يا أيها المشتعلُ ناياً وحماماً
إن الأرضَ واثقةٌ من غيومك الطائرةِ في جناح الحمام
ملمِّعةً بالسنابلِ التي تبرقُ في مناقيرها
الغيومُ التي تبني أعشاشها في نخيلكَ ناياً فناياً
لتزقَّ فِراخها من أنينِ الأراملِ والغائبين
لكي لا يضيعَ قَرنٌ كامل
وإنَّ دجلةَ والفراتَ يتعانقانِ من حكمتكَ
ويجريان بأشجارٍ تصدحُ البلابلُ في أغصانها
فأنتَ الساكنُ ومنذ الأزل في مَنبعيهما
تضربُ بعصاك الصخرَ وتضعُ الأمواجَ الرضَّع على صدرك
لترتوي من الطين الفوّار في حليبكَ
وتنطلقَ مزقزقةً بأسماءِ القرى التي قرأتْها في راحتيك
يمّه آني لفّيت صرتك بالورد وذبيته بالحزب الشيوعي
فأريدُ أن أراكَ شجرةً فيه
أستريحُ بظلها وأشربُ من ثِمارها اليانعة
وهم ينصبون الحيتانَ للغزالة التي ترقصُ فوقَ الماء
عازفةً ناياً وكماناً
حاملةً خارطةَ السواقي النائحات
فلقد جفَّف العماءُ أثداءهنَّ
ولا سلطانَ إلا اليبابَ وخُطَبه التي تتكسر حروفُها
بين أسنانهِ
فتسّاقطُ العذارى في الحقول
وتدلهمُ العجائزُ في تلالها
فتولول العباءات في سورة من البكاء والأسى
وتسيلُ الطرق بالجنائز
فيصرخ العراق من لها ؟
وأنتَ تشمِّر عن ساعديكَ وتلّوحُ بيديك الحمامتين
فتنثرُ الحمائم سنابلها
وينفض المطرَ عباءته
فينهمر الماءُ دفّاقاً إلى أرحامها
وتهزُّ الأرض نخيلكَ فتطير النايات مرددة :
يا بشرى هذا عِراق
أيها الشيخُ البهيُّ المتوهجُ شباباً
ما زال العراق ظميئاً إلى حكمتكَ
وأنت تجوب السجونَ والمنافي والصحارا
وقطاراتِ الموت
فاتحاً جُرحه في جبهتك التي تنزفُ طيناً ودماً
من أجل خلاصه
فما من سفينةٍ قادرةٍ على حمل العراقيين
جميعاً غير سفينتكَ
التي يغفو قوسٌ القزح آمناً في شراعها
وأنت ربّانُها الأمينُ في الصعود إلى العراق
أفكلما سرقوا عُشبةَ العراق من يديك هبطنا للجحيم
ويجري العراقُ بما لا يشتهي شهداؤه
ونحن ننظر بخجلٍ إلى صورهم المؤطرةِ في قلوبنا
فيا أيها الشيخُ البهي المتوهجُ شباباً
إن لعنة العراق
تُصعِقُ سارقيكَ في حلهم وترحالهم
فليتعظ الجميعُ قبل أن يمدوا أفاعيهم إلى عُشبة العراق
التي تتبرعمُ الآنَ في أصابعك
وتسري فوق الماء متوجةً بالنورِ الساطعِ
فتجري الأمواجُ هادِِلةً بآلاف الحمائمِ :
أيها الشيخ لا تسر
وانتظرني لأتبعك
أنا أخبرتُ موطني
أنني ذاهبٌ معك
فإعطني الدهرَ حكمتك
أنا لملمت موطني
هو يا شيخُ من ذهب
أدنُ يا شيخُ إنه
قد تشظّى من التعب
فأعطه الآن حكمتك