إشارة :
ببساطة .. لإحساس عميق وقناعة راسخة لدى أسرة موقع الناقد العراقي بأن الشاعر المبدع “جواد الحطاب” هو “ظاهرة” فذّة في الشعر العراقي المعاصر لا يمكن إلّا الوقوف عندها طويلا وتأملها ودراستها بعمق ، تفتتح أسرة موقع الناقد العراقي ملفها عن تجربته الإبداعية المهمة ؛ شعرا ونثرا ، متمنية على الأحبّة الكتّاب والقرّاء إثراء هذا الملف بالدراسات والمقالات والصور والوثائق.
أفعى جلجامش .. وعشبة الحطّاب الجديدة
منذر عبد الحر
أمران لا أخفي إعجابي الدائم الحقيقي فيهما , الأوّل تجربة الكبير جواد الحطاب , كلّها , في الشعر والنثر والحياة أيضا , والثاني حيويّة ومثابرة وامتلاء الكاتب المتنوّع البهي الدكتور حسين سرمك حسن , فأما إعجابي بالحطّاب كتجربة متكاملة , هو تطابقه النادر في الحياة والكتابة بأعلى درجات الصدق , وهذا هو أهم ما جعل تجربته كشاعر ناجحة مدهشة منذ انطلاقته الأولى ومجموعته الشعريّة التي تميّزت بين أبناء شعراء جيله , والتي حملت عنوانا آسرا محببا هو” سلاما أيها الفقراء” وحتى مجموعته الأخيرة – القصيدة – ” قبرها أم ربيئة وادي السلام ” , ذات المنحى التجديدي الذي لا يمكن أن يحتوي نقديا بسهولة , وهو يضع لها اسمين هما اسمه واسم والدته الراحلة ” بدريّة نعمة ” لينطلق فيها برؤى ملحميّة ذات لغة حادة وصور باذخة في التعبير , وبين هاتين المجموعتين , لم يقدّم الحطّاب إلا المدهش والمؤثر والمتميّز , من الشعر والنثر …
وإذا أردتُ أن أستفيض في الحديث عمّا كتب , فإني لن أتوقّف إلا عند عتبة خاتمة كتاب ضخم تستحقه تجربة هذا الكائن المحلّق بروح الكلمة، ورهافة الإحساس والمعنى، المتوقد حذقا وفطنة وابتكارا .
أما الدكتور حسين سرمك حسن , صاحب الكتاب الذي أتحدث عنه الآن بعرض له، آملا ان أعود اليه بشكل موسع قريبا، والمعنون ” أفعى جلجامش ..وعشبة الحطّاب الجديدة …دراسات نقدية في منجز جواد الحطاب ” الشعري والنثري” والصادر حديثا عن “دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع” , وقد ضمّ خمسة فصول , مع سيرتي الشاعر والناقد الدكتور سرمك, وهما سيرتان مليئتان بالعطاء والتنوّع والإبداع اللافت للنظر .
بدأت المقدّمة بإطلالة مستفزّة صادمة, هي قضيّة تجييل الحطّاب , وأنا أتذكّر أن الشاعر قال مرّة ” أنا جيلٌ لوحدي “، فيما أشار الدكتور سرمك إلى أن أحد النقاد قال عن الحطّاب “إنه يفلت من التجييل والتصنيف الفني لأنه نسيج وحده”, مؤكّدا ذلك بقول للشاعر اختاره ضمن المقدمة، وجاء من ضمن حوار موسّع معه ضمّه الفصل الخامس من الكتاب، يقول الحطّاب فيه ( الشعراء الفاشلون , وحدهم , من يبحثون عن ” جيل” يؤرشفهم , ويدوّن أسماءهم في أضابيره , أما الشعراء الحقيقيون , فكلّ الأجيال هي جيلهم الذي ينتمون إليه , ويرفدونه بنعمة انتسابهم له ) .
والحق يقال إن الحطاب أديب ناجح له حضوره المهم ليس على خارطة الأدب العراقي حسب , وإنما له مكانة متميزة مهمة في الأدب العربي أيضا.
جلجامش وعشبته , الفكرة الرمز , والدلالة الفادحة في البحث عن سرّ ديمومة الحياة , اشتغل عليها جواد الحطّاب في العديد من نصوصه وكتاباته , لعدّة أسباب , ربما يأتي في طليعتها انتماء الشاعر – الإنسان للحياة بكل جذواتها وكل بهائها , لذلك يساوره القلق من النهاية لهذه الرحلة الجميلة , فيبحث عمّا يمدّه بعنفوانها , ويضمن له بقاءه على بساطها المحلق في الحلم والجمال والحب ..
لذلك جاء المهيمن الرمزي لاشتغال سرمك النقدي على عموم تجربة الحطّاب , فبدأ يجزئها , كي يستلّ منها الوخزات الفنية التي أبدع الشاعر في إذكائها , وهو يونسن أشدّ الأشياء صلادة وجمودا ليصنع لنفسه العشبة المبتغاة , وهي مرة تكون بحرا , وأخرى فضاء مفتوحا , لتكون دالة على حرية تصرّف الشاعر بمهارته المعهودة وموهبته الراسخة, وتجربته الثرة , التي تبثّ النبض في كل شيء يحيط به , وتجعله محور هذه الأشياء , ولعلّ الفصول الخمسة للكتاب حللت هذه المعادلة الفنية الجمالية بتوسّع وكشف واستبطان , عرف فيه الدكتور حسين سرمك , وقدّم من خلاله رؤى على درجة عالية من الأهمية النقدية والمعرفيّة أيضا..
في رأيي الشخصي , إن الفصل الخامس من الكتاب ” سرمك يحاور الحطّاب ” هو أجمل وأمتع الفصول , لما يتميّز به من حيويّة الحوار وتشاطر الأفكار والإفصاح عن أسرار التجربة وأبعادها , وبطبيعة الحال فإن الحوار انطوى على جدل مهم , أضاء جوانب مهمة من تجربة المبدع الاستثنائي جواد الحطاب …
نبارك للثقافة العراقية هذا البهاء , وتحية للمبدعين الكبيرين جواد الحطاب والدكتور حسين سرمك حسن , مع أمنياتي لهما بدوام العطاء والتألق .
*عن جريدة الحقيقة