إشارة :
برغم أن الروائي المبدع برهان الخطيب يُحسب على جيل الستينات إلا أنّ ما يميز منجزه الابداعي هو هذا التجدّد والتجديد في الأسلوبية وتناول الموضوعات مع ثبات بصمته السردية الجوهرية على خارطة الأدب الروائي العراقي والعربي. وقد أغنى عمله الصحفي وحياته الحافلة بالمتغيرات مخزونه التجاربي فأثرى المكتبة السردية العربية بأكثر من اثنتى عشرة رواية كل واحدة لها عالمها المستقل المتفرّد. يسر أسرة موقع الناقد العراقي أن تبدأ ملفها عنه متمنية على الأحبة الكتّاب والقرّاء إثراءه بالمقالات والصور والوثائق. تحية للمبدع الكبير برهان الخطيب.
برهان الخطيب و”غراميات بائع متجول”
احمد النحاس
(القاهرة)
ما زال وصول رواية برهان الخطيب الأخيرة إلى مطبعة مصرية يحظى على مواقع إلكترونية بمكانة الخبر الأثير، الأكثر قراءة، أشار موقع “البوابة” المعروف إلى ذلك، إذ استضاف الخبر نقلاً عن صحيفة العرب الدولية اللندنية، بموازاة ذلك يفاجئ الخطيب قراءة بخبر مثير جديد، عن رواية أخرى له عزم مجلس قصور الثقافة لأم الدنيا على إصدارها قريبا.
الرواية السابقة بعنوان “أخبار آخر الهجرات” كما هو معروف وهي بوحي العنوان عن أحوال ومآل الناس عهد التغيرات الكبرى المشهودة حالياً، خاصة على منطقتنا العربية، المهددة بتقسيم من قادة خونة وجهلة ماركة القرداوي وشيوخ جبناء يرفعهم ويكبسهم أجنبي، إلى أن لا تكون عربية بتحولات غزو، من عسكري إلى سياسي وثقافي واقتصادي، في صور ومناطق مختلفة.
الرواية اللاحقة للخطيب بعنوان “غراميات بائع متجول” احتفظت بها هيئة قصور الثقافة طوال سبع سنوات حتى إنها فقدت مع التغيرات الإدارية والسياسية المتعاقبة هناك ثم أخرجتها من أدراج الزمن العاتي الأحداث الجسام الجارية حولنا.
الرواية كما لا يوحي العنوان هذه المرة عن مرحلة ومنطقة هما مفصلان، تاريخي وجغرافي، لبعض ما نشهده حاليا من تقلبات، مرحلة حل الاتحاد السوفيتي والتغير الجيوسياسي هناك وما تبع من فراغ يترك أثره على مجريات الأمور في المنطقة العربية وصولاً إلى مساعي ملء ذلك الفراغ، المتكللة أخيرا باستعادة مبادرة هنا بساعد روسيا بوتين القوي الصاعدة، بيضة قبان الأوضاع الدولية..
تلك ملامح سياسية حادة في أرضية رواية الخطيب الجديدة المطلوبة للنشر اليوم من قصور الثقافة، ملامح لا تظهر صارخة طبعا في ثنايا الرواية الناعمة، فحكاية “غراميات بائع متجول” قبل كل شيء وكما يلمّح العنوان عن حب رجل يُعرف بإسم أصلان “الشيشاني” وهو عربي في الحقيقة، عراقي، لهيلينا الروسية، في فترة هي الأخطر لروسيا ولعالمنا الراهن، المحميين بوعي ناخب حر في هذه الأمة الرشيدة وتلك.
مؤلف الرواية الخطيب درس وعمل حوالي عشرين عاماً في روسيا، تم تسفيره منها قبيل البريسترويكا من قبل قوى بيروقراطية وخفية مخرِّبة، بذريعة نفاد إقامته بينما كان عقد عمله في دار النشر هناك صالحا فترة طويلة.
يقولون هو “الرجل الذي يعرف كثيراً ” خاصة عن بلد الكافيار والنساء الجميلات والسياسات المعقدة، إليه عاد لاحقا وتابع تطور الأوضاع عن كثب وجسّدها في روايتين سابقتين، إحداهما صدرت في موسكو بعنوان “سقوط سبرطة” والثانية “الجنائن المغلقة” من ستوكهولم، يُذكر كلاهما حاز على رضا وإعجاب نقاد وقراء فطنين، والآن هذه الرواية الجديدة المذهلة بتشويقها وصدقها وواقعيتها، في انطلاقة قاهرية تساهم في عودة مصر محوراً ثقافياً أكبر للعرب إلى ميدانهم الثقافي المحتل من طارئين.
الحرب، العنصرية، ازدواجية أفراد، تمزق الحياة العائلية، المكائد، الأمل الراسخ في تحسن الأوضاع، وغيرذلك من مواضيع عصرنا الساخنة يجدها القارئ في هذه الرواية الغرامية الباهرة التي لم يُكتب لها مثيل على الأرجح منذ زمن.
اسم برهان الخطيب من أسطع الأسماء الأدبية في الفن الروائي الحديث، تتميز رواياته ببنائها الأمتن ومضمونها الأكثر تنوعا وثراء بالتفاصيل والإيحاء، ولعل نشر “غراميات بائع متجول” وقتا يشهد رغبة أطرف وطنية عديدة في تقارب عربي روسي جديد يتسم بمغزى فوق أدبي، على صعيدين، سياسي يمثل مصالح وطنية آنية، وفكري يمتثل لمصلحة إستراتيجية تشمل دوام الأولى والخير العام للعالم.
*عن موقع صوت البلد