عبد علي حسن : الرواية العراقية المعاصرة بين الإنفعال والتفكير 

* الرواية العراقية المعاصرة

 بين الإنفعال والتفكير 

     لعلنا لانأت بجديد اذا ما أشرنا الى حجم مانشر وينشر من روايات عراقية من قبل دور نشر عربية وعراقية منذ 2003 ولحد الآن ، كما أن مرد هذا التوسع في النشر بات أيضا امرا معروفا بفعل رفع الرقابة عن المطبوعات ومن ضمنها الرواية ، الا اننا سندخل مدخلا موضوعيا يتعلق بوضع مانشر وينشر في الميزان النقدي للتعرف على مدى أهمية وتأثير هذا الكم الكبير من الروايات ومستوياته المعرفية والجمالية من خلال متابعتنا المتواضعة لما يصدر من روايات ، والمدخل الذي أعنيه هو الصيرورة الابداعية للنص الروائي عبر مراحل التعالق مع التجربة الحياتية ومخرجات الواقع الموضوعي ، وكما هو معروف فإن هناك تعددية لمصادر تجربة النص الروائي الا ان الواقع يبقى هو الرافد الحي الذي يتمتع بأولوية تلك المصادر ويبدو ذلك حتى في التجارب الروائية التي تتهيكل على بناء تخيلي وتستبطن الواقع بوضع غير مباشر ، وبالإمكان وضع ثلاثة مراحل متراتبة يسفر عنها بناء النص الروائي وهي على التوالي مرحلة الإنفعال / التفكير / التعبير ، وبدءا لابد من الإشارة الى انه لايمكن للروائي العراقي ان يدير ظهره لمجريات الواقع الذي شهد ويشهد حراكا متسارعا اسهم في تفكيك بنية المجتمع العراقي تبدى في الاحتراب الطائفي والديني والاثني والقومي على حد سواء وكان نتيجة هذا الإحتراب كما هو معيش ظهور مظاهر العنف والإقصاء الوجودي والتهديد المباشر واليومي لوجود الفرد العراقي ، لذا فقد كان هذا المشهد اليومي من فواعل التجربة الروائية التي استجاب لها الروائيون العراقيون وبمستويات مختلفة ، وقد شكلت هذه الاستجابة المرحلة الأولى للدخول في بنائية النص الروائي واعني بها مرحلة الإنفعال التي ينبغي أن تمهد للانتقال الى المرحلة الثانية وهي مرحلة التفكير التي يتم وفقها تخليق ثيمة الرواية التي تتخلق من المادة الأولية التي انفعل بها الروائي ، أي القدرة على الوصول وتخليق رؤية او وجهة نظر الرواية في الموضوع الذي انفعل به الروائي ليخرج النص من الموقع المحلي المنغلق الى موقع شمولي يتمأسس على مجريات الأحداث التي خلقها النص في المرحلة الأولى ، وأن أي توقف عند مرحلة الإنفعال يعني دخول وتوقف النص في منطقة التسجيل المجرد للأحداث وهو ما توقفت عنده عديد الروايات العراقية التي كان هدفها نقل مايعتمل في الواقع من انتهاكات لمد الصلة مع المتلقي عبر نقل ما يعانيه ومايتعرض له المجتمع من مظاهر العنف والإكراهات المستمرة ، ولاشك فإن هذه الرواية (التسجيلية) وكما هو معروف لاتغني ذائقة المتلقي المعرفية والجمالية ، لانها وإن تمثلت الواقع فهي تقدم واقعا مكشوفا ومشهرا بالنسبة للمتلقي حتى وإن قدمت وفق آليات سردية حديثة ، ولا مجال هنا لايراد اسماء لروايات ظلت متوقفة عند هذه المرحلة الاولى من تعالقها بالواقع والتي تعد كشفا لقدرة الروائي على اقتناص مايمكن التقاطه من مجريات الواقع ليؤثث عليه نصه الروائي فليست كل الوقائع صالحة لتكون موضوعا روائيا وتملك قابلية التحول الى ثيمة شاملة او انسانية أي الانتقال بالخاص ليكون عاما وهنا تتركز فاعلية النص الروائي وتمتعه بشمولية انسانية وهذا ما تتكفل به المرحلة الثانية وهي مرحلة التفكير التي تتمتع بأهمية بالغة بل ومركزية في تشكل هدف النص وهو ما اسماه لوسيان كولدمان بتحقق (  رؤيا العالم ) التي تكشف عن وجه نظر النص حسب هنري جيمس مع اختلاف الوسائل السردية في الوصول الى كلا الهدفين ، فالمرجع / الواقع بحاجة الى معالجة وإعادة انتاج وفق متخيل سردي يسفر عن تشكل الثيمة التي تتجاوز خصوصية الوقائع الى عموميتها لتسهم في رفد معرفي انساني شامل وتتكفل مرحلة التفكير بهذه المهمة التي تستكمل في خطابها الجمالي الذي تنهض به مرحلة التعبير عبر تخليق آليات سردية تنسجم وقوة الثيمة المنتجة ، وبالإمكان ايراد أمثلة عديدة من الروايات العالمية التي امتلكت قيمتها الإنسانية المتأسسة على وقائع محلية خاصة بالمجتمعات التي انتجتها ،هذا مايواجه الرواية العراقية المعاصرة للخروج من منطقة الإنفعال الى منطقة التفكير الذي سيضعها في منطقة الرواية العالمية طط، وسنبقى بإنتظار ظهور هذا الوعي المتقدم بأهمية الرواية في حياة المجتمع .

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| مهند النابلسي : سينما ارتجالية وشهرة مجانية وشخصيات سطحية:وصف دقيق لتحفة ترفو”الليلة الأمريكية”-1973/الفيلم الفائز باوسكار أفضل فيلم أجنبي لعام:1974 .

*يلعب Truffaut نفسه دور مخرج سينمائي يُدعى Ferrand ، الذي يكافح ضد كل الصعاب لمحاولة …

| عبدالمجيب رحمون : كيف نتواصل بالحكي؟ أو الرواية والحياة عن رواية “عقد المانوليا”

لماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ هذان السؤالان الإشكاليان اللذان طرحهما الناقد الأمريكي “هارولد بلوم” لم يكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *