الدكتورة إخلاص باقر هاشم النجار: رســائــل بأنامــل الـقـــــدر (الجزء الثامن والعشرون)

الجزء الثامن والعشرون
مروة : بل لدي دليل قاطع وهو إن زميلتي ريم في المرحلة الرابعة في القسم الإنكليزي صديقة فريال وعلى اتصال دائم وهي تتحرى كل أخباري لأنها تعرف بأني خالتها كما قالت ريم .. ها … أعرفتي الآن من انه لم يلتق بي صدفة .
سُـبل مبتسمة متنهدة : الله كم جميل ورائع … ذلك الحب الذي يُذوّب القلوب والطريف في الأمر انه كل لحظة يعطيني جرعة منشطة من كلمات الثناء والإطراء والقصد يلفت انتباهك ، فأخذتا تتذكران يوم السفرة وهما غارقتان في الضحك ، أفهم من ذلك من ان منذر معجبٌ بكِ .. بل مُتيم ..وعيناه ممتلئتين بالحب ولكن أنتِ ماذا تقولين في ذلك ؟
مروة : لا أقول أي شئ الآن المهم ان يبقى هذا الموضوع سراً بيننا أريد كل شئ يحدث في وقته المناسب ، فعندما افكر أكون على صواب فيما أفكر لأني راشدة وتفكيري يكون وراءه هدف في الحياة .
وبينما مروة جالسة على كرسيها وراء مكتبها وفي يدها قلمها وأمامها الكتب والأوراق وهي تكتب … فإذا هي تنجرف في سرحة ذهنية وحلم يقظة .. كلام سُـبل حول منذر وهي تقول لها : حقاً انه شاب جميل يُحسد عليه لعينيه بريق ساحر كأنه بريق ألوان قوس قزح .. وانفه الطويل المعتدل .. جماله وبشرته المتوردة .. لا .. وفمه الصغير .. كم هو جميل وشعره الأشقر المعقوف .. ثم رمت بقلمها ونهضت وهي تكلم نفسها لا ..لا.. لا يا مروة .. لستِ انتِ التي تنجرفين في مطبات الهوى .. ثم مسحت وجهها بيدها وتنهدت قائلة : اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ما هذا .. أين ذهبت ثم جلست على الكرسي مرة اخرى ، يا إلهي أرجوك .. لا أريد التفكير بمنذر ولا بأي رجل اخر .. أريد ان ابقى تلك الفتاة السوية القدوة في كل شئ لا أريد أن أضعف وأعاني وأبتهل وقد رأيت الكثير من قصص العشق في الكلية والمعاناة ، نعم يا مروة اكبحي جماح نفسكِ واعلمي من انكِ الآن اسوة حسنة.. فإذا زللتِ ستكون أيار .. الدرب ماشية .. طرقت والدتها الباب ودخلت حاملة بيدها قدح شاي .. وضعته أمامها شكراً ماما .. لكن لماذا اتعبتِ نفسكِ .. أجابتها : تعبكِ راحة حبيبتي .. ما بكِ حبيبتي هل أنت مريضة أرى وجهكِ شاحب اللون .. أجابتها : كلا يا امي لا تقلقي نفسكِ فقط أحسُّ بصداع فإقتربت الأم منها وأخذت تضغط على صدغيها ، لا تقلقي ماما .. أخذت حبة اسبرين وأحسُّ بالإرتياح الآن ما دامت يديكِ الكريمتين لامست رأسي .. فالألم لا محال زائل ، جلست الأم وهي مبتسمة قائلة : أه مروة كم أنا متشوقة لرؤية شهادتك وحضور مناقشتك ، ابتسمت مروة قائلة : أوتشكين في أمنيتكِ يا أمي اجابتها : كلا بل متشوقة ، فطرق الأب الباب ثم دخل قائلاً وهو مبتسم : ألديكما إجتماع سري .
مروة مبتسمة : تفضل أبتي أجلس قربي … أدعو من الله ان يوفقني ويجعلني قادرة على تحقيق كل ما تتمنيانه عبد الرحمن : ليلة البارحة كُنا مدعوين في أحد المطاعم وكان من معنا علي زوج أسيل وقد دار الحديث حول العلم وكل منا أخذ يفتخر بذكاء بنيه ، وأنا بالذات كُنت أشيد بذكاء ابنتي المتوقد وإدراكها الواسع ، وتمكنها من الإعفاء العام كل سنة .
خرجت أيار من غرفتها متوجهة نحو المطبخ قائلة : أم سالم أسمع صوتاً صادراً من الصالة ؟
أم سالم مبتسمة : لدينا ضيفة … لا .. ليست ضيفة انها أم مروة مع والدتك وقد أعددت العصير لتقديمه لها .
أيار : حسناً أعطيني العصير .. أنا أقدمه لها بنفسي .. فتوجهت الى الصالة حاملة العصير مرحبة بها .
أميمة في شهرها الاخيرة للحمل : أحس بالتعب .. وكأنني موشكة على الولادة وأنا في شهري الثامن .
فاطمة : ولمَ لا .. لا تستبعدي الأمر فهناك الكثيرات من النساء يلدن في الشهر الثامن ويُسمون بالأطفال الخُدج .. يضعونهم في الصناديق الزجاجية في المستشفى لمدة شهر حتى يكتمل نموهم .
أميمة : أوه .. لا أرجو ذلك يا أم مروة .. اتمنى من الله ان ألد طفلاً كاملاً لا ناقصاً .
فاطمة مبتسمة : وهذا ما أرجوه أنا أيضاً .. لأن حضانته لي .. أم نسيتِ .
أميمة بفتور : لا .. بالطبع .. كيف أنسى .. ذلك .
فاطمة مبتسمة : أنتِ تحملينهُ في بطنكِ وأنا أحمله في خيالي اتصوره في كل لحظة ، فتارة أتصوره ولداً وأخرى بنتاً ، ولكن كل ما يأتي من الله فهو خير ، يا إلهي كم أتمنى رؤيته وأنا أحمله وهو ثقيل الوزن ، وأنك تشعرين بالتعب لأنه يُريد الخروج للحياة .. لأنه ملّ العيش في الظلام طوال هذه الأيام ، وهل أكملتِ جميع اللقاحات يا ترى .. لأني أخشى عليه من الأمراض .
أميمة بألم : المهم ان تبقى دعواتكِ لي بالتخلص من هذا الحمل الثقيل .
فاطمة :انه شئ جميل أن تحسين بفلذة كبدكِ صدقيني أن النساء أمثالي ممن حرمن من الأطفال يتمنين ذلك .
أميمة بشفقة : يا أم مروة .. انها مشيئة الله .. والله عوضكِ بمروة تعادل الألف .
فاطمة مبتسمة : الحمدُ لله .. الحمدُ لله .. عوضني بمروة في بداية حياتي .. حقاً انها تعادل الألف بل المليون كم أحس بالسعادة وأنا أراها قدوة في كل شئ والكل يشير إليها بالبنان الحمدُ لله مرة اخرى لأنهُ سيعوضني بطفل أيضاً وانا في الأربعين ، وأعجب عليك كيف ترفضين الطفل وانت بعمر الشباب .
أيار بعد صمت : هي طبائع .. كل انسان وطبيعته .
فاطمة : صدق لسانكِ كل انسان وطبيعتهُ ، ثم قالت ما هو رأيكم ان تذهبوا معي لرؤية غرفة الصغير التي اعددتها له ، من آسرة ولعب وغير ذلك مما يحتاج إليه .
وفي الأصيل .. وقد زال اشراق الكون .. وزحفت الشمس الى الأفق .. حتى وقت الغروب .. وقد أصفر قرص الشمس واقبلت على الرحيل ، وأميمة اليوم على غير عادتها هادئة شاردة الذهن فسألها سراج الدين عن سبب هدوئها غير المعهود وعيناها المليئتان بالكلام .
أميمة متنهدة ماسحة وجهها بكفيها : في الحقيقة أنا افكر بمسألة الطفل كثيراً ..
سراج الدين : الطفل .. ألا زلت تحملين عبء الطفل أولم نتفق بأنه حال ولادته ستأخذه فاطمة فما الإشكال ؟
أميمة : أ .. أحسُّ بأني لا .
سراج الدين منزعجاً : أرجوكِ .. تكلمي ما الذي تُريدين قوله ..ولا تؤذيني بهذا الإسلوب المبهم .
أميمة وقد ترقرقت عيناها بالدموع : تسرعت في مسألة التنازل عن طفلي فلذة كبدي أتمنى .. لو لم أقل لها .
سراج الدين : آه … أندمتي في هذه اللحظة ؟ كم كلمتكِ ولولا فاطمة أقنعتكِ لما تركتيه ينمو في احشائكِ .
أميمة : لا توبخني الآن … أعرف جيداً ما الذي تُريد قوله .. وأعرف جيداً .. ان فاطمة تنتظرُ الطفل بفارغ الصبر ، وقد هيأت له كل شئ مما يحتاجه وأعلم بأنها هي التي اقنعتني بالإعتناء به لأجلها وانها كفيلة به منذ أول صرخة يطلقها معلناً بدء حياته .. لكن ..لكن ..هذا .. حقاً يؤلمني .. أنا لا أقصد التراجع عن كلامي ولكن احس أحساس أم تحمل جنيناً في جوفها تحملهُ وتحسهُ .. بالطبع .. له معزة كبيرة .
وبينما هما جالستان في الحديقة يتناقشان جاءت أم سالم على استحياء وقالت لها : أريدُ أن أكلمكما بموضوع خاص .. فأجاباتها : موضوع .. نعم تفضلي أجلسي .. وتكلمي بما تُريدين قوله .
أم سالم كئيبة الوجه معتصرة القلب: حقيقة لا أعرف كيف ابدأ وكيف أصوغ كلامي.
أم قتيبة مبتسمة : عزيزتي تكلمي بلا خجل أو وجل .. فصدري رحب لكِ تكلمي وكُلي أذان صاغية لكِ .
أم سالم وبتلكؤ : الشوق يقتُلني .. لأولادي .. فترقرقت عيناها بالدموع .. وأنتِ بالطبع .. تفهمين ما أشعر به من ألم فرقة وحرقة قلب أم على أولادها .
أم قتيبة مشفقة على حالها : محاولة مسح رأسها .. وكتفها .. يا خالتي .. بالطبع .. اني متفهمة لكلامك .. أعانكِ الله على إبتلائكِ هذا .. ثم اطرقت قليلاً .. وبعدها قالت .. وما المطلوب مني .. فعله .. قالت هذا الكلام وهي بالطبع متخوفة من طلب إلا وهو أن تذهب هي وسراج الدين لزيارة أبنها المجرم في السجن .
أم سالم : لقد اغرقتموني بفضلكم يا ام قتيبة ، أريدُ ان يأخذني قتيبة بسيارته الى أحد أصدقاء ولدي الذين في الخارج لأسأله عنه ، سمعت بعودته من الخارج قبل أيام لأنهُ كان أيضاً في نفس الدولة .. أميمة فتحت عينيها وقالت مبتسمة .. لكِ ما طلبتِ .
أيار في غرفتها معتكفة تدرس بجدية .. أما معاذ فيهزأ كثيراً بالدراسة فتراه … حينا ً.. ينظر في الكتاب ثم يرميه على الطاولة ويتناول الدفتر او يضع القلم وراء أذنه وهو متثائب أو مسترخي في جلسته على الأريكة .. تأفف .. وقال أكل هذا علم وكأنه أستيقظ من حلم .. أدرس ولا أحصل إلاّ على النزر القليل من الدرجات تكاد تكون الدرجة الفاصلة بين النجاح والرسوب ، وهي أفضل من الدرجة التي يخط تحتها الخط الأحمر ، لذا تراني لا أحرز الدرجات الخالية من الألوان فقط الدرجات الملونة .
سُـبل : أنا سعيدة جداً بكِ يا حبيبتي مروة وأتحرق شوقاً ليوم مناقشة الماجستير،فما هي خطة أعمالكِ في العطلة بعد المناقشة،وأقصد الى أي مكان ترشحينه للإصطياف.
مروة : وأنا أيضاً سعيدة بكِ حبيبتي … سأقضي في البانيو والأرجوحة والحديقة .
سُـبل بإستغراب : أهذا لغز يا ترى ؟
مروة : اظنُّ اننا هذا العام لا نسافر .. سنقضي عطلتنا في البصرة أوه عزيزتي سُـبل .. لمَ أنتِ هكذا تنسين بسرعة أحداث حياتي المهمة ، أونسيتي (ميسم) الطفل الحبيب الجميل المنتظر الذي سيحلُّ علينا بمشيئة الله تعالى في بداية الشهر المقبل .. وبالطبع يحتاج الى رعاية وعناية ومداراة ونخشى عليه من حر الصيف .. وبرد الشتاء .. ومن الأمراض .. وغير ذلك حفاظاً على صحته وسلامته .. سيملأ حياتناً سعادة وهناء ، لذا فما دُمنا سنكون سعداء اذن لا حاجة لنا بسفرة ترفيهية .. أليس كذلك ؟
سُـبل: نعم بالطبع وبدون شك لكن وددت سؤالك حول منذر ما هي أخباره معك يا ترى ؟
مروة بجد : لا أخبار له معي .
سُبل : لكن حقيقة أحببت معرفة ما الشيء الذي قلب شخصيتكِ قبل أيام من هدوء وتارة اخرى ضيق ونرفزة ؟
مروة متنهدة : لا يا سُبل في هذه الأيام كُنت أبرمج أفكاري .. أدخلت سلسلة البيانات والمعلومات والأحداث الجديدة التي مرت بي في شريط الذاكرة والبرمجة ،فظهرت لي بعد ذلك الإجابات التي لابد لي من السير بهديها، وما منذر إلاّ قريب لي ،لاشئ غير ذلك وأنا لا زلت طالبة علم ، وسأبقى ذات قرارات ثابتة ومن أهم قراراتي،هو بأن لا أسمح لنفسي بأي علاقة مع أي شخص إلاّ وانا متفرغة من الدراسة .
سُـبل متنهدة : أجابات عائمة وماذا ستفعلين له .. فهو مُتيم .
مروة : سُـبل .. تذكري هو المتيم ولستُ أنا المتيمة لذا لا شأن لي بهذا وهو لا يقل شأناً عن الكثير من المعجبين بي ولا فخر بنفسي .. لقد تقدم لخطبتي الكثيرون ورفضتهم .. هذا قراري ولن أتنازل عنه لأني لست مرغمة على خوض علاقة حب أو غير ذلك .. وأرجوكِ … أغلق هذه النافذة لأنها تزعجني .
سُـبل : وإذا ما قرر منذر في هذه الساعة للبوح لكِ عن خلجات نفسه .
أيار تطلب من مُعاذ ان يزودها بقرص يحتوي أغنية المطربة أم كلثوم …
مُعاذ مبتسماً : ماذا ماذا ؟ أيار … تريد … سماع أم كلثوم … يا للهول … ماذا حدث اليوم ؟ومن أين جاء هذا الحب لهذه الأغاني ؟ ، وما هو سبب هذا الإنطلاق الصاروخي غير المتوقع ، سأزودك بكل أغانيها .
أيار مبتسمة : لا لا لا تفهمني … غلط فليس هناك حب ولا حتى أعجاب بهذه المطربه الكريهه الكئيبة المملة التي تكتسح الوقت جله … وهي تقف على المسرح من الصباح الى المساء كما تقول أنت .
مُعاذ مستغرباً : ما الخطب … أرجو التوضيح … يا غريبة الأطوار …؟
أيار : في الواقع أن لي صديقة جديدة أسمها سبأ وقد دعتني الى سماع أغنية لأم كلثوم وقد حددت اسمها ، وعلى الرغم من كرهي لهذه المطربة ، أرتأيت فقط سماعها لأعرف ما السر الذي يجعلها تحبها فقط لا غير .
علماً بأني لم أعدها بسماع هذه الأغنية ولا غيرها من أغانيها الكئيبة .
مُعاذ مبتسماً : لدي كل أغانيها … ولكن … لا أعرف لماذا أغرب عن خلدك التصفح على النت والإطلاع على كل أرشيفها … وما عليك سوى إنتقاء الأغنية التي تُعجبك .
أيار : والله صحيح … ولكن فاتني الأمر لعدم أهميتة … ولضيق وقتي مقارنة بواجباتي المدرسية ، فضلاً عن انه ليس لدي حاسوب خاص بي ولم يثر ذلك انتباهي … فأعطني حاسوبك … خمس دقائق .
مُعاذ ضاحكاً : حقيقة لا أحب ان يستخدم حاسوبي ( اللابتوب ) أي شخص ولاسيما الذين لا يجيدون استخدامه ، ولا يجيدون استخدام النت فيه … ثم ان كل أغنية يتطلب سماعها بحدود ساعة وليس دقائق … ولكن لديك النقال الخلوي الكلاكسي الحديث (أس فايف) الموجود بحوزتنا جميعاً ، ولا أعرف لماذا تبقين تجهلين التقنية وهي بين يديك وتتشبثين بالإسلوب التقليدي المتخلف لقراءة الكتب بإسلوب مادي ، بإمكانك سماع الأغنية او أي موسيقى أخرى من على نقالك ، واذا شئتِ ذلك تعلمي ، فلن أعيرك حاسوبي … ولا تُغشمي نفسك فأنت تستخدمين (الفيس بوك) (والواتس أب) … لكنك تريدين التسلل الى خصوصياتي عبر الحاسوب .
أيار : لا تُهول الأمور فهي مجرد أغنية جوفاء فاقدة المحتوى أعرني الحاسوب مساء الخميس وسأسمع بعد أن أنهي واجباتي المدرسية وسأرجعه لك بالحال، وسأطلب من والدي ان يزودني بحاسوب أحدث من حاسوبك ولكن بعد السادس لئلا أنشغل فيه ، أريد سماعها في الحاسوب لأن شاشته كبيرة وليس كمثل شاشة النقال الصغيرة .
مُعاذ ضاحكاً : أنا أأأأأأسف …. ذكريني غداً الخميس … وأعطني نقالك … وسأعلمك كيفية استخدامه … وستسمعين الأغنية منه مباشرة وحتى حفظها ان شئتِ … وتبريرك غير مقتع … وسأفترض بأنك … كلاسيكسية وتعيشين داخل كهوف أرشيف الكتب وسألتمس لك العذر .. وإلاّ … فلا .
أيار معترضة قلبت شفتيها : أنا أعيش في الكهوف أم أنت المتصابي ؟
مُعاذ ضاحكاً : مسكينه تُثيرين شفقتي .
أيار مبتسمة : سبحان الله وهذا رأيي فيك أيضاً .
المهم .. حل مساء الخميس وأنهت أيار واجباتها المدرسية وفي نفسها رغبة ملحة وجامحة لسماع الأغنية التي حفظت عنوانها ، وعندما إنتهت توجهت بالحال الى مُعاذ ووضعت النقال بين يديه وراح ينظمه ويضيف له بعض البرامج ويعلمها ويتمازح معها بسخرية وتهكم ، وهي تتحمل على غير عادتها المهم علمها الطريقة … وظهرت الأغنية وتم حفظها في النقال … وتوجهت الى غرفتها لتسمعها .
أستلقت على سريرها ووضعت النقال قرب وسادتها وراحت تشاهد وتسمع الأغنية التي حددتها سبأ وعلى الرغم من مقتها لهذه المطربة إلا أن الرغبة في سماعها تسللت إليها من رغبة صديقتها الجديدة ، معتبرة ان ما تسمعه وكأنه محاضرة مفروضة عليها لتتعرف عليها ، المهم بدأت الوصلة الغنائية … والطريقة البطيئة في الغناء … والتكرار … يجعل المطربة وكأنها مدرس يُلقي ويشرح ويُعيد لغرض الحفظ ، مما يجعل المستمع يتحول من متلقي الى متفاعل … فيقود الى ان يتحول الشعور من الترهيب الى الترغيب … فغنائها عبارة عن قصائد شعرية عاطفية ، تتمايل مع الهوى تدغدغ الشعور وتُغازل الروح وتخاطب العقل ، سمعت بإمعان الى ان أنتهت الأغنية ، فعاودت سماعها مرة ثانية لتحلل العبارات التي تكررها ولا سيما العبارات الرنانة التي تجعل المستمعين يتهسترون منفجرين في التصفير والتصفيق حيث يقفون على أقدامهم تشرأب رؤوسهم نحوها ، وبعد السماع جلست على سريرها وراحت تتصل بسبأ وعلى خدمة الفايبر ، وذلك لأنها الوحيدة من صديقاتها التي تجدها مستيقظة في أي وقت متأخر .
سبأ مبتسمة : حياك الله وبياك صديقتي ظننتك نمتِ الآن لكني أحببت سماع صوتك ،والحمد لله وكأن ربي سمع نداء قلبي وساق لي صوتك الذي أعتبره أوكسجين لحياتي.
أيار بهدوء : الله … ما أروع كلامك … أشتقت لسماع صوتك … مرّت ساعات ولم أسمعه ولكن هل أنا فعلاً أوكسجين لحياتك تعبير كبير … وهل أنا أستحقه برأيك ؟
سبأ : أشعر وكأني سمكة أعيش في نهر أنتِ ماؤه ! فلا أستطيع العيش بدونك ، وقبل أتصالك هذا كنت أتكلم مع أختيّ أطوار وأنهار عنك .
أيار متأثرة وقد أفحمها الكلام ونست ما أتصلت من أجله متنهدة : وماذا تكلمتِ عليّ لأخواتك … ؟
سبأ : تكلمت عنك كل الخير … ولم أتكلم عليك … فهناك فرق ما بين عن وعلى … ولكن أعجب لإتصالك المفاجىء السعيد في هذا الوقت ، أتعرفين … كل حديث عنك حلو المذاق طيب النكهة … وأنا أتلذذ بالحديث عنك ولا أتذكر ما قلت عنك المهم … انك كنت هنا قبل قليل .
أيار : والله شعوري متبادل … أتعرفين اليوم … بل قبل لحظات … سمعت أغنية ام كلثوم التي اهديتيني اياها ، سمعتها بإمعان مرتين الأولى للإطلاع والثانية للتحليل … سمعتها لأجلك أنت … لأجلك يا سبأ … تحملت سماع أغنية بحدود ساعة .
سبأ ضاحكة : أشكرك حبيبتي … فكل كلمة أعجبتك في الأغنية مهداة لك .
أيار مبتسمة : لم تُعجبني …. طويلة ومملة … وثقيلة الظل .
سبأ مستغربة : اذا كنت …. انزعجتي من سماعها … فلماذا أذن اتصلتي بي في مثل الوقت الروحاني الذي الذي تتصافى فيه القلوب … وتصدق فيه الكلمة .
أيار : وأنا الصادقة … وقلت الواقع … ما عدا بعض المفردات التي تعب لسانها من تكرارها وجدتها معبرة وأظنك قصدتيها لأنها تشير الى عمق حب وصدق مشاعر وأتون شوق مستعر .
سبأ متنهدة : أذن … أصبتي الهدف يا أيار … عندما ترجمتي مفرداتها … وفهمتي مآربي الصادقة .
وعلى الرغم من كل الدهاء الذي بذل لزرع بذور الفرقة بين كل من أيار وسبأ إلا إن هذا العمل لم يُأت أكله ، مما دعا المجموعة الماكرة (الشلة) الى البحث عن طرق أخرى جديدة أقوى من سابقاتها ، واستثمارها إستثماراً فعالاً للقضاء نهائياً على علاقتهما ، وإستغلال هيفاء لتفعيل هذه الخطة بشكل غير مباشر ، المهم جذب أسماعها وإيهامها بأنها تسترق السمع ، وبالفعل كان للمجموعة ذلك وبينما هيفاء جالسة تنقل في إحدى الدفاتر باقية في الصف حيث الدرس الأخير درس رياضة في يوم خميسي حيث المدرّسة مجازة ، فإحتشدت المجموعة الماكرة مع عدد من الطالبات المتفق معهن من الفرع الأدبي على عدد من الكراسي بشكل دائري ، ورحن يتكلمن ويضحكن بهدوء بقصد إيصال الكلام الى أسماع هيفاء ، وهن يبدأن الخطة بقولهن : والله أن صديقتنا أيار ذكية وبارعة وداهية ، وقد ربحت الرهان الذي قطعته لنا ، وتحدت غرور وعنجهية وعجرفة سبأ وجعلتها كالخاتم بيدها وذوبتها بعد ان كانت جليداً وجعلتها تدور في أفلاكها ، دوراناً عشوائياً دون إهتداء ولاحظوا بمجرد ان تطلب منها أيار التغيب وعندما تتغيب يحدث ذلك دون شك والكل يلاحظ ذلك ، ويستطردن في الحديث ويقولن : أتعرفون لماذا ؟! لأننا عندما ذقنا ذرعاً بغرورها ونظراتها الوقحة وابتسامتها التهكمية ، قررنا وراهنا أن نقتل غرورها وكبرياءها ، ووقتئذ أبرقت أيار وقالت أنا أقبل الرهان وأنا القادرة على ذلك وبالفعل ربحت الرهان ولابد علينا ان نشتري لها ثلاثين علبة (ببسي) ، بالدرجة التي تجعل سبأ تقول لها أأأنا … كالسمكة التي تسبح في ماء بحرك … فضحكن بشكل يثير الإنتباه وأيقن بأن الخطة في طريقها الى التنفيذ الناجح ودون مواربة وقد أتت أُكلها ، لاسيما وان العبارة الأخيرة صحيحة مئة بالمئة ، مما يجعل الخطة نهائية وضربة قاصمة قاتلة لأي علاقة بحسب زعم المجموعة ، وحالما انتهت المجموعة من بث سمها الزعاف في أذن هيفاء خرجت وكأن لم يسمعها أحد مموهة الصورة بعدد كبير من الطالبات مشركة أخريات من الفرع الأدبي لإضفاء صفة المصداقية على الحديث .
كانت الصدمة شديدة الوقع على مسامع هيفاء التي تجد في أيار مثال للصورة الناجحة الناصعة البياض المتكاملة الأطر ، وقد تهشمت بالحال كالزجاج الذي يصعب تجميعه مما قاد الى إحمرار عينيها وقد تشتت أفكارها ولا تعرف ماذا تقول ، وبينما هي كذلك حتى دخلت عليها أنصاف مبتسمة لتسألها لماذا لم تخرج للساحة لحد الآن ، فوجدتها على غير طبيعتها الفطرية وكأنها تضع على وجهها القناع وتؤدي دوراً تمثيلياً لا يليق لها ، ما الخطب أيتها العزيزة ؟ تركتك في أحسن حال … ولماذا كل هذا الألم في عيونك ؟
هيفاء متنهدة : والله كارثة .. أصمت أذنيّ وشلت أطرافي وزلزلت كياني ،لقد تمكنت من معرفة بعض المعلومات لا بل بعض الحقائق التي تجعلني أفقد الثقة بالكثير .
أنصاف : أرجوك … لا تُخيفيني … وكأنني أتكلم مع فتاة أخرى لا أعرفها … ماذا دهاك ، أرجوك وضحي لي ولا تجعليني في حيرة ، وفي هذه الأثناء وبينما أنصاف تتوسل بها وتطلب توضيح الأمر ، جاءت كل من أيار وسبأ والفرحة تملأ المقل والمشاعر تلون الأفق وهي تشدُّ على يدها كالمعتاد وكأنها تريد أن تبقيها في يديها دائما دون إفلاتها ، همست سبأ لأيار مبتسمة … بالتأني وعدم دخول الصف لتسمع ما الأمر ، لعل هيفاء تخاصمت مع خطيبها … الذي لا يُجيد القراءة والكتابة … فأيدتها أيار مبتسمة بالموافقة .
هيفاء متأثرة واجمة : قد فشلنا في التقريب ما بين أيار وسبأ ، وأتضح أن أيار بالفعل فنانة حاذقة وبوجهين وبالفعل هي الآن تمثل على سبأ ، وقد ربحت الرهان الذي قطعته مع هبة ومجموعتها ، وأبلغتهم بأن سبأ أصبحت كالسمكة الصغيرة في حوض مسرحها الواسع .
أنصاف : هذا هراء … يا هيفاء … من غسل دماغك بهذه التفاهات .
هيفاء : والله لم يخبرني أحد … أنا سمعت الطالبات … دون أن ينتبهن لوجودي .
وقد سمعت كل شيء كل شيء ، من الألف الى الياء ، وسمعت كل تفاصيل الخطة التي نفذتها أيار على سبأ المسكينة التي أصبحت الآن أضحوكة بيد المجموعة الماكرة … وأيار الآن كسبت الرهان … وحالما سمعت سبأ هذا الكلام وكأن صاعقة كهربائية صعقتها وجعلتها ترتجف لهول ما تسمع فأفلتت يدها بقوة ذاتية طاردة ، والشعور ذاته تولد في صدر أيار ، عندها حاولت الدخول ، فمنعتها سبأ وقالت لها : إذا كنت شجاعة دعيها تكمل نشر الغسيل فراحت هيفاء تواصل الحديث وهي متألمة .

… يتبع

تعليقات الفيسبوك

شاهد أيضاً

| كريم عبدالله : كلّما ناديتكِ تجرّحتْ حنجرتي.

مُذ أول هجرة إليكِ وأنا أفقدُ دموعي زخّةً إثرَ زخّة أيتُها القصيدة الخديجة الباهتة المشاعر …

| آمال عوّاد رضوان : حَنَان تُلَمِّعُ الْأَحْذِيَة؟.

     مَا أَنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهَا الْيَقِظَتَانِ سَوَادَ حِذَائِهِ اللَّامِعِ، حَتَّى غَمَرَتْهَا مَوْجَةُ ذِكْرَيَاتٍ هَادِرَة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *