الناقد والروائي محمد علي النصراوي: المشهد الروائي العراقي يقع ضمن خطاب ما بعد الكولنيالية
حاوره: عصام القدسي
يعتبر محمد علي النصراوي واحداً من النقاد العراقيين ، مارس النقد منذُ أوائل التسعينيات ، وظف المنهج البنيوي في أغلب مماراساته النقدية في مجالي الشعر والقصة إلاّ إنَّهُ في المرحلة الأخيرة أختص نقده في المجال السردي .. أبتكر مصطلح ( المنطقة المقدّسة ) ، وفي إثر ذلك أصدر كتابه النقدي ( طيف ,, المنطقة المقدّسة ،، / حفريات نقد ما بعد الحداثة ) ، الذي وضع فيه منظومته الإجرائية في الكشف عن ( المثيرات الموضوعية والمعرفية ) المتموقعة في الأنساق الإشارية للنص ، وعلى وفق تصوره الفلسفي عدَّ هذه ( المنطقة ) عبارة عن مجال شبحي / مخلّق ناتج من تداخل أو تقاطع نص القارئ المتشكل ذهنياً مع نص المنشئ ، ومن جرّاء هذا اللقاء التفاعلي بينهما تنبثق ( الرؤيا ) التي توحي ثمة شبح ما ترك آثاره لنا والذي يتم حضوره في لحظة من لحظات التفعيل القرائي له كـ( بنية افتراضية مخلّقة ) فإنَّ استدعاء هذا الشبح / الجسد الغائب ما هو إلاّ طريقة من طرق استحضار شبح هذه المنطقة .. لذا فهي تتكشف لنا شيئاً فشيئاً من خلال اكتشافنا ( للمثيرات ) المموضعة في داخل النص .. وعليه فإنَّ هذا (المثير) يمثل الحضور الفعلي للشيء الغائب من خلال الصورة المرئية التي تركت أثرها في جسد المكتوب ..وفي إثر ذلك كتب مقدمته الطويلة التي أنتهت على شكل كتاب منفصل بعنوان ( توقيع الأثر ) / أستحضار طيف المنطقة المقدسة وتفكيكها / .. والنصراوي كتب مقدمته بعد أن أصدر كتابه الأب / الأصل ( طيف المنطقة المقدسة ) مستلهماً المقدمات التي كتبها كل من هيجل لكتابه ( ظاهراتية العقل ) ، ومارتن هيدجر ، وميشيل فوكو ، وجاك دريدا .
وهكذا يمكن القول أن كتابة المقدمات تصبح دون قصد من كاتبها ، مشاركة في الهوية عبر الأختلاف . وبما أن المقدمة تعدُّ هامشاً ، فأنَّ كتاب ( توقيع الأثر ) يعدُّ ( الهامش ) أو ( الملحق ) لكتاب الأب / الأصل ، بكونه الجزء الدال والخطر ، أي ذلك الحد أو العنصر أو العتبة ، وهو ربما ينضاف إلى النص / الأصل أو يسد نقصاً فيه أو ربما يحل محله ..
صدرت للناقد محمد علي النصراوي الكتب الآتية :-
1 / رواية – جمرات التدوين / دار الشؤون الثقافية العامة سنة 1999م .
2 / طيف ( المنطقة المقدّسة ) / دار الشؤون الثقافية العامة سنة 2006م .
3 / رواية ( مدوّنة ألواح الرؤيا ) / دار فضاءات للنشر والتوزيع / عمان عام 2013
له تحت الطبع :-
1 / رواية ( البرقيل )
3 / ( توقيع الأثر ) / دراسة نقدية عن الأثر والأصل وفلسفة الحضور .
ألتقيناه في الإتحاد العام للأدباء المركز عام وطرحنا عليه الأسئلة الآتية :-kh mohammad ali alnasrawi 2
س 1 – هل ثمة خطاب نقدي عربي معاصر ..؟
خطابنا النقدي مفتوح على حقول معرفية أخرى لهذا فهو يستوعب الأجهزة المفهومية المتمثلة بمصطلحات تلك الحقول التي تقع خارج نظامه ليدخلها في سيرورته من هذه الناحية ، نقول نعم . وعليه فان عملية تلاقحنا الفكري مع الآخر في مختلف مدارسه واتجاهاته ونظرياته الحديثة عن طريق الترجمة – قد فتحت لنا آفاقاً ومديات واسعة على مجموعة من المفاهيم والمقولات التي شكلت جهازاً اصطلاحياً متشابكاً ومعقداً لمختلف العلوم والمعارف في تشكيل خطابنا النقدي العربي المعاصر . لذا نلاحظ في أحيان كثيرة إن خطابنا النقدي المعاصر ، بدا وكأن مصطلحاته معلقة في الفراغ لأننا لا ندرك مرجعياتها الفلسفية ولا حتى تطورها والظروف الفكرية التي ولدت فيها – غير إن ما يميز خطابنا المعاصر – عن الخطاب الغربي الحديث – هو إن خطاب الآخر مبرمج على أسـس نظامية ومصطلحاته مرتبطة ارتباطاً مباشراً بتطور المشروع الثقافي الغربي نفســه ، من هذه الناحية أقول رحنا نتعكز على خطاب الآخر . ومن بين هذه المفاهيم التي نقلت إلى العربية مفهوم (الحداثة) و(ما بعد الحداثة ،أو الحداثة البعدية ) . لقد كانت الحداثة حدثاً حقيقياً عاشته الثقافة الغربية ، بدءاً من الحافة الأخيرة للقرون الوسطى ، إذ بدأت آنذاك عند الآخر – حداثة فعلية في مختلف شـــؤون الحياة في الفن ، في العمارة ، في الموسيقى ، في الكتابة ، في الأدب ، وحتى في التعامل الحياتي اليومي وذلك بفعل الفئات النخبوية التي أثرت في مجتمعاتها . وبهذا المعنى وكما يؤكد الناقد والمفكر العربي مطاع صـفدي – إن الحداثـة أصـبحت لديـهم حالة ( محايثة ) – والمحايثة تعني بالضبط حالة معايشة في صميم الواقع اليومي ، أي لتلك النخب والجهات الفاعلة في المجتمع . هكذا إذن أصـبحت الحداثة واضحة جداً بالنسـبة للغربي . فالغربي يمرحـل حضارته على أسـاس إن هناك الفلسـفة القديمة ، أو العهد القديم ، أو العصـور القديمة ، تلك التي تمثل الأصول الإغريقية للفلسفة وللفكر الغربيين من هنا جاءت حداثة الغربي على هذا النمط من المجتمعات المتشـددة . لذا فان أية محاولة فكرية تعارض هذه القوانين والسنن بمثابة خرق لسلطة الكنيسة . فجاءت الحداثة الغربية كفكر تمردي على كل هذه الأعراف .
س2 – كيف تقرأ مفهوم ( القطيعة ) عند الآخر ، وهل ثمة ( قطيعة ) في خطابنا العربي المعاصر ..؟
علينا أن ننتبه ثمة نقطة جوهرية ينبغي علينا تفهمها لمفهوم (القطيعة) – هو إن القطيعة هي انفصال في الوقت الذي تكون فيها على اتصال بالماضي . وهكذا بدأت القطيعة مع الميتافيزيقيا التي كانت وراءها . فبعد إن كانت الكنيسـة تؤكد (اللامتناهي المفارق) الذي هو سلطة عليا مطلقة – أصبح يقابلها الآن لامتناه آخر هو(الإنسان) ، إذن نزلت الحداثة من مستوى (المفارقة) إلى مستوى (المحايثة) . إذ لا يجد الإنسان أمامه إلاّ الإنسان . وبهذا المعنى أصبح الإنسان هو اللامتناهي الحقيقي ، وأنه هو القادر وهو المستطيع وهو المفكر وهو المخطط وهو الصانع لتاريخه الحاضر وهو الذي يخطط لمستقبله بنزعة إرادوية . ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه – هل شكّل الخطـاب النقدي العربي طابعه المميز ..من خلال تفهمنا لمفهوم ( القطيعة )؟ أن هذا المفهوم جعل الإنسـان العربي يتعرف على ذاته ، على هويته العربية ، على تراثه الحضاري ، على تاريخه ، على أساطيره وعلى عاداته وسلوك حياته من خـلال وعي الآخر عبر تنظيمه لمراحل تطوره الحضـاري ..؟ من هنا نطرح سؤالنا هل أستوعب الخطاب العربي – درس الحداثة من خلال تعرّفه على المشروع الثقافي الغربي ..؟ وهل ثمة خطاب نقدي حداثوي عربي استطاع من خلاله المثقف العربي تأكيد مشروعه القومي ..؟
س 3 – ضمن سياقنا هذا الذي تركز على أشكاليات خطابنا العربي المعاصر .. كيف تقرأ الهوية العربية لشعوب العالم الثالث …؟
مفهوم ( الثقافة ) أخذ حيزا كبيرا في الدراسات الحديثة التي تقع ضمن نظريات ما بعد الحداثة وخاصة في النقد الثقافي .. أرتبط بشكل مباشر بالمفهوم الإجتماعي على أساس أن المجتمع يعدُّ الحاضنة الرئيسة لتبلور ثقافة أمة من الأمم ، ولو تتبعنا جذور هذا المفهوم نجد العالم الفرنسي الأجتماعي الشهير البيير بيرديو قد طرح مفهوم الآيبتوس وهي كلمة يونانية وتعني فعل الملكية/التملك. استعمله أرسطو (384-322 ق.م) والذي أعطاه معنى طريقة الوجود الثابتة والتي يصعب تعديلها أو تحويلها. كما استعمله طوما الاكويني (1225-1274) والذي أعطاه معنى العادة، وفي الميدان الطبي يستعمل بمعنى العرض كآبتوس السل ، وآبتوس البلورات لوصف شكلها الهندسي، آبتوس الكوارتز مثلا، أما في الحقل السوسيولوجي فقد استعمله إميل دوركهايم (1858-1917) في كتابه التطور البيداغوجي بفرنسا بمعنى الطبع واستخدمه مارسيل ماوس (1872-1950) في حديثه عن تقنيات الجسد ضمن مؤلفه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا بمعنى العادة . أما الآبتوس بالنسبة لبورديو : يعدُّ نسقاً من الاستعدادات الدائمة والقابلة للتحويل أو النقل ، بنى مبنية مستعدة للاشتغال بصفتها بانية، أي كمبادئ مولدة ومنظمة لممارسات وتمثلات. وهذا يؤكد لنا أن الآبتوس هو المجتمع وقد حل واستقر في الجسم عن طريق سيرورة التربية والتنشئة الاجتماعية والتعليم والترويض وكل ما يحمله المجتمع من قيم وأخلاق .. أي بمعنى آخر هو ذلك التاريخ الذي يسكن الأشخاص في صورة نظام قار للمؤهلات والمواقف ، بينما نجد المفكر العربي محمد عابد الجابري في تعريفه للثقافة : هو ذلك المركب المتجانس من الذكريات و التصورات و القيم و الرموز و التعبيرات و الإبداعات و التطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطور بفعل ديناميتها الداخلية و قابليتها للتواصل و الأخد و العطاء، و بعبارة أخرى الثقافة هي المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم ، عن نظرة هذه الأمة للكون و الحياة و الموت و الإنسان و مهامه و قدراته و حدوده و ما ينبغي أن يعمل و ما لا ينبغي … وعلى وفق هذه التعاريف نجد هناك ثلاث مكونات أساسية تتمثل في ثقافتنا العربية وهي : 1 – اللغة كمحدد أساسي أولي و هي اللغة العربية الفصحى، لغة القرآن و البيان 2- الدين الذي يعدُّ عنصرا مهماً في تشكيل الهوية العربية الإسلامية على اعتبار أكثر من تسعين في المائة من ساكنة العالم العربي مسلمة لم نميز بين الهوية الإسلامية بإيحائها الديني و بين الهوية العربية ، و لكن ذلك لا يعني أن الفصل بينهما غلط بل ربما يكون هذا الفصل مطلوبا في سياق آخر … 3 – التقاليد و الأعراف و الرؤية العامة للكون ، وهذه التقاليد مرتبطة في جوهرها بالدين هي الآخرى .. من هذا المنطلق الإجرائي في فهمنا إلى الهوية الثقافية العربية التي تقوم بتمثلات الأنساق الثقافية وتشربها علينا أن نعرف الآخر .. مَنْ هو الآخر ..؟ الآخر الذي تمثله مركزية الغرب وتفوق العرق السامي ، برسم العالم المضاد في خطابه المتعالي هو عالم الشرق بطريقة تنزع إلى موضوعته في حدود المهمش والمنتقص وإعادة كتابة التاريخ الثقافي الأوربي بصورة تحقق له الوحدة والأستمرارية من جهة ، وتجعل منه التاريخ العام للفكر الإنساني بأجمعه من جهة أخرى .. فعلى وفق هذا السياق يتكشف لنا الخطاب الغربي في تعاليه ونظرته الدونية إلى شعوب العالم الثالث ..
س 4 – ولكن أليست هذه النظرة الدونية من قبل الآخر لشعوب العالم الثالث تقودنا إلى الخطاب الكولينيالي الإستعماري …؟
بالضبط أستاذ عصام وعلى وفق هذه النظرة الدونية لشعوب العالم الثالث ظهورت أعمال جماعة دراسات التابع القائمة على كتابة التاريخ الهندي، بدت هذه الجماعة متأثرة بالتقاليد الماركسية الإنجليزية، لتدوين التاريخ، وكان شغلهم الشاغل هو التعبير عن المستعمَرين (الذين وقع عليهم الاستعمار) أكثر من تبني وجهة نظر المستعمر (الذي قام بالاستعمار).. وهي تعنى بتقديم قراءة تاريخية وهي كما جاءت تركّز على “صوت” الفئات المهمشة أو التابعة في المجتمعات كبديل عن وجهة نظر المثقفين. وتعتبر جزءاً من الخطاب ما بعد الكولونيالي إذ أنها تبحث عن آثار الاستعمار على الثقافات والشعوب التي عانت من الحكم الكولونيالي، وتربط ما بين تشكيل المعرفة وعلاقات القوة والسلطة في المجتمعات. دراسات التابع بدأت ضمن إطار مجموعة أعمال أنشأها مثقفون من الهند وتعنى بدراسة تاريخ شرق آسيا ولكنها أصبحت اليوم مقاربة نقدية لكتابة التاريخ قائمة بحد ذاتها. وكان من أهداف هذه الجماعة هو إيصال صوت المضطهدين في خطاب هيمن عليه المستعِمر ، كما أن دراساتهم أعطت أهمية كل من المفكريّن فرانز فانون وأدوارد سعيد ، بالأضافة إلى أفكار القومية السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية . وهكذا راح هذا الخطاب يتمثل في الشّتات والمهاجرين من الدول المستعمَرة سابقاً إلى الدول التي استعمرتهم .من هنا برزت جماعة دراسات التابع وقد توجتها الفيلسوفة الهندية جاياتري سبيفاك بدراستها المهمة – هل يستطيع التابع أن يتكلم؟- راحت أسبيفاك تبحث وتنقب عن خصائص الخضوع والتابعية التي ميزت سكان منطقة جنوب آسيا .على وفق هذه الرؤية لجماعة دراسات التابع أعتقد أن أدبنا العربي والعراقي وأخص به المشهد الروائي يقع ضمن خطاب ما بعد الكولنيالي ، إذ ما زال هذا الخطاب متمثلاً في أغلب الروايات العراقية ومنها أدب السجون والمعتقلات ومن ضمنها معتقل ( بوكا ) وقد لاحظنا مثل هذا الإشتغال في روايات عدة مستلهمة ثيمة سجن بوكا : ومنها رواية (مجانين بوكا ) لشاكر نوري ، ورواية ( حارس التبغ ) لعلي بدر ، و( حليب المارنيز ) لعواد علي ، و(الحفيدة الأمريكية ) لأنعام كجي جي ، و( اموات بغداد ) لجمال حسين علي ، و( مقامة الكيروسين ) لطه حامد الشبيب ، و(الشاحنة) لمحمود سعيد .. وهي روايات تتموقع جميعها في هذا المعترك ، ونقصد به سجن ( بوكا ) الأمريكي المضمّر والمفتوح في أن واحد ..وهناك ( قطرات من ماء السراب ) هي مجموعة من النصوص أستطاع من خلالها القاص محسن الخفاجي ألتقاط المواقف الإنسانية لشخوصه الذين سجنوا معه داخل أقفاص من الحديد داخل سجن بوكا الأمريكي وهي تعدُّ أمتدادا لتجربته الذاتية التي خاضها في داخل هذا المعتقل.. وهي نصوص تقترب من توثيق الحدث ، لذا فهي تعدُّ وثائق تارخية وبطلها الأساس هو الرقعة التي يمثلها سجن (بوكا ) .. إذن ( بوكا ) أصبح هنا المكان الوعائي ليس الأفتراضي وأنما الحقيقي الجامع لكل هذه النصوص ..
س 5– في كتابك النقدي (طيف ,, المنطقة المقدّسة ،، / حفريات نقد ما بعد الحداثة) ، وضعت فيه منظومتك الإجرائية في الكشف عن (المثيرات الموضوعية والمعرفية ) المتموقعة في الأنساق الإشارية للنص ، وعلى وفق تصورك الفلسفي أعتبرت هذه (المنطقة) عبارة عن مجال شبحي / مخلّق .. هل يمكنك أن توضح لنا كيفية أكتشافنا لهذه المنطقة ، وهل يمكننا حقاً الوصول أليها …؟
مفهوم (المنطقة المقدّسة) – هو مفهوم إجرائي يسهم في تشكيل فضاء كوني (لعالم النص). إلا إن هذه (المنطقة المقدسة) تبدو و كأنها مركز نواة النـص ، قد تراكمت فيها كل الحمولات المعرفية العائدة لـ(مثيراتها ) و هي تدور في مداراتها بحركة ديناميكية – أي إن هذه المنطقة تحوي في داخلها على طـاقة نصية ، مكثفة و منظمة إلى درجة يمكن عندها أن تشمل العالم في لحظة من لحظات تصورنا لها . و قد تحصل الإزاحة لمثير معين نتيجة ثقله ، ليأخذ قلب هذه المنطقة ، كونه مركز تفعيل الحدث ، أو إن الحـدث الإسـتيهامي قد وقع عليه ، لذلك يعد المنبع على تخليق رؤيا ( المنطقة المقدسة ) ، لذا فان هذا ( المثير ) ذا شحنة موجبة يكون قلب الحدث على إنه المكان الافتراضي لتجسيد طيف هذه المنطقة . و مادام صراع ( المثيرات ) يرتبط بغاية ، إذن لابد لأحد المثيرات الذي ينتج إنزلاقات دلالية ذات طاقة إيحائية عالية و قدرة على الصـمود – هو الذي سـينتصر في نهاية المطاف – فهو وحده غاية يتوجه أليها النص ، إذن لابد من نقطة – مكان وهمي / افتراضي / مخلّق بشـتى التصورات الذهنية – نعده الشـاخص المعـلّم على إنهاء الاحتمالات – فهو الغاية و المنبع الذي يشـكل لدينا ( الجذر المكاني ) – ذلك الشيء / المثير الذي نعطيه تحديدات تتسم بالأتساع و الشمولية ليأخذ قلب العالم / قلب (المنطقة المقدّسة) … فأن أكتشافنا لهذه المنطقة ليس معناه إننا قد وصلنا إليها فالوصول أليها معناه قتل النص ، لذا على المتلقي أن يؤجل نفسه بأستمرار حتى يحقق كينونته ، من هذا المنطلق أصبحت (المنطقة المقدّسة) هي سؤال الكينونة ، وتحقيق الهوية ، وهذا معناه كلما نحاول الوصول إليها فإننا نتخارج مع ذواتنا ، فإنَّ هذا التخارج هو اختلاف الذات مع نفسها .. وهذا هو السؤال المهم الذي يجب على المرء أنْ يطرحه على نفسه وبأستمرار ، إنه إذن سؤال الوجود ، وعليه فإذا كانت (المنطقة المقدّسة) تمثل لنا فضاءً شبحياً / افتراضياً / مخلقاً .. هذا معناه إنَّ فضاء هذه المنطقة لا يمكن حسمه يقف على الإشكالية التواترية المعرفية ، بما إنها كذلك فإنها تتبدل وتتجدد كلما تنامى وعي الإنسان .. إذا هي (الدزاين) الخاص بكينونة الإنسان ، فالكينونة أيضاً تتبدل وذلك باختلافها عن نفسها .. فإذا ما أردنا تفكيك هذه المنطقة حتى نعيد صياغتها من جديد علينا أنْ نضعها تحت الشطب أو الإمحاء ، فإمحاء هذه المنطقة يعني احتفاظها في الباقي من علاماتها ، فنحن نمحيها لا لكي نلغيها بل لكي نقرأها في وقت آخر .. نحن نشطبها حتى نحتفظ بإمكانية وجودها ، وهكذا شطبت على منطقتي الخاصة ، منطقة وجودي حتى أستطيع تحقيقها من جديد …
س 6– لقد شغلت موقع سكرتير مجلة الرقيم الفصلية هل تستطيع أن تلقي ضوءا على تجربتك في المجلة ..؟
كانت تجربتي غنية في عملي مع كادر تحريرها .. لقد علمتني الدرس المنضبط في تبديل توجهاتي الفكرية في التراث وفي الأدب والفكر والفن ، التجربة علمتني أعادة النظر في تحريك المياه الساكنة أو بالقليل التنبيه عليها كجزء من مشاركة توسيع دائرة المعرفة التي يمكن أن تحدث في سياق المواضيع الجادة الساعية للغة القراءة والحوار وأنماطها ومؤثراتها مع التطرق إلى التمثيل المنهجي والرؤوي كأفكار متوازنة مع المتغيرات والمستجدات على الساحة الثقافية العربية أو العراقية على حد سواء . أعتقد أن رئيس تحريرها الأستاذ عباس خلف حينما طرح فكرة تأسيس المجلة لعدة أسباب منها : 1- طرحت مجلة الرقيم الفصلية نفسها أمام المتلقي الواعي كمجلة متخصصة بالدراسات الفكرية والنقد الثقافي لهذا جاء صدورها كمساهمة فعالة للمشهد الثقافي العربي والعراقي على حد سواء 2 – رأى كادر التحرير أنَّ أغلب المنشورات الصادرة هي منشورات تعتمد على الخطاب الصحافي والإعلامي مبتعدة عن الخطاب المعرفي أو الخطاب النقدي المعاصر ، وهذا مارأيناه واضحا على المنشورات الصادرة في محافظة كربلاء ، أي بمعنى أنها ليست أبداعية أو تخصصية ما عدا المجلات التي تصدرها جامعتي كربلاء وأهل البيت وهي مجلات تتخذ من المنهج الأكاديمي والتعليمي والتلقيني هدفا لها 3 – النقطة الأكثر أهمية هو أنَّ كادر مجلة الرقيم الفصلية أراد من المجلة الإنفتاح على جميع الكتاب العرب والعراقيين على حد سواء 4 – أرتأى كادر المجلة أنْ يتابع آخر المستجدات كالمفاهيم الإجرائية والمصطلحات العلمية والمقولات الفكرية ، كما أنه يقوم بمتابعة آخر التطورات على التيارات النقدية المختلفة وأهم مؤسسيها وعلمائها ومفكريها وخاصة تلك التي تتعلق بالسرد الروائي 5 – أستطاعت المجلة أن تحافظ على هوية المدينة من خلال لوحة الغلاف ولوحة من ذاكرة المدينة 6 – أصدرت المجلة عددها السادس وهو عدد خاص في السرد الروائي وقد تميز هذا العدد بثقل دراساته وبحوثه وطروحاته الفكرية والمعرفية والوقوف على أهم الآليات الأجرائية في العملية السردية .. وكان الهدف من ذلك هو وضع المتلقي أمام المشهدين العربي والعراقي على حد سواء …. مطبوع ثقافي مثل هذا تمثله مجلة الرقيم الفصلية لهو حدث مهم وتاريخي تمر به مدينة كربلاء التي لم ولن تشهد مثل هذا المطبوع سابقا في تاريخها الثقافي .. لقد بذرت ( الرقيم ) بذرتها المعرفية قبل ثلاث سنوات ، وها نحن اليوم نشعل شمعتها الثالثة نرى أغصان معرفتها قد كسرت كل الحواجز وأحدثت شرخا في جدار الأميين والجهلة والقابعين في أعشاش الظلام .. وأمتدت إلى كل بقعة من بقاع الوطن العربي ، عرسنا يتجدد كل يوم و( الرقيم ) تمتد من يدٍ إلى يد في المغرب العربي ، في تونس ، الجزائر ، السعودية ، قطر ، البحرين ، اليمن ، سورية ، لبنان ، مصر ، الأردن ، السودان الشقيقة ، كما أن الرقيم تمتد من كربلاء إلى كل محافظات العراق .. بهذه القوة وبهذا الأصرار على صدور كل عدد جديد لهو حقيقة أصرار رئيس تحريرها الأستاذ الناقد والروائي عباس خلف بجهوده الفكرية والمادية وخططه الأستراتيجية على وضع إحدى عشر محورا للمجلة .. كما أضيف لها محورا جديدا هو ( خزانة الرقيم ) .. هذه المحاور التي وقفت أمامها مؤتمرات ثقافية كبيرة ( كملتقى القاهرة الدولي للرواية ) بأعجاب كبير في كيفية طرح هذه المحاور وأهميتها في الساحة العربية عموماً …

س 7 – كيف تقرأ الصورة الإشهارية ..؟
أن للصورة الإشهارية أهميتها الفائقة في عصرنا الراهن ، فهي تختزل الطريق لتقدم فحواها وهدفها إلى المتلقي مباشرة .. والهدف الرئيس للإشهار هو ترويج السلع المستهلكة وتقديمها على شكل إعلانات لتلبية رغبات الناس من أجل در الأرباح للشركات التجارية .. كما أن للصورة عنفها الرمزي المهيمن على رغبات الناس ، ونتيجة لأهمية الصورة التي تدخل من ضمن الإشهار التجاري .. نرى القنوات الفضائية تكثر من تكرارها من أجل ترسيخ نوع السلعة في ذهن المتلقي ، وهذا جزء من العنف الرمزي المهيمن على أذواق الناس وهو عنف رمزي سوسيولوجي أي انه متخفي بين طيات المجتمع يكون المتلقي طرفا من لعبته .. فإذا ما وقفنا عند التحليل السيوسيولوجي عند البيير بوروديو نراه كان حريصا على ربط مفهوم السلطة كركن أجرائي جوهري في عملية التحليل بمفاهيم أخرى لا تقل اهمية كمفهوم النسق والحقل واللعب بأستراتيجية ممنهجة كونية بشكل شامل ، التي هيئها في صياغة نظريته لمفهوم السلطة الرمزية . ودراساته القيمة في هذا المجال تؤكد أن السلطة الرمزية تستند إلى اسلوب التورية والإختفاء ، وإذا ما كانت هذه السلطة كذلك نلاحظ أنها لم تحقق غايتها وتأثيرها وتنفيذها بشكل فعال إلاّ بالتعاون الذي يجب ان تلقاه من طرف أغلبية الناس المعنيين بها ، وهي كما يبدو للجميع أنها وهمية وليس لها اي تأثير . يقول البيير بورديو : ( أنَّ السلطة الرمزية هي سلطة لا مرئية ، ولا يمكن ان تمارس ، إلاّ بتواطؤ أولئك الذين يأبون الأعتراف بأنهم يخضعون لها ، بل ويمارسونها ) . من هذا المنطلق يكون تأثيرالصورة اعمق واخطر لأنها تستهدف البنية النفسية والذهنية للمتلقين لها ، كل هذا يكون وراء الخطابات التي تبث من وسائل الإعلام أو من المؤسسات الايديولوجية تحت غطاء الخفاء والاختفاء وراء حجاب أقنعة المألوف العادي أو ما يسمى بشرعنة القانون .