الدكتورة إخلاص باقر هاشم النجار: رســائــل بأنامــل الـقـــــدر (الجزء التاسع والعشرون)

الجزء التاسع والعشرون
أنصاف : هذا مستحيل … لا أصدق أي كلمة مما قلتِ … هذا إفتراء … وأنت تعرفين الحقد الدفين الذي تمارسه هذه الشلة المتعبة تجاه التجاذب الروحي الأصيل بينهما ، فأغلقي الحديث رجاءً ولا تتفوهي بأي كلمة وكأنك لم تسمعي شيئاً .
هيفاء : ولكني سمعت الحديث من طالبات من الفرع الأدبي فهل لك توضيح ذلك .
أنصاف : قلت لك … تكتمي على هذا الأمر وسأتحقق منهن فقط اعلميني بأسمائهن .
هيفاء : ويا لرخص الرهان … الذي باعت سبأ من أجله ثلاثين علبة من الببسي .
أنصاف : لا تنظري الى الموضوع من زاوية واحدة ولا الى الجزء الفارغ من الكأس … قلت لك تكتمي أرجوك على الأمر لئلا تجرحي سبأ حتى نتأكد من الأمر .
هيفاء : وهل تريديني … ان أكون زنديقة … وأقصد بزنديقة أن أظهر عكس ما أخفي … هذا نفاق وأنا لم أعتد النفاق … وهذا منكر ولا يمكنني كمؤمنة السكوت عليه .
أنصاف : نعم كلامك صحيح … ولكن كلام الله تعالى مقدس ويجب على كل مؤمن أتباعه قبل البت بإذاعته ونشره ، يجب التأكد منه لئلا يقع الظلم ، فيقول الله تعالى : {{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ( 6 ) }} سورة الحجرات
هيفاء متنهدة : أستغفر الله العلي العظيم … لكن لابد ان تعرف سبأ .
أنصاف مشيرة بيديها : حسناً حسناً … سأسوي الأمر … أخرجي الآن الى بيتك .
لكن أيار لم تستطع الصمود أكثر فتشبثت بسبأ وقد أحمرت عيونها وقالت لها أرجوك أسمعيني ، ولا تظلميني ، لكن سبأ فرغت نفسها من يديها والدموع تترقرق من عينيها وتقول لها بجزع … اتركيني … انتهى دورك أذهبي واستلمي رهانك البخس ، وأبتعدي عني لا أطيق رؤيتك ، فقالت أيار لهيفاء بغضب أطمأني بغبائك … سمعنا كل الكلام من الألف الى الياء كنا لدى الباب ، فهمّت سبأ بالإنصراف والدموع تتطاير من عينيها بعد ان ألتقطت حقيبتها ، فأشارت أيار الى أنصاف … أرجوك رافقيها .
لقد كان وقع الخطة شديد على سبأ فدخلت المنزل وكأنها عائدة من معركة خاسرة لا تروم الإفصاح عنها بعد أن أعلنت أمام الملأ بأن أيار ستكون صديقة العمر ، فكيف الآن وقد أصبح الفراق بينهما قاب قوسين أو أدنى لاسيما بعد ان سمعت بأنها راهنت على مشاعرها ، وأستيقنت من ذلك خلال عبارتها التي وصفت بها نفسها كالسمكة التي تعيش في بحرها العميق وأن بكت ستفضحها عيونها أمام أخواتها في ذات الغرفة ، وأجابتها على تساؤلهن حول توترها وتأثرها بأن دروسها باتت أكثر صعوبة وأنها أحرزت درجة رسوب في مادة الكيمياء ، أما أيار فتأثرها أعمق وأبلغ فإعتزلت في غرفتها متذرعة بالدروس وكأن جدراناً حديدية من الكآبة تزحف نحوها ولا تعرف كيف تصدها ، فحاولت ان تتكلم معها وتقلل من الألم التي تعيش فيه وتبرىء ساحتها من التهم المنسوبة إليها ، ولكن سبأ عندما رأت أسمها على النقال لم ترد عليها مما أثار تساؤل أختيها أطوار وأنهار فقالت لهن سأردُّ عليها مساءً لديها بعض الأسئلة حول بعض المسائل ، لكن من الأفضل لي الآن أن أدرس لأن الوقت ضيق ، فحملت حقيبة كتبها وتوجهت الى غرفة الإستقبال على غير عادتها لتكمل دروسها وفي نفسها الرغبة في الإطلاع على ما يدور في خلد أيار دون ان ترد عليها ودون أن ينتبه أحد الى صدودها ، ومن الأفضل ان تجعل النقال صامتاً ، وما أشدُّ ذلك على روح أيار التواقة لسماع صوتها ، والتحدث إليها وتبرئة ساحتها مما أنسب إليها ، ولكن كيف وسبأ توصد الباب على مصراعيه بوجهها ، وكيف لأيار أن تصبر الى ان يأتي يوم الأحد وهي تعيش في هذا الجو النفسي المكفهر ، وأنها على الرغم من الألم الشديد الذي يجعلها كالصائم الظمآن الى قطرة ماء ولا يستطيع الحصول عليها ، تلتمس لها العذر وتعطيها الحق في أي رد فعل سلبي لأن الخطب جلل ولا يمكن تحمله ولاسيما اللعب على أرجوحة المشاعر،ولم يبق أمامها سوى التراسل ولعلها تؤتي أُكلها وتستجيب لنداءها وفي المساء وقد هدأ الليل وأغمضت العيون راحت تكتب أيار.

أفئدة الناس مستودعات نائية … لا يعرف طريقها إلاّ من جد عنها في البحث …
وألفها وأمن سرها ونجواها … قد يتوهم الإنسان كثيراَ في هذه الحياة …
ويعيش ويحيا على وقع الخيال المتلآلىء … في سيمفونية الظلام …
الهادئة في كل حين … إلى أن يستيقظ مصعوقاً فيجد ذاته يتيمة بلا مأوى …
وقد لسعته لظى النهار … ورفعت عن رأسه قبعة الوهم …
فلا تنبشوا قبور الماضي …
وتنشروا جثث الكلمات في الشمس …
فكل ما حدث نسج من الخيال …
وفيه عبرة لنا ودرس …

وقد ردت سبأ …
إنكسر الزجاج الصقيل الخداع للبصر … بحصى الطير الأبابيل …
وتناثر الزجاج في عروقي … وتحطمت أرجوحة المشاعر على مسرح التمثيل …
فسقطت السمكة الحالمة … من البحر ثملة … تحت سياط حر تموز …
قوية البصر … فتحررت السمكة الآن … أبارك لك الرهان …
أمسحي رقمي … كفاك تمثيل … فلن أقرأ أيّ رسالة تأتي منك …
لأنها جوفاء فاقدة القيمة …
وبعد ان قضت ساعة مسائية مع زكية إنصرفت مروة الى غرفتها وجلست على كرسيها وراء مكتبها تتصفح كُتيباً صغيراً ثم بعد ذلك وضعت الكتيب .. وقالت في نفسها .. آسفة يا منذر بحق آسفة على اسلوبي الفج في تجاهلي .. هذه المرة الأولى التي اتكلم فيها بأسلوب غير مرضٍ تماماً .. لقد اخطأتِ يا مروة في كلامكِ هذا .. لأن الفتى لم يبدُ منه أي شئ يستحق مثل ذلك .. لكني لم أكن أقصد إيذاءه أبداً .. وإنما أردت فقط دفع البلاء عني لا شئ غير ذلك .. لأني إذا ما تجاوبت معه .. سوف يأجج الوضع الذي يرتضيه منذر وذلك في النهاية وبالطبع له نتائجح وخيمة لأني أنوي إكمال دراسة الدكتوراه .. وبالتالي أكون قد وقعت في الهاوية فلذلك أحاول تدارك الموقف من البداية بعقلانية وبفكر رشيد ، ولابد على منذر إذا كان رجلاً ذا إدراك واسع ان يتفهم ذلك ويتريث في حبه هذا .. علهُ يعاني من نزوة مؤقته تزول منه في المستقبل .. أذن لا تثريب عليّ فيما فعلت مادُمت أتوخى الإصلاح .. لابد أيضاً أن لا أفسح له المجال للخوض في مثل هذه المواضيع ، اتمنى من الله ان يوفقني ويقدرني على تخطي مراحل دراستي دونما مشاكل ولا وجع رأس ولا لوعة قلب ولا تأريق عين ثم تثاءبت ونهضت متوجهة الى سريرها : مستسلمة الى الكرى وقالت قبل ان تنام .. اللهم اسألك رقاداً مريحاً هادئاً .. وبينما هي كذلك ، أتصلت بها أيار لتشكو لها الظلم الذي طالها .
مروة متثائبة : ها … أيار … ماذا وراؤك … ولماذا أنت مستيقظة في هذا الوقت ؟!
أيار متنهدة : عمتي أحتاج الى الحديث معك … ولكن … ما دمتِ نعسة … سآوجل الآمر الى الغد … تصبحين على خير … أكملي نومك … الى اللقاء وأغلقت الخط .
مروة مستغربة وقد جلست بعد ان كانت مستلقية وأعادت الإتصال : أيار … ما الخطب …لا تُقلقيني … هل أنت بخير … ولماذا أقفلت الخط … ؟
أيار : لا تقلقي … نحن بخير … فقط مشاكل مدرسية .
مروة مبتسمة : أوه أخفتيني عزيزتي … والأمر هين تحدثي أسمعك حتى وأنا نائمة.
أيار بألم : الآن … الآمر صعب ولا أعتقد حله هيناً … بل تعقد جداً وتشابك .
مروة : يا أبنتي أتركي المقدمات وأدخلي في صلب الموضوع فلكل مشكلة خيط حل .
أيار متنفسة الصعداء : وقد نقلت لها الصورة بالكامل (كيت وكيت ) وقد ترقرقت عيناها وأحست مروة منها ذلك ، وأستطردت قائلة : وأنا اليوم في نظرها محض كاذبة مخادعة تلاعبت بمشاعرها … وقد كرهتني … وكرهت حتى صوتي … لا تريد سماعي … ونعتتني بأقسى النعوت … كنهر الخمر مثلاً ، أرجوك أن تبقي هذا الحديث في حدود ضيقة بيني وبينك فقط .
مروة متثائبة : أيار أطمأني ولا تقلقي حول الأمر سنجد له مخرج لا محالة ، أعطيها الوقت لأنها لا تزال تحت تأثير الصدمة ، وأن كانت تُحبك وتريد الإحتفاظ بصداقتك فأكيد ستسمعك وتسمع تبريرك ، وأنا أشدُّ على يدك في المواصلة بالإتصال معها حتى وإن لم ترد المهم تسجيل موقف ، أكتبي لها بوضوح وبالتفصيل من البداية الى النهاية قبل أن تتواجها فالعتب يطفىء نار الغيظ ، نامي الآن ، فالمد والجزر ديدن العلاقات الناجحة وما دمتِ بريئة من أي إتهام ، فسلاحك الصدق والصراحة والمكاشفة وسترينها تتجاذب معك أطراف الحديث.
أميمة وبعد ان بذلت جهداً جهيداً لتمثيل الدور الذي اتفقت ان تؤديه لتأخذ المعلومة من أيار حول مصير (الجكليته) التي أعطتها أياها قبل أشهر .
سراج الدين مبتسماً : وكيف سألتيها ؟ وهل كان الأمر سهل … ؟
أميمة مبتسمة : أبداً … والله لم يكن الدور سهلاً … أخذت (الجكليته) التي أعطانياها أنس ، وأخذت وقتاً حتى تدربت على الدور ، حتى كدت ان أفشل في الإداء ، المهم قالت انها اعطتها الى مروة .
سراج الدين : أذن اكتملت معلومات التحري لدي … وكسبنا القضية .
أميمة : أية معلومات هذه التي تحسم لك القضية ؟
سراج الدين : نعم … حبيبتي … الجكليتة التي أحببت شكلها ولونها ، وقتئذ تولدت في روحي رغبة ملحة بإهدائك أياها لتلذذي بأكلها ، على الرغم من زهادة وبخاسة سعرها … لكنها همسة حب … لكنك فرطتي بهذه الهمسة ونقلتيها الى أيار .
أميمة خجلة متنهدة : لا … حبيبي لم أفرط بها … ولكن .
سراج الدين قاطعها : لا … تكترثي لكني أشرح لك الأمر ويسرني جداً بأن أيار نقلت همسة الحب هذه الى مروة هذا يعني إنها قريبة الى روحها وهذا جل ما أتمناه لها .
أميمة : ولماذا لم تخبرني بأنها همسة حب … لوضعتها في قلبي واحتفظت بها .
سراج الدين : ولكن الأمر الجميل … ان أيار وافتني بأروع المعلومات وهو إن والد سُـبل أسمه بهاء الدين نور الدين ، وقد تأكدت من مروة بأن علي صديق أنس هو أخوها ، وبالتالي وبما أن مروة اعطتها الى سبل هذا يعني أنها الأقرب الى روحها ، وكذلك الحال بأنس هو الأقرب الى روح علي .
أميمة : سبحان الله … كم هي الحياة قصيرة وان طالت وتباعدت أطرافها .
سراج الدين : والأهم من ذلك … ان رسائل القدر توزع الى كل المنازل .. وقطعة الكاكاو هذه من نصيبك وهي الآن بين يديك … ونصيب منزل واحد وان نأت وقطعت مسافات شاسعة وتناولتها الأيدي … أرجعها أثير الحب الى موطنها الأصلي … وحطت بين يديك .
أميمة مبتسمة : الحمدُ لله … الذي أرجعها في يدي … لقد تأثرت من كلامك وان تتهمني بالتفريط … وكأني صديقة جديدة لك ، وكأنك لا تعرف بأنها توأم روحي … بل أشد … ولم أتوقع بأنك اعتبرت قطعة الكاكاو هذه همسة حب … وإيماءة شوق … ونشوة نجاح .
سراج الدين مبتسماً ممازحاً : والى من ستعطيها … الآن …؟؟ لعل فيها مقدرة سحر … وتعود إليك من جديد على أجنحة الطيور الزاجلة ونجعلها سبقاً صحفياً وتنتشر أخبارها وتتصدر الصحف الألكترونية وتتجمهر وسائل الإعلام كلها عند بابك .
أميمة مبتسمة : لا تتهكم … أرجوك … لن أفرّط بها بعد الآن … ما دامت بيدي وسأتخذ قراراً فورياً جوهرياً ونهائياً ، للحيلولة دون تنامي أطراف هذه (الجكليتة) السحرية ، فقامت بفتحها وقصمها الى نصفين ووضعت نصفه في فم سراج الدين وهو مبتسم ووضعت الآخر في فمها … وأنهت أمرها وهي مبتسمة .
جاء يوم الأحد على أحر من الجمر وكأن سنتين مرتا على أيار حتى تلتقي بسبأ وتتكلم معها ، لكن كلما أقتربت منها إزدادت سبأ نفوراً ووجوماً وإعراضاً ، بالشكل الذي يجعل أيار تخاف من مواجهتها أمام الطالبات لاسيما وأن مروة أشارت عليها بإعطاءها الوقت لتتعافى من الصدمة ، وقبل ان يبدأ الدرس الأول ، همست أيار إليها بحنين عارم يفجر الصخر وهي تشيح بأنظارها محاولة الشد على يدها قائلة : سبأ … أرجوك لابد ان تسمعيني … إلاّ إنها سحبت يدها بعنف وقالت بتوتر : هذا المكان لا يسع لكلينا … فأجابتها : لن أتركك ، ردت عليها حاملة حقيبتها ومتوجهة الى كرسي أنصاف طالبة منها أن تبادلها الكرسي ، فما كان منها إلا أن تفرغ مكانها لها وتنتقل قرب أيار ، التي باتت تشعر وكأنها مشلولة الحركة مقعدة التفكير وان كل لحظة جميلة عاشتها مع سبأ ماتت وأصبحت ضرباً من ضروب الخيال ، وفي وقت الفرصة كان لابد من محاسبة الزمرة التي قتلت فرحتها وأغتالت بسمتها وجرحت صديقتها الحبيبة فإلتقت بهن بعيداً عن مسامع سبأ في الساحة ، والوجوم يكاد يشقق وجهها من شدة الغيظ .
أيار : توقعت منكن كل السوء … إلا ان تنقلوا كلامي … وبشكل سلبي .
هبة تتظاهر بالإستغراب شادة على يدها : حبيبتي ما الخطب …؟ أرجوك كلميني ولا تقلقيني .
لينا : أرجوك فنحن صديقاتك المقربات… كلمينا ولا تطلقي علينا الإتهامات جزافاً .
هند : نعم حبيبتي … تكلمي فنحن رهن أشارتك … من منا نقل كلامك .
أنسام : وبالأحرى …أي كلام … أطلعينا ؟؟!!
أيار بألم : من نقلت كلامي الى هيفاء ؟
هبة ضاحكة : مـَن البلهاء … ومنذُ متى وهذه تجالسنا أو بالأحرى منذ متى ونحن نسمح لها بالجلوس قربنا ، ثم هل رأيتيها يوماً من الأيام تجلس قربنا ، فهذه البلهاء تدّعي الكذب ، ونحن جميعنا مستعدين لمواجهتها إذا رغبتي ، أو تعالى أسأليها أمامنا … لتقول أمامك من قالت لها ، ثم ما هو كلامك الذي نقلناه ، هذه بلهاء ولا تعرف ماذا تقول ، وأن عقلها خفيف وتضحك حتى من حديث نملة بعشيقها .
لينا : نعم … ما هو الكلام الذي نقلناه ؟
هند : وكلنا أمامك ومستعدون لمجابهة كل من تسوّل لها نفسها للإيقاع بيننا ، ولو كانت صادقة وشجاعة فلتقسم أمامك بأن إحدانا أخبرتها مباشرة ووجها لوجه بأي حديث ونحن بإنتظارها ولكنك تدورين في حلقة مفرغة يا أيار تحققين دون أن يكون لديك بينة ، وإلاّ فالمواجهة تكشف الصادق من الكاذب .
أيار متنهدة بألم : ليس المهم … ماذا نقلتم … ؟ وإنما الأهم لماذا نقلتم … ؟ وأكيد ستتم المواجهه ، لأن ما قالته مريع … ولكل حادث حديث .
هبة : يا لسخرية القدر الذي جعل هيفاء الفلاّحة تدّعي علينا الكذب ، ومؤكد أن مآربها دفينة ومدروسة ومدسوسة مع إحدى الخبيثات للإيقاع بيننا ، سنذهب الآن الى الصف وسنمسح بها الأرض وسنشتكيها الى إدارة المدرسة ، لتضع حداً الى هذه الفتنة والنفاق … وسترين … هيا يا بنات … ورائي .
أيار بتوتر : إياك ثم إياك … وأتخاذ مثل هذه المواقف أنا من أُحدد هذا القرار بعد المواجهة .
وفي عصر اليوم التالي رن جرس الباب ففتحة الأب : فالقى الزائر التحية فرحب به وأدخله بالترحيب والحفاوة الى غرفة الإستقبال .. وقد أخبر مروة بأنه أتفق مع شخص موثوق من الموظفين لديه في الشركة بأنه سيأخذ على عاتقه مهمة الإشراف على العمل في العيادة ، وطلب منها ان تلتقيه وترى التصميم الذي قدمه هذا المشرف وتعطيه الملاحظات ان أرتأت ذلك ، وخير من وثق به عبد الرحمن الشاب الذي أحبه من صغره منذر ، كانت مفاجأة حقيقية لمروة مدبرة من والديها ، دخل وقال لقد جئت يا عمي بحسب ما أتفقنا الساعة السادسة عصراً ، نظرت مروة الى الساعة المعلقة على الجدار وأبتسمت بروح رياضية وكأنها لم تتفاجأ وقالت : حسناً أيها المشرف الوسيم المواظب المجتهد ، تفضل بالجلوس ويداه أشبه من ان تكونا مرتجفتين وكانت مروة تحسُّ بذلك جيداً ،على كل حال جلس الثلاثة وراحوا يتناقشون التصميم الذي أعده مسبقاً وقد فرحت مروة كثيراً بهذا التهيؤ السريع فكان منذر يُجيبها بكلمة نعم هادئة جداً أو هازاً رأسهُ معلناً الطاعة وكان ذلك ما يثير دهشتها واعجابها بدماثة أخلاقهِ وخُلقهِ وإحترامهِ للعمل والوقت والمثير للإنتباه أهتمام والدها به.

وبينما هم كذلك رن جرس الباب .. وما هي إلاّ دقائق حتى دخلت زكية ومعها امرأة ترحب بها .. تفضلي تفضلي الى حيث غرفة الإستقبال أقتربت المرأة منها وسلمت أجابتها مروة والقلم في يدها .. أهلاً وسهلاً بحضرتكِ .. وكانت المرأة تحدق بها .. بصورة غريبة .. لكن يبدو عليها مُعجبة بل مفتونة بها سألتها : بالطبع انتِ مروة ياعزيزتي .. أجابتها وهي مبتسمة نعم .. أجابتها : ماشاء الله ماشاء .. فليخفى القمر ، تبارك الخلاق فيما خلق .. أنتِ أجمل وأروع وأبدع من الوصف .. أستغرب الأثنان مما زاد من غيرة منذر .. المسكين لكن غيرته حتم عليها ان تبقى في أتون مستعر بين جوانحه .. فجاءت الأم .. حاملة العصير .. ثم قالت لزوجها عزيزي أكملوا إجتماعكم في المكتب إذا سمحتم .. أفضل ، فأشار عبد الرحمن بيده الى مروة ومنذر التوجه صوب المكتب فتوجها نحو المكتب وقد تأخر الأب قليلاً ليتعرف على الضيفة ، وما ان جلس منذر لم يستطع الثبات أكثر .. فقال لها.. من هذه المرأة .. أجابته لماذا .. أجابها : لا أعرف هكذا سألت .. ثم إستطرد : صراحة أ.. ثم بلع ريقه وقال : لاحظتها وكأنها تُريد أن تأكلكِ بكلامها وبنظراتها الغريبة لك .. وهي لاحظت ذلك أيضاً .. لكن لم تُعلق على كلامه وقالت له بعد أن حضر والدها : دعنا نكمل الموضوع أفضل .. فجلس الثلاثة وتناقشوا في الأمر وأتفقوا على كل ما يتعلق بتأهيل العيادة على الورق ، عندها إنصرفت مروة وتركتهما يتبادلان أحاديثهما عن أعمال أخرى ، ولكن منذر وحالما إنصرفت مروة أراد أن يستغل ويستثمر الفرصة ودون سابق إنذار ليرمي الكرة في ملعب الوالد ، وبعد أن لملم كل قواه وشجاعته قال للوالد والخجل بادي على كل ملامحه … عمي … ما هو رأيك بشخصي .
عبد الرحمن مبتسماً فرحاً وكأنه قرأ ما بعينيه : خير الشباب … وخير الأولاد … وأنا أفتخر بك دائماً … وأحبك كأحد أولادي … وأنت تذكر كيف طلبت منك العمل في شركتي … فضحك وإستطرد قائلاً : ثم إنك كنت تقول لي جدي سابقاً …. أونسيت …
منذر مبتسماً : لا بالطبع لم أنس … كانت أسيل تعاملني كأحد أولادها ، وعندما كانوا ينادونك جدي كنت أقلدهم وأناديك جدي … كم كانت أيام رائعة …
عبد الرحمن مبتسماً : القادم أجمل إن شاء الله … ولكن ماذا تريد أن تقول يا ولدي ؟
منذر مرتبكاً ولم ينطلق لسانه بسهوله : عمي … أ … أنا .
عبد الرحمن : تكلم … يا ولدي تكلم … ولا تنسَ بأني قلت لك أعتبرك كأبنائي.
منذر : تعرف بأني أعيش الى الآن في بيت أخي علي الذي يُعاملني كأحد أبنائه ، وقد أكملت دراستي والحمدُ لله ، وأحاول جاهداً أن أبني نفسي بإمكانياتي التي تعرفها ، علماً بأني قدمت أوراقي للتعيين في مصرف الرافدين عسى ولعلّ أن أجد الوظيفة .
عبد الرحمن : لم … أفهم … أدخل بالموضوع يا ولدي .
منذر : وبديهي وبعد أن أكملت دراستي أريد أن أتأهل … أقصد أعدّ العدة للزواج.
عبد الرحمن : خيراً تفعل … وهذه سنة الحياة … وأبارك لك هذه الفكرة .. وأدعمك بكل ما أُوتيت من قوة إن شاء الله تعالى … وهل وجدت من ستشاركك حياتك .
منذر : أخشى من الإعلان … لأن مستواي المادي … لا يسمح لي …
عبد الرحمن مبتسماً : يا ولدي … الكل يتشرف بالإنتساب لعائلتك الكريمة وليس المال كل شيء في الحياة.
منذر : سأقول لك … لأنك بمثابة والدي … وأعتذر لك إن لم يروق لك الحديث .
عبد الرحمن : نعم … أسمعك .
منذر : هل تعتقد .. بأن مروة ستقبل بي … على إفتراض إنك تكن لي الحب والقبول.
عبد الرحمن ضاحكاً : وأخيراً … خرجت الجوهرة من فمك … يا ولدي … والله من دواعي سروري … أن أسمع منك هذا الطلب … وأنا موافق وأدعمك … ولكن … هل مروة ستوافق … للأسف لا أعلم … وهل هذا التوقيت مناسب ، لا أعتقد … أتعرف لماذا ؟ ستجري مقارنة بينك وبين القاضي من ناحية المؤهلات،وقد لا تنصفك هذه المقارنه،أنا من رأيي أن تعمل على جس نبضها وأن تخبرها أنت بهذا الطلب .
منذر مبتسماً : حسناً سأحاول وأن كانت المهمة صعبة جداً مع فتاة حديدية مثلها .
وبعد ان ذهب منذر وبينما العائلة جالسة في الحديقة لإستنشاق الهواء الطلق ، وقد طلب منه عبد الرحمن ان يأتيهم في اليوم التالي بذات الوقت عصراً ، سألت مروة والدتها : من هذه السيدة التي حلت علينا ضيفة اليوم ، أجابتها : هذه جارتنا أم القاضي رشدي ، سألتها : وماذا تُريد ؟ اجابها الأب مبتسماً : ولماذا كل هذه الأسئلة عن الضيفة يا مروتي .. ابتسمت ثم قالت : أه يا أبتي لقد رأيت كيف كلمتني وهي تُحدق بي .. وتُسمعني الكلام الجميل المزوق حقيقة أسلوبها أثار استغرابي ودهشتي .. اجابها مفتخراً : مروتي انها مسألة عادية .. أنكِ دائماً محط أعجاب الآخرين وهذ شئ ملموس .. قالت الأم : أ .. تذكرت .. أن أم رشدي كان 90% من كلامها في هذه الزيارة عن رشدي .. وله مكتب .. وله بيت .. وهو المعيل بعد والده .. وهو الولد البار .. وهو الولد الكذا وكذا .. عجيب وكأنها جاءت لتُعرفني عن شخصية أبنها القاضي ثم إلتقت عينا فاطمة بعيني عبد الرحمن وقد أخبرها بطلب منذر .. ثم صوبا نظرهما الى مروة .. وضحك ثلاثتهم .. على هذه النظرات المفهومة الواضحة .
وعلى الرغم من اللقاء الذي دار بين أيار ومجموعتها إلا إنها تدرك تماماً ودون مواربة بأنهن وراء المشكلة التي حدثت ، وأن هيفاء صادقة فيما سمعت ولم تدّع عليهن غير أنها لا تمتلك الجرأة الكافية لمواجهة كل هذه الأفواه السليطة اللسان ، ولاسيما بعد التهديد بالذهاب الى الإدارة ، مما قاد أيار الى التأني في الأمر ، والمجموعة لم تفتح الموضوع مع هيفاء وكأنها لم تسمع الأمر بحجة إنها تنتظر ماذا تفعل أيار ثم تتأخذ القرار النهائي ، فضلاً عن أن أيار لا تريد ان تفتح عليها جبهة جديدة من المشاكل وهمها الوحيد هنا ، ان تسوى المشكلة مع سبأ وان تبرىء ساحتها من الإتهامات المنسبة إليها … ثم أن أيار لم تتخذ موقفاً صارماً أو عتباً من هيفاء ، لأنه من وجهة نظرها عرّفها بخطورة المجموعة التي تمشي معها ، غير أنها لا تملك الحجة والدليل للإيقاع بهن ، وعلى الرغم من محاولات أنصاف الحثيثة في الصلح ، إلا أن تأثر سبأ كبير جداً بحجم الجبال التي يستحيل وزنها ، ولكن أيار تواصل … الحديث معها في التراسل … والجميل أنها ترد على رسائلها ولا تتكلم معها … وفي غرفتها بعد اتمام واجبها … كتبت .

توأم الروح أقساوة قلب أم سخرية قدر تتلاشى ملامحي لحظة السحر …
أثير ذكرك يلوح أنفي شذاه لا يرعوي …
وعطش روحي لصوتك لا يرتوي …
أحقيق جفاك هذا أم وهم وسراب … بعد أساطير الحنين يضن العتاب …
ينفض من حولي الضياء والأمل … دون سابق إنذار يحدد الأجل …
أأقرأ الفاتحة على قصة قد أفلت ؟ … أم أقرأها على شمس أن أطلت ؟…
المؤمن القوي تحت لسانه مخبوء … فهو وان نأى … من أهله مجزوء …
فالجفاء لا يعدُّ للمشاكل مفتاحاً … بل قفل صدأ لا يعرف السماح …
فألوذ باليراع عزاءً عن وحشتي … نائية عن سفاسف الدنيا بحكمتي …

فرحت سبأ بهذه الرسالة وترقرقت عيناها وردت عليها …
يسكنني الصمت ويتقمصني الألم …
وتتجاذبني سهام الظنون المدلهمة … تكسر أمواج نفسي العميقة …
وتخنق بسماتي الرقيقة … فكيف … تدّعين الآمان …
وقد كسبتي بي الرهان نالني منك ألم لا تمحوه الأيام …
فأعتزلت الناس فقد نالني منهم ما لم أنل ….
وسلام على الدنيا يا أأأأأأأأأأأأأأيار ….

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *