حدثني المايسترو فقال
نصٌ نثري
كريم الأسدي ـ برلين
حدثني المايسترو فقال : أنا أستغرب ان انساناً مثلك لا يميز الأمور ولا يتصرف بذكاء حين يتعلق الأمر بمستقبله ومصلحته الشخصية .. أنت في هذا الصدد بطيء الفهم
وقد فاتك الكثير ولم ينفع معك كل التنبيه والاشارات التي أرسلتها اليك لتتبعني ، وكأنك لا تريد ان تعرف وتعترف انني أنا المهيمن وما من سواي ، وان تقرير المصير بيدي ، ومَن يعاندني ولا يمتثل لي فهو خاسر ، وان مملكتي أفضل المملكات بل انها الباقية والجميع الى زوال .. أنا استغرب منك ومن صحبك القليلين جداً هذا الإصرار على عدم طاعتنا ، وانتم لا شيء عندكم الآن لمجابهتنا به .. انكم تهربون دائماً الى التاريخ وتتحصنون بمنجزات لأسلافكم مرَّ عليها قرونٌ وألفيات .. أنظروا أين وصلنا في العلوم الرقمية وكيف حولنا الكوكبَ الأرضي الى قرية صغيرة ، بينما أنتم تقولون ان نظام الصفر والواحد في لغة الكومبيوتر نظام سومري بابلي ، انظروا الى منجزات حضارتنا في الرياضيات وأنتم تقولون الى الآن وتتبجحون ان النظام الرياضي الستيني نظام سومري ، وان نظرية فيثاغورس قد وجدت في بابل من قبل ، وان الخوارزمي قد أوجد اللوغاريتمات ، انظروا أين وصلت لدينا علوم الفلك وعلوم الفضاء وأي البحوث والتجارب تشتغل عليها الآن محطتنا محطة نازا الفضائية وأنتم متشبثون الى الآن بأهمية انجاز جداول الفلك ونموذج صورة الكون في عهد السومريين وتفتخرون بتطور علم الفلك في العصر العباسي وبأبحاث ثابت بن قرّة ، بينما سفننا الفضائية وصلت قبل نصف قرن الى القمر وهي الآن تتجه لكواكب أخرى .. أنتم ساذجون وبدائيون ومدمنو خرافات وأساطير .. انظروا الى علم الطب عندنا وكيف اننا في الطريق لايجاد علاج لأخطر الأمراض والانتصار على السرطان ، وأنتم تقولون ان الأطباء السومريين كانوا على درجة من العبقرية بحيث انهم كانوا يذهبون لمعالجة الملوك الفراعنة رغم التقدم الأسطوري للطب في مصر القديمة ، وتتذكرون الى الآن منجزات الطب في زمن بني العباس واكتشاف الدورة الدموية لأبن النفيس الدمشقي .. هذه هي حججكم واستنادكم الى أوهام من الماضي ما زالت تعرِّش في رؤوسكم .. تعال وانظر الى ناطحات السحاب وهذا المعمار الهائل العظيم معمارنا وأنتم تتشبثون الى الآن بعظمة الزقورة السومرية والأهرام وبرج بابل وملوية سامراء ، أو انكم ترددون اسم زهاء حديد بينما جامعاتنا تضخ آلاف المعماريين الخريجين سنوياً .. أنتم أسرى أرثكم الديني والتاريخي والقومي والباترياركي تفتقدون في تفكيركم الى العلمية والمنطق .. تعال والتحق بنا ان كنت مبدعاً نحن أهل الابداع ورعاة الابداع ونحن أهل العلم وأهل الديمقراطية ولسوف ترون اننا سنربح هذا العالم كله وما من شيء ولا أحد يستطيع الصمود في وجهنا ، وفي شرقكم المتوسط سنعطي أروع الدروس في الديمقراطية وسنحتفل بانتصار حضارتنا ، وهناك قرب انهار بابل سنجلس ونغني ونتذكر ونؤسس للوطن الذي وعدنا به الرب من النهر الى النهر ، وانتم ترون وتسمعون ، حينها سيقول الجميع : هنيئاً لمن كان معهم !! فتعال معنا الآن والّا ستكون أبداً من الخاسرين ، وما من أحد أو شيء سوف يشفع لك وعند ذاك لا ينفع الندم
*******
ملاحظة : زمان ومكان كتابة هذا النص : يوم 11 آذار 2019 ، في برلين