعض المشاهد الرؤيوية والتي تحكمها البصرية بعناية تامة؛ فالصباح من الممكنات، وهو يمرّ كلّ يوم بنا، أي من المشاهد الثابتة وغير قابل للتحوّل؛ بينما أطفال المدارس، وبهذا الجزء التحويلي من خلال رؤية الشاعرة في حركة متواصلة..
المشهد الشعري الذي اعتمد على مركزية الفعل ( تقبض ) صورة شعرية واضحة ولها مركزيتها في العمل القصائدي؛ ونعتبرها تؤدي إلى المشهد النوعي الذي وظفته الشاعرة من خلال تركيب المفردات الشعرية.
من الممكن جدا أن نحدد مساحة النصّ كمسافة تخاطبية، مابين الباث والمتلقي، فيصبح المتلقي إحدى أدوات النصّ، وهي خارج الصدف التي تواجه الشاعر، فالمساحة تشكل زيادة جمالية ( وهنا لاأقصد حجم النصّ ) بل المساحة من خلال الرؤية التي في المنظور الشعري، فيسيطر مشهد على مشهد آخر لوجود حركة المشهد التفاعلية بشكلها الأقوى ..
لاتشمت
هنا العراق
لايغرنك إرتداء السواد
فسواد العين
يرى الدنيا ألوانا
أين الرياح
التي تهزّ سعف نخيلنا
لتكنس قذارة هذا العالم
اطمئنوا
لن نموت غرقا
إلا
بدمائنا
من قصيدة : البلاد – ص 61 – مأزق وياسمين
من خلال صنع الاختلاف في النصّ الشعري، نلاحظ بأن الشاعرة منتهى عمران تستملك الألفاظ، وتتقارب أكثر وأكثر من بيئتها، وهذه التقاربات تؤدي إلى حالات استدلالية من ناحية المعنى أو من ناحية الاستدلال المنطقي في الشعر العربي الحديث.. فعندما كانت من العراق، كحافز كلي، فهذا يقربها من بيئتها كبيئة عراقية، وبالتالي تميل إلى توظيف الرمزية لتبيّن حالة منطقتها ( البصرة )، فعندما ترمز للنخلة، فالبصرة تطوف على غابات من النخيل، وهذه الحالات الاستدلالية تساعدنا على توضيح تقاربها الرمزي من كتابة النصوص وتعريفها القصدي..
لاتشمت + هنا العراق + لايغرنك إرتداء السواد + فسواد العين + يرى الدنيا ألوانا
تميل الشاعرة منتهى عمران إلى دلالة الألوان، وترمز إلى اللون الأسود كدلالة للحزن الذي يعوم في العراق، ومن خلال هذا المعنى الرمزي، نلاحظ في نفس الوقت تذهب إلى الحِجاج، وتعطي مبررات اللون وهي ترمز ثانية إلى العيون، ومن مثل هذه الحالة الاستدلالية والتي كان نصيبها بعض خطوات التأويل، قد أدّت وضيفتها وانفتاح الشاعرة الأممي والتكويني من ناحية رؤيتها للعالم، باعتبار أن العراق جزء من هذا العالم، وهذا يؤدي إلى ظهور الممكنات في العمل التوظيفي للشعرية..
أين الرياح + التي تهزّ سعف نخيلنا + لتكنس قذارة هذا العالم
بنت الشاعرة صورتها الشعرية على البناء المقطعي الامتداي، وفي نفس الوقت كلّ مشهد له استقلاليته ومعانيه وتقابلاته اللغوية وكذلك ظهور حالات الاستدلال، فالرياح = سعف النخيل، تهزّ السعفة ولا تهزّ النخلة، إذن هناك ثبوتية في المعنى.. وبما أن البصرة منطقة النخيل، فالعراق كله منطقة للنخيل، وتشكل النخلة رمزا من رموز الشاعرة منتهى عمران، وهي تقودنا إلى أقرب المعاني من خلال مشهدها الشعري التواصلي ..
اطمئنوا + لن نموت غرقا + إلا + بدمائنا
التحولات الزمنية، ناطقة بحكم وضع العراق، وحالة النطق هنا، الموت ( القتل )، فتوظيف بعض الرموز لدى الشاعرة العراقية منتهى عمران، تعتبر كتعيين وجودي، فالغرق متواجد، والموت متواجد، والقتل متواجد، كل هذه المفردات التي نفذت على بعضها بالمعاني، شكلت رموزا على حالات من التدهور في البلاد.. إذن نحن مع الفضاء الموضوعي، والذي شكل انتقالات من فضاء إلى آخر بواسطة الرمزية، وفي نفس الوقت حافظت الشاعرة على إطار الموضوع في النقوشات النصية التي قدمتها..
الشاعرة العراقية منتهى عمران، قدمت نصوصا لها مساحاتها في المعاني، وإن كانت سهولة الأفاظ والمفردات المستخدمة، ولكن عبرت عن حالات قريبة من بيئتها، وهي تقودنا من جمالية إلى جمالية، وهذه قدرات معبأة سلفا من خلال ثقافة الذات وتجربتهخا الشعرية..
…………….
إشارات:
علاء حمد : عراقي مقيم في الدنمارك
جزء من مقالة حول مجموعة الشاعرة العراقية منتهى عمران، والصادرة عن اتحاد أدباء البصرة