(9)
ومن إحدى الشرفات
**********
هناك تحدث كالمعتاد فأشهره التي أنقضت قد أجهدت نفسها في كل صباح ولم تعد تذكره بالأيام ، وكل خطوة تكدست فيها صفحات مجلودة تلتم أمام باب الذكريات . أستيقظ فجأة ليجد أن الأسئلة التي كانت تحوم في كل الجهات باتت مجرد شفرة لا تلتهم الرغبات وان النار فقدت القدرة على البقاء.
أراد لها أن لا تجهل معنى الشقاء ، فالبقاء لن ينفتح دائما وقد ينفض يده واللحظات قد تصمت بما فيه الكفاية. لسبب مجهول يبدو أنه محشد بلهيب لا يساوم فتحت الباب في اتجاه مغاير يجهل الإشارة كي تستلقي على رغبة غير مشغولة.
حيث يعيش منذ البداية في ينابيعه يبقى يردد لنفسه أن الجدران ستبقى شديدة الخمول ولم تعد تحتاج إلى معاول فالنهار وحده يبني جسوره بكل وضوح . إذ ذاك يتأمل في أيامه لمدى غير محدد باسطا أحاديثه الطويلة على شرفات اليقين.
بعد شجار طال ما يكفي غادر عزلته ولم يعد يحتاج بعد الآن إلى ذهوله فقد عرف كيف يناجي بلا عكازة . جلس طوال النهار يندفع نحو حالته الجديدة فذلك الوجه الذي أصبح أسيرا له قد أشهر زمنه المخاتل وإن حياته ليست كما كانت بالأمس حيث أن ذكرياته باتت تتجمع خارج أبوابه وفي كل ساحل بدأت موجة تتبعه بلا نيران . قطع ثانية مسافاته وجعل ماضيه خلفية لا تصلح للذكرى.
على حدود مدينته يغادر بعض رؤاه المثقلة بمفاتيح بطيئة ومن أبطأ ما يكون وبما يكفي لفسحة تبتعد عن كلام ملغوم للذكرى . يستسلم بطواعية للأمر غير أن ومضة نثرت أسرارها جعلته يجثم بقوة على أشياء أخفت أرثها تحت رفوف قديمة.
حتى يصغي ويمضي عليه أن لا ينهل من حرائقه باشتياق فهذه تموت ولن تفتح أبوابها فيما بعد . ذات نهار نسي كيف تنقضي ساعاته أيقظه نداء غير مندثر من دفتر عتيق ترك عددا من أسئلة مؤرقة تستقبل ما تريد بنظرة واحدة تكفي لأن تشطره من جديد.
ظل يرددها في داخله وعتمة أفقه مازالت لا تحيد عن طريقه كأنما مسه يأس مطبق لا يحاول الإفلات منه . حدق بدهشة عندما أستيقظ من نومه العميق مرددا إن السعادة مازالت وحدها تضحك في فلكها المعتاد.
منذ تلك اللحظة المتشظية انفتحت له في حريق يومه لحظات لم تندثر فأدواتها باتت تومئ في السكون . حينها حمل أعباءه في لياليه التي لن تنقضي . حدق ثانية في المرآة فإذا هو يتذكر إن التغيير لا يأتي بعبثية ولا بأشكال سالبة.
هي وحدها لا تكف عن نظرة واعدة في وتيرتها المعتادة وحيث لا تبدو أنها في قلب مشغول لأول وهلة. ومن انتظار لحظة إلى أخرى لا تجهد نفسها وسط نيران تدعوه بإشارة خفية يتقدم برخاوة ملهوفة صوبها عله يهرب من ألآمه الشفيفة فإذا به يجد أن الأسوار لم تعد تحترق ولم تكن هناك أية فرصة للذاكرة والذكرى . عندها يندهش ويوقن إن صدق المشاعر هو الفرح الذي يزور الداخل بعفوية ولا يهوي.