عبَّارةُ الفرحِ …. تئنُّ
الوطنُ يسكنُ في قريةٍ صغيرةٍ تتدلَّى فيها عناقيدُ النخيلِ والرمانِ في أولِ المشهدِ ، يأكلُ مع المساكين والفقراءِ أرغفةَ الدفءِ ويحتسي حليبَ الحبِّ كلَّ صباحٍ ، و في المدينةِ حيتانٌ بشريةٌ لاتشبعُ ، جوعها مزمنٌ كأنهُ مرضٌ عضال ، و ملكُ يتكئ على برجِ الاحتلالِ يشربُ مع حاشيتهِ نخبَ الفوز ِ في كرسيٍّ جديدٍ، على طاولته كلُّ أطايبِ الطعامِ ، وملفاتُ الجشعِ ، خرائطُ النهمِ والقهرِ تتوسطُ الجلسةَ ، إلاَّ أحلامَ البؤساءِ كانت غائبةً ، أحلامُ الفقراءِ الورديةُ و مزارعُ القرنفلِ والياسمين على الضفة الثانيةِ للنهرِ مربوطةٌ بسرير رغائبهم يترصدها حارسُ الهلاكِ الرهيبُ ، و أمام كنائسِ الشمسِ قافلةُ ربيعٍ من صبيةٍ وأمهاتٍ ، المركبُ صغيرٌ لايتسعُ إلاَّ لألعابِ الطفولةِ ، والحوتُ فاغرٌ فاهُ لايشبعُ يغري بالمزيدِ .
ماكانت الشمسُ لتحتفي بآذارَ ، وتكسو الربا وشاحَ الخضرة المزركشِ بالزمرد والفيروزِ لو كانتْ تعلمُ بالكارثةِ التي ستحلُّ بأخيها النهرِ
ياللأسى دجلةُ ينتحبُ !! تتساقطُ شهقاتهُ نيازكَ ناريةً ،
وعبَّارةُ الفرح* المحملةُ بالتوتِ والخرنوبِ ، يدقُّ فيها إسفينُ التهاونِ التليدُ ، تشنقها رياحُ الإهمال و تختمرُ أدرانُ الفسادِ تحتَ قميصها المرقعِ، رائحتها القميئةُ تدمغُ الأفقَ بوشم التعاسةِ ، وينتهي المخاضُ بحصادٍ بشريٍّ مريعٍ .
ياإلهي ! الحمائمِ تناشدُ السماءَ الخلاصَ ، تمدُّ أيديها للرحمن ، أما أنا فألبسُ ثوبَ الإنقاذِ المتهالكِ أنقذُ بعضَ الأرواحِ من الغرقِ ثم أسافرُ في رحلة أبديةٍ ، يستجيبُ الرحمنُ للدعاءِ ، ينهي الله فصولَ المأساة ، ويضمُّ إلى ملائكتهِ جوقةً جديدةً من الملائكةِ ، جنودُ الشعرِ يثورون يرهقون الأبجديةَ بما يليقُ بموكبٍ جنائزيٍّ، يرسمون مدينةً فاضلةً للغدِ ، يسلِّمون للمقصلةِ رؤوسَ الطغاةِ ، و الزمن يبدأُ بعرض مسلسلَ البحثِ عن الجناةِ .
_________
مرام عطية
*عبارة الفرح كارثةٌ إنسانيةٌ في نهر دجلة و غرق فيها أكثر من مائة من الأطفال والنساء